ما زال في رمضان بقية فاغتنمها
تاريخ النشر: 16/07/14 | 9:00يا مَن أعياه التعب من طول الطريق فتخلَّف عن إدراكِ ركب الصالحين.. ويا من أنهكه العطش من شدةِ المسير فحيل بينه وبين صحبة السابقين.. ويا من أنهكته الدنيا ومشاغلها وزخارفها فأنسته لذة الطاعة والأنس بالله.. لا تركنن إلى محبطات النفس، ولا تستسلمن لعوامل اليأس.. لا زال في الوقت متسع لإدراك المسيرة، لا زال هناك بصيص أمل في أن تلحق بالقافلة.. فالفرصة مواتية، والظروف ملائمة، فهناك الأمل في العشر الأواخر من رمضان.
إنها عشر العتق من النار، إنها عشر ليلة الحظوة، إنها عشر الفرصة الذهبية، إنها عشر الهدية الغالية التي يدخرها لك ربك في الثلث الأخير من هذا الشهر الكريم، إنها الهدية التي تساوي العمر كله فهي خير من ألف شهر، إنها الهدية التي تتجاوز حدود أعمار البشر وحساب البشر وتقدير البشر، إلى ما لا يعلمه إلا الله – عز وجل-.
فاعزم أخوتي، عزمة مسلم إيجابي، وشمر عن ساعدِ الجد، وسابق وزاحم، وسارع وبادر، واجتهد في طلبها فهذا أوان الطلب.
مرحى بهدية ربنا:
إنها هدية الرحمن لعباده في شهره المبارك، وفي الثلث الأخير منه، تلقاها الحبيب-صلى الله عليه وسلم- بقبولٍ, حسن، وأحسن في استغلالها، وهيأ نفسه لها، فقد ثبت في الصحيحين عن عائشة -رضي الله عنها- قالت: كان النبي-صلى الله عليه وسلم- إذا دخل العشر شد مئزره، وأحيا ليله وأيقظ أهله، كما روى مسلم من حديث عائشة -رضي الله عنها- قالت: “وكان رسول الله-صلى الله عليه وسلم- يجتهد في العشر الأواخر ما لا يجتهد في غيره”.
كن مع أصحاب محمد!!
أدرك التابعي الجليل أبو مسلم الخولاني ذلك الأمر، فدخل في تنافس شريف مع الصحب الكرام، فأعلنها مدوية، باعثًا للهمة في نفسه ونفسك وفي أنفسنا جميعًا: “أيظن أصحاب محمد أن يستأثروا به دوننا، كلا والله لنزاحمنهم عليه زحامًا حتى يعلموا أنهم خلفوا وراءهم رجالاً”، أين أنت في ذلك؟ وكيف تتلقى هدية ربك؟ وكيف هي جذوة الخير في قلبك؟
فاقبل هدية الله قبل أن ترتحل من دنياك، وأدرك نفسك قبل أن يهرب الثواب من بين يديك.
وفي الثلث الأخير خير:
يا من أضاع عمره في لا شيء…
ويا من أسرف على نفسه…
فأرهقت كواهله الذنوب…
وتلاحقت على قلبه الشهوات…
ويا من فاته من عمره الكثير، ولم يبق له إلا القليل…
لا زال في الوقت متسع…
نعم أخوتي فإن الأمور بخواتيمها، فإن فاتك ثلثا الرحمة والمغفرة، فأدرك الثلث الأخير، فلا زال في الوقت متسع، وها هي الفرصة المثلى، والتي تدعوك أن تقبل فتنتهز هذه الليالي الباقية، وأن تنفض عن نفسك رداء الكسل، وأن تتجه إلى الله عزوجل بمزيد خوف ووجل، وأن تستجيب لنداء الحبيب-صلى الله عليه وسلم-: “مَن قام ليلة القدر إيمانًا واحتسابًا غُفر له ما تقدَّم من ذنبه” وندائه الآخر: “تحروا ليلة القدر في الوتر من العشر الأخير من هذا الشهر” إنها الفرصة السانحة في الليلة المباركة، إنها الليلة التي تتمخض عن ولادة جديدة لك، إنها الليلة التي تمثل نقطة التحول الجذري في حياتك.
أخوتي أدرك الثلث الأخير قبل الرحيل، وأسرع فقد أوشكت العشر على الهروب من بين يديك، وكادت ليلة العمر أن ترتحل بسلام.
فانتفض من فورك…
أيقظ الهمة الراقدة بين جنبيك…
أشعل جذوة الطاعة الخامدة فيك…
فما هي إلا أيام معدودة وساعات محدودة ثم ينصرف الثلث الأخير، ومعه العشر المباركات، ومعه ليلة العمر، إنَّ حادي الركب يهتف بك في كل وقت وحين “يا باغي الخير أقبل”، والجنة [ ] تتزين لك، وباب الريان ينتظرك، وشربة الري مهيأة لك، وإنَّ العين، العين، الحور العين تشتاق إليك قائلة: “يا رب اجعل لنا من عبادك في هذا الشهر أزواجًا تقر أعيننا بهم وتقر أعينهم بنا”.
فهلم إلى عشر الباقيات الصالحات، وشد مئزرك وأيقظ أهلك وأحيِ ليلك وأرضِ عنك ربك، والتمس ليلة القدر وأنت في رحاب الطاعة.