رقصة التعايش…
تاريخ النشر: 07/03/12 | 9:58كان يرقص على أنغام نشيد “هفينوا شلوم عليخم” بحركات سريعة واندفاعية ، كاد أن ينسى نفسه على حلبة الرقص، أخذ يقفز الى أعلى كالقفاز، شعر أنه يحلق في السماء. كان والده يحدثه عن بيتهم المهدوم وأراضيهم التي صودرت “كانت الحياة حلوة، كان في عنّا بيت في كفرتا، لكن اليهود هدموه وأخذوا أرضنا بالقوة. كنا عايشين مستورة والحمد لله … لكن اليهود ما خلوا الراكب راكب ولا الماشي ماشي”.
سمع تصفيق حار بعد إنتهاء العرض الراقص، أحنى رأسه إحتراماً للجمهور وخرج من خشبة المسرح برفقة بقية الراقصين والراقصات من العرب واليهود .
ما أن سمع موسيقى المارش العسكري، وإذ به يخرج مع زملائه من الراقصين والراقصات مجدداً الى خشبة المسرح ليقدموا هذه المرة تحيتهم للعلم. صعد الى المسرح ضابط عسكري ووقف أمام ماسورة من الحديد وقام بضرب قدمه اليمنى على خشبة المسرح عدة مرّات، فنتج عنها إيقاع حاد وموزون، اليد ترتفع الى الرأس بخفة وسرعة، العلم يرتفع، يده وأيادي بقية أعضاء الفرقة ترتفع الى الرؤوس.
حدّق في العلم وهو يرتفع ويرفرف. شاهد صورة والده على العلم :”جدك كان عائداً من الأرض ،كان راكباً على حمارته المحملة بالخضراوات والفواكه ، مونة البيت. ولما دخل القرية طخوه الجنود. وصلت الحمارة للبيت بدون جدك. سمعنا حكاية قتل جدك بعد ما انتهت فترة منع التجول من واحد شافه كيف انقتل وكان متخبي في بيته من الخوف”.
صعد الى خشبة المسرح مدير فرقة الرقص وبكلمات عربية مشوهة وبلكنة أعجمية ، ألقى تحية الفرقة :”نحن نصنأ السلام الحكيكي أبر هذه الركصات بين أبناء الشأبين اليهودي والأربي”.
التصفيق يدوي في القاعة. اعتدنا التصفيق وهمنا به ، نكاد لا نسمع خطيباً حتى نمطره بالتصفيق بين كل جملة وأخرى، فكلما علا صوته أكثر ، صفقنا بحماس أكثر .
التصفيق يدوي في القاعة ، العرب واليهود يصفقون ، العرب واليهود يرقصون ، العرب واليهود ينشدون ، تعايش .. رقصة تعايش.
“ناجيلا هافا .. ناجيلا هافا”. عودة الى الرقص والقفز والتصفيق. الطريق ترابية وخالية من الأضواء ، يسير محاذراً لئلا يتعثر ، يسير بلا هدف ، فراغ ، ملل .
“ناجيلا هافا” ، الأيادي تتشابك ، الليل يتحول الى نهار ، يحضن راقصة يهودية يدور معها عدة دورات ويعيدها الى خشبة المسرح .. تآخي تسامح.
“وين كنتوا لما كانت الدبكة تعمر.. دبكة عربية أصيلة .. إلها معنى . كنا نشعر واحنا مندبك بمحبة حقيقية.. كلنا مع بعض .. إيد بإيد”.
الموسيقى تتصاعد .. حركات الراقصين والراقصات تزداد سرعة . إنه بدأ يرقص بحركات أبطأ من بقية أعضاء الفرقة . فقد التوازن ، تعثرووقع أرضاً ، فضيحة .. وقف بسرعة محاولاً متابعة الرقص ، إلا أن الضحكات الساخرة ونظرات اعضاء وعضوات الفرقة المستهترة جعلته يغادر خشبة المسرح.
خرج الى الشارع محبطاً ، سار في شوارع مضيئة ، الليل فيها نهار ، الحركة لا تتوقف .. سيارات، أضواء، ضجيج ، أناس ، أناس كثر ، يسيرون بسرعة وكأنهم يريدون أن يسابقوا الزمن .. أما هو فكان يسير ببطىء ، تكاد قدماه لا تقويان على حمل جسده.
عندما سقط لم يشعر أن أحداً منهم يريد مساعدته أو شعر بالأساس بسقوطه. تعايش؟! تعايش أمام الكاميرا. الجسم يرقص على أنغام التعايش والأفكار تدور حول المبلغ الذي سيتقاضاه كل واح منهم مقابل اشتراكه في رقصة التعايش.
القرية خالية من الأضواء.. ملل.. روتين قاتل ، لكن هناك إذا سقطت تجد عشرات الأيدي تمتد مساعدة إياك للنهوض من جديد .
بقلم عفيف شليوط