حسين عبد اللطيف سراج ..الشاعر الذي انطفأ مبكراً
تاريخ النشر: 19/07/14 | 12:03قبل أيام انطفأ وغاب عن الحياة الشاعر البصري العراقي الجميل حسين عبد اللطيف، الذي توقف قلبه عن النبض والخفقان بعد معاناة مع مرض السكري، وبعد أن حفر حضوراً ثقافياً مميزا في الحياة الأدبية والثقافية البصرية والعراقية. وكان حسين يدرك أن الرحيل أزف والنهاية قد اقتربت، فيقول في قصيدة له وكأنه ينتظر موته:
أسدلوا الستائر
هو وحده
من يمتلك وضع اليد
على كل شيء،
أوصدوا الأبواب،
الوقت قارب…،
العربة أوشكت…،
ليلبث حاملو الزهور ملياً،
كي يغنوا لي أغنية السلوان
ويمجدوا رحيلي.
حسين عبد اللطيف شاعر عراقي هادئ، وصوت أدبي خاص ومتفرد مميز بتجربته وحضوره، من جيل الستينات. أنه شاعر الصورة والكلمة والدهشة، الذي لم يعرف نرجسية الشاعر التي تتجلى لدى غالبية الشعراء والمتأدبين، ولم يتقن فن العلاقات العامة ولا التسويق الأدبي، ولم يلهث وراء الشهرة والنجومية، بل فضل العزلة والابتعاد عن دائرة الضوء الاستعراضية والاشتغال على قصائده. وهو من الأسماء الشعرية والنقدية الفارقة في المشهد الثقافي الأدبي العراقي، وقد أسهم بإضاءة ورفد الشعر وحركة النقد الأدبي العراقي بجهوده ومنجزه الشعري والنقدي، ورغم عزلته القسرية كان حاضراً بقوة في الحياة الثقافية العراقية ومؤثراً فيها.
وبالرغم من أن حسين كان مقلاً في النشر لكنه أثار اهتمام الكثير من الكتاب والنقاد والدارسين، وكان له منزلة ومكانة خاصة واحترام وتقدير خاص بين مجايليه، فكتبوا عنه المقالات والدراسات والمداخلات، ومن بين هؤلاء: فاضل العزاوي، طراد الكبيسي، أديب كمال الدين، شوقي بزيع، عبد الكريم الكاصد، حيدر عبد الرضا، مقداد مسعود وغيرهم.
وإلى جانب مساهمته على مدى عقود في إثراء ورفد الحركة الشعرية العراقية والعربية بقصائده المخملية الناعمة، كان لحسين اهتمام في النقد الأدبي، وله في هذا المجال الكثير من الدراسات والمتابعات النقدية المنشورة في الصحف والمجلات والأدبيات العراقية والعربية المختلفة، وساهم في تشكيل وعي نقدي، ورعاية وخلق جيل مميز من الشعراء العراقيين.
ولحسين عبد اللطيف خمسة دواوين شعرية شكلت إضافة نوعية للقصيدة العراقية المعاصرة، وهي: “على الطرقات ارقب المارة” و”نار القطرب”، و”لم يعد يجدي النظر” و”أمير من أور”، و”بين آونة وأخرى يلقي علينا البرق بلقالق ميتة – متوالية هايكو”.
حسين عبد اللطيف شاعر مجيد ومطبوع مخلص للقصيدة والهم الشعري، لم يتأثر بالمألوف والشائع في المشهد الشعري، وطوال أربعة عقود من الزمن عمل على تجديد أسلوبه وأدواته ولغته الشعرية والاشتغال على قصيدته المكتنزة بالمجازات والصور المبتكرة، ولم تكن وقود شاعريته وشعره بسبب تجربته الوجدانية والإنسانية الملتهبة بفقدان ابنه فحسب، وإنما كان مبعثه الظروف الخاصة والأحداث السياسية التي عاشها وطنه العراق، بلد النخيل ودجلة والفرات، فتأججت شاعريته، والتهبت عاطفته، وتضاعفت حساسيته، وحملته على الشكوى والبكاء والإحساس بالحزن والألم والقلق والعذاب.
وقد جاءت أشعاره، التي سكب فيها ذوب مشاعره وعميق لواعجه وعصارة قلبه، مشحونة بعاطفة قوية صادقة، مليئة بشدة الإيحاء، ومغلفة بألفاظ وتراكيب تتسم وتتصف بالقوة والجزالة. ومن يقرا قصائده يلمس أنها قصائد حزينة شفافة ونقية كقلمه ونفسه، فيها البوح والحلم الشعري، ومشبعة بالوجد والوجع الذاتي والوطني والشعور القومي والإنساني والوجداني.
حسين عبد اللطيف بحق وحقيق شاعر مبدع قدير ومميز ترك بصمات واضحة وملموسة على حركة الإبداع الشعري العراقي،وإذا كان غاب جسداً، فسيظل حاضراً بروحه وأشعاره في الأذهان والذاكرة العراقية، وفي وجدان المثقفين والمبدعين العراقيين والعرب وكل محبي شعره.
شاكر فريد حسن