اختلاف المبادئ وفرق الوجهة
تاريخ النشر: 01/03/12 | 5:59يُولد البشر مِن بُويضَة عالقة في أعْماق بُطون رَحْم أمهاتِهم أحْرارا عَلى فِطرة صافية سَليمة لا يشوبُها شائبة ولا يُعكرّ صَفو سَمائها مُعكـّر ، لتبدأ بَعدها حَثيثة مُـكثفة مَرحَلة الصّياغة والتغذية ورضاعة المبادئ بحنان غامِر مَع حَليبِ الأم وتوجيهاتها الواضِحة تـُسَلـّحُهُم بالقيم النبيلة مُرشدة لسُويداء قلوبهم ، آمِلة أن ترسُمَ لهُم الطريق السّويّ القويم الصّحيح المُتلائِم مَعَ نظرَتِها ورُؤيَتِها لواقع الحَياة وتجْرُبة اكتسَبَتها.
يَزرَعُ ويَغرُسُ الأهل المَعايير وينصَحوا أبنائهم ليسلكوا دَربَهم مُستثمرين كـُلّ المَوارد المُمْكنة مسخـّرين أفكارَهم ليدفعوهم ويَعمَلوا على تـَحقيق رَغبَتهم وتطلعاتهم مِن فلذة كبدهم ، يلازموهم كالظل لصاحبه فيترعرعوا وينموا عليها بلا زلة أو انحراف متخذيها قوانين ونُظم حياتيّة تـُحدّد لهُم صَواب أعمالهم وخطأهم ، يترتـّب وفقها الجزاء والأجر ، فالابن غض ليّن طريّ يُمكن تصويبه وتوجيه نُموّه قبل أن يشتدّ عوده ولا يقبل حينها نـُصح ، فلا يعقل أن يُهمل الاهل ابنائهم في الصغر والتفريط بتربيتهم وبعد كبرهم يتذكروا واجبهم بالتربية فيفشلوا ولا يُحْسِنوا التعامل ويكسِروهم مُدمّرين هادِمين.
التربية والقيم الحياتية التي تلقاها الابن قد تكون متوارثة عن أجداده وسلفه كما يرث البيت أو الأرض ، أو أنها مغايرة لتعريف المجتمع وعُرفه ، تبنّاها والداه بعد اجتهاد واتخذاها نورا ورحمة وسط الظلام وجهل المجتمع لكينونة وجوده وحياته فيحدثوا التغيير ويكونوا نواة الاختلاف والصلاح مشعة صلبة مقتنعة بما تحمل ، تتسع آفاقهم ونطاقهم آزفة مُحلقة عن جهل البشر ونكستهم.
الاختلاف في المبادئ مَبني على الفرق في وُجهة الفرد الحياتية ودُستوره المُوجّه ، فهنالك منبعين وأساسين اثنين يبني وفقهما متنبي المبدأ معاييره ، الأول من يرى أن حياته مرحلية زائلة ويعمل ناظرا لميزان السماء لا لميزان الأرض ، مقتنعا أن الحياة الحقيقية وراء هذا الحيز الصغير المحدود ، ويوم القيامة هو يوم الجزاء اذ الدنيا مزرعة الاخرة واذا انتهت الحياة فلا كرة ولا رجوع. أما المنبع الثاني فيشعر أن حياته على الأرض هي كل ماله وغاية وجوده لا غاية بعدها ، لا يؤمن باليوم الاخر والجنة والنار ، أو أن هنالك حياة بعد الموت والبرزخ.
الانسان مخلوق راشدٌ ، وهَبَهُ الله العقل ليفكر ويتفكـّر ، يبحث ويتعلم ، أعطاه قدرات ومركبات الحياة الأساسية ، رفعه عن درك الحيوان ، مسئول مؤتمن على نفسه ، يذهب بها أين يشاء ، يعمل ويبني حياته وفق مبادئه ، يحول الشعور الباطن إلى سلوك وحركة ، يتكاثر ويهذب سلوكه وسلوك أبنائه كيف يرى ، بالبصر أو بالبصيرة.
لا يحشرنّ ابن ادم نفسه وتصوراته في جُحْر ضيّق مًُظلم ، ليخرج ويرى النور ورحابة الأرض مهما ضاقت مُشرقة شمسها ، وليُطلع من خلفه على العالم واختلاف فئاته بشفافية صدق وموضوعيّة ، نربي أبنائنا عليها لتكون نظرتهم حقيقة واقعيّة بَحْتة ودراستهم أساسية جذرية أصلية توصلهم للقول الفصل والرأي الصائب الحق.
ابنائنا يُمثــّلون رأس مال الأمة الحقيقي والأهم ، فهم يُشكـّـلون ثورة بتحَرّكهم النـّشط وطاقاتهم الجمّة الكبيرة ، شحنات يجب نصحها وتوجيهها بتوازن دقيق يمين المحور للإيجاب بحنكة وذكاء ، لكسبها واستغلالها على أتم وجه بنظرة عميقة ثاقبة مُهيّـئين لهم كافة الوسائل والإمكانيّات لتحقيق الطموح والذات ، وبناء شخصيّات قيادية مؤثرة تشكل مركبا ولبنة أساسية في بناء المجتمع بعيدا عن سياسة التابع والمتبوع أو القائد والمقود محترمين عقولهم وقدراتهم العملية والعلمية المتنورة ، فعليهم التعويل وان سلموا واستقاموا وأخرجوا باطنهم حيّز التنفيذ تأملنا بمستقبل مُشرق وغد أفضل.
بقلم شادي صدقي أبو مُخ