العيد يوم الزينة والبسمة
تاريخ النشر: 27/07/14 | 15:10الأعياد من خصائص المجتمعات والحضارات، وجزء مهم من نسيجها الثقافي، ولا توجد أمة بلا عيد، كما لا يكون عيد بلا أمة، خاصة حين كانت الأعياد مرتبطة بالمناسبات الدينية فقط قبل أن تشيع الأعياد الدنيوية في هذه العصور المتأخرة، حتى صار للطماطم والعنب عيدًا في بعض البلدان والحضارات.
والعيد خاصية تتميز بها الأمم عن غيرها، وتُظهر به مدى تمسكها بثقافتها وقيمها، وتفصح عن مبلغ اعتزازها بتاريخها وتراثها؛ ولأن الأمر كذلك فمن المستغرب أن يهمل الناس عيدهم أو يغادروا بلادهم في أيامه -بلا عذر سائغ- وأعجب منه أن يحتفلوا بعيد أمة أخرى، ولا يوصف العجب حين تكون هذه الأمة باغية محاربة معادية لمن يحتفلون بيومها! وعلى الطرف الآخر لا يحسن بأمة أن تحتفل بما يغضب معبودها في يوم عيدها وفرحها، خاصة مع توافر النعم وكثرة المنن من الله I المنعِم المتفضل بكل حال، والمستحق للشكر دومًا.
ونحن المسلمون أعيادنا دينية، والدين عندنا لا ينفصل عن الدنيا ولا ينفك البتة، وقد جعل الله لنا عيدًا أسبوعيًّا هو يوم الجمعة، وعيدين سنويين يأتيان بعد عبادتين عظيمتين، وبعد أداء ركنين من أركان الإسلام ومبانيه العظام.
فالعيد الأول: يوم الفطر المبارك الذي يعقب رمضان مباشرة، وبه تبدأ شهور الحج. والعيد الثاني: يوم الأضحى المبارك الذي يسمى يوم الحج الأكبر، وهو أعظم أيام السنة قاطبة، ويحاط بيومي عرفة والنحر اللذين يأتيان بعده بالفضل والمكانة. وإن أي محاولة لإقحام عيد ثالث في السنة لن تنجح في وجدان المسلمين ولا في حياتهم تمامًا، كما لا يمثل يوم الخميس شيئًا قياسًا بيوم الجمعة. وقد شرعت هذه الأعياد بعد العبادات لتكون لنا فرحًا بالله، وأنسًا بطاعته، وسرورًا بالقبول المرجوّ والظفر المنشود؛ ولذا يسمى يوم الفطر بيوم الجوائز، وجمعت أكثر أعمال الحج في يوم الأضحى.
والعيد لنا أهل الإسلام يوم لباس وزينة وتجمُّل، وموسم سرور وفرح وحبور؛ ولذلك يتسابق الناس في العيدين لإطعام الفقراء قبل صلاة عيد الفطر وبعد صلاة عيد الأضحى حتى لا يبقى بيت أهله جياع. ولعل من فضل الله على المجتمعات الإسلامية أن أكثر الناس يخرجون زكواتهم ويزيدون من صدقاتهم في رمضان وعشر ذي الحجة؛ حتى يجد الفقراء ما يشترون به الجديد والأنيق من الثياب والملبوسات، فلا تحزن قلوبهم بتميز أحد عليهم أو بتخلفهم عن عادة عموم الناس.
وفي هذا من المعاني الاجتماعية النبيلة ما ينبغي لنا استصحابه طوال العام، ومجانبة البذخ والترف؛ فالفقراء وأشباه الفقراء لا يستطيعون مجاراة غيرهم في مناسبات الزواج وحفلات التخرج وغيرها.
والعيد وسيلة لتواصل الأقارب والأصدقاء ومناسبة وجيهة لاجتماع العوائل وتصافي النفوس وإزالة ما علق بها من غبار الدنيا، وهو فرصة عظيمة ليتوافق مكنون القلب مع ما يظهر على المحيا من ابتسامة وصفاء. كما أن العيد طريق لإسعاد الأطفال الذين لا يحلو عيد بدونهم، فهم من أجمل معاني العيد؛ لأن حياتهم كلها عيد وفرح وسلامة صدر، فإذا جاء عيد الناس فهو لهؤلاء الأطهار عيدان لا عيد واحد. وليس أغلظ من وليِّ أمر لا يشيع السرور في نفوس صغاره إبان هذا الموسم البهيج! ولا أقسى من أبٍ لا يعرف عن أطفاله شيئًا حتى في العيد! كما أن العيد فرصة لتجديد الحب بين الرجل وزوجه، وفيه سانحة لبعث معاني الزوجية الجميلة والعشرة الكريمة، خاصة إن كان ثَمَّ جفوة أو انقطاع.
والعيد ضيف خفيف الظل وزائر لا يتخلف عن ميعاده، ورديف كريم لمواسم الله وأيامه، فلا مناص من حسن استقباله بكل خير ولهوٍ مباح، وبما يجمع ولا يفرق، وبالمعروف المقبول من ألوان المباهج والزينة والاحتفالات دون المرفوض لمآخذ شرعية أو نظامية؛ وعليه فالمأمول من المخطِّطين لاحتفالات العيد ومنفذيها أن يتحاشوا كل ما يخدش تعاليم الشرع المطهر، أو يجلب غضب الناس ويكدر صفوهم؛ فلا نريد احتفالاً يكون فيه من المنكرات ما يقود للفتن ما ظهر منها وما بطن، ولا نريد من الاحتفالات ما يسبِّب الزحام واختناق الطرق. وإن الإبداع كل الإبداع أن تكون الفرحة بالعيد غامرة، والسعادة به سابغة مع انضباط تام وتحوُّط كبير. وإن الذين سعوا ويسعون في إفساد رمضان والحج -على ما لهما من قداسة- لا يأبهون بالعيد من باب أولى، خاصة مع انفكاك إخوانهم المردة من الأصفاد، وهؤلاء النشاز لا مكان لهم في مجتمعنا ولا نظام حكمنا، فمن المنطقي ألاّ يكون لهم يد ولا رأي في أيام فرحنا.
وحين نستقبل العيد بما يرضي الله، فعلينا أن نودعه بما يرضيه، من عزم على استدامة الطاعات والقرب، وعلى العودة لأعمالنا ومناشطنا ونحن أقرب للمعروف، وأصدق في التعامل، وأحرص على الشأن العام بما يفيد البلاد والأمة؛ كيف لا وأعيادنا مظهر من مظاهر القوَّة والعزة.
العيد بسمة للاطفال
العيد بسمة للاطفال الصغار حتى للكبار