اسرائيل، الوقف، سيادة القانون والعرب الغائبون جسديا وبحثيا
تاريخ النشر: 20/11/10 | 0:50بقلم: فضل أحمد مرة
بعد قيام دولة إسرائيل، وكجزء من عملية استيلائها على الأراضي العربية في فلسطين، قامت الدولة الصهيونية بسن قانون أملاك الغائبين – 1950. القانون الذي بموجبه أعطى لما اصطلح على تسميته “حارس” أو “القيّم” على أملاك الغائبين صلاحية الإدارة والاستيلاء على جميع الأملاك بما فيها الأوقاف الإسلامية نيابة عن أصحابها الذين هجّرتهم الحرب والمجازر الصهيونية.
فبالنسبة للأوقاف الإسلامية اعتُبر المجلس الإسلامي الأعلى، الذي كان مسؤولا عن إدارة القسم الأكبر من الأوقاف، كجزء من المفقودين على اعتبار أنّ أعضاء المجلس وعلى رأسهم الحاج أمين الحسيني لا يتواجدون داخل الدولة والذين تم نفي القسم الأكبر منهم على يد الانتداب البريطاني.
وبهذا استولت الدولة على أملاك الأوقاف والتي كانت فلسطين تعج بمساحات شاسعة منها. فعلى سبيل المثال يُذكر أنّ 80-90% من البلدة القديمة في عكا كانت جزءًا من وقف الجزار، هذا عدا عن أملاك كثيرة خارج البلدة القديمة التابعة لهذا الوقف وأوقاف أخرى. ومن ثم تم بيع الغالبية العظمى من هذه الأوقاف لسلطة التطوير ولجهات يهودية أخرى. وبهذا، عمليا، تم الاستيلاء على غالبية الأوقاف الإسلامية من قبل جهات يهودية وتم استخدامها فقط في خدمة سكان الدولة اليهود، وهذا بخلاف ما تم ادعاءه في بعض الأحيان من أنّ الدولة سوف تقوم بترميم هذه الأوقاف وتجديدها في سبيل خدمة السكان المسلمين في البلاد.
وفي سنة 1965 جاء التعديل الثالث لقانون أملاك الغائبين، والذي كان يهدف على ما يبدو إلى تهدئة الخواطر في أوساط السكان المسلمين الذين كما يبدو ضاقوا ذرعا من سياسيات الدولة بشكل عام وتجاه الأوقاف بشكل خاص وطالبوا بين الحين والآخر بتحرير الأوقاف إلى جهات إسلامية تكون أمينة على أملاك الوقف وتعكف على إدارتها. وقد نص هذا التعديل على أن يتم تعيين، في بعض المدن، لجان أمناء تقوم على إدارة الجزء اليسير مما تبقى من الوقف الإسلامي بعد تحريره من يد “حارس” أملاك الغائبين إلى تلك اللجان.
إلّا أنّ هذا القانون، ككثير من قوانين هذه الدولة، جاء عمليا لإضفاء نوع من الشرعية على إجراءاتها العنصرية وإلباسها ثوب القانون الذي تتغنى به حال قيامها بأيّ من الخطوات الموجهة ضد السكان العرب، والأمثلة على قوانين كتلك كثيرة. ومنها على سبيل المثال، قانون الدخول إلى إسرائيل الذي سُن سنة 2002 والذي يتم المصادقة عليه سنويا من قبل محكمة العدل العليا، هذا القانون ذات الأبعاد الديموغرافية ويهدف للحفاظ على غالبية يهودية بالأساس في القدس، وقد اُلبس كالعادة لباسا قانونيا تحت ذرائع أمنية على الرّغم من تعارضه مع حقوق أساسية مصونة في ابسط القوانين الدولية.
وكان قانون أملاك الغائبين وتعديله الثالث، كما ذكرنا، ما هو إلا غطاءًا لسياسة الدولة، بحيث أنّه تم تعيين لجان أمناء التي على ما يبدو أنّها كانت لجان أمينة للدولة بدلاً من أن تكون أمينة على الوقف، لجان قامت بدورها ببيع جزءًا كبيرا من الأملاك التي حصلت عليها إلى جهات يهودية وسرقة الأموال التي حصلت عليها بالمقابل بدلاً من استخدامها في أضعف الإيمان لمصلحة السكان العرب. فكان ذلك القانون استمرارا في عملية الاستيلاء على أملاك الوقف الإسلامية بصورة مُجَمّلة وغير مباشرة، حتى أنّه يُذكر أنّ مسؤول إحدى اللجان التي عُيّنت في يافا كان من مرتادي الخمارات.
وخلال بحثي عن مراجع غير العبرية عن الوقف الإسلامي لاستخدامها في البحث الذي أُجريه عن المكانة القانونية للوقف في دولة إسرائيل، لم أعثر في الجامعة العبرية، على الأقل، على دراسة تغطي موضوع الوقف في البلاد، اللهم إلّا دراسات باللغة الانجليزية لباحثين أجانب، أما الدراسات باللغة العربية فهي إما جزئية جدا، أي تتطرق إلي مقتطفات لبعض الأوقاف او إلى الأوقاف في فترات مبكرة من التاريخ. وطبعا حمدت الله ألفا لوجود إحدى المصادر باللغة الإنجليزية والذي أعطاني صورة تفند ادعاءات الباحثين الإسرائيليين بهذا الخصوص الذين يعني كانوا لا يصفون الحال التي وصل إليها الوقف الا بالإصلاحات التي أدخلتها الدولة على هذا الجهاز بعد القيود التي كانت مفروضة عليه من قبل الشريعة، لحتى يخال للمرء أنّ الدولة لا تبحث إلا على ما يصب في مصلحة سكانها المسلمين والعرب عموما. وانتابني نوع من اليأس على حالنا، بحيث أنّ موضوعًا بهذه الأهمية لا تكاد تجد فيه أبحاثًا يسيرة تغطي هذا الجانب من القضية وكأننا نأبى إلّا أن نبقى مجرد ظاهرة صوتية.
بارك الله فيك يا خي على هذه المعلومات القيمه. ننتظر منك المزيد منها.