تأمّلات في الكون
تاريخ النشر: 11/07/14 | 14:36اذا تأمّلنا في الكون، وجدنا فيه آيات تنطق بالحق وتشير الى الحقيقة. ولقد زادت الاكتشافات العلمية من الآيات المُدركة، اذ عُدنا نرى كواكب لا يمكن رؤيتها بالعين المجرّدة، وصارت المراكب الفضائية تصل الى مناطق بعيدة خارج كوكبنا، والأقمار الصناعية تُلقي بالمعلومات الكثيرة الى العالم الانساني. رغم ذلك نرى مدّا الحاديا! أفهي الآيات توقّفت عن النطق بالحق أم أنها صارت لا تجد من لا يُلقي لها بالا؟! ان الآيات الكونية موجودة منذ خلق الله الكون، ولكن الذي يختلف هو تفسير الانسان لهذه الآيات، فبينما اعتبر ثلة من الأقدمين الشمس على أنها آلهتهم، نعتبرها اليوم نجمة واحدة من نجوم كثيرة، وهي أقرب النجوم الينا ولذا يصلنا ضوؤها وحرارتها. ان الآية ظلّت موجودة ولم تختلف ماهيتها، ولكن التفسير الانساني هو الذي اختلف. يقول تعالى: “وكأين من آية في السماوات والأرض يمرون عليها وهم عنها معرضون” (يوسف، 105). ورد في التفسير الوسيط: “العبرة والعظمة الدالة على وحدانية الله وقدرته، يمر بها هؤلاء المشركون فلا يلتفتون إليها ، ولا يتفكرون فيها ، ولا يعتبرون بها ، لأن بصائرهم قد انطمست بسبب استحواذ الأهواء والشهوات والعناد عليها”.
انه عندما يذهب أحدهم الى معرض رسوم فنية، فتعجبه وتشدّ أنظاره لوحة من اللوحات، فإن ذلك يدفع به الى أن يسأل عن راسمها، عن مالكها، عن موجِدها. ان الانبهار أثار حبّ الاستطلاع عنده، مما دفع به الى البحث والتنقيب عن موجِد هذا الابهار. كذلك عندما تبهرنا البحار على ضخامتها وقوة أمواجها، وعندما تبهرنا الشمس التي تضيء كل شيء، وعندما تبهرنا الشلالات الضخمة، تطفو عندنا وعند كل عاقل أسئلة حول موجِد هذه الموجودات. من أوجدها؟! من أوجد هذه البحار والمحيطات؟! من أوجد الجبال المُخيفة؟! من أوجد الحيوانات الكثيرة أنواعها؟! من أوجد تركيبة الهواء التي تناسبنا؟! من أوجد الجاذبية التي تناسبنا؟! من أوجد الليل الذي يُسكِننا؟! من أوجد الحبّ؟!
أيمكن لهذا الكون المُحكم في تنظيمه، المُعجز في تركيبه، المبهر في مرآه، أن يكوّن نفسه بنفسه؟! انه لا يُعقل أن تقوم المادة العمياء، بهذا التخطيط وهذا التنظيم! هل يمكن لإنسان أن يوجد هذا الكون؟! هل يمكن لكائن حي آخر يعيش في زماننا ومكاننا أن يوجده؟! أرونا اياه ان كنتم صادقين! هذه الأسئلة التي تبحث عن موجِد لهذه الموجودات المصمّمة تصميما ذكيا، توصلنا الى برهان التصميم أو البرهان الكوني (Design/ Cosmic Argument)، والذي وفقا له: “بنية الكون وقوانينه تدل على وجود المصمم الذكي أو الإله الخالق” (كتاب رحلة عقل). كما أن التلاؤم والانسجام بين الانسان وعالمه، وكون الانسان يستطيع أن يعيش في هذا الكوكب، ليدلّان على وجود من هيئ الانسان وهيئ هذا العالم، ليكون بإمكانه العيش فيه. انه ليس حدثا اعتباطيا، ولكنه مصمّما ومحسوبا. وهذا يُوصلنا الى البرهان الثاني الذي يُدعى مفهوم المبدأ البشري (Anthropic Principle)، حيث يعني: “أن الإله قد صمّم الكون على هذه الهيئة ليكون مناسبا لنشأة الحياة بصفة عامة، ونشأة الانسان بصفة خاصة” (نفس المصدر السابق).
قسم من الناس يرى قدرة الخالق في هذه الآيات الكونية، وتزيده ايمانا كلما أمعن النظر فيها وتفكّر. انها بالنسبة له ذكرى، وكما أن القرآن عنده هو كتاب الله المسطور، فالكون بالنسبة له كتاب الله المنظور. يقول تعالى: “إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ (190) الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىٰ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَٰذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ” (آيات 190+191 من سورة آل عمران). قسم آخر يُعرضون عن هذه الآيات كما قلنا سابقا، اما بوعيهم واما بغير وعيهم. والقسم الثالث هم من أقنعوا أنفسهم بتفسير غير منطقي، كقولهم أن كوننا قديم ولا بداية له، لكن العلم أقرّ بوجود بداية لهذا الكون! وعندها لجأ الملاحدة الى القول بأن لكوننا بداية ولكنه لا يحتاج الى موجِد أول! وكلما سُدّ عليهم باب فتحوا بابا آخر واستمروا يُطلقون الفرضيات الهشّة. ولكن لئن سئلت أحدهم من أوجَد تلك الصورة الفنية المعلّقة في المعرض، لقال لك مؤكّد أنه فعل انسان. أما حين تسأله وفقا لنفس المنطق، من الذي أوجد الموجودات في عالمنا، فإنه يسوغ حسب رأيهم أن لا يكون موجِد لها!
بقلم: محمود صابر زيد – كفرقرع