تأمّلات في الصلاة
تاريخ النشر: 12/07/14 | 15:34اننا نؤمن بالغائية التي تعني أن لكل أمر غاية وحكمة، وأسئلة مثل، لماذا خُلق الكون؟ لماذا خُلقت الحياة؟ لماذا الشقاء والتألّم؟ هي أسئلة تبحث في الغائية. وأسئلة مثل، لماذا الصلاة؟ لماذا الصيام؟ هي كذلك أسئلة تسأل عن الغاية. واذا كانت الصلاة تتكوّن من عدة هيئات، فانه يمكننا أن نقول أن اذا كان للصلاة غايات كلية، فإن لهيئاتها غايات جزئية. ولسنا نبحث عن الغايات بشكل عام، ولكننا نتركّز في الغايات النفسية من الهيئات المختلفة.
الصلاة ترمي الى احياء الروح وصيانة الفطرة وتهذيب الغريزة. وهي مدرسة روحانية، توجّه تفكير الانسان، احساسه وسلوكه. ويمكننا أن نضرب اليوغا كمثال مقابل للصلاة، رغم أنه لا مجال للمساواة بينهما، اذ أن الصلاة مؤيّدة بوحي رباني ولمصلّيها أجر. اذا تمعّنا في الاستقامة، وجدنا أنها بداية التعظيم، اذ أن الوقوف يعكس اهتماما واحتراما. فعندما يسقط شهداء نقف دقيقة صمت حزنا على فقدانهم، وعندما يريد مُستمع أن يسأل محاضرا فإنه ان وقف أعطى هيئة مختلفة للسؤال، واذا ما قدم شخص ذو أهمية فإن الجالسين يقفون لاستقباله. والوقوف بين يدي الله أعظم الوقوف لأنه يحمل هذه المعاني وأكثر. انه وقوف جسدي فالجسد منتصب والرأس مطأطأ اذعانا وتسليما لعظمة الخالق، ووقوف نفسي اذ نكفّ عن مجاملة من حولنا، ووقوف عقلي اذ يتعالى العقل عن الماديات، ووقوف روحي اذ الروح تُعلن قيامتها.
والركوع هو هيئة تزيد في التعظيم وتزيد في التسليم والاذعان. والممثل يركع أمام جمهوره في نهاية عرض المسرحية، ليعبّر عن شكره وامتنانه لهم، وليُظهر تقديره وتعظيمه لمجيئهم الى العرض ومكوثهم حتى آخره. والركوع بين يدي الله أعظم الركوع لأنه يحمل تسبيحات التعظيم، ولأنه يحمل شكرا وحمدا على ما لا يُحصى من النعم. أما السجود فهو غاية التعظيم وغاية الاذعان والخضوع، ولا نكاد نراه في أي نشاط آخر سوى التعبّد. انه نشاط خاص بالعبادة! وعندما يكون الانسان في الأسفل، عند الأرض، جميع أطرافه ملاصقة لها، يُطلق تسبيحات “سبحان ربي الأعلى”، الموجّهة الى السماء. انه عبر هذه الهيئة يدخل في أسمى معاني العبودية (عبر الالتصاق بالأرض)، وبالمقابل، يُظهر أسمى معاني التعظيم والتبجيل (عبر التسبيحات). انه في هيئة السجود يكون الانسان في مكانته الحقيقية في هذا الكون، انه يكون في مكانته الحقيقية أمام عظمة خالقه. ولذلك يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد”.
والصلاة تفعّل مركّبات الانسان الأربع الأساسية: الجسد، العقل، النفس، الروح. فالجسد غير جامد، وانما يستقيم، يركع، ينحني ويسجد. انه متواجد في حركة مُتناغمة مُنظّمة، وهو يعرف الخطوات القادمة، ويتذكّر الخطوات السابقة. والعقل يتفكّر ويتأمّل ويتدبّر في آيات القرآن، ويخاطبه ربه فيقول له في صلاته: “أفلا يعقلون”، “أفلا يفقهون”، “أفلا يتدبّرون”. والنفس تتأثّر من وقع تلاوة القرآن والتسبيحات وذاك الصف المتكاتف وتلك الحركات المضبوطة. والروح – وهي المركّب الذي يأخذ مركزية في الصلاة – تتفعّل، لأن الانسان يخرج من دائرة الماديات، ويفرغ ذهنه من الأشغال الدنيوية، ليسيح في فضاء حرية الروح. انها لحظات يمكن للإنسان فيها أن ينسى الركض المستمر في هذه الحياة، ليقف وقفة ويأخذ فاصلا من عناء التفكير الدنيوي ومن عناء الركض. ان الصلاة بهذا المعنى تدريب للجسد، للعقل، للنفس وللروح.
والصلاة هي ملك الجميع، ولا تختص بها فئة دون غيرها. فهي ليست كالزكاة يُعافى منها الفقراء، وهي ليست كالصيام يُعافى منه المرضى. انها لا تحتاج الى مهارات عالية، ولا الى تعليم أكاديمي، ولا الى دفع أموال كدورات اليوغا. ولكنها تحتاج الى انسان! ان كل انسان يمكنه أن يمارسها، غني أو فقير، معافى أو عاجز، أكاديمي أو فلاح، ولذا فهي تُظهر قيمة المساواة في أبهى صورها. فالغني والفقير، والرئيس والمرؤوس، والكبير والصغير، والأكاديمي والفلاح، كلهم متساوون عند وقوفهم بين يدي الله. ويأخذ العلماء درجة أو درجات على العامة اذا ما استعانوا بعلمهم في التفكّر والتأمّل، ولكن هذا لا يظهر في الصلاة بشكل جلي، فالتفضيل هنا يبقى سرا بين العبد وربه.
بقلم: محمود صابر زيد – كفرقرع
ماجستير في علم النفس الطبي
هلا هلا محمود صابر مشخص ومنور الشاشه يا مبدع الى الإمام
السلام عليكم
مقال يستحق القراةء بالغ ومشوق للاهتمام .
وعلى الله التوفيق .
اللهم علمنا ما ينفعنا ونفعنا بما علمتنا يا رحمان يا رحيم.