مطلوب معارضة سورية مختلفة
تاريخ النشر: 25/03/12 | 17:12اذا كانت قضية كيفية الاطاحة بالنظام السوري تمثل المعضلة الاكبر بالنسبة الى معارضيه ومعظم الدول العربية والغربية الداعمة لهم، بسبب حالة الاستقطاب المتفاقمة بين القوى العظمى وحربها الباردة، وما تمخضت عنه من شلل لمجلس الامن الدولي وعجز كامل لجامعة الدول العربية، فإن مسألة توحيد المعارضة السورية في هيئة تمثيلية جامعة هي التحدي الاكبر الذي يواجه اجتماع اسطنبول، الذي من المفترض ان يبدأ اعماله صباح اليوم في عاصمة الامبراطورية العثمانية.
الانقسامات داخل صفوف المعارضة، والمجلس الوطني الذي يشكل فصيلها الرئيسي، لم تعد سرا، فقد بات من الصعب ان يلتقي اثنان على موقف موحد، ومحور معظم الخلافات هو كيفية الاتفاق على ‘زعيم’ يلتف حوله الجميع، لأن هناك الكثيرين من بين قيادات المعارضة من يعتقد انه احق بالزعامة قبل غيره، وكل هذا قبل ان يسقط النظام.
المشكلة تكمن في تركيبة هذه المعارضة، ومن قبل جهات غير سورية من الاساس، وعلى ارضية النموذج الليبي، ووفق تصور ثبت خطؤه، وهو ان التدخل العسكري الاجنبي، والامريكي على وجه الخصوص، بات حتميا، وكأن قوات حلف الناتو تأتمر بأمر المعارضات العربية وقياداتها، وجاهزة لتلقي الاوامر منها لتنطلق فورا بطائراتها واساطيلها نحو سورية لاسقاط النظام، على غرار ما حدث في ليبيا معمر القذافي.
فرص التدخل الخارجي تتقلص، ليس لان الرئيس الامريكي باراك اوباما متواطئ مع نظام دمشق، او حريص على بقائه، وانما لأن لا نفط في سورية اولا، وخوف الدول الغربية من تحول سورية الى دولة فاشلة تسيطر عليها جماعات اسلامية متشددة، وعلى رأسها تنظيم ‘القاعدة’.
الدكتور محمود جبريل رئيس وزراء ليبيا السابق، واحد مهندسي الانتفاضة والتدخل العسكري الغربي في بلاده، وجه طعنة قاتلة لحلفائه السوريين المعارضين، عندما اتهم الغرب، اثناء كلمة في مؤتمر امني سياسي انعقد في بروكسل، بالتخلي عن ليبيا بعد سقوط النظام، وتركها تسقط في ايدي الجماعات المتشددة، وهو اتهام حاولت نفيه السيدة كاثرين اشتون وزيرة خارجية الاتحاد الاوروبي المشاركة في المؤتمر نفسه.
‘ ‘ ‘
الذين ركبوا المعارضة السورية تحت عنوان المجلس الوطني كانوا بعيدين كثيرا عن الواقع السوري، عندما حشدوا مجموعة من الاكاديميين الذين يعيشون في العواصم الغربية، ومعرفتهم بالخريطة الداخلية السورية محدودة او غير مكتملة، وقالوا لهم انتم زعماء سورية الجدد، وانتم البديل عن النظام القائم الذي بات سقوطه مسألة وقت لا اكثر ولا اقل.
نعم هناك شخصيات في المعارضة السورية ومجلسها الوطني تعرف الداخل السوري وتحظى بقبول لدى اهل الداخل، ولكن هؤلاء اما انشقوا او تعرضوا لعملية تهميش، لانهم ليسوا محسوبين على هذا الجانب او ذاك، ولا يحظون بمساندة من ركبوا المجلس الوطني ودعمهم.
ومثلما تعرضت السيدة اسماء الاسد للكثير من النقد والتشهير لانها تشتري احذية وملابس من محلات شهيرة في لندن وباريس، بينما اطفال الشعب السوري ونساؤه يتعرضون للذبــــح برصاص الحــلول الامنية للنظام، فإن الشيء نفسه ينطبق تقريبا، وفي نظر الكثيرين، على بعض شخصيات وقيادات المعارضة ايضا. فالهدف الاسمى الذي يجب ان يوحد الجميع، ويجعلهم يترفعون عن انانيتهم وتضخم ذاتهم، الا وهو انقاذ الشعب السوري من الديكتاتورية والظلم، تراجع من سلم اولويات المعارضة، بينما تقدم الصراع على المناصب والزعامة.
نحن هنا لا نقع في خطيئة التعميم ولا نضع الجميع في سلة واحدة، ولكن اوضاع المعارضة، والمجلس الوطني السوري بالذات، لا تسر الا جهة واحدة فقط، وهي النظام السوري الذي تعمل على اسقاطه. وتكفي المقارنة بين حال المجلس الوطني في بداية الثورة السورية، حيث كانت الحكومات تتسابق للاعتراف به، والآن حيث تختفي هذه الاعترافات وتذوي.
اجتماع اسطنبول اليوم هو محاولة انقاذ اخيرة للمجلس الوطني السوري، وعودة الى المربع الاول، ولكن مياها كثيرة مرت تحت الجسر منذ الاجتماع الاول قبل عام، واختفت الكثير من الشخصيات، وتقلصت المظلة التمثيلية كثيرا، وانتقلت الثورة بشكل سريع من ‘السلمية’ الى العسكرة من دون وجود قيادة عملية تملك رؤية للمستقبل. فتارة تبتعد عن الجيش السوري الحر وتعارض عملياته العسكرية، وتارة اخرى تتراجع وتتبناه، في ظل تخبط اربك الداخل السوري، قبل ان يربك المعارضة الخارجية.
قواعد اللعبة تغيرت الآن وبشكل جذري، فدور الجامعة العربية في الملف السوري تراجع بشكل ملحوظ، واجتماعات وزراء الخارجية العرب اصبحت متباعدة، وآمال التدويل اصطدمت بالفيتو الصيني ـ الروسي المزدوج، والحديث عن اسقاط النظام، وفقدانه الشرعية، والتأكيد على ان ايامه باتت معدودة، جرى استبداله بحديث عن ‘الحل السياسي’، اي حل قائم على الحوار بين المعارضة والسلطة.
‘ ‘ ‘
هذا الحديث المتصاعد عن ‘الحل السياسي’ الذي يحمل لواءه السيد كوفي عنان المبعوث الدولي يحتم على المعارضة السورية ان توحد صفوفها فعلا، وان تقدم مصلحة الشعب السوري وطموحاته المشروعة في التغيير على مصالح بعض قياداتها الذاتية، وتختار قيادة محنكة، خبيرة، نزيهة، قادرة على قيادة سفينة المعارضة وانصارها في الداخل الى بر التغيير الديمقراطي الحقيقي، وبما يحفظ وحدة سورية الوطنية والجغرافية ويبقي على التزاماتها الوطنية والدينية والقومية تجاه قضايا الأمة التي هي قضية الشعب السوري ايضا.
نشعر بالأسى ونحن نرى الخلافات تتفاقم بين فصائل المعارضة عشية انعقاد اجتماع اسطنبول، ومقاطعة هيئة التنسيق الوطنية التي تضم قطاعا عريضا من معارضة الداخل للاجتماع ،على وجه التحديد، احتجاجا على الجهة الداعية اولا، واستبعاد او بالاحرى اقصاء بعض الشخصيات والجماعات المعارضة الاخرى، الامر الذي يكشف عن تسرّع في عقد اللقاء، وعدم تهيئة الحد الادنى من الشروط اللازمة لنجاحه.
لن نستبق الاحداث، ونصدر بدورنا احكاما متعجلة، ولكننا نعترف بان حركة الاخوان المسلمين في سورية قد فاجأتنا، وربما الكثيرين مثلنا، باصدارها ‘وثيقة عهد وميثاق’ حددت فيها الاطر العريضة لمفهومها لسورية الجديدة، ابرز ما جاء فيها الدعوة الى ‘دولة مدنية حديثة ديمقراطية تعددية تداولية’.
الوثيقة طالبت ايضا بقيام ‘دولة مواطنة ومساواة’ يتساوى فيها المواطنون جميعا على اختلاف اعراقهم واديانهم ومذاهبهم واتجاهاتهم، تقوم على مبدأ المواطنة، ويحق لاي مواطن فيها الوصول الى اعلى المناصب’. ودعت الى ‘دولة تقوم على الحوار والمشاركة لا الاستئثار والاقصاء والمغالبة يلتزم جميع ابنائها باحترام سائر مكوناتها العرقية والدينية والمذهبية وتحتكم الى صناديق الاقتراع’.
مبدأ الحوار وعدم الاقصاء واحترام الاختلاف يعني التسليم بالحوار مع الآخر واحترامه، فهل يأتي توقيت اصدار هذه الوثيقة قبل يوم واحد من اجتماع اسطنبول التوحيدي المفترض تماهيا مع مهمة عنان، واستعدادا للجلوس مع النظام ، وبداية تغيير ‘عقلاني’ في خط جماعة الاخوان والقسم الاكبر من المعارضة؟
الايام القليلة المقبلة كفيلة بإيضاح العديد من الامور، وكل ما نأمله ان لا تؤدي هذه الوثيقة وبنودها الى المزيد من الخلافات وسوء الفهم.
بقلم عبد الباري عطوان