أجسام وأحلام

تاريخ النشر: 10/03/12 | 4:16

الروح جوعى وعطشى والجسد متخوم .

هذا هو الوصف الدقيق لحالنا ……

فنحن نحرص على متابعة الجسد بما يحتاج من طعام وشراب لتغييب الإحساس بالجوع والعطش ولتزويد الجسم بالطاقات اللازمة لاستمرار صموده وثباته ومتابعة مشواره مع الحياة .

البعض يعيش ليأكل والبعض الآخر يأكل ليعيش .

البعض يتلذذ ويتمتع ويتدلل ويتخير صنوفاً من الأطعمة والمأكولات والمشروبات والبعض مغرم إلى حد الثمالة بالأكل ويولي أهمية كبيرة لذلك والبعض يجد الوسطية والاعتدال ويأكل ليُقيت جسمه ويشد صلبه ويمد جسده بالطاقة الضرورية للحياة .

هناك من تدور رحى حياته حول الطعام والشراب وهناك من لا يجد الطعام والشراب وينام على الطوى أياماً عديدة !

هناك من يصوم عن الطعام والشراب إعلاء للروح على الجسد وهناك من يضرب عن الطعام إعلاء لقدسية الحياة والحرية على الظلم والعبودية .

أزمة الإنسان فينا تنبع من حرصه على تزويد جسده بما يحتاجه من زاد وتجاهله لما تحتاجه الروح من غذاء ووقاد !

هناك الفطور والغداء والعشاء وأكثر

وهنا الجوع والعطش والجفاف وأكثر

أزمة الإنسان فينا أنه يتابع كل ما يحتاجه جسده من حاجات أساسية كالراحة والمتعة والنوم والنظافة والوقاية والعلاج واللباس والكماليات والطعام والشراب والمظهر بما يتضمنه من حلاقة وكوافير وعمليات تجميل وتنحيف وتضخيم وبناء العضلات والقوام والرشاقة وكذلك المستلزمات من أدوات الطعام والأثاث والأجهزة والمعدات ووسائل الاتصال والمواصلات وغيرها بينما للروح قليلاً أو بالكاد أو يكاد يدنو من الانعدام , فيعيش الإنسان بذلك جسداً بلا روح أو جسداً قوياً سليماً بروح واهنة واهية ضعيفة مسكينة مستكينة .

نعم تستمد الروح من الجسد ولكن يلزم الجسد روحاً لتقوده إلى مرافئ النور ودروب الخير حتى يتحقق الإنسان فينا بتوأميه الروح والجسد معاً .

يستظل الجسد بظل الروح وتستفيء الروح بفيء الجسد .

الجسد ينام لكن العقل والقلب يظلان مستيقظان طالما في الروح حياة .

قد يقول البعض أن العقل السليم في الجسم السليم ولكن ذلك مرهون بجسم سليم حقاً فلا يرضى أن يكون بلا روح سليمة وبكونه سليماً يحرص على أن يقترن بروح سليمة فلا تكون أجساد البغال وأحلام العصافير .

وكيف السبيل إلى تغذية الروح وما هو غذاؤها ؟

غذاء الروح هو كل ما يدخل إلى الإنسان ويبقى مشتعلاً في داخله وكيانه ولا يخرج من ذاكرته ويظل في وجدانه وعقله وقلبه . هو غذاء الإحساس والمشاعر وهو الطعام الذي يحتاجه الفكر لمتابعة رحلة السفر في الذات وفي الحياة .

غذاء الروح هو الشرارة التي تقدح الزناد فتثير الحب والرغبة وطلب المعرفة والشوق إلى الاستزادة ومتابعة الروح بالغذاء المتواصل شرط لنموها وتطورها ورقيها .

غذاء الروح هو القراءة والكتابة , التفكير والتحليل والتعمق , الحوار والنقاش وإبداء الرأي , الإسماع والإصغاء , الأثرة والإيثار , السؤال والجواب , الاحترام وحسن المعاملة , الثناء والتقدير والشكر والاعتراف بالجميل , الأدب مع الله وخلقه , الرحمة والتكافل والتراحم والتعاون والقيم والمبادئ , التعلم والتعليم , المنح والعطاء والتضحية والبذل والفداء , تقبل الآخر رغم الاختلاف والتسامح والتجاوز واحترام الغير وغيرها …..

والسبيل إلى ذلك بالإيمان والعقيدة والطاعة وتلاوة القرآن والقراءة للتاريخ ورؤية المستقبل وبناء فكر ونهج وثقافة ومعرفة من خلال كتاب أو جريدة أو مقال أو بحث أو حوار أو قصيدة أو قصة أو عرض أو مسرحية أو أنشودة أو لوحة فنية أو نشاط أو درس أو محاضرة والمحاولة والتدرب والتجربة والخطأ وامتلاك القدرة على الاختيار واتخاذ القرار والإثراء المتبادل وكل ذلك يتأتى بوجبات ليس لها أوقات محددة , أطعمتها متنوعة لذيذة شهية لمن يروض روحه ويربيها عليها ومنذ الصغر لأنها تكون كالنقش في الحجر ويشب الإنسان عليها وتصبح وجبات فاخرة لا يقدر على الاستغناء عنها حالها حال غذاء الجسد .

وقد قال حكيم :- لا تطلب الحياة لتأكل بل اطلب الحياة لتحيا .

وعندما يحرص كل منا على غذاء الروح كما يحرص على غذاء الجسد ينمو ويزدهر ويكتمل فينا بناء الإنسان وتصبح حياتنا أكثر حياة .

‫5 تعليقات

  1. استاذي الفاضل يوسف جمل الغالي…احييك على عطائك المتواصل..بوركت وحفظك الله

    ورعاك…مقالتك جوهرية المضامين بكلمات سلسة واسلوب جذاب ..

    الحياة شعلة خير سلمت لنا..علينا ان نسلمها للزهور اليانعة شعلة خيرات..

    جدير بنا ان نتالق باداء ادوارنا بمسرح الحياة لنخلق حياة فاضلة لنا وللاجيال

    القادمة..تعم بها الرفاهية ..الخيرات..ومكارم الاخلاق..

    ..عندما يحرص كل منا على غذاء الروح ينمو ويزدهر فينا بناء الانسان وتصبح

    حياتنا فاضلة..

    لا شك ان شخصك الكريم يتمتع بعمق ثقافي يدل على وقار كبير..عطائك المتواصل

    للادب العربي..مقالات وقصائد شعرية..وتواجدك الدائم في الفعاليات الثقافية في

    الوادي اكبر دليل على الروحانيات في شخصك الفاضل..

    لك مني خالص الحب والتقدير…اتمنى لك دوام التالق والعطاء الكريم..

    جزاك الله كل السعادة والخيرات..

  2. أجمل تحية لك وأشكرك على دعمك المتواصل وتشجيعك الدائم
    كثر الله من أمثالك داعماً للثقافة والعلم والتعليم

  3. أجمل تحية صديقي الشاعر قاسم محاميد – شوقنا يزاد لكم في دروب الخير !

  4. كم هي جائعة أرواحنا الى مثل هذه المقالات. سلمت يمينك يا أستاذ يوسف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة