لوحة من بلادي
تاريخ النشر: 07/03/12 | 11:38سَنابل مرج بن عامر شامخة هامتها تميل للصفار يُحركها هَواء لطيف نَسِيم عَليل يُدغدغها ، معلنة وقت الحَصاد وشوقها لزيارة البَيادر وَسَماع أغان ٍشعبية ، مع هطول أمطار الخير والبركة تفيض الوديان والأنهار ، يتفجّر الربيع وتزهر أشجار اللوز مُزيّنة عَين كارم بحلة زهيّة بهيّة وعين أسفل مَسجدها المُغلق تروي الظمآن فتنعشه ، عين الحجّة وعُيون الأساوِر بنات أرض الروحَة الخضراء تتدفق وعين دالية الروحة تشاركها ، لهَـليُون السنديانة هَوية وصَبّارين في صبّار عينها ثــُقب نرى عَبرَه البيوت المُهدّمة المنكوبة ، تقابلها تلة أعلاها مَسْجد مُشرف بـِجوار البيوت وواد يحاذي مقبرة أم الشوُف.
أرض قاقوُن خصبَة اشتهرت بالزراعة رائدة الجَودة وقلعتها تـُطلّ على أرض الشـَعْراوية وسِلسَلة جبال نابلس والكرمل ، وساحل بَحْر تداعبُ أمواجه ميناء قيسارية وتتحَطـّم لِصَلابة سُور عكا تختبئ خلف أفقها شمس ذهبية حُلوة من كرمل حيفا ، سفينة تحْمِل عَبق فلسطين كقرص الشمس برتقال يافا ، مُؤذن يُنادي الصّلاة خيرٌ مِنَ النّوم صَيّادٌ رمى شبكته في اليم وعاد بقاربه للشاطئ يعرض السمك مُحَصّلا قـُوتَ يَومِه رافضا قدوم باخرة بريطانية لخليج حيفا تحمل خضارا تبيعها بثمن بَخـْس قاضية على البضاعة المحليّة وزرع الفلاح الريفي ليعلن الإضراب الكبير احتجاجا ورفضا للظلم.
صفد شامخة اعتلت جبل كنعان وزيتون الجليل عريق شهد ودوّن تاريخ البلاد بــِيع زيته في سوق طبَريّا مقابل مال أو مقايضة ، عذبة مياه البحيرة حلوة يغذيها نهر الأردن المُتعرّج كالأفعى ، شق سوريّ أفريقيّ تحده هضبة الجولان تـَرقبه قرون حِطيّن حيث قاتل ببسالة منتصرا القائد صلاح الدين ، زلزال وبراكين صُخور بازلتيّة ، بحر ميت بملحه ورماله يجذب السُيّاح لأخفض نقطة أرضية.
سهل الحولة بحيرة تم تجفيفها ، شجر الكينا طيور وحيوانات فريدة جميلة ، اصبع الجليل الجاعونة والخالصة ، الحاصباني تل القاضي والبانياس ، أبقار ترعى درتها امتلأت بالحليب عجل يرضع وكلب يحرس القطيع ، صبيان يركبون الخيل يتسابقون يلمحون بطرف أعينهم قمة جبل بيضاء كلحية الشيخ.
ساكن الجشّ يبكي سَعْسَع وبيت جنّ شاهقة أعلى الجرمق ، أجراس كنسية إقرِثْ جارة برْعِم تدق مطالبة بحق العَوْدة وكنيسة البَصّة جاورت مسجدها ، قناطر تنقل مياه الكابْري لعكا فيها مسجد الجزار سِجن وسجّان أعدم أبطلا لتخرُجَ جَنازة جَمْجُوم الزير وحِجازي يتغنى بهم نوح إبراهيم شهيد معركة طـَمْرَة ، مِن مسجد الاستقلال أطل وأم الناس القسّام جاهد واستشهد قرب أم الفحم ليحتضنه تراب بلد الشيخ ، ثوار ومُثلث رُعْب جَبَع إجْزم وعين غزال.
البلدة القديمة ضمّت الأقصى المبارك والقيامة ، قبة ذهبية ترتسِم عليها مَلامِح السماء ، سِلوان الشيخ جرّاح وجبل المُكبّر تروي معاناة ، المالـْحَة ترتفع مئذنة مسجدها حُوّل لبيت سكني سُلب طابقٌ أرضي لجامع النبي داوود بيوت لِفـْتا تصدعت حيطانها تكاد تنهار عتيقة ، النقب يضرب قصة صمود وأسطورة بكل ذراته ولفحة شمس للجبين ، العراقيب وبير هدّاج ، جمل وحصان أغنام ودجاج بيت شعر وقهْوَة مُرّة كأيامِه لاقتِطاعِ أرضِه ، بَرد قارص وَحَرّ شديد بلا كهرباء أو ماء ، أولاد يلعبون بين الكثبان.
الناصرة وجبل القفزة ، جبل طابور ، صَنْدَلة ثاكل فقدت صغارها وَمَزارٌ دُفن فيها الشيخ فرْحات ، جبال فقوعة تكشف المنطقة يرتسم أسفلها سهل عين جالوت صغير مرج بن عامر كلوحة فنية متقنة بإحكام ، كوكب الهوى جميلة الهواء يمتطي شاب منها جواده متجها جنوبا لبيسان يبيع البضاعة يتناول وجبة فطور يركب القطار يصل دمشق الشام يأكل الغداء يجوب أزقتها وأسواقها ويعود مساء لبيته.
اسكندر أم الفحْم العالية جبل النار كنابلس ، مُصْمُص انجبت راشد حسين يفهم الصخر ، أبا جبر ينظم الشعر صبية تخبز داخل الطابون والدتها تقطف العَكـّوُب والزعْتر ، عجوز تنشِل الماء من بئر باقة لِجَرّة فخاريّة تحملها على رأسها تجاعيد الزمان التجربة الكد والتعب حفرت تملئ وجهها وفي عنقها علقت مفتاح البيت.
هذه بضع لوحات من بلادي تعطي لمحة بسيطة لما رأيت أو أخبرني به ختيارية الحارة ، جميلة أنت رائعة ، أرضي وأرض أجدادي.
بقلم شادي صُدقي أبو مُخ