منكما رضعتُ المبادئ والقيم!
تاريخ النشر: 01/03/12 | 9:48كثيرًا ما أشغل فكري سؤالٌ محيّر: ما هي العواملُ، ومَنْ هم الأشخاصُ الذين أسهموا في بلورةِ شخصيّتي وبناءِ منظومةِ القيم والمبادئ التي أعتنقُها؟
عدتُ لشريط الذكريات، وراجعتُ مسيرةَ عُمري، وتدريجيّا أخذ هذا اللغزُ يجد الحلّ!
لم تكن عمليّةُ حلِّ اللغزِ سهلةً، فالمربّون وعلماءُ النفس وعلماءُ الاجتماع كتبوا وأسهبوا في الحديث عن عوامل التنشئة الاجتماعيّة وبناءِ الشخصيّة لدى الأفراد.
قالوا: إنّ للعوامل الوراثية/الجينات أثرًا في بناء شخصيّة الفرد، وقالوا، كذلك، إنّ للبيئة القريبة والبعيدة دورًا في صقل الشخصيّة، وطبعًا، ذكروا أنّ للتربية والتعليم حظّا في التنشئة الاجتماعيّة.
لكن، على ما يبدو كان العاملُ الحاسم والأساسيّ في عمليّة اكتسابي القيمَ والمبادئَ هو والدي وأمّي – لهما رحمة اللهِ الواسعة وأصدق الدعاء!
كان أبي فلاحًا ورث حبّ الأرض عن أبيه وأجداده.
قبل عام 1948 كان أبي يعملُ في أرضنا المعطاء، في الشتاء يبذر بذورَ الغلال من القمح والشعير والذرة والسمسم والعدس ليجني محصول الخير والبركة مع حلول فصل الصيف، وأمّا في موسم الصيف فيزرع مزروعات لا تحتاج إلى الري مثل: الباميا واللوبيا والخيار وربما “مقاثي”البطيخ والشمّام لتهنأ الأسرةُ بما تجودُ علينا أرضُنا الكريمة من هذه الخيرات التي ما عرفتِ الأسمدةَ الكيماويّة ولا المبيدات الضارّة!
وكانت أمّي تشارك أبي العملَ في إعالة الأسرة وتربية الأبناء!
ودار الزمنُ دورتَه القاسية الفاجعة، وحلّت النكبةُ بشعبنا، فقتِل من قُتل يُدافعُ عن الوطن، ونزح من نزح خارج الحدود يمنّي النفسَ بعودة قريبة، وبقي من بقي يلعق الجراح ويتشبّث بالأمل والحياة الكريمة!
كان نصيبُ أبي مع أمّي وجدّتي وأختي وأخواي ومعي، أنا الطفل الذي كان قريبًا من عهد المهد والرضاعة، أن ننزحَ عن بيتنا الدافئ، وعن بلدتنا الحبيبة، لنستقرّ في قرية عارة المجاورة لقريتنا، وهناك في عارة – حطّتِ الأسرةُ الرحالَ في رحاب أسرة الحاج يوسف يونس أبو معروف – له ولأسرته الكريمة بالغ الثناء وأنقى الدعاء – تلك الأسرة الوفيّة، فتحوا لنا قلوبَهم وبيوتهم، وأحسنوا وفادتنا، وقاسمونا الخبزَ والملح والسكن والحياةَ الآمنة الأبيّة، فمكثنا بين ظهرانيهم قرابةَ سنة كاملة، عرفنا فيها معنى الشهامةِ والنخوة والتكافل والتعاضد وحسن الضيافة!
وبعد أن هدأت الأوضاعُ، وأُبرِمت اتفاقياتُ الهدنة، أتيح لنا – مع غالبية سكان قريتنا الحبيبة – العودة إلى مرابعنا وبيوتنا، ولكن مع الأسف، بعد أن صُودرت معظمُ أراضي القرية، وفُرِض نظامُ الحكم العسكريّ على جميع البلدات العربيّة المتبقيّة في الوطن، وصار التنقلُ من بلد لآخر يحتاجُ إلى “تصريح” من الحاكم العسكريّ، وللحصول على هذا التصريح هناك ضرورةٌ لوساطة “مختار” القرية أو من له علاقةٌ مع المسئولين!
هكذا، بين عشيّة وضحاها، انقلبت الأوضاعُ، وتغيّرت الأحوال!
تحوّلنا من فلاحين يعتاشون على ما تدرّه لهم أرضُهم، تحوّلنا لعمّال أجيرين يعملون في الزراعة في أرضهم التي صودرت، أو في أرض الآخرين!
واصل أبي، بعد عام النكبة، مسيرةَ الكفاح والصمود، تحمّل ضَنْكَ العيش وشحّ الموارد، وانتزع لقمةَ العيش بالجهد والعرق والإباء، تعينُه أمّي الوفيّةُ الصابرة التي عرفت كيف تساندُ والدي في توفير الحياة الكريمة لأسرتنا، وكيف تنجبُ المزيدَ من الأبناء والبنات وتربّينا – أنا وأخوتي الستة وأخواتي الثلاث – التربيّة التي تُرضي اللهَ وعبادَه!
وأبي، طيّب اللهُ ثراه، عرفه الجميعُ بتقواه واستقامته وصدقه وعصاميّته، فخلعوا عليه لقبَ “الشيخ” لورعِه، هذا اللقبُ الذي رافقه في حياته وبعد مماته!
كان أبي متديّنا بلا تعصّب ولا تزمت، يصلّي الصلواتِ الخمسَ، ويصوم رمضان، ويُعطي الزكاةَ – وقد أدّى فريضةَ الحجّ مع الوالدة لاحقًا بعد عقود – وكان لا يحسد ولا يغتاب، لا يكذب ولا يحابي، يقرأ القرآنَ وكتبَ السيرة النبويّة، يشارك الناسَ أفراحَهم وأتراحهم، يحترم الصغيرَ والكبير، ويبرّ الأهلَ والأقارب، وهو كما يقولون عندنا “يخاف الله” في قوله وفعله!
أمّا أمّي – عليها الرحمة – فقد عُرِفت بذكائها الفطريّ، وبشخصيّتها القويّة، وبطموحها المبارك، وسرعة البديهة، وحسن التصرّف، وحنانها وعطفها علينا، وحرصها على مستقبلنا، وقد حظيت بالتقدير والاحترام من الأهلِ والجيران والمعارف.
في هذا الجوّ الأسريّ المفعم بقِيَم الصدق والعطاء والانتماء، ومع هذيْن الوالدَيْن المكافحَين الصابرَيْن، ترعرعتُ أنا وأخوتي وأخواتي، وتشبّعت نفوسُنا بقيم الجدّ والصبر والعدل والاستقامة والخير، ورضعنا المبادئَ والمُثُل الساميةَ النبيلة التي سرنا – وما زلنا نسير – على هدْيِها، كما حرصْنا على غرسها في الأبناء والأحفاد!
فلكَ ، أبي الحاجّ الشيخ محمّد أبو نواف، ولكِ، أمّي الحاجّة عبلة أمّ نواف، لكما شآبيب رحمةِ الباري ورضاه، ونتضرّعُ إليه أن يدخلَكما جناّتِ الخلد والنّعيم.
اقرا ايضاً في هذا السياق:*”من سيرتي الذاتيّة” د. محمود أبو فنه
كلام في غاية الروعه اذ انك تحكي حكاية الاهل في فتره من الزمن الماضي الذي كان الكل يساعد الكل والفرح فرح الجميع والحزن حزن البلد باكملها زمن لا عنف فيه ولا اساءه للجار الحياة كلها امان رغم ضيق العيش وشح الموارد تحياتي لك وادام الله عزك ومجدك
تحية عطرة للاستاذ الكريم محمود ابو فنة . لقد تركت لي دمعة وأنت تتحدث عن والديك وعن وفاء والديك للأرض . كلامك رائع ومعبّر . أطال الله بعمرك . امل ان لا تبخل علينا بنشر المزيد ..
اخي الكريم ابو سامي..حياك الباري وجمل ايامك بالسعادة ومكارم الاخلاق.
لقد عمل السلف كل ما في وسعهم ليخلقوا لنا حياة فاضلة..هم سلمونا شعلة خير.
علينا ان نسلم الاجيال القادمة شعلة خيرات…
جدير بنا ان نتالق باداء ادوارنا بمسرح الحياة لنخلق لنا وللاجيال القادمة حياة
فاضلة تعم بها الرفاهية ومكارم الاخلاق..
لا شك ان الوالدين غرسوا بنا القيم الخيرة والفضائل والمبادئ الحميدة وعلى راسها
العطاء الكريم للاهل والمجتمع..
اسال الله ان يتغمد الوالدين المغفرة والرحمة وان يدخلهما الجنات النعيم..
لك اخي الكبير مني خالص الحب والود الجميل..بوركت على عطائك المتواصل
وجزاك الله كل الخيرات..
عنجد كلامك حلو وانا دمعت عيني وانا عم اقرأ وروحي حبت كلامك يعطيك الف عافية
أحيّي أم السعيد على مشاركتها الراقية، وكلماتها
المعبّرة الدافئة.
لك خالص التقدير والاحترام
د. محمود أبو فنه
العزيز أبو جلاء من دالية الكرمل
بوركتَ على ما تجود به علينا من عذب الكلام
والدعاء.
لك كلّ الخير والأمل.
أبو سامي
أخي المحامي جمال أبو فنه
دائمًا أنت سبّاق في مبادراتك الرائدة،
وتؤكّد للجميع أنّ والدَينا سلّحانا بشعلة
الخير والفضيلة لنؤدّي دورنا تجاه الأبناء
والأحفاد والمجتمع..، لنحقّق الحياة الكريمة.
تقبّل من أخيك باقات من المحبّة والتقدير
أخوك أبو سامي
الأستاذ محمود أبو فنّة المحترم !
تحيّة طيّبة من القلب إلى القلب ,ومتّعك الله بموهبة الإبداع لإثراء هذا الجيل بما غاب عنه ,فأنت تخطّ بخواطرك ومقالاتك جزءًا من تاريخنا الّذي كان لك نصيب فيه,وتدقّق على خيرات ذلك الماضي بكلّ ما فيه من موارد القيم ,ومروءة وشهامة الرجال والماجدات ,وروح التّكافل والتعاضد الّذي نفتقده في أيّامنا هذه, ونرجو عودته من جديد لنكون على قدر تحدّيات المرحلة, فلنكن كما أراد لنا الرسول الكريم وديننا الحنيف أن نكون “كالبنيان المرصوص يَشُدُّ بعضُه بعضاً ”
إنّ أكثر ما شدّ انتباهي في مقالتكم تلك الفتر ة من النزوح القسري عن ربوع قريتكم, وما لقيتموه من ترحاب وحسن ضيافة في أصعب أيّام محنتكم, فتقاسمتم المأكل والمشرب والمسكن, وهذا ما يعيد لذاكرتي أشرف تاريخ لهذه الأمّة عندما هاجر الحبيب المصطفى إلى المدينة, وما لاقاه وجماعته من الترحاب والمساعدة, فنحن أمّة أصيلة المبدأ وافرة العطاء.
لقد اخترت مقالك السابق الّذي تحدّثت فيه عن موقف خالد بن الوليد وكلمته المشهورة:”أنا لا أحارب من أجل عمر……”.ونشرتها (بتصرّف مع الإشارة إلى كاتبها) في عدّة بوابات على الفيس بوك ,وقد لاقت استحسانًا منقطع النظير, وتعليقات مُستحسِنة ما أتيت به من قيم العطاء والمسؤوليّة, وأخيرًا تقبّل تحيّاتي وتقديري وإلى لقاء مع إبداع جديد.
لميرا أجمل تحيّة
أقدّر فيك هذه المشاعر الرقيقة.
الأستاذ شريف شرقيّة
جزيل الشكر لمشاركتك الراقية الواعية المؤازرة.
كما يسرّني أن تكون صديقًا لي في “الفيسبوك”!
بخصوص نصّي” أنا لا أحارب من أجل عمر” –
كنتُ أرغب بمزيد من التفاصيل عن إدراجه في
الفيسبوك والردود حوله!
مودّتي وتقديري
د. محمود أبو فنه
مقالة أعجبتني للأستاذ محمود أبو فنّة( نقلتها بتصرّف)
ينقل الرواة أنّ الخليفة عمر بن الخطاب عندما بويع بالخلافة بعد أبي بكر الصدّيق أرسل رسالة لأبي عبيدة الجرّاح يأمره فيها أن يعزل خالد بن الوليد عن قيادة جيش المسلمين في الشام (اليرموك)، وأن يتسلّم أبو عبيدة نفسه القيادة.
لمّا بلّغ أبو عبيدة خالدَ بنَ الوليد بهذا الأمر، كان ردّ خالد هذه العبارة المشهورة:
“أنا لا أحارب من أجلِ عمر، ولكن أحاربُ من أجلِ ربِّ عمر!” .
يا لها من عبارة موجزة، دالّة، معبّرة وخالدة!
إنّها عبارة تستدعي التأمّلَ والتفكير، وتستحقّ التنويهَ والتقدير!
لم يحاول خالد بن الوليد التمرّد أو العصيان، ولم تسيطر عليه مشاعر الغضب والأنانيّة، بل ضرب مثلا أعلى في الإيمان الصادق، والإيثار والتواضع!
واليوم، وفي هذا الزمن العاصف الصاخب اللاهث، أتساءل:
لماذا هذا التهافت وهذا التكالب على المناصب والرتب والأضواء… على حساب المبادئ والقيم النبيلة؟!
متى نقتدي – جميعًا – بخالد بن الوليد وبسلوكه الرائع ؟!
متى يخلص كلّ فردٍ فينا في القيام بواجبه، وفي أداء عمله وإتقانه، بعيدًا عن أضواء الشهرة وبريقها، وبعيدًا عن المديح الكاذب المخادع؟!
ليقُم الآباءُ والأمهات بواجبهم المقدّس في رعاية الأبناء وتربيتهم وتثقيفهم بدون منٍّ أو كلل!
ليشقّ الأبناء طريقهم إلى المستقبل الواعد المشرق بجدّ ومثابرة وبالتمسك بالأخلاق الحميدة!
لينهض كلُّ معلّم وكلُّ مربٍّ برسالته السامية ولا يكترث إذا لم ينل الترقية أو المديح!
ليخلص كلّ عامل وكلّ موظّف في أداء عمله وفي إتقانه، لأنّ الله يحبّ هذا الإخلاص وهذا الإتقان!
من عرق جبين ابي ومعه معاضدة، يد بيد، والى جانبه امي، طيب الله ثراهما، ترعرعنا وكبرنا، ومن خصالهما الحميدة ومن قيمهما المثالية نهلنا واكتسبنا. الصدق، الآمانة، الإنتماء والعطاء ورثنا.
الكفاح، الجد والتضحية كان من نهج حياتهما من اجل لقمة العيش بشرف وعزة، ومن اجل تعليمنا وارتقائنا الى المجد والعلا… وها قد وصلنا كل منا الى الهدف المنشود وحقق مراده ومناه.
بالإيمان والتقوى اكتست وامتلأت نفوسهما، بالنقاء والطيبة تحلت قلوبهما. بصبر، بعزة واباء وقفا بصمود وتحد في معركة صراعهما مع المرض الى ان أخذ الله، عز وجل، وديعته.
وكما اوصيتما يا ابي انت وامي، نحن كلنا اخوتي واخواتي، على نهجكما وبخطاكما سائرون في دروب الحياة، حاملين راية الشرف والعزة بشموخ… ولكما نحن اوفياء، وروحكما الزكية الطاهرة ترعانا، بمشيئة الله، جل حلاله، لتكملة المشوار…..
ولا بد من كلمة شكر وامتنان الى اهل النخوة والنشامى العم ابو معروف وعائلته على احتضان اهلي في بيتهم واكرامهم، وما ينبع هذا الا من أهل الآصالة، من اصيل ابن اصيل… فبوركتم وكثر الله من امثالكم اهل الجود والكرم حماة للمستجير وقت الضيم والأيام الحالكة حينما تسلب الفرحة وراحة والبال وينهب الحق وتضيع الأمال وتتناثر الأحلام.
وباقات من الحب والفخر لك يا أخي، يا ابن امي وابي، على كلماتك المؤثرة التي اثارت مشاعري وهزت اعماقي لتنهمر دمعة من عيني لشريط ذكرى ماض كلنا نفتخر به ونعتز ما دام في العمر بقية….
أختي الغالية المربيّة المخلصة سهام أبو فنه
تأثّرتُ من كلماتك الصادقة النابعة من قلب محبّ
للوالدين وللأخوة والأخوات وللناس الطيّبين.
بوركتِ على هذا العطاء وعلى هذا الانتماء
وعلى هذا الإبداع الأدبيّ المتألّق.
لك من أخيك وافر المحبّة والتقدير
أخوك أبو سامي
قلت فاحسنت القول واوجزت فسموت وعبرت فاوفيت يا استاذي ومعلمي منك نتعلم ومنك الافاده
اخوكم عبد الكريم الباز
اللد
الأستاذ عبد الكريم الباز أبو اشرف
كم أنا فخورٌ بك وبأمثالك من الخرّيجين المخلصين الأوفياء المكافحين.
شكرًا على تعقيبك الرقيق والبليغ.
لك ولجميع أفراد أسرتك الكريمة مودّتي وتقديري
أبو سامي