مجلة دبي الثقافية تحاور الشاعر الناقد فاروق مواسي
تاريخ النشر: 23/07/14 | 10:36“الشاعر الناقد”- هكذا وصفه وكتب إليه كل من الشعراء نزار قباني وصلاح عبد الصبور وعبد الوهاب البياتي وسميح القاسم وغيرهم، وذلك عندما أهدى هذا الشاعر أو ذاك كتابًا له أو أكثر.
“كشاجم فلسطين” أطلق عليه أيضا، انه فاروق مواسي بروفيسور يحاضر في أكاديمية القاسمي في مدينته باقة الغربية التي تقع بين يافا وحيفا، وهو عضو في مجمع اللغة العربية في فلسطين، وقد أصدر أكثر من ستين كتابًا في الشعر والنقد والقصة والقصة القصيرة جدًا والبحث والدراسات اللغوية، والمقالة، والكتب المدرسية.
وعندما نلتقي شخصية أدبية جادة يتبادر إلى الذهن السؤال الأول:
لماذا تكتب؟
سأجيبك ما افتتحت به موقعي على الشبكة، وهو موقع ثري وبلغات مختلفة، قلت:
“أكتب لأنني مضطر أن أقدم الثمرات وكأنني شجرة، قد تكون عذبة شهية، وقد لا تكون، ولكني أحس أن هناك من يسعد بها، يتلقفها/ يتغذى منها/ يستمرئها/ يلقي بنواتها التي قد تطلع شجرة أخرى.
كتاباتي قد لا تأتي طواعية وترفاً، بل تأتي تعبيرًا عن قلق ينتابني، أستحث التغيير نحو الأفضل والأمثل. أبحث عن زمن ضائع قد أستعيده بصورة جديدة، أو أناغي حاضرًا مؤلماً، أو مسعدًا أخاف أن يمضي دون ذكر، أو أنتظر مستقبلأ.
أعيد تركيب الأشياء والعناصر كطفل.
وأتجشم مسؤوليتها كرجل، وأنقد طبيعتها كشيخ.”
أكتب حتى لا أموت.
في أي النصوص ترى نفسك أكثر ألفة مع ما قدمت؟ في الشعر، النقد، في السرد، المقالة؟ البحث؟
لا بد إلا أن أجد نفسي في النص ـ أي نص وفي أي نوع أدبي، حيث يكون النص مسكونًا في ذاتي، وذاتي مسكونة في النص أولا أو قبلا، وذلك من خلال نسيج لحمته أو مضمونه الصدق، وسَـداه أو مبناه اللغة. واللغة هي عشقي أعلّمها وأتعلمها، وهي التي تشف عن كوامن حبي لمجتمعي، فتنطلق أداء موظفًا آنًا، وجماليًا يطوف في فضاءات شتى آنًا آخر. المهم ألا أنطق عن ثرثرة، بل في هوًى أستحبه، وأدعو لأن يحبه سواي، ويسعدني أن أجد لي رفقة درب.
ماذا يعني لك الشعر؟
أجبت عن هذا السؤال بصور مختلفة تبعًا للموقف من العلاقة الجدلية بين الشعر وبين الحياة – أي ماذا يجب أن يعكس؟ الذات خاصة؟ أم الذات المعبرة عن الهم الجمعي؟ هل هو الفيض التلقائي حسب مصطلح ووردزوورث أم هو عملية بنائية تنبثق من الشعور، وكلها كنت قد عايشتها فعلاً وصدقًا، الآن في ساعة الكتابة أرى أن الشعر يعني لي التعبير الصادق عن الوجدان، ولن أكتب إلا ما يعتمل ويتفاعل في احتدام بالغ وتواصل مع نفسي ومع المتلقي. شعري هو أناي.
هل كتابتك التزام إبداعي أم طرح سياسي؟
إنها التزام إبداعي صادق، تعبر عن فاروق مواسي، وبالتالي تعبر عن همومه التي تتلاقى وهموم مجتمعه، وفاروق هذا له جوانب وحالات وأشجان، وأحاديث ذات شجون، وهو يحسّ القضية ويتألم، ويعشق، ويرفض…. وقد تكون بعض انطلاقته سياسية، أو قد تكون السياسة لبسها ولبسته، فكونت شخصًا هو نسيج متفرد بمعنى individual
كيف ترى قصيدتك عند كتابتها؟ بعد كتابتها؟ وبعد مرور فترة عليها؟
في المرحلة الأولى وعندما أقرر نشرها أعجب بها، وإلا فلن أنشرها، وبعد كتابتها أو بعد نشرها استمع إلى ردود الفعل، فأقدرها إذا وجدت متلقين غير جديين، وأحترمها إذا أثارت نقاشًا. أما بعد سنين فأرى كل قصيدة بمنظارها الحدثي أو المنطلق من التجربة.
لو أردت نشر قصائدي في مجموعات جديدة لما حذفت أية قصيدة، وهذا خلاف كثير من شعرائنا الذين تنكروا أو أغفلوا أو غيروا ما كتبوا.
وكثيرًا ما أتساءل عند قراءة قصيدة قديمة: كيف استطعت أن تهتدي إلى هذه المعاني؟ اليوم أنت – يا ولد – لا تستطيع أن تكتب سطرًا مما كتبت. دائمًا أتهم نفسي أنني لا أستطيع أن أجاري قصيدة الأمس.
ولكني عند ولادة القصيدة الجديدة التي جاءت بعد ولادة مكتملة النضج أحزن…لأن شعراء آخرين هم الذين يُطبل لهم، وهم الذين يُحرق لهم البخور… فأقول لقصيدتي: يا قصيدتي لك الله، ولك الناقد الذي لا بد أن يقدَم!
هل تسعى من خلال شعرك أن تشكل جمهورًا؟
يهمني أن يرضى الجمهور الواسع عن قصيدتي الوطنية، ولا يهمني من هذا الجمهور أن يرضى عن القصيدة الفكرانية العميقة (إلا القارئ المتعمق عندها أسعد به). “الجمهور” كلمة مرنة.
الشعر هل هو لديك هواية؟ أو عمل؟
بالطبع هو ليس عملاً أرتزق منه، فالشاعر – عادة – يكتب ويتحرى النشر، ويتعب، ويدفع الكتاب إلى المطبعة، ويوزعه على الأصدقاء، ولا يكاد يكون هناك تعويض ما.
والشعر ليس هواية كذلك بمعنى ترفي، بل هو قدري ولعنتي وحبي ومُجتلاي.
كيف ترى الوطن من خلال فاروق شاعرًا وفاروق إنسانًا؟
نشرت مجموعة يا وطني، وهي ليست الوحيدة التي ضمت قصائد وطنية، والوطن خلال كتابتي هو المكان والزمان في الوطن، هو النباتات والطيور، والمواقع والتضاريس والتربة والماء والهواء، وهو الناس وعلاقاتهم وانفعالاتهم، وما أتمناه فيه هو أن الإيجاب فيه يستمر، والسلب أن ينحسر.
هنا تتلاقى الشاعرية والإنسانية في حضن الوطن.
هل تأثرت ببعض الشعراء قدامى ومحدثين؟
تأثري قد يتم من خلال قراءاتي الكثيرة المتباينة، وهناك معالم خفية أو تناصات (لا تلاصات) تؤدي إلى المتنبي من القدماء وإلى السياب، عبد الصبور من المحدثين. وقد يجد الدارس أثرًا لشكسبير أو لطاغور أو لريتسوس أو شيركو بيكه س… إلخ
قلت إن ” شعري أناي”، وأناي هي كما قيل- (مجموعة خراف مهضومة).
هل تعتمد شكلاً شعريًا واحدًا؟
لا، فلي قصائد كثيرة على الصياغة التقليدية، وخاصة قصائد الرثاء أو القصائد التي تلقى في المحافل الوطنية، أما قصائد التفعيلة فهي الغالبة على قصائدي. وجدير بالإشارة إلى أن لي بضع قصائد من قصائد النثر كتبتها في حالات تضطرني إلى الخروج من أي إيقاع أو تطريب، وأذكر مثلاً منها “أمام مضيق جبل طارق” في “أندلسيات” التي كتبتها في أعقاب زيارتي للأندلس، والقارئ يدرك لماذا خرجت أنا هنا من الوزن.
ما هي علاقتك بالمتلقي؟
علاقة إنسانية، يهمني المتلقي الذكي البارع في التقاط الإشارات، ولا يهمني أبدًا ذلك الذي لا يقرأ أو لا يعي، وتذكرون مقولة أبي تمام.
والقراءة – كما نعلم – قراءة الأسطر، بين الأسطر، وما وراء الأسطر كما يقول هاريس.
ماذا تعني لك الأنثى؟ هل أشغلت حيزًا في شعرك؟
الأنثى هي الرقة والجمال والعذوبة، هي الصوت العذب الذي يسرّي على النفس.
هي المشاركة الوجدانية الأخاذة التي تعطي للرجل معنى التكامل بقدر ما يعطي هو المرأة إحساسها بالتفوق. المرأة نقطة قوتي ونقطة ضعفي.
قصائدي الغزلية أكثر من أن تحصى، فكثير منها كتبته لبعضهن ولم أحتفظ به. بعضه فيه شبق جنسي، وبعضه يعني الأرض بقدر ما يعني المرأة، ولا بد من ذكر بادرة قد تكون جديدة في الشعر العربي عامة – وهي أنني كتبت قصيدة غزلية لزوجتي – أم السيد – أثارت غيرة زوجات بعض الشعراء الآخرين فكتبوا لهن قصائد تترى.
ما هي أكثر قصيدة لك أحببتها؟
أجيب في كل مرة عن قصيدة تختلف عن الإجابة السابق، الآن لو طلب مني تسليم قصيدة لمؤسسة عالمية –مثلاً- لكنت أختار (الشيخ والبحر) وهي عن مسجد قيسارية الذي أضحى حانة، وربما في وقت آخر أقول (أندلسيات”… إلخ
البروفيسور فاروق مواسي في سطور
أ. د. فاروق إبراهيم مواسي من مواليد باقة الغربية في المثلث (11/ 10/ 1941م). درس في جامعة بار إيلان، موضوعي اللغة العربية والتربية، وفي سنة 1976م حصل على الماجستير في الأدب العربي. وكان موضوع دراسته:” لغة الشعر عند بدر شاكر السياب وصلتها بلغة المصادر القديمة”، ثم حصل من جامعة تل أبيب على درجة الدكتوراة، وعنوان أطروحته: (أشعار الديوانيين: العقاد والمازني وشكري). أشغل منصب رئيس قسم اللغة العربيةٌ في كلية القاسمي في باقة الغربية حتى سنة 2011، وقد حصل على لقب (محاضر كبير أ -2008) ثم البروفيسوراة (آذار 2011). يشترك مواسي في لجانٍ علميةٍ منها: عضو مجمع القاسمي للغة العربية وآدابها، وعضو لجنة الأبحاث فيها، وعضو مجمع اللغة العربية في حيفا. وكان عضوًا في لجنة إعداد منهاج قواعد اللغة العربية في جامعة حيفا، ولجنة منهاج الأدب العربي للمدارس العربية. يحرر في بعض المجلات المحلية: مواقف، الشرق، جامعة، المجمع، غاغ (بالعبرية- وهي مجلة نقابة الكتاب في إسرائيل، حيث يشغل مواسي وظيفة نائب رئيس النقابة على اختلاف لغاتهم). شارك مواسي في مهرجانات ومؤتمرات أكاديمية في داخل البلاد وخارجها، ونشط قلمه في الصحافة المحلية والخارجية. في سنة 1967م حصل مواسي على لقب “حافظ القرآن”، وفاز بجائزة التفرغ للإبداع من وزارة الثقافة مرتين، الأولى- في سنة 1989م، والأخرى في سنة 2005م، كما حصل على جائزة توفيق زياد للعام 2001م. جدير بالذكر أن مواسي شاعر، وباحث وقاص ومترجم له أكثر من سبعين إصدارًا. وقد ترجم بعض شعره إلى لغات مختلفة، وكلف بالتحكيم في أكثر من مسابقة أدبية في الداخل والخارج.