روسيا خسرت العرب ،وخسرت سورية…!!!
تاريخ النشر: 28/03/12 | 9:35من الواضح جداً بأن الموقف الروسي نحو الأزمة السورية بدأ يتسم بالأزدواجية في تفسيره السياسي للأزمة ،والدور الروسي الذي اتخذ دور الشريك في هذا الملف وليس دور الوسيط ومن هنا، كانت الموقف الروسية ملتبسة وغير واضحة بسبب عدم حمل موقف او مبادرة روسية فعلية وفعالة، في حل الازمة السورية التي يمكن ان تقنع العالم بها. ولم تضغط على النظام الذي ترعه، وتطالب بالضغط على المعارضة من اجل تسوية سياسية شاملة للازمة السورية.
طبعا وصول القوات الخاصة الروسية والسفن الحربية تركت اثارها السيئ على وجه السوريين والعرف والجميع بدا يتسأل لماذا القوات الخاصة وماهي مهامها القادمة وهل هي قررت سورية خوض الحرب الى جانب النظام السوري كثير من التساؤلات والتحليل الذي حاولت شرح القصة والتي تعددت وكانت تدور في معظمها بان الغرب والروس اتفقوا على حماية الصواريخ الروسية المنتشرة في سورية ومنعها من الوقوع في ايادي الارهابين ،او المحافظة على مؤسسات الدولة السورية والمصالح الروسية والرعايا الروس في سوري واجلاء الرعايا والخبراء والدبلوماسيين الروس ،والبعض حاول ان يعطي القوة مهمة انقاض عائلة الاسد ونظامه واجلاء الرعايا. طبعا القوة الروسية التي دخلت مناء طرطوس حملت معها السلاح والعتاد والخبراء الذي يدربون جيش الاسد على حرب الشوارع ويقودون غرفة العمليات الميدانية ،والعتاد والاموال والمعلومات الاستخباراتية، والسلاح المتطور والاجهزة الإلكترونية ، وهذا ليس جديد على احد لان الجميع يعلم بان روسيا اضحت شريكا فعليا للنظام السوري في حربه على شعبه، لكن المهمة الرئيسية يمكن ان تقسم و تدور في فلك ثلاثة
1- الخيار الاول: الانخراط الروسي الميداني في القتال والتورط بحرب سورية وهذا مستبعد والروس لا يردون التورط في حرب عسكرية او حرب باردة مع العالم ،وخاصة اعادة سيناريو افغانستان جديد لان حرب افغانستان اسقطت الاتحاد السوفياتي وهذا المستنقع مع التطرف الاسلامي في سوريا سوف ينهي روسيا الاتحادية وهذا خيار مستبعد .
2- الخيار الثاني: يأتي من خلال هذه القوة مساعدة عسكرية ومساعدة لوجستية لنظام الاسد والمحافظة على القوة العسكرية والرعاية الروس وتامين حماية لمنشئات الدولة وتامين اخلاء سريع للأسد كي لا يتكرر تجربة العقيد زميل الاسد في الاجرام .
3-الخيار الثالث: وهو الخيار الكثر ترجيحا وهو يذكرنا تجربة كوسوف من خلال احتلال مطار برشتينة عن طريق الانزال المظلي للقوات الخاصة الروسية في العام 2000،لفرض واقع سياسي جديد في سورية والحفاظ على دور موسكو وعدم تجاهل دورها ومصالحها .
روسيا التي تحاول ان تبقي هذه القوة الخاصة تحت حجج واعذار وقحة، بانها تريد حماية، وسحب رعايا ها، ولكن موسكو تريد ان تبقى في سورية تحت شعار حماية الاقليات وتحديدا الطائفة العلوية التي تكون مرتاحة لوجود روسيا في سورية، ريثما يتم انضج حلا سياسيا لتسوية الازمة السورية المستعصية عن الحلول ،ولا سيما روسيا تعلم بان الحلول العسكرية مستبعدة لكن ارسال قوات سلام اممية، بات اقرب الى التسوية وبالتالي تكون موسكو جاهزة لهذا الحل الذي يحفظ لها بعض المصالح من القوة السياسية “التسوية الدولية”، لان موسكو اضحت تعلم بانها لم تعد مرغوبا فيها في سوريا من قبل الاكثرية التي تهاجمها والذي كان اخرها تصريح الملا لافروف .بالمناسبة لبد من الذكير بان الدستور الروسي لا يسمح بخروج الجيش الروسي الى خارج البلاد للمشاركة في مناطق قتال ولا في قوات سلام دولية ،وهذه القوة التي خرجت الى سورية هي قوة صغيرة من قوات النخبة العسكرية تم تأسيسها في العام 2005 بقيادة وزارة المخابرات لحماية الرعايا الروس في الخارج بحال تعرضهم لمشاكل ،وهذه القوة تشكلت بقرار من الرئيس بوتين بعد قتل الدبلوماسيين الاربعة في العراق 2004-2005 ومارست هذه القوة مهام عديدة في الخارج علنية وسرية ،وابرزها اغتيال الرئيس الشيشاني” زليم يندريف “في قطر ،واغتيال دبلوماسيين شيشان في تركيا في اوائل 2011 ومهام كثيرة.
بالرغم من ان الإيجابية الدبلوماسية التي حاولت موسكو ان تتركها. حين استقبلت، المبعوث الدولي كوفي انان في موسكو بتاريخ 25 آذار “مارس” الحالي ، فالرئيس الروسي الحالي ديمتري ميدميديف الذي استقبل الموفد الاممي” والعربي” قال بصراحة :”فأنا مهمته عنان هي الفرصة الاخير لسورية في عدم الذهاب “الانزلاق ” في حرب اهليه، ولم يشدد ميدفيديف على انها الفرصة الاخيرة امام النظام السوري للحل ، وهنا يعاني بأن موسكو لا تزال تراهن على النظام نفسه.
موسكو التي قالت بأنها مستعدة لدعم جهود كوفي انان في التواصل الى حل.
الحل الروسي حتى اليوم يكمن في إنقاض النظام السوري، روسيا التي حددت شروطها المسبقة لمهمة عنان بأن: على الدول العربية والغربية التي تدعم المعارضة السورية سياسياً وعسكرياً عليها ان تعمل على اقناعها والضغط عليها بقبول مهمة عنان وإلا سوف يستمر الاسد بممارسة عمله الذي قبل بهذه المهمة.
موسكو في تقدم كل المساعدات في شق الطرقات للمهمة ولكن السؤال الذي يطرح نفسه بقوة، ما هي المساعدات التي تريد موسكو تقديمها لا تزال غير مفهومة وغير معروفة اذا لم تفي بكل وعودها.
المهمة التي تسودها عدة شوائب اهمها:
1-عدم تحديد مهمة زمنية لمهمة كوفي عنان ،حسب تعبير وزير الخارجية الروسي.
2-عدم اخذ البنود إلى مجلس الأمن كي لا تجبر المجلس على اقرارها .
بالرغم من تصريح نائب وزير الخارجة الروسية بان وقف اطلاق النار امراً صعب إذا لم يتم وقف دعم الدول العربية للمعارضة، بالرغم من ان موسكو ترى رفي مهمة تري فيها موسكو نصراً سياسياً ودبلوماسيا لسياستها التي خاضته ضد المجتمع الدولي وقد استخدمت مرتين حق الفيتو، والسعي الدائم لعرقلة كل القرارات الدولية التي تدين النظام؟
روسيا التي ترى بان عنان لا يختلف مع موسكو في طرحه وتشخيصه للازمة السورية وفي البنود الست التي قدمها للدولة السورية وخاصة بأن عنان لم يشكل حزازية في عمله اثناء رئاسة مجلس الأمن طوال الفترتين الماضيتين وكذلك عندما كان مندوب دولياً في حل ازمة يوغسلافيا.
فالروس الذين ينظرون لتنفيذ سياستهم الداعية بعدم ازاحت الاسد من خلال الحفاظ على القانون الدولي، كما كان الاتحاد السوفيتي السابق يقول بانه يحافظ على الامن والسلم العالمي ، وأن القتل والضرب الذي يمارسه الاسد ما هو إلا استخدام لقوة الدولة ودكتاتوريها في تنفيذ سياستها وحماية استقلاليتها من المجموعات الارهابية.
وتصريح موسكو بالنسبة للطائفية هي صدى فعلي لصوت النظام السوري وبالتالي فإن النعرات الطائفية التي تحاول موسكو أثارتها واللعب عليها فإنها سوف تنمي الشعور الطائفي الفعلي لدى السوريين، الذين ينظرون بان الحرب التي تشن ضدهم ما هي الا حرب صليبية جديدة .
فان هذه التصريحات التي ادلى بها سيرغي لافروف وزير الخارجية الروسية بتاريخ 19 اذار “مارس “الحالي ،الى “اذاعة كومرسانت “اف ام الروسية :”اذا انهار النظام الاسدي الحالي فان هناك دول عربية تعمل الى اقامة نظام سني متطرف في سورية من خلال ابعاد نظام بشار ” العلوي”.
هذه التصريحات القادمة من موسكو ذات النظام العلماني خروج عن المألوف طبعا هذا الكلام الروسي هو صب النار على الزيت من خلال اثارت النعرات الطائفية والصدى الفعلي لراي النظام السوري. لكن لروسيا راي خاص بهذا الموضع تخرجه من خلال الكلام الطائفي ،لكن الموضوع متصل فعليا بمستقبل النظام السوري السياسي “السنية” فالطرح نابع من خلال الخوف الحقيقي من سيطرت المعارضة السورية ذات الاغلبية الاسلمية كما تتصور موسكو وتسيطر على النظام السوري وتخرج روسيا من سورية ، ففي راي موسكو :”ان وصول نظام منتخب ذات قوة اسلامية اصولية كما حصل في دول الربيع العربي والتي تربطها صلة مباشر مع الاسلاميين السوريين، هذا ما سوف يترك آثاره على جمهوريات اسيا الوسطى ذات الاغلبية الاسلامية السنية وانعكاس صورتها على جمهوريات روسيا الاتحادية الاسلامية اضافة الى المشكلة الاساسي التي بدأت موسكو تعاني منه وهو وصول حركة طالبان الى السلطة في افغانستان بعد خروج امريكا منها وتعتبر الحركة العدو الاول لروسيا ومناطقها الاسلامية .
وهنا نرى مواقف موسكو ثابتة في العرقلة والتعطيل “ان روسيا تضع العصا إمام الدواليب في الازمة السورية” ، لكونها مصرة على دعم النظام السوري من جهة ،وتحميل المسؤولية الكاملة للمعارضة السورية مما يحدث اليوم والتي تصفها بالإرهابية من جهة أخرى.
وهنا يظهر فعلياُ في روسيا الأرتباك والتشنج في المواقف السياسية والدبلوماسية للدولة الروسية من خلال رفع سقف المطالب طوراً وخفضها طوراً أخر، من اجل شراء الوقت مجدداً للنظام السوري التي تراهن عليه موسكو وصقور الكرملين.
روسيا التي لم تتطبق الاتفاق العربي- الروسي ببنوده الست الذي عقد بتاريخ 10 اذار مع الجامعة العربية في القاهرة.
القاضي بوقف اطلاق النار فوراً ، بالرغم من محاولة الروس الدفاع عن موقفهم المرفوض عربيا، بكونها لا تحمون نظام او فرد بل يحاولون تطبيق القانون الدولي
اضافة إلى عدم موسكو مصداقية من التمكن الضغط على نظام الأسد من فتح ممرات انسانية كما اصرت هي نفسها على هذا الطلب و حسب بيان مجلس الأمن الصادر بتاريخ 21 اذار الحالي ، اضافة إلى الطلب الرسمي من رئيس الصليب الاحمر الدولي الذي زار موسكو بتاريخ 18اذار الحالي ،ووعدته روسيا بأنها سوف تعمل جهداً لتطبيق الاتفاق الانساني الذي يجبر المتحاربين على إيقاف القتال لمدة ساعتين يومياً ،لكنها ادارت ظهرها للمجازر والقتل بدم بارد، وبالتالي الروس يتعامون مع سوريا ليس من موقع تاريخي وانما موقع جغرافي .
روسيا التي اضحت تعلم جيداً بأنها فقدت الدول العربية والشعوب العربية وخسرت سوريا وشعبها ولم تعيد الاسد الى السلطة ،لم تعد تهتم بما يحدث في سورية من مجازر ترتكب على ايادي النظام بل هي اضحت شريكة فعلية في ادارة الازمة من خلال خبراءها و. ضباطها وغرفة عمليتها التي تديرها من خلالها المعارك الميدانية.
وتزويد الدولة بالسلاح والعتاد والاجهزة الإلكترونية بالوقت التي تطالب بعدم تسليح المعارضة والتدخل الاجنبي وتجيز لنفسها هذا الحق بالتدخل والتسليح للنظام.، وهنا اضحت سورية هي ورقة ضغط من قبل الروس “كما وصفها الرئيس بوتين في مقابلة مع الصحافة الغربية في2 اذار “مارس” الحالي”.
في حربها مع الغرب من اجل الحصول على مكاسب دولية ،فالروس يريدون بأي شكل من الاشكال ،بان لا تسيطر المعارضة السورية على السلطة السورية للعديد من الاسباب المرتبطة بهم داخليا وخارجيا .
فإن مواقف روسيا من :”مهمة كوفي انان الحالية والبيان الدولي في مجلس الأمن، والإدانة الأخيرة في جمعية حقوق الانسان ، وتصريحات الملا لافروف في 22 اذار الحالي” . كلها تأتي لتدل على التناقض والازدواجية في الموقف الروسي لجهة التعامل مع الازمة السورية.
فالتصريحات الروسية المتناقضة من الازمة السورية تأتي في الاطار الملتبس للدولة الروسية والتي تصب في الموقف، اللاأخلاقي وللاإنساني للروس وسوف يدفعون ثمنه في المستقبل.
لأنها كلها تكمن تحت عنوان واحد هو شراء الوقت للنظام والالتفاف على مواقف القمة العربية المنعقد في بغداد في 29 اذار “مارس، الحالي، وعدم خروجها بقرار عربي قوي يذهب به إلى مجلس الأمن، وكذلك الاستباق السريع لمؤتمر اسطنبول “أصدقاء الشعب السوري” الذي سينعقد في 2 نيسان ابريل” القادم ،والمحاولة لجويف محتواه. وهنا نرى بأن السجال السياسي الذي يخاض في ازقة مجلس الأمن الدولي بين روسيا والصين من جهة والعالم الغربي والعرب وتركيا من جهة اخرى ما هو الا صراع ديماغوجي ليس له طعما ولا لون، وعلينا الخروج منه والالتفاف على الموقف الروسي المتعنت ،موقف روسيا من سورية واستخدامها لحق الفيتو في مجلس الامن ، لا يختلف عن الموقف الامريكي الذي يحمي اسرائيل بجرائمها ضد الفلسطيني فالقوانين والتفسيرات والتساؤلات والصياغات الادبية للجمل ما هي إلا لشراء الوقت للنظام.
علينا ان لا ننتظر من روسيا تغير موقفها السريع بالرغم من الاشارات والرسائل التي ترسلها للعالم ،لكن السؤال الذي نطرحه اليوم ما الذي يجعل روسيا كدولة كبرى لها مشاكلها الخاصة من ان تغير موقفها بسرعة ،طبعا الثمن التي تطلبه او تصارع عليه روسيا لتغير مواقفها نحو سورية ،لكن في الحقيقية حتى اليوم لم تنال روسيا مبتغاها ، لذلك التبديل الروسي لم يحن وقته .
بالرغم من الاجتماع الذي ضم الرئيس ابوباما والرئيس ميدفيدف في سيؤول في مؤتمر الامن النووي العالمي بتاريخ 26 اذار” مارس “الحالي، والذي اشار الى دعم مهمة كوفي انان والوصول الى تسوية سلمية في سورية ،لكن الرئيس ميدميديف اضحى في حكم المنتهية ولايته ولا يستطيع تقديم اي اشارات فاعلة للتغير.
ولا الخارجية الروسية الحالية المرتبطة بوزير فاشل ومتعصب يطلق الشعارات السياسية المتشنجة المختلفة التي تدل عن فشله الفعلي في الدبلوماسية، يبقى الموقف الفعلي الروسي المنتظر هو وصول رجل روسيا القوى الى السلطة الذي سوف يحدد الموقف الروسي النهائي من الأزمة السورية. وربما تكون زيارة بوتين الغير عادية الى واشنطن في الاسبوع المقبل ،هي بداية لحلحلة ملفات منتظرة بين البلدين قد يكون الملف السوري من اولوياتها.
على العرب عدم الانتظار طويلة في التعامل مع الملف السوري من خلال التحرك من خرج مجلس الأمن بصفتهم منظمة اقليمية لها حق التحرك واتخاد القرارات , فاستعمل الفيتو العربي بوجه الروس اجبرهم يهلهلون سريعاً نحو العرب ويجادلون شرخ مواقفها وبالتالي العرب يملكون اوراق قوية يمكن استخدامها بوجه روسيا والصين.
ابتدأ من سعر الغاز والنفط وتزويد المعارضة السورية ملياً وعسكرياً والاعتراف بها ،الى الملف القوي الذي يجعل روسيا خافضة الراس ويمنعها من العربدة والبلطجة السياسية الدولية وصولا الى دعم الحركات الاسلامية في السياسية الوسطي وحركات المعارضة فيهم احتضان حركة طالبان التي بتشكل حداً حقيقياً لروسيا.
بقلم د. خالد ممدوح العزي, كاتب إعلامي، ومختص بالشؤون الروسية ودول الكومنولث