رمضان حان وقت الرحيل
تاريخ النشر: 26/07/14 | 11:00رمضان أيام مضت، صفحات طُويت، حسنات قُيدت، صحائف رُفعت، وها قد حان وقت الرحيل.
ما أشبه الليلة بالبارحة، فقد كنا في شوق للقائه، نتحرى رؤية هلاله، ونتلقى التهاني بمقدمه، وها نحن في آخر ساعاته، نتهيأ لوداعه، وهذه سنة الله في خلقه، أيام تنقضي، وأعوام تنتهي، إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
فمن المقبول منا فنهنئه، و من المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول هنيئاً لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك.
كان حال الصالحين عند وداع رمضان في خوف ودعاء، خوف من رد العمل، ودعاء بالقبول من ذي الجود والكرم، يقول المولى عز وجل: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) أي يعملون الأعمال الصالحة وقلوبهم خائفة ألا تقبل منهم.
تقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ: (وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ)، قَالَتْ عَائِشَةُ: أَهُمُ الَّذِينَ يَشْرَبُونَ الْخَمْرَ وَيَسْرِقُونَ ؟ قَالَ: (لا يَا بِنْتَ الصِّدِّيقِ وَلَكِنَّهُمُ الَّذِينَ يَصُومُونَ وَيُصَلُّونَ وَيَتَصَدَّقُونَ وَهُمْ يَخَافُونَ أَنْ لا يُقْبَلَ مِنْهُمْ، أُولَئِكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَابِقُونَ).
وكان سلف هذه الأمة عند خروج رمضان يدعون الله ستة أشهر أن يتقبل منهم رمضان، خوفاً من رده.
روي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قوله: ” كونوا لقبول العمل أشد اهتماماً منكم بالعمل “، ألم تسمعوا الله عز وجل يقول: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) “.
ويقول الحافظ ابن رجب رحمه الله في ذلك: “السلف الصالح يجتهدون في إتمام العمل و إكماله و إتقانه ثم يهتمون بعد ذلك بقبوله، و يخافون من رده، و هؤلاء الذين قال الله عنهم: (يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ) “.
وقال ابن دينار: “الخوف على العمل أن لا يتقبل أشد من العمل”.
و قال عبد العزيز بن أبي رواد: ” أدركتهم يجتهدون في العمل الصالح فإذا فعلوه وقع عليهم الهم أيقبل منهم أم لا؟”.
فهذا حال سلفنا في وداع هذا الشهر، ولنتفكر عند رحيله سرعة مرور الأيام، وانقضاء الأعوام، ودنو الآجال، فإن في مرورها وسرعتها عبرة للمعتبرين، وعظة للمتعظين.
روي عن علي رضي الله عنه أنه كان ينادي في آخر ليلة من شهر رمضان: “يا ليت شعري من هذا المقبول فنهنيه، و من هذا المحروم فنعزيه “.
وكان عبدالله بن مسعود رضي الله عنه يقول عند رحيل الشهر: “من هذا المقبول منا فنهنيه، و من هذا المحروم منا فنعزيه، أيها المقبول هنيئا لك، أيها المردود جبر الله مصيبتك “.
وقد ذكر العلماء علامات لقبول العمل من أبرزها إتباع الحسنة بالحسنة، والثبات على الطاعات بعد رمضان، فرب رمضان هو رب سائر شهور العام.
سُئل بشر الحافي – رحمه الله – عن أناس يتعبدون في رمضان ويجتهدون فيه، فإذا انسلخ رمضان تركوا، قال: “بئس القوم لا يعرفون الله إلا في رمضان”.
ومن أعظم ما يتبع به شهر رمضان صيام الست من شوال، يقول المصطفى صلى الله عليه وسلم: (مَنْ صَامَ رَمَضَانَ وَأَتْبَعَهُ سِتًّا مِنْ شَوّالٍ. كَانَ كَصِيَامِ الدّهْرِ).
فالحمد لله أن بلغنا رمضان، ونحمده تعالى على نعمة التمام، ونسأله تعالى أن يحسن لنا الختام.
اللهم تقبل منا رمضان، وأعده علينا سنين عديدة وأزمنة مديدة، ونحن في صحة وعافية وحياة رغيدة.
وتقبل الله منا ومنكم صالح الأعمال، وكل عام وأنتم بخير.