عشرون عاما على الرحيل

تاريخ النشر: 05/07/14 | 10:17

عشرون عاماً على الرحيل: توفيق زياد حضور أقوى من الغياب
في الخامس من تموز قبل 20 عاماُ رحل الشاعر والمناضل الفلسطيني والشخصية الجماهيرية الكارزماتية المحبوبة توفيق زياد (أبو الأمين)، الذي يعتبر أحد أعلام الفكر الفلسطيني الحر ورجالات الحركة الوطنية والشيوعية الفلسطينية في الداخل، ومن فرسان الشعر المقاوم والكلمة الوطنية الفلسطينية المقاتلة والملتزمة، حيث لاقى مصرعه اثر تعرضه لحادث سير وهو في طريق العودة من أريحا.
ولتوفيق زياد مكانة خاصة في القلب ولدى فلسطينيي الداخل والخارج، وحظي باحترام وتقدير بين أوساط القوى والشخصيات الوطنية والتقدمية الفلسطينية والجماهير الشعبية الفلسطينية العريضة، وذلك بفضل نضالاته الدؤوبة، ومواقفه السياسية والوطنية والثورية الجذرية، ونشاطه الحزبي والبرلماني، وابداعه الشعري المقاوم الملتزم بالرؤية الجمالية الماركسية والهموم الوطنية والطبقية. وقد تركت وفاته أثراً بالغاً في نفوس وأفئدة محبيه وأصدقائه وأبناء شعبه، ولم تتوقف الكلمات ولم تجف الأقلام والمحابر حتى اليوم عن رثائه وتأبينه واستحضار ذكراه. ويومئذ كتبت صحيفة “الاتحاد ” العريقة أن “ارحموا توفيق زياد “عملاً بمقولته “ادفنوا أمواتكم وانهضوا”.
ورغم مرور 20 عاماً على فقدانه ورحيله لكنه لا يزال أمام الذين عرفوه وخبروه منتصباً في الساحة بقامته الفارعة، خارق النظر، بعيد الرؤية، لطيف المعشر، منهلاً لوضوح الموقف السياسي، ومصدراً للاستقامة والنقاء الثوري ونظافة اليد والشجاعة والجرأة والإخلاص للقيم العليا.
كان توفيق زياد مناضلاً ثورياً لا تلين له قناة منذ نعومة اظفاره، عرفته السجون والمعتقلات وأقبية الزنازين، فلم تنحن هامته ولم تضعف عزيمته وإرادته بل ازدادت صلابة وعناداً في التمسك بالمبادئ والقيم الوطنية والإنسانية والثورية التي حملها. عاش متمرداً ومات متمرداً، مخلصاً للقيم والمبادئ الرفيعة. وهو جمل المحامل في حياته ومماته، وقد نذر حياته لأجل بناء الإنسان الجديد المحب لوطنه وشعبه وأرضه، الفخور بانتمائه وبهويته، والمكافح من اجل انتصار مبادئه.
اختار الراحل توفيق زياد المبدأ الثوري الماركسي الجدلي عن ايمان راسخ وقناعة تامة، ولم يداهن او يرائي، ولم ينافق أو يتملق، بل كان صادقاً بحق وحقيق، فكراً وممارسة. تحلى بالحكمة والرزانة والمبدئية وسرعة الخاطر والانفتاح على الآخر، وكان مثال الإنسان المثقف العضوي الحيوي النشيط والدينامي. وبمسيرته وفكره وسلوكه ونهجه يمثل ويجسد القيم العليا، الوطنية والاجتماعية والأخلاقية، التي أمن بها، ونؤمن بها، نحن أصحاب الفكر التنوري العقلي والنقدي. وهذه المسيرة هي ملحمة نضالية وقتالية من أجل سعادة وحرية شعبه وجميع الشعوب المضطهدة ولاجل العدالة الاجتماعية والسلام العادل والشامل، سلام الشعوب بحق الشعوب. وستبقى هذه المسيرة الغنية تراثاً ثورياً ملهماً للأجيال الفلسطينية القادمة.
توفيق زياد كان شاعراً صادقاً متألقاً اقتحم عالم الشعر والأدب في شبابه المبكر، والكلمة الشعرية عنده عفوية صادقة غير متكلفة وغير متقعرة أو متحذلقة، وانما نابعة من صميم القلب والروح والوجدان العاطفي، وتحمل مشاعره وأحاسيسه الفياضة تجاه أرضه ووطنه واتجاه العمال والفلاحين والناس البسطاء. وشعره الوطني اللاهب والغاضب هو من “السهل الممتنع” ويتصف بالبساطة والفطرة الإنسانية والطبقية والانحياز لجموع الفقراء والجياع والمعذبين وجميع الكادحين. ويطغى عليه الالتزام السياسي والخطابية والمباشرة والغنائية، وصوره الشعرية مستمدة من عالم الريف الفلسطيني والقرية الفلسطينية والمكان الفلسطيني ومن واقع الفلاح والعمال. ولذلك لاقى الاستجابة السريعة من اوساط الجماهير التي كان ينتمي إليها ويذود عنها وينافح من أجل مستقبلها وغدها المشرق الجميل والوضاء.
وفي النهاية، توفيق زياد سنديانة إبداعية خالدة ضاربة جذورها عميقاً في تراب الوطن ووجدان الشعب وذاكرته الجماعية، وصوت فلسطيني مؤثر ومجلجل، امتاز بحضوره الكثيف ومساهماته الفاعلة في تحريك المشهد الفكري والسياسي الإبداعي الفلسطيني، بآرائه وأفكاره النيرة المخلخلة للخطابات المقننة والمكررة، ويبقى حضوره أقوى من غيابه.

شاكر فريد حسن

shaker

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة