حاتم جوعية يحاور الشاعرة والأديبة أمال عواد رضوان

تاريخ النشر: 21/07/14 | 8:30

مقدِّمةٌ وتعريف: الشَّاعرةُ والأديبةُ المعروفة “آمال عوّاد رضوان” من سكان “عبلِّين” الجليل الغربي- قضاء عكا، تعملُ في مهنةِ التدريس، وتكتبُ الشِّعرَ والأدبَ والدراسات والمقالات بأنواعها، والريبورتاجات (التقارير) الصحفيّة. أصدرت العديدَ من الكتبِ الأدبيةِ والدواوين الشعريَّة، ونشرت الكثيرَ من إنتاجها الأدبيّ والفكريّ في مختلفِ الصحفِ ووسائل الإعلام المحليّةِ وخارج البلاد.
حصلت على العديدِ من الجوائز الأدبيَّة الدولية، وشاركت في مهرجاناتٍ ثقافيَّة وأدبيَّة ومؤتمراتٍ أدبيَة كثيرة في الداخل والدول العربيَّةِ، وقد أجرينا معها هذا اللقاء الصحفيّ المطوّل في حدائق بابل الغناء بأجوائها السحريةِ الرائعة في مدينة شفاعمرو.

*متى بدأتِ تمارسينَ الكتابة َعلى أنواعِها: الأدبيَّة والفكريَّة (شعرًا ونثرًا)..
عمليَّةُ الكتابةِ بدأت في جيلٍ صغير، وبرزَتْ من خلالِ المواضع الإنشائيَّة ومسابقات المطالعةِ في المدرسةِ. كلُّ هذه كانت محفزات للمطالعةِ في الدرجةِ الأولى- وتطوير اللغةِ العربيَّة والتعلُّق بها. في البدايةِ كنتُ أكتبُ ولا أنشر، ولم أتوقَّع يومًا أنّي قد أتجرّأ وأنشرُ كتاباتي، وأخوض في هذا المضمار.
عمليَّةُ النشر بدأت في الخفاء إلكترونيًّا في أواخر التسعينيَّات، وعام 1998 تعرَّفتُ إلى المرحوم الأستاذ “موفق خوري”، وطلبَ أن يطَّلعَ على المواد التي أكتب، فأعجبَ بها وأصدَرها في كتاب تحت عنوان (شموع الآمال)، وهذه كانت مُفاجأتي الأولى وتعريفِ القارئ المَحلي باسمي.
نشرتُ خلال سنوات متواصلة في منتدَى (الكلمة نغم) تحت اسمي المستعار “سحر الكلمات”، وتلقيتُ الرُّدودَ الإيجابيَّة َوالنقدَ الدّاعم والمُحفز حول ما كنت أكتبهُ، وكانَ الإصدارُ “بسمة لوزيَّة توهَّج” عام 2005، وعام 2007 تلاهُ إصداري “سلامي لكَ مطرًا”، وتبعتهُ عدَّةُ إصداراتٍ في مجالِ البحث والدراساتِ الأدبيَّةِ ودواوين شعريَّة أخرى، وعام 2010 صدرَ ديواني الشعري “رحلة إلى عنوان مفقود”.
وبعدما انتشرَ اسمي في الخارج، كانت تصلني حواراتٌ ومساءلاتٌ حولَ رؤيتي ورأيي بأمورٍ مختلفةٍ، ثقافيًّا، واجتماعيًّا، وسياسيًّا، وفي مواضيع النقدِ، والمرأة، والأدبِ، وأحداث الرَّبيع العربي، فجمعتُ ما كتبتُهُ مِن مقالاتٍ عام 2011 في كتابٍ بعنوان: (رُؤى)، وفي شهر أيلول-2013، أصدرت كتابًا في نقد نصوصي الشعريّة، كتبَهُ نُقّادٌ مِن العالم العربيّ، بعنوان “حتفي يترامى على حدود نزفي”.

*طموحاتُكِ ومشاريعُكِ الأدبيَّة والثقافيَّة للمستقبل وغيرها؟
الطاقة الإبداعيَّة هائلة والطموحاتُ كبيرة.. لن أسوّف أو أسلّف.. لكن آملُ أن يَمُدَّني اللهُ بالعمر والقدرةِ على إنجازها. وحاليًّا لا زلت عاكفة لوضع اللّمساتِ الأخيرة لمشاريع كتبٍ أُعِدُّها للطباعة، بدأت أعِدُّها منذ عام عام 2006؛ أعدُّ ديوانًا شعريًّا، وكتابًا آخرَ في الحواراتِ واللقاءاتِ الثقافيَّةِ، وكتابًا في النقد، وكتابًا في التقارير الثقافيّة.

*ما هو الحافزُ والدافعُ الذي يجعلكِ تكتبينَ؟ وَلِمَن تكتبين؟
إنَّ الحافزَ الذي يدفعُني للكتابةِ هو تعلُّقي بكلمةٍ ترسمُ مَلامحَ ملائكيّةً مسحورةً بالدّهاء، وشغفي بشعرٍ شيطانيٍّ يُجسّدُ نبضَ حرفٍ منذورٍ للضّياء، ليَخلقَ كونًا مضيئًا بالسّلْم والحبور، في خضمّ هذا المزيج السماويّ الأرضيّ الصاخب المَرهونِ بعبثيّةِ الإنسان، والمُطعَّم بنكهةِ الشيطملائكيّة. هو حافزٌ أُعبِّرَ مِن خِلالِهِ عن متطلّباتٍ الحياة الشخصيَّةِ والإنسانيَّة، المشحونةِ بحرِّيَّةِ التعبير، وبالتأمُّل، والفكر، والرُّؤَى، والاستشرافِ الحالم والمشاعر الجيَّاشة.

*أينَ تجدينَ نفسَكِ أكثر في الشِّعر أم النَّثر.. ولماذا؟
ليست لديّ حدودٌ وتقييداتٌ بأنماطِ وأصنافِ الأدب، أو ألوانِ الكتابةِ وأجناسِهِ، فهنالك ما يتطلَّبُ منّي ذهنيّا وفكريًّا أنْ أُعبّرَ عنهُ نثرًا، مِن خلالِ مقالةٍ، وتوصيل رسائلَ مباشرةٍ، تتضمّن تعبيراتٍ فكريّةً ورُؤى، لكن فيما يختصُّ بالأمورِ الحسّيّة الوجدانيَّةِ الشجونيّة الروحيّة، فأجدُني في الشِّعر.

*ما رأيُكِ بمستوى الشِّعرِ والأدبِ والإبداع المحلِّي، مقارنة مع الإبداع في الدُّوَل العربيَّة؟
بالرغم من أنّ الإبداع المحلِّيّ (داخل زنزانة)، بكلِّ صُنوفِهِ وصُنوجِهِ ودُفوفِهِ، إلّا أنه يُضاهي بمستواهُ الفنيِّ الإبداعَ العربيَّ في الدول العربيَّةِ والمَهجر وعالميًّا، بالرغم من إسدالِ ستائرِ التعتيم على عروشِ إبداعِنا المَحلّي، (داخل الخط الأخضر- عرب 48)، وبالرغم من سكْبِ دواةِ التهميش السوداءِ على كيان الإنسان الفلسطينيّ، وعلى حضورِهِ إبداعيًّا وجغرافيًّا وتاريخيًّا، وتحت ذرائعَ واهيةٍ لا منطقيّة. لقد مُورِسَ هذا القمعُ على مدى عقودٍ طوالٍ، مِن قِبل زعاماتِ الدّولِ العربيَّة التي فرَضتْ سياستَها على المثقف العربيّ، وبكلّ أسفٍ، لا زالت هذه الهيمنةُ تطغى على المثقّفِ العربيّ حتى اليوم، ولا زالَ يَسيرُ في السربِ مع زرافاتِ الزعاماتِ العربيّةِ راضخًا، متخوّفًا مِن مُقاطعتِهِ وحِرمانِهِ، رغمَ أنّهُ مُقتنعٌ بحقِّ المُثقف الفلسطينيّ، لكنّ إيمانَهُ متزعزعٌ مُتذبذبٌ، لا يَقوى على المواجهة والمقاومة!
هنالكَ أسماءٌ فلسطينيّة مَحليّة تمكَّنت من فكّ الحصار واقتحامَ هذهِ الزنزانة، فانطلقَت محظوظة إلى الخارج تتنفس هواءً مغايرًا، ساهمَ الحَظُّ والإعلامُ والحزبُ في انطلاقها، ولعبَ دورُهُ في إيصالها إلى الشهرة. لكن أيضًا هنالك أسماءُ مُبدعين مَحليِّين كثيرة لا تقلُّ مستوى وإبداعًا، لم يُحالفها الحظ، ولم يتمكنوا من امتطاءِ الموجاتِ المُتاحة، فظلّتْ أصواتُهم سجينةً في قمقمِ علاء الدين إلى يوم الدين، يومَ يَصحو عالمُنا العربيّ مِن غفوةِ تخديرِهِ، ويُدركُ مَدى الإجحافِ الذي آلمَ بهِ أخاهُ الفلسطينيّ!
آملُ في المستقبلِ القريب جدًّا، أن يتحرَّرَ المُثقف والمُبدعُ العربيُّ في الدولِ العربيَّةِ من فكرهِ المُعتّق بالتزمِّت الرَّفضي الممنهَج واللامُبَرَّر، بحَقّ أخيه المبدع الفلسطينيّ، وأن يُدرك وبجدارة، أنّهُ يقفُ معَ السجين وليس معَ السجّان، فعليهِ أن يَدمجَ المبدعَ الفلسطينيَّ بكافةِ النشاطاتِ الإبداعيّةِ العربِيّة، لأنَّهُ ليسَ أقلَّ عروبةً ولا قوميَّةً ولا ثقافةً، بل لديهِ كلُّ المقوِّماتُ الأساسيَّةُ التي يتمتَّعُ بها كلُّ مُبدعٍ ومثقَّفٍ عربيٍّ آخر، بالرغم مِن كلِّ الظروفِ القاسيةِ والخانقة التي يُواجهُها بعنادِهِ، ويقاومُها بصمودِهِ، وكونُهُ يُحَمَّلُ هُويَّةً إسرائيليَّةً إلزاميّةً من أجل أن يبقى في وطنِهِ، فالأمرُ لا يُقلِّلُ من شأنهِ كعربيًّ وكمُثقَّف، طالما أنّه يعتزّ بكوْنِهِ فلسطينيًّا.
ومن طرفٍ آخر، هنالك محليًّا مَن يعملُ على طمسِ المواهب الإبداعيَّة المحليَّة، أو تجييرِها أو شرائِها، مِن خلالِ النقدِ الهدَّامِ غيرِ الموضوعيّ وغيرِ النزيه، ومِن خلالِ التصفياتِ الشَّخصيَّةِ النفسيّةِ المُحبِطة.

*ما رأيُكِ بمستوى النقدِ المحلِّي؟ إلى أينَ وصلَ؟ وَمَنْ مِنَ النقَّادِ المحلِّيِّنَ الذين َترتاحينَ لكتاباتِهم وتعتبرينهم نُقَّادًا بالمعنى والمفهوم الحقيقيّ للنقدِ؟
بشكلٍ عام، الحركة النقديَّة مَحليًّا تكادُ تكون ضحلةً، من حيث كمِّيَّة النقد بالنسبةِ لكميّة الإنتاج الإبداعيّ، والسَّببُ ليسَ بسبب قلَّةِ النقَّاد، وإنما بسبب تخوّفِ النقاد، وتفادي حَرجِ المُسيئين والمُغرضين الذين يتصيّدونهم في المياه العكرة، ويتعرَّضُون لهم وللحركةِ النقديّة، وبالتالي يُسيئون للحركة الإبداعيَّةِ.
وبكلّ أسف، هناك نقطة مهمّة أخرى، أنّ بعض النقاد الأكاديميّين المَحلّيين المتمكّنين والقديرين والمُتمرّسين، لا يتناولونَ المُبدعين الجُدد، بل يُركِّزونَ اهتمامَهم على أسماء متداوَلة من مُبدعين قدامى، أو يَدورون في فلكِ أسماءٍ معروفةٍ مِن العالم العربيّ، أو مُبدعين محليّين أموات، ولا يُمكنهم الانطلاقَ خارجَ هذه المسارات، ربّما لأنهم يفتقرونَ إلى الجرأة والتحدّي، وربّما سعيًا للفت الانتباه العربيّ إلى قراءاتهم، أو ربّما تحسُّسًا من مواقفَ قد تسيء إلى شخوصِهم، واتهام نواياهم بما يُثير الحفيظة، أو ربّما بسبب عدم تفرّغ النقادِ للحركة النقديّة، وبسبب العمل الأكاديميّ.
بكل مرارة أقول، إنّنا نفتقر إلى جهةٍ ثقافيّةٍ موضوعيّةٍ ومتخصّصةٍ، مُخوّلةٍ بتمويل ودعم المبدعين والحركةِ النقديّة، وبالمقابل، ما يُغبّطني ويُبهج قلبي في الأعوام الأخيرة، أنّ كليّةَ القاسمي في المثلث بدأت تتبنّى هذا المشروع الثقافيّ أكاديميًّا، وتعمل بجدّيّة وموضوعيّة في هذا الجانب الهامّ، عساها تُواصل نجاحَها ومثابرتها، لكن نحتاجُ إلى جهاتٍ أخرى!
أمّا على المستوى الشَّخصي، فإنَّ العديدَ من النقادِ المحلِّيّين ومن العالم العربيّ، قد تناولوا دواويني ونصوصي الشِّعريَّةِ باهتمامٍ إيجابيّ- مشكورينَ، وأنا بدوري أحترمُ كلّ القراءات النقديَّة إيجابيَّةً كانت أو سلبيَّة، فلكل عينٍ رؤيتها وثقافتها، إذ إنّ القراءة النقديّة هي تعبيرٌ عن عينِ الناقد وثقافته، وعن أدواتِهِ النقديَّة، وإدراكاتهِ الحسِّيَّةِ للنصِّ المقروء، ولا يمكن للناقد أن يصنعَ مبدعًا. وباعتقادي المتواضع، أنَّ الشَّاعرَ الناجحَ الراسخ في الشعر هو الناقدُ الأوَّل لِنصِّهِ، وذلك بامتلاكِهِ الموهبة والمعرفة الأدوات الشِّعريَّة، والتقنيّة، والنقدية، واللغة السليمة.

*هل يمكنُ للإنترنيت (الشبكة العنكبوتيَّة) أن تحِلَّ مكان الكتب والجرائد والمجلات (الصحافة الورقيَّة) بشكلٍ نهائيٍّ في الفترةِ القريبة، وتُلغي دورَها كليًّا؟
طبعُا لا يمكن، لأنّ الكتابةَ الورقيَّةَ والكتبَ هي الرَّصيدُ الباقي والثابت، ولأنَّ البثَّ الإلكترونيَّ قابلٌ للاختراق، وللتدميرِ والحذفِ والإغلاق وعدم الاستمراريَّة.. وما يُثبّتُ حقَّ الكاتبِ هو الإصدارات الورقيَّة. وأمَّا الإصدارات الرقميَّة فقد تتعرَّض للسرقةِ والقرصنة بكاملها، ونشْرِها بأسماءِ كُتّابٍ آخرين، كما أنّ هنالكَ نشْرٌ سريعٌ راقٍ، ونشرٌ مُسيءٌ للإبداع، ولمَن هبَّ وَدبّ، ومِن دونِ رقابةٍ في كثيرٍ مِنَ المَواقع والبرامجِ الإلكترونيّة.

*يُقال: إنَّ الفنَّ والإبداع وليدُ المعاناة، تؤثر بالمبدع كثيرًا، ولها دورٌ كبيرٌ في صقل موهبتهِ، وتفجير طاقاتهِ الإبداعيَّة، ووصولهِ إلى مستوًى عالٍ من التألّق.. ماذا تقولينَ في هذا؟
الإبداعُ تجسيدٌ للأنفاسِ في تَجاويفِ الرّوحِ، فهو لغةُ استثناءٍ لروحٍ ظامئةٍ للأمانِ إلى أبعدِ مدى. الإبداعُ لا يَخضعُ لشرائعِ التنظيرِ والمُعادلاتِ الحسابيّة، ولا يَقبلُ أنْ يَتثنّى أو يَتلوّى في مَراقصِ المُتسلّقينَ والمُتطاوِلينَ الوُصوليّينَ المُتهافِتين، بل ويأبى أن يُستدرَجَ في باحاتِ المُزايدات.
المُبدعونَ الحقيقيّون هاماتٌ مُكلّلةٌ بالكَمال الحقيقي إبداعًا وسلوكًا، لا يتأتّى لهم التألّقُ بالانفعالِ والاكتمالِ بافتعالِ الجُنونِ وشُرْبِ الخمرة، للخروجِ مِن طوْرِ الوَعي، وإنّما بخُطى التعفُّفِ والتنسُّكِ الحثيث، والتفكُّرِ والتأمُّلِ العَميقِ الصّامتِ، إذ لا تستهويهُمُ الإطراءاتُ الجوفاءُ، ولا تستدرجُها الإغواءاتُ الشّمطاءُ، بل يَتسامَوْنَ بتواضُعِهِم عن بُقعِ الضوءِ اللّاهبة، فتتغلغلُ نيرانُ المعاناةِ الكاويةِ في مساماتِ أرواحِهِم لتَسبُرَ مَكامنَها، باحثةً بخيطِ ضوءٍ عن مَرسى تنأى إليه، وعن مأوى تسكنُ إليهِ، لتُطلِقَ عنانَ الأخيلةِ في جُموحِها وخيلائِها، وتُفرفطُ مَسْبَحةَ نفوسِهِم حبّةً حبّة، خرزةً خرزة، بحثًا عن مكنوناتِ يَنابيعِها الجوفيّة.

*ما رأيُكِ بمستوى الصُّحفِ والمجلاتِ ووسائلِ الإعلام المَحلّيّة من جميع النواحي، وخاصّةً في نزاهتِهَا ومصداقيَّتِها، وتعاملِها معَ المُثقفين والكُتّابِ والأدباء والفنانين المحلِّيِّين، وتغطيتها لأخبارهم ونشاطاتهم الثقافيَّة والفنيَّة؟
للإعلام سُلطةٌ قويّةٌ تكامليّةٌ في بُعدِهِ الانطباعيّ، والانتمائيّ، والإنسانيّ، والحضاريّ، والفكريّ والإبداعيّ. الإعلامُ يَرسُمُ مَعالمَ الحياة، ويَعكسُ مَلامحَ هُويّةِ المجتمعِ والإنسان والواقع، ويُرسّخُ الذّاكرةَ الجمْعيّة، ويُوطّدُ مَتانتَها بينَ المُؤسّساتِ الثقافيّةِ والمُجتمع.
مِن المفروضِ أن يكونَ الإعلامُ مِنبرًا مُوازِيًا مُطوِّرًا لفعاليّاتٍ ثقافيّة مدروسةٍ، ولأصواتِ شرائح عُمريّةٍ مختلفةٍ من المُبدعينَ والهُواةِ، خاصّة شباب المستقبل، فتُفردُ صفحاتٍ مُتنوّعةٍ مُبتكَرةٍ لأجناسِ الثقافةِ المُتعدّدةِ، مِن نصوصٍ وقراءاتٍ نقديّةٍ ودراساتٍ فنّيّةٍ، مِن أجلِ العمَلِ على تحليلِهِ، ومُواصَلةِ الحوارِ الواعي بموْضوعيّةٍ ومصداقيّةٍ، وثقافةٍ أُسُسُها المعرفةُ المدروسةُ، دونَ تحيُّزٍ أو تَحَزُّبٍ، دون خصخصةٍ أو حصحصةٍ، كي يُساهمَ الإعلامُ بارتقاءِ المُجتمعِ ورفْعِ ذائقتِهِ، وينهضَ بتنويرِ حضارتِهِ، مِن خلالِ احتضانِ مُبدِعيهِ، وإغناءِ المَشهدِ الثّقافيّ وتنشيطِ حِراكِهِ، والتّعمُّقِ بجوْهرِهِ وأبعادِهِ لا بقشورِهِ وصُوَرِهِ، كما يَحدثُ في مُعظمِ وسائلِ إعلامِنا المَحلّيّةِ التجاريّةِ الانتقائيّةِ الحزبيّةِ الفئويّةِ اليوم، والتي تعملُ على أساسِ الترويج، والترفيه، والتوجيه، والتسطيح، وتسخيف القارئ وبالتالي هبوطِ ذائقتِهِ الإبداعيّة.

*حَدِّثينا عن الموسوعاتِ الأدبيَّة التي أصدرتموها مُؤخَّرًا مع الشاعر محمد حلمي الريشة!
أُصدرنا موسوعة (نوارس مِنَ البحر البعيد القريب) عام 2008، وفيها تسليط الضّوءِ على الشُّعراءِ المحلِّيِّين من مواليد عام 1950 فصاعدًا، وتعريفُ القارئ العربيّ أنَّ بلادَنا فلسطين ليست مُختزلةً بأسماءٍ ثقافيًّةٍ مُحَدَّدة، وأنَّ الحركة الأدبيَّة نشيطة، وبلادَنا ولودةٌ، لا زالت تنجبُ المُبدعين والشُّعراءَ مُحبّي الوطن والعربيّة. يضمُّ الكتابُ (52) شاعرًا وشاعرة محليِّين.
وفي نفس التَّوجُّه الموسوعي كان لنا أعمالٌ مشتركةٌ أخرى: كتاب “الإشراقة المُجنَّحة” عام 2007، ويضمُّ (131) شاعرًا من العالم العربيّ والمهجر، والتي تتحدّثُ عن الومضة الشعريّة التي تلدُ القصيدة.
وهنالكَ كتابٌ ثالثٌ وهو: “محمود درويش في عيون خضراء”، ويتضمَّنُ هذا الكتابُ شهاداتٍ مِن المُثقَّفين العرب محلِّيًّا بعدَ موتِ محمود درويش، بطلب من د. خليل عودة عميد جامعة النجاح في نابلس، لإصدار كتيب بذكرى أربعين درويش، لكن المواد التي وصلتني كانت كبيرةً لا يتّسعُ لها كُتيّبٌ، فكان لا بدّ لي من إصدارِ الكتاب بكاملِهِ للمصداقية التاريخية واحترامًا لمن لبّوا دعوتي من الكُتّاب والشعراء.
ملاحظة هامة؛ أنّ كلّ كتبي الصادرة عن بيت الشعر الفلسطينيّ، كانت على حسابي الخاصّ.

*في بعض قصائدِكِ نجدُ بعضَ الكلماتِ والتعابير والإيحاءاتِ الجنسيَّة، هل تعرضتِ يومًا لنقدٍ بهذا الصَّدد؟
لكلّ نصٍّ تأويلُهُ، ولكلّ قارئٍ عينُهُ وذائقتُهُ ورؤيتُهُ، فهناك نصٌّ بعنوان “مرّغوا نهديَّ بعِطرِهِ الأزرق”، تناولَهُ أكثر مِن خمسة نقّاد مِن عالمِنا العربيّ، فمنهم مَن رأى به إيحاءً إيروتيكيّا، ومنهم مَن رأى به إيحاءً وطنيًّا، وآخرون نظروا إليه بعين العشق والرومنسيّة، واختلفت الرؤى في معظم نصوصي الشعريّة، لأنّها تحملُ عدّةَ زوايا وعدّةَ إيحاءاتٍ ودلالاتٍ بلُغتِها المُكثّفة، وليس لي أن أقولَ هذا صائبٌ وهذا خاطئ، لأنّ النصّ غدا مُلكَ القارئ والناقد، وأحترمُ كلَّ تحليلٍ وقراءةٍ نقديّةٍ لنصوصي، ولا أستهينُ بأيٍّ منها مُطلقًا، لأنّها لا تمسُّني شخصيَّا ولا تسيئُ لحرفي، ولا تُنكرُ عليّ الثناءَ في الأداءِ الشعريّ ببراعةٍ مُبطّنة.

*ما رأيُكِ في واقع ومكانةِ المرأةِ العربيَّة والشَّرقيَّة؟ إلى أينَ وَصَلت؟ هل حقَّقتْ حُرِّيَّتها ورَسَّخت مكانتَها وكيانَها في مجتمعِها العربيِّ المُحافظِ أم لا؟
خلالَ العقودِ الأخيرةِ، والتي تعتبرُ مرحلةً إصلاحيّةً في جميع الميادين، ففي بعضِ الدولِ العربيّةِ وبشكلٍ جزئيّ، باتتِ المرأةُ الشرقيّة تتصدّرُ وتتبوّأ مراكزَ كثيرةً بهذا المشروع، منها ما هو شكليٌّ وصُوَريٌّ فقط للإعلام، ومنها ما هو حقيقيٌّ وبجدارتِها وكفاءتِها، لكن لا زالَ دوْرُها محدودًا في مجالاتٍ وأدوارٍ معيّنةٍ، فمُعظمُهنّ يُوجَّهنَ إلى مهنةِ التدريس، والتمريضِ والشؤونِ الاجتماعيّة، ونُدرةٌ منهنّ في مجالِ السُّلطةِ، والسياسيةِ، والتمثيل البرلمانيّ، والوزاريّ، والحربيّ، والانخراطِ في تقرير المصير، وقلةٌ منهنّ في المجالاتِ القضائيّة، والماليّة، والقياديّة، والحزبيّة، والطيران وغيرها من المواقع الحسّاسة. لماذا؟ هل بسبب العوائقِ العشائريّة؟ أم بسبب التبعيّة الدينيّةِ والفكريّة؟ أم بسبب العقليّةِ المُتزمّتةِ الرفضيّة؟ أم لأسباب أخرى قد نجهلُها أو نتعامى عنها؟ المرأةُ لن تتحرّرَ مِن أكبالِها، إن لم يتحرّرْ رجُلُها ومجتمعُها أوّلًا!

*ما رأيُكِ في مجتمعِنا الشَّرقي من جميع النواحي، مقارنةً مع المجتمع الغربي؟
أقول بشكلٍ عامّ ومقتضَبٍ، في كلّ مجتمعٍ إيجابيّاتٌ وسلبيّاتٌ، ظلمٌ وعدلٌ ونقائضُ أخرى، ولكن بتفاوُت، أتمنّى على جميع مجتمعاتِنا الشرقيّة والغربيّة أن ترقى إلى كلّ ما هو إنسانيّ وبنّاءٍ وآمِنٍ، يقودُ البشرَ إلى الحياةِ الكريمةِ السلميّة، وإلى الرحمةِ والعدالةِ، بعيدًا عن الحروبِ والهيمنةِ والسيادةِ الأرضيّةِ الفانية، التي تُبيحُ أرواحَ الأبرياءِ، والمَدنيّين، والأطفالِ، والنساء، والمُسنّين، والُمعوّقينَ والشباب، وتهدرُ دماءَهم مجّانا.

*ما رأيُكِ في هذه التعابير التي ما زلنا نسمعها حتى الآن: أدب رجاليّ وأدب نسائيّ؟
هذه المُسمّياتُ أُطلقتْ قبلَ عقودٍ مَضتْ، لتُجسّدَ ظاهرةً جديدةً وتَخدُمَ مرحلةً ولّتْ، إذ كانَ دوْرُ المرأةِ إبداعيًّا مُغيّبًا ونادرًا، وحين بدأت الكاتباتُ ينشرْنَ إبداعاتِهِنّ، ظهرَت صبغةُ التذمّرِ مِن المجتمع الذكوريّ المُجحف بحقها للتمرّدِ عليهِ. لكنّنا بالحقيقةِ، لم نقرأ يومًا أدبًا مُشْعَرًّا، تطغى عليه معالمُ الذكورةِ مِن لحيةٍ وصوتٍ خشنٍ بهرمونها تِستوسْتيرون Testosterone، أو أدبًا أنثويًّا تطغى عليهِ مَعالمُ الأنوثة والجمال بهرمونها إستروجين Estrogen، فالأدبُ ككلِّ، هو كباقي الفنون والإبداعاتِ، غيرُ قابلٍ للتجنيسِ والتذكيرِ والتأنيثِ والتأطيرِ في خاناتٍ مُحدّدةٍ.

*يقالُ وراء كلِّ رجلٍ عظيم امرأة، ووراء كلِّ امرأةٍ عظيمةٍ رجل. ما رأيُكِ في هذهِ المقولة؟
العلاقة بينَ الرجلِ والمرأة علاقةٌ كاملةٌ متكاملةُ الأدوارِ في حياتِنا الإنسانيّة، خاصّةً، إن كانت مبنيّةً على التفاهم والمودّةِ والرحمةِ والاحترام والانسجام، فعظيمٌ الرجُلُ الّذي يَتعاملُ مع أمِّهِ وزوجتِهِ وابنتِهِ كشريكةٍ وندٍّ ومُعينةٍ له، وككيانٍ فاعلٍ وفعّالٍ في الأسرة والمجتمع، وكإنسانةٍ مُبدعةٍ خلّاقةٍ، وليس كمُنافِسةٍ، فللمرأة طاقاتٌ وقدراتٌ هائلةٌ بنّاءةٌ ومُشرّفة، فيما لو أتاحَ الرجُلُ لها الفرَص للتعلم وخوْض التجارب.

*يقال: إنَّ الفنَّ والزَّواجَ لا يلتقيان تحت سقفٍ واحد.. ماذا تقولين في هذا؟
طبعًا في التعميم بعض إجحاف، فهناك شواهدُ عديدة لنجاح فنّانين ومُبدعين خرجوا مِن تحت سقفِ الزواج، وما كان الزواج عائقا أمام إبداعاتهم، ومُعظم المُبدعين هم متزوّجون. إنّ الفنونَ والإبداعاتِ تحتاجُ إلى أجواءَ ونفوسَ ترعاها بتفهّم واهتمامٍ وتقديرٍ وثقة، لكن يحدثُ أحيانًا كثيرةً أن يكونَ أحدُ الزوجيْن عائقًا حقيقيًّا وجدارًا مانعًا أمام الإبداع، فيَشلُّ حركةَ المُبدع، ويمنعُهُ عن ممارسةِ إبداعِهِ، بل ويَحفرُ قبرًا عميقًا للمبدعِ المُتنازِلِ ولإبداعه.

*ما هي فلسفتُكِ وحكمتُكِ في الحياة؟
فلسفتي في الحياة أن أحبَّ الحياةَ وأسرتي وبلدي بأحيائِهِ؛ بإنسانِهِ وحجرِهِ ونباتِهِ وهوائه، وفقط تحتَ عين ربّي ووقايتهِ وسِترِهِ، أن أعملَ وأساهمَ في خدمةِ مجتمعي الصغيرِ الكبيرِ القريب البعيد، بقدرِ ما أوتيتُ مِن قدرةٍ بنّاءةٍ وطاقةٍ خيّرةٍ، وبمنتهى الصمتِ والتواضع والتضحية، بعيدًا عن الأضواءِ والمجدِ الأرضي والمراءاةِ، وأن أكونَ حصى صغيرةً، يمكنُها أن تُسندَ بنيانَ الإنسانيّةِ مِنَ الانهيار.

*أنت تعيشينَ في جوِّ خاصّ، حيث زوجك ووالدك رجلا دين.. هل وجودُكِ في بيئةٍ مُتديِّنة لهُ دوْرٌ وتأثير في حياتِكِ بشكلٍ عامّ، وانعكاسٌ على كتاباتِكِ وأدبكِ وشعركِ بشكل خاصّ؟
دون شك، فكلُّ غرسةٍ تتأثّرُ بالبيئةِ التي تتشكّلُ فيها مِن هواءٍ وماءٍ وتربةٍ. البيئةُ قد تُقصّفُ النبتةَ وتُكسّرُها وتُجفّفُها وتقطعُها وتحرقها، وقد ترعاها وتُقلّمها وتُشذّبُها وتَحميها بالمَحبّةِ والتضحية، وقد وجدتُ في كنفِ أسرةِ والدي ما تطمعُ بهِ كلُّ أنثى مِن اهتمامٍ ودعمٍ ورعايةٍ وحبّ، ليأخذَ زوجي بيدي، ويتابعَ معي مشوارَ العطاءِ والبناءِ والدّعمِ جنبًا إلى جنب. وما كتاباتي إلّا ظلالٌ لأشجارِ روحي الوادعة، والمُترفةِ بأريج الزهر وأعشاش الأحلام.

*ما دورُكِ في فرقةِ “الكروان” العبلينية الجليلية؟ حبَّذا لو تحدِّثِينا عن هذه الفرقةِ- متى تأسَّسَتْ، ومن صاحبُ الفكرة والمبادرُ على تأسيسِهَا وما أهدافُه، وما هي نشاطاتُها وأعمالُها، والألوان والأنماط الغنائيَّة التي تقدِّمُهَا؟
أنا عضو في إدارة وفي كورال جوقة الكروان، وقد أسّسَها أخي المايسترو نبيه عوّاد عام 1995، بعدما أسّس معهدًا موسيقيًّا في عبلين الجليلية عام 1993، لتعليم الأطفال أصول العزف الشرقيّ والغربي معًا، بحسب أصول النوتة والإشارات والعلامات الموسيقيّة، وبعدما لاقى المعهد الموسيقيّ إقبالاً ورواجًا، وصار يُشكّلُ بوصلةً لطلّابِ الموسيقى في عبلين والبلاد الجليليّة المحيطة. انبثقت فكرةُ تأسيس جوقة الكروان إلى حيّز التنفيذ، وأداءٍ غنائيٍّ شرقيٍّ يهتمّ بكلّ ما هو قديم وجميل مِن موروثِنا الموسيقيّ الرّائع الرّاقي، وإحيائِهِ وتشكيلِهِ مِن جديدٍ بحُلّة جديدة، فقامَ بتدريباتٍ أسبوعيّةٍ جادّةٍ لمجموعةٍ مِن شباب وشابّات، وعملَ على تهذيب أصواتِهم، وتعليمِهم الغناء بأصوله، وهذا كان بمثابة تَحَدٍّ كبيرٍ وصعبٍ للظروف الصّعبة التي تقف عائقًا في وجه كلّ ما هو جديد، لكن بعزم وإرادة الكروانيّين، أخذت التدريباتُ تعطي ثمارَها، وخلالَ فترةٍ وجيزةٍ ضمّت جوقة الكروان بين جناحيْها خمسة وأربعين عضوًا كروانيًّا، يجمعُهم حبّهم للفرقة، وللغناء الجماعيّ الذي هو وبحقّ قمّة الغناء، حيث لاقت الدّعم من وزارة العلوم الثقافة والرّياضة، تحت إشراف نائب مدير عام الوزارة الأستاذ موفق رفيق خوري، والمجلس المحليّ عبلين، وجمهور الداعمين معنويًّا ومادّيًّا. فبدأت الكروان عروضَها محليًّا، وسرعان ما انطلقت إلى المحيط في البلاد من شمالها إلى جنوبها، في الجليل والمثلث، وبعدَ عدّةِ سنواتٍ احتلّتْ مرتبةً أخرى، باشتراكها في مهرجاناتٍ خارجَ البلاد، فقدّمت عروضًا في فنلندا، أستونيا، السويد، فرنسا، ومهرجان جرش في الأردن. ولا زالت جوقة الكروان تواصل عطاءَها المتزايد، وتسعى لتقديم كلّ ما هو جديد، وتجديد كلّ ما هو قديم من فنّ أصيل، وأغانٍ وهابيّة، وكلثوميّة، وكلاسيكيّة، ورحبانيّة، ووطنيّة، وفولكلوريّة وشعبيّة.

*ما هيَ مفاهيمُكِ للحرُّيًّةِ.. كيفَ تقيِّمينها؟
الحريّةُ تعني أن يُمارسَ الإنسانُ حقّهُ في إنتاجهِ وإبداعِهِ، وفي اختياراتِهِ وقراراتِهِ بقناعاتٍ، ودونَ تطرّفٍ وتصلُّبٍ هدّام، ودون قيودٍ مادّيّةٍ واجتماعيّةٍ، أو ضغوطٍ معنويّةٍ وسياسيّة، وشرطَ أن تَصُبَّ الحريّةُ الفرديّةُ في بناءِ الحرّيّةِ الاجتماعيّةِ وبناء الصالحِ العام.

الشعراءُ والأدباءُ والنقادُ المفضلونَ لديكِ: محليًّا وعربيًّا وعالميًّا؟
في مرحلةٍ سابقةٍ تناولتُ أسماءَ مُحدّدةً لها صدى إعلاميّا وترويجيًّا، وقد استهوتْني أغاني فيروز والشعرُ الرحبانيّ والجبرانيّ، لتقودَني إلى جبران خليل جبران وميّ زيادة، ومن “عائد إلى حيفا” قادتني إلى غسان كنفاني وغادة السمان، ومن ثمّ إلى الماغوط وأنسي الحاج وأدونيس وآخرين. وفي مرحلةٍ لاحقةٍ تتبّعتُ النّصوصَ التي تشدّني إليها حروفُها دونَ الاهتمام بكاتبها، إذ وصلت إلى قناعةٍ، أنّ النصَّ هو الراسخُ والمؤثّرُ، وليسَ الكُتّابُ والأسماء.

*من هم النقاد الذين كتبوا عن كتبكِ وإبداعاتِكِ: محليًّا وعربيًّا وعالميًّا؟
كثيرون هم النقاد الذين تناولوا نصوصي الشعرية، التي نشرتُها عبرَ صفحاتِ المواقعِ الإلكترونيّةِ والورقيّة بدراسات وقراءات نقدية.
نقّاد من العالم العربي: الناقد اللبنانيّ سامح كعوش، والناقد العراقي علي حسن الفوّاز، والناقدة السورية سمر محفوض، والناقد العراقي حسين الهاشمي، والناقد الأردني د. راشد عيسى، والناقد المصري د. إبراهيم سعد الدين، والناقد الفلسطيني عبد المجيد جابر إطميزة، والناقد العراقي علوان السلمان، والناقد السوري د. جمال قباني، والناقد المصري إبراهيم جادالله، والناقد الفلسطيني جمال سلسع، والشاعر العراقي وجدان عبدالعزيز، والناقد الأردني رامي أبو شهاب، والناقد السوري أنس الحجار، والناقد الفلسطيني محمد حلمي الريشة، والناقد العراقي جعفر كمال، والناقد السوري عبدالناصر حداد، والناقد الفلسطيني د. عمر عتيق، وآخرين.
ومن النقاد المحليّين: محمّد عدنان بركات، ود. منير توما، ود. بطرس دلة، ود. محمد خليل، وهيام مصطفى قبلان، ود. فهد أبو خضرة، ود. سليم مخولي، وشاكر فريد حسن، ود. إلياس عطالله، ووهيب وهبة، وحاتم جوعيّة، ورشدي الماضي، وفاطمة ذياب، وآخرين.

*هل جميعُ النقاد مَدَحُوا كتاباتكِ وأثنوا عليها من منطلق الموضوعيَّة، أم أنَّ هنالكَ من كانَ نقدُهُ من منطلق شخصيٍّ، ولم ينتهج الموضوعيَّة والنزاهة والأمانة، وكانَ نقدُهُ تهَجُّما نابعًا عن حقدٍ وعقدٍ ورواسب ولغاية في نفس يعقوب؟
كل النقاد الذين تناولوا نصوصي، لم يكن لي سابق معرفة بهم، فنصوصي كانت دوافعَهم الحقيقيّةَ والمُحرّكَ لقراءاتِهم ودراساتِهم، وأعتقدُ أنّ جميعَهم تناولوها بموضوعيّةٍ تامّة، ومِن مُنطلقٍ نقديٍّ ذوّاقٍ للشّعرِ وللقيمةِ الشعريّة، ولم تصلني قراءةً واحدةً فيها إساءة أو تهجّم أو استياء، بل على العكس، كلّها جاءتْني تحملُ ثناءً وإشادة وتشجيع واستحسان.

*حدثينا عن الكتابِ الذي أُصدِرَ، ويحوي عددًا كبيرًا من المقالاتِ والدراسات التي كُتِبَتْ عنكِ وعن إبداعاتكِ في جميع المجالات؟
إنه كتابي النقديّ المُعنوَن بـ “حتفي يترامى على حدود نزفي”، والذي يضمُّ بين دفتيْهِ معظمَ الدراسات والقراءات في نصوصي الشعرية لنقاد محليين ومن العالم العربي، برؤى متعددة الوجوه والتوجّهات والزوايا، وبعيون فاحصةٍ دقيقةِ الملاحظة، وبعدساتٍ تلقطُ الومضاتِ الشعريّةَ القزحيّة.
وقد تلاه كتابٌ نقديٌّ آخر في نصوصي الشعريّةِ للناقد الفلسطيني عبد المجيد جابر إطميزة، بعنوان “من أعماق القول”، تناولَ فيها تسعةَ نصوصٍ شعريّة بتحليلٍ أكاديميّ، قامتْ بنشرِهِ “مجلّة مواقف” في الناصرة.

*أكثرُ مكان تحبَّينَ أن تكوني موجودَة فيهِ دائمًا؟
كعاشقةٍ للطبيعة، فالحقل هو المكان الذي أجدُني فيهِ حينَ تضيقُ بيَ الأماكنُ وتضجُّ بيَ الأزمنة، ألجأ إليه بعيدًا عن ضوضاءِ الحياة، أتنزّهُ في رحابِ أفيائهِ وسُكونِهِ، بعيدًا عن صخبِ التكنولوجيا، وعن كلّ ما يوجعُ الروحَ ويُتعبُ البال. في الحقل وحدي مع وحدتي والهدوءِ في الطبيعة، مع هفيفِ النسائم وحفيفِ الزيتون، في تأمّلٍ روحيّ ووهجٍ شعريَ، تسافرُ بيَ الأفكارُ إلى آفاقِ الجمالِ اللامحدودة، مِن شعرٍ وموسيقى، وفي فسحةٍ صامتةٍ صائتةٍ مع النفس، والطبيعة، والخيال والذكريات.

*ما رأيُكِ في جائزةِ التفرُّغ السلطويَّة التي تُمنحُ كلَّ سنةٍ لعددٍ من الكتابِ والشعراءِ المحليِّين من جميع النواحي والجوانب- من ناحيةِ المصداقيَّة والنزاهة ومستوى هيئة التحكيم، ومن الناحيةِ الشخصيَّةِ والسياسية.. وهل هذه الجائزة حسب رأيكِ تعطى حسب مقاييس أدبيَّة وفنيَّة وللمستوى الإبداعي أم من منطلقاتٍ شخصيَّةٍ وسياسيَّة و.. وهل أنتِ قدَّمتِ مرَّة لهذهِ الجائزة أو توجَّهَ إليكِ بعضُ القيِّمِين والذينَ لهم واسطة وَيدٌ طائلة فيها، في قرار التحكيم والتفويز، للتقدم إليها؟ ما رأيُكِ في الشُّعراءِ والأدباء الذينَ يُقاطعونهَا كلِّيًّا؟
لم أُقْدِمْ يومًا على إدراج حرفي في أيّةِ خانةٍ مِن خاناتِ المساوماتِ والمُزايداتِ والمُناقصاتِ والمُنافساتِ لنيْل الجوائز، لأنّي آمنتُ برسالةِ حرْفي وجدواهُ، بجَماليّاتِهِ وبفنيّتِهِ، ولم يَخطرْ ببالي لحظة أن أسعى إلى مكافآتٍ وترويجٍ وأثمانٍ، لقناعتي المُطلقة، أنّ الجوائزَ ليست تصنعُ إبداعًا ومُبدعين، لكنّ الثمنَ الحقيقيّ لحرفي هو تقديرُ قُرّائي ومُتابعي حرفي، وما يَصلُني من رسائلِهم، بمنتهى النزاهةِ والموضوعيّة، وقد حصلَ حرفي على عدّةِ جوائز عالميّةٍ أُثمّنها عاليًا ومعنويًّا، ودون طلبٍ مني أو سابق معرفة بي وبهم، وفقط من خلال توزيعِ حرفي ونشرِهِ ورقيًا وإلكترونيًّا، وبصمتٍ وهدوء.

*كلمة أخيرة تحُبَّينَ أن تقوليها في نهايةِ اللقاء؟
لحاتم جوعية فائق الشكر لهذا الحوار، ولقارئي عميقُ امتناني، فأقولُ:
ليس للحضاراتِ إلاَّ الإبداع الخلاّق المُترَف بالشّفافيّةِ، فهو تلاوةُ المُترنّمينَ به، ومَوْئِلُ خلاصِهِم مِنَ الجفافِ واليَباب، فللكلمةِ حصانةُ جنّةٍ لا يَشوبُها شَعائرُ عشائرَ، ولا استئنافُ مَحاكم، ولا ذرائعُ وتبريراتٌ، بل هيَ مَلامحُ ضوءٍ يَتسافَكُ مِن شرفةِ عَليائِهِ، تُزخرفُ المَطرَ المُتشاسِعَ بقزحِيّتِها البهيّة.
الكلمةُ تنهمرُ بكَمالِها خاشعةً دونَ مُستقَرٍّ، وتُطِلُّ بأنفاسِها مُتبَرعِمةً كزُمرّدةٍ يانعةٍ مَغروسةٍ في قِلادةِ مَلاكٍ، بطُهْرِها تنتشي الأرواحُ، وتَظلُّ الأشهى في توَغُّلِها، والأدهى في عُمْقِها، والأسمى في وَقْعِها.
الكلمةُ تُنيرُ عرشَ الكوْنِ بأهِلّةِ المَجدِ، وتتصَدَّرُ هياكلَ السّماءِ بأكِلّةِ الشّرفِ، ليَمْتثِلَ الآنامُ لقدسيّةِ نبضِ حياةٍ، ما أعيَتْها مُقارعةُ الاستفهاماتِ ولا تجاعيدُ الأُطُرِ.

1

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة