رمضان وبرنامج الإنتصار
تاريخ النشر: 04/07/14 | 15:581) ــ الإنتصار على الرياء:
رمضان شهر الإخلاص بلا منازع ، وقد توفرت كل عوامل النجاح للمؤمن فيه على كل دواعي الرياء وأسبابه، وتنمية عنصر المراقبة والتجرد لله عز وجل لديه ، فإمتناع الصائم عن الطعام والشراب والشهوات المادية والمعنوية طيلة يومه، إستجابة لأمر ربه هو عين الإخلاص ، وإن تحقيق هذا النوع من الإنتصار هو الأساس الذي تنبني عليه كل الإنتصارات الأخرى ، فإن تربى العبد على الإستحضار الدائم لعامل المراقبة هذا، وذلك بعدم جعل الله أهون الناظرين إليه ، وتجنب مالايرضيه من فعل أو قول أو خلق أو سلوك سرا أو علانية ، فيكن بذلك قد تجاوز عتبة الإنتصار الأول والمهم في مدرسة الصيام ليصحبه صحبة دائمة لازمة طيلة العام.
2) ــ الإنتصار على الشيطان:
وقد هيأ المولى سبحانه وتعالى ذلك للصائم ، فصفده له ليسهل له وعليه هذا النوع من الإنتصار ،ولكي يقوي عناصر المناعة الإيمانية لديه ، ويستحضر كل مسببات القوة اللازمة لينتصر في معركته مع شيطانه بشكل دائم أو غالب على الأقل، ورمضان فرصة مواتية لتنتقم من شيطانك وتغلبه وتصرعه بسهولة ويسر، لأنك إن فشلت في معركتك معه في شهر الصيام ، فأنت فيما سواه من الشهور أفشل ، تصور نفسك في حلبة تصارع خصما مكبل اليدين والرجلين وأنت حر طليق في كامل قوتك ولياقتك وعافيتك ونشاطك، يكن من العيب والقصور والحرمان أن لاتنتصر عند ذلك.
فأعمل جاهدا وأستغل الفرصة لتذق طعم الإنتصار على الشيطان ، كي يغريك ذلك في الإستمرار في صرعه فيما سوى ذلك من الأوقات.
3) ــ الإنتصار على الشهوات:
رمضان تمرين عملي للصائم على التغلب على شهواته المختلفة من شهوة البطن والفرج والنظر والسمع والكلام والقلب والنفس وغيرها، بحيث يتحرر من أسرها له ، ويتعالى على جواذبها التي تجذبه إلى مستنقعها الآسن ، ويخلص نفسه من كل دواعي الإستجابة لإغراءاتها .
والإنتصار في معركة الشهوات قضية مصيرية بالنسبة للمؤمن ، لأنه إن انهزم فيها وفشل في مقاومتها وسلم العنان والخطام لها ،أدى به ذلك ـ دون شك ـ إلى الإنهزام في كل معاركه الأخرى، فالشهوات حواجز تحجز عنه موارد التوفيق ، وصوارف تصرفه عن النجاح في أمر آخرته الذي هو رأس الأمر له.
وماانتصر أسلافنا على أعدائهم إلا بعد ما انتصروا في معركة الشهوات هذه، وماانهزموا وإنكسرت شوكتهم إلا لما إستسلموا لشهواتهم وانهزموا أمامها ، وما خسارتنا للأندلس السليب إلا خير دليل على ماأقول.
4) ــ الإنتصار على الشح والبخل:
إن التخلص من داء الشح والبخل، وتطهير النفس منهما ، والذي عده رسول الله صلى الله عليه وسلم من المهلكات، والمتسبب في كثير من الموبقات ، لما قال:( إياكم والشح؛ فإنه أهلك من كان قبلكم، أمرهم بالظلم فظلموا، وأمرهم بالقطيعة فقطعوا، وأمرهم بالفجور ففجروا)(أبوداود من حديث عبد الله بن عمرو)، من مقاصد الصيام المهمة ، لذلك كان صلى الله عليه وسلم أجود مايكون في رمضان ، حتى كان كالريح المرسلة ، فليتأسى المؤمن به ، ويعلنها حربا لاهوادة فيها على كل ماله علاقة بالشح والبخل ، فالفلاح الذي هو غايته ومبتغاه في الدنيا والآخرة ، لايمكن أن يحوزه إلا إذا نجح في معركته مع الشح ، كما قال تعالى:( وَأَنفِقُوا خَيْراً لِّأَنفُسِكُمْ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ )(التغابن16).
فالصيام مدرسة يتعود فيها العبد على السخاء ، وإطلاق اليد بالعطاء، ويتعمق لديه فيها الشعور بمعاناة المحرومين ، ويدوس فيها على أنانيته وحبه لذاته ، لأن الروح السخية المعطاءة التي تستلذ رفع العنت والقهر عن المحتاجين ، وتأخذ بأيديهم وتسد حاجتهم ، هي معيار القرب من الله عز وجل، كما جاء في الحديث:( السخي قريب من الله قريب من الجنة قريب من الناس بعيد من النار ، والبخيل بعيد من الله بعيد من الجنة بعيد من الناس قريب من النار ، ولجاهل سخي أحب إلى الله تعالى من عابد بخيل)(الترمذي عن أبي هريرة).
فتحقيق الإنتصار في هذا الجانب هو ديدن العبد الصائم في شهر السخاء، والهزيمة في المعركة مع الشح والبخل أدعى لتوالي الهزائم فيما عداها.
5) ــ الإنتصار على اللسان وآفاته:
عندما نسمع حديث المصطفى صلى الله عليه وسلم:( من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه)( رواه البخاري والترمذي وأبو داود وابن ماجه وأحمد).
ندرك أهمية هذا النوع من الإنتصار في شهر رمضان ، فمن لم يستطع أن ينتصر في معركته مع لسانه ــ خاصة وهو صائم ـ لايمكنه أن ينتصر في معركته مع شيطانه وشهواته ، بل إن الإنهزام أمام اللسان وآفاته يؤدي بصاحبه إلى الإفلاس الذي عبر عنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:( أتدرون من المفلس ؟ قالوا:المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع , قال صلى الله عليه وسلم : إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بصلاة وصيام وزكاة , ويأتي وقد شتم هذا ,وقذف هذا , وأكل مال هذا , وسفك دم هذا , وضرب هذا , فيعطي هذا من حسناته وهذا من حسناته فإن فنيت حسناته من قبل أن يقضي ما عليه أخذ من خطاياهم فطرحت عليه ثم طرح في النار ) (رواه مسلم).
لذلك كان الصيام تدريبا عمليا للعبد على ممارسة عبادة:(أمسك عليك لسانك)، وإمتلاك القدرة على التحكم فيه وكبح جماحه ، وتوظيفه في الخير والطيب من القول ، وقد ربط القرآن الكريم بين الهداية إلى صراط الله المستقيم ، وبين الهداية إلى الكلام الطيب ، وكأنه يريد أن يؤكد لنا أنهما متلازمان ، لايمكن أن يتحقق الثاني ، حتى يتم الإلتزام بالأول، فقال سبحانه:( وَهُدُوا إِلَى الطَّيِّبِ مِنَ الْقَوْلِ وَهُدُوا إِلَى صِرَاطِ الْحَمِيدِ )(الحج24).
فالإنتصار على اللسان وآفاته من عدمه ، معيار مهم يعرف من خلاله المؤمن الصائم مدى توفيقه ونجاحه في مدرسة رمضان، وحصوله على كنوزه ومنحه ونفحاته وجوائزه التي لاتعد ولاتحصى.