قراءة في: ديوان (شمس وقمر) : للشاعر زهدي غاوي
تاريخ النشر: 20/03/12 | 1:50يقفُ في أوّلِ الصبحِ بشمسهِ وقمره، بباكورة قصائده، عاشقاً للطبيعة والإنسان في الوادي. إنه الشاعر زهدي غاوي ابن كفر قرع الهاجعة على سفح ذلك الوادي. وليس غريباً أن يكثر الشعراء في هذا الوادي وقد وهبهم الله أجمل بقعة في هذه البلاد بطبيعتها الخلابة وجمالها الآسر. وإذا كان الكِتابُ يُعرفُ من عنوانه فإن عنوان شاعرنا واضح كل الوضوح ، يبدو بسيطاً يسير لمستقر له، أو كما جاء في الآية الكريمة: ” لا الشمسُ ينبغي لها أن تُدركَ القمرَ ولا الليلُ سابقٌ النهارَ، وكلٌّ في فلكٍ يسبحون“ . والشمس سلطانة النهار وآيته التي جعلها الله مبصرة. بينما القمر سلطان الليل وآيته التي محاها الله،بعد أن كانت شُعلةً كالشمس. واختفاء القمر في القصيدة يرمز الى اختفاء الدليل والقائد ومعالم الطريق. لذلك هبط الإنسان على سطح القمر، أما الشمس فالوصول إليها ضرب من المستحيل.وكلاهما مصدر الضوء على العالم. ولكن القمر يبدو لنا في أطوارومنازل مختلفة فيكون هلالاً ثم بدراً. ولكن المهم أن الأرض بحاجة ماسة لكليهما، وقد سخرّهما الله للإنسان.
ُإن هذا الديوان يجمع بين دفتيه إضمامةً من أجمل ما خطَّه الشاعر في الحب والغزل وشؤون الحياة الأخرى، بأسلوب يترقرق عذوبة وصفاء كما تترقرق الينابيع الصافية وسط الخضرة النضرة، متخطياً بذلك جدار الزمن، متجاوزاً أيامه، ومعيداً إيّانا في زورق الحب والذكرى الى أيام الشباب.
وهو يقول في ذلك:
لا تصَدِّق حاسدًا أو حاقدًا قال إنّي فاتَني عمرُ الشبابْ
فمَن قالَ أن الشباب قد فاتكَ يا أبا فريد. لعمري إنكَ لشيخُ الشباب. وأستطيع أن أحرّفَ بيت أبي فراس الحمداني، فأقول:
شيخُ الشبابِ أبو فريدٍ فَلْيُمَتَّعْ بالشبابْ
فدمتَ للشعر شاباً وشعارك في ذلك أننا وُجِدْنا على هذه الأرض وفي هذه الحياة، بعيداً عن إرادتنا. لقد أبحرت بنا السفينة وصرنا في عرض البحر، وليس بوسعنا إلاّ أن نمضي. فلماذا لا نملأ دروبنا حباً وعشقاً وابتساماً ، أما يكفي التجهُّم والعبوس حولنا من أحداث وويلات فجائعية، تحدث يوميا في جميع أنحاء العالمً. لكنكَ يا شاعرنا العزيز تناقض البيت السابق بأبيات صادقة في قصيدتكَ المؤثرة، حيث تصف نفسك بالليث المصاب، فلا بأس في ذلك الإحساس إذا كان عابراً، يبني فينا الأمل بمواصلة الطريق :
” الّليثُ المُصاب “ :
يا همومي خفِّفي أثقالَكِ وارحميني لم أعُدْ مِثلَ الشباب
كنتُ في الماضي قويَّ الجسدِ وأنا اليوم كما الليثُ المُصاب
ارحمي ضعفي ألا يكفي لكِ أنَّ قلبي واهِنٌ يشكو العذاب
في الليالي ألمٌ لا ينتهي صارَ عندي النومُ وهمًا كالسّراب
ربما تُحصى النجومُ عَدَدا وهمومي أفشَلَتْ كلَّ حِساب
وأقول للشاعر في هذا المقام إن عمرنا نحن الشعراء لا يُقاس بعدد السنوات التي نعيشها، ولكن بالرصيد الذي يبقى على امتداد الأجيال وبالثروة الأدبية التي نبدعها طيلة حياتنا، ونخلفها وراءنا بعد غيابنا النهائي.فإذا علمنا ونحن نكتب مدى خطورة الكتابة لنا وللأجيال التي ستقرؤنا، تريثنا قبل أن نخرجه للنور لأنه سيكون طعاماً لأبنائنا القادمين الى الحياة.
الشعر فرحٌ مطلق
النهاية المتفائلة الفرحة دائماً هي من سمات قصائد زهدي غاوي. فلربَّ قصيدةٍ جميلة أشفتْ مريضاً، وأسعدت عاشقاً مدلّهاً، وأثارت فكرة جديدة كانت نائمة في رأس مفكر. والشاعر والشعر كما أفهمه،هو فعلٌ يقوم به الشاعر ليعبر عن تجربة يمرُّ بها، وقد يتخيّل تجربة، فيكون خياله هو التجربة الحقيقية. إنه في أساسه تفريغ لمعاناة الشاعر وإخراج لها الى الوجود، ليشارك القارئ فيما مرّ به. لذلك فمن المفروض أن الشاعر يستريح بعد كل قصيدة، ويستريح أكثر عندما يراها قد خرجت الى النور في صحيفة النور. وكم يسعد الشاعر عندما يرى المعلقين قد أعجبهم وقع القصيدة فعبروا عن اعجابهم بكلمات تكون هي نفسها قصيدة. لذلك قالوا: الشعر فرحٌ مطلق.
وقد تعلمت من خلال التجربة أن البيت الشعري حين يفاجئك فإنه سيهرب منك إن لم تدوّنه في نفس اللحظة .
فلنستمع الى شاعرنا حيث يقول:
ذاكَ عامٌ قد تولّى وانطوى إنّما أنتَ الفتِيُّ المُقبِلُ
ليسَ لليأسِ مقامٌ بيننا ليسَ يُثنينا أسىً أو كَلَلُ
ليس كل قارئ، وكل شاعر ناقداً
فالناقد له علمه وأدواته التي يستعين بها في التحليل والتعليل، وله منظاره المجهري الذي يرى فيه ما لا يرى عامة القراء في النص نفسه.
فأنا كناقد أولاً أعترف بشاعرية الأستاذ زهدي غاوي، ليس لأنة يتقن العروض أو لا يتقنه، ولكن لسلاسة الجملة الشعرية في قصائده وانسيابيتها ودلالاتها المعنوية الشفافة، ولمصداقية شعره وواقعيته.
وليسمح لي الشاعر الذي أُعزهُ وأبجّلهُ، في تواضعه وأريحيته، أن أتناول قصائده بنقد علمي موضوعي بعيداً عن أجواء المجاملات والعلاقات الإنسانية. فإن ما لاحظته، وقد واكبت كتابة القصائد، وكنتُ شاهداً على نشرها، وتابعتُ التعليقات عليها بشوق كبير، وكنت أحد المعلقين، أنه لم يتخلَ عن الشعر الكلاسيكي العمودي ببنائه المعروف وموسيقاه، وهو يتقن مثل هذا الشعر بتميُّز ظاهر. لكنه لا يتريث قبل نشر القصيدة فينظر فيها كناقد، فيضيف أو يحذف، أو يعيد صياغة بعض الجمل، ويتذوق الوزن فيعدّل فيه. ومما يؤخذ على هذا الشعر غياب الوحدة الموضوعية في القصيدة، وأن عمود الشعر هو الذي يتحكم في مضمون القصيدة، فتغيبُ فيه لحظة التوهج المنطلقة، لتتوقف عند قيود كثيرة تقيد مسار القصيدة وانسيابيتها.
إنه يعشق الشعر لذات الشعر، وليس لشهرةٍ يقصد ودَّها، وهو لذلك لا يتخطى نمطه الأسلوبي في شكل القصيدة، ويراوح عند نفس القصائد بمضامين مختلفة، ولا يهتم بتطوير أدواته الشعرية. ولا يعود لقصائده بعين الناقد.
لذلك بقيت هناك تجاوزات الوزن الشعري الذي آمل أن يتداركها قبل الطباعة، وذلك في القصائد : (تألّقي يا شمس)،( لماذا النحيب)،(اهتدي يا نفسُ) وتكاد كل قصيدة في الديوان بحاجة الى مراجعة عروضية ولغوية. لكن قصائده راقيةٌ في مضمونها الهادف، توصل للقارئ رسالة واضحة مباشرة لا غموض فيها وهذه احدى السمات التي يمتاز بها شعره.
المرأة في شعر زهدي غاوي
تحت عباءة زهدي غاوي الذي جاوز الخمسين يختبئ شاب عاشق محبٌ للمرأة الأم والزوجة والابنة والاخت والحبيبة. وهو يعترف في أولى قصائد الديوان بأن ملهمته هي، والحب هو النغمة التي لا يمل شاعرنا من عزفها على قيثارته.
ملهمتي
وكيفَ أبدأ كلمَتي
وأنتِ التي
بِثُريّا عَينيْكِ أهتدي
وَمِنْ عَبَقِ أنفاسِك أستقي
إنه أميرٌ في غزله حيث يقول:
ضُمِّيني
وَضَعي كفَّيْكِ
فوق كَتِفَيْ
لأُداعِبَ شَعرَكِ المنْسدِلَ
على طَرَفَيْ
كم يطيبُ العومُ
في عينينِ ساحرتين
كم يطيبُ العومُ
في عيْنينِ مائجتين
وفي قصيدة أخرى يقول:
أغيثيني بكلمةِ حُبٍّ
تخرجُ من خاتمِ ثغرِك
أغيثيني بِخصلةٍ
من ذهبيات شَعْرِك
فما أرقَّ أن أغرقَ
في خُلجانِ بحرِك
وأموتُ شهيدًا
بأحضانِ حُبِّك
عاشقٌ لبحر الرمل الرقيق
إن أبا فريد عاشقٌ مولعٌ ببحر الرمل العذب الرقيق، فأغلب قصائده تستند على هذا البحر الجميل. والرمل بحر غنائي فقصيدة الأطلال على هذا البحر، وغيرها كثير.
يا حبيبي مِنْكَ جدَّدتُ الأمَلْ وعلى خَدَّيْكَ قدَّمتُ القُبَلْ
فاضَ شِعري يومَ أن أحببتُكَ واسْتقَيْتُ الشعرَ من بحرِ الرَّمََلْ
وفي قصيدة أخرى تحت عنوان ” يكفيك نفاق” تظهر كبرياء الشاعر واباؤه، مصرحاً لمحبوبته بأنها كانت وهما( أو كما جاء في الأطلال: كان صرحاً من خيالي فهوى)، وهي أيضاً على بحر الرمل:ً
كنْتَ وهمًا فيه أخطأتُ الحسابْ ليت أني متُّ من قبل العذابْ
وإذا ما زِلْتَ تُصغي للجوابْ غِبْتَ عن قلبي ولن أرضى الإيابْ
وفي قصيدة من باب الحكمة تحت عنوان ” أُطلبِ العلمَ ” على بحر الرمل أيضاً يقول:
إنْ أردتَ العلمَ فاسْأل عالمًا ليس عيبًا أن تُسمّى طالبا
إنّما العيبُ بقاؤك جاهلاً لم تجالسْ قارئًا أو كاتبا
كذلك فإن قصيدة : ” اهتدي يا نفسُ” ، وكذلك ” ليس منا” فهما على بحر الرمل الجميل:
إهتدي يا نفسُ أغواكِ الضلالْ وافْعلي الخيرَ فقدْ حانَ الرّحالْ
إنّ جيب البرِّ عندي فارغٌ ليس لي في القبرِ ردٌّ للسّؤالْ
ولا ينسى شاعرنا أن يدلي بدلوه في قصائد الربيع العربي، فيقول في قصيدة: ” يا بلادي” :
يا بلادي فاسْتعِدّي وابْشِري
فربيعٌ عربيٌّ قادمُ
وقِصاصُ المجرمينَ قد دنا
وطغاةُ القومِ لا , لن يسْلموا
بائعُ الأوطانِ لا خيرَ بهِ
تاجرًا كان لسوفَ يندمُ
وأخيراً، فإنني أدعو الشاعر الى مزيد من القراءة في الشعر الحديث، وذلك لتطوير أدواته وأسلوبه، متمنياً له حياة مديدة سعيدة يحلق فيها عبر ملكوت الشعر ويتحف المشهد الأدبي في بلادنا، ويرفدنا بمزيد من الإبداع.
بقلم الدكتور سامي ادريس مستشاراً في كرسي النقد الأدبي في موقع بقجة
د.سامي ادريس الشاعر زهدي غاوي
أخي وحبيبي الغالي د. سامي إدريس ,
يا لك من كاتب وشاعر وأديب وناقد من الدرجة العليا , بل وتتصدر اللائحة بامتياز خاص وبفارق كبير من النقاط عن الذي يليك في اللائحة .
لقد تشرفت أنا بقراءتك في ديواني وأزداد فخرا لأن تكون هذه القراءة مقدمة تفتتح ديواني , فهي النور الذي نسير به للوصول إلى بر الأمان , بر العلم والأدب والذي يحلو الإسترخاء بطبيعته الخلابة .
دكتورنا الكبير , لقد أخذت بعين الإعتبار وبالغ الإهتمام بكل ما ورد في قراءتك وباشرت بتعديل ما يجب تعديله حرفيا آملا بأن يوفقني الله ويلهمني إلى الصواب , إنه نعم المولى ونعم النصير .
أستاذي بل أستاذنا جميعا , أرجو الله في علاه بأن ينعم عليك بالصحة والعافية والخير الكثير .
أستاذي الشاعر زهدي غاوي فرحت جدا لهذا الخبر الجميل ، وأفرحتني كلمة الأستاذ د. سامي إدريس
ما أجملكما يا حامل الطيب ويا نافث العطر
في انتظار نسختي طبعا
ما اروع هذين الرجلين وما دعواتي الا ان يوفقكم الله للاستاذ زهدي الى الامام
وللاستاذ سامي الف تحيه وشكر
تحية اخوية مكللة بالورد والرياحين للحبيب الغالي الاستاذ الكريم زهدي غاوي..
الف الف مبروك الديوان سلفا..
تحية حب وتقدير الى استاذنا الكبير سامي ادريس المحترم..
لكم يا سادتي كل الاحترام على السلوكيات الجوهرية…انتم محضر خير واهل
ثقة ومصدر فخر واعتزاز..بوركتم ..اتمنى لكما دوام التالق والعطاء الكريم..
تحيّاتي الورديّة عمي زهدي
أبارك لكَ تحضيركَ لديوانك “شمس وقمر” اّلذي يتضمن في محتواه الكثير من المجازات البلاغية والتعابير الجميلة ,المرصعة بالجمال والسناء.
كما وأني أثمنُ كتاباتك فهي قيّمة الفحوى, مفعمة بالحيوية والشباب, ان نصوصكَ الشِعرية مليئة بالاحاسيس الصادقة والمرهفة
أدامك الله لنا, ونحن في كفرقرع نفخر بكَ أستاذي
احييك واهنئك في بداية كتاباتك لديوانك المنتظر شمس وقمر .
نعم قصائدك مليئه بالاحساس والعشق الصادق .من الدي قال بانك لست من الشباب؟ .
قدما والى الامام
تحيه للشاعر ابو فريد …
ما هذا شيخ الشباب .لماذا تشبه نفسك بالليث المصاب
لقد كنت وما زلت قويا …وقلبك بمشيئه الله لن يشكو العذاب
اللهم يا ربي يبعد عنك الهموم والاحزان ..وتبقى سعيدا بيننا والاحباب
نحن بانتظار ديوان شمس وقمر
وانا بانتظار الجواب
تحياتي وتقديري لكل الزملاء والأصدقاء والأحباء الذين كتبوا لي مهنئين ومقديرين للإنجاز المرتقب , ولقد لفت إنتباهي مرور أخي وحبيبي عبدالقادر أبو عودة الذي أكن له كل احترام ومحبة , أحييك على رفع معنوياتي من شيخوختي لبدء شبابي , أتمنى لك كل الخير ولمن سبقوك في تعليقاتهم الرائعة .
تقول يا زهدي كم جميل لا يساوي درهما وزنه الصافي كما عود الثقاب وانا اقول لك:كم من رجل لايساوي وزنك يا من حيرت النصاب.حكيم حبيب فقيهه زرع في القلب عذاب.يا جنه الشعراء ارى بشعرك ما لذ وطاب.
ما اروعكما
ما اروعكما فى الكتابة والنقد
قم يا فؤادى وانتحب فى وصفها قلقدبكت لما نسيت جمالها