“قُومٍ بَلا جُهَّالْ ضاعَت حْقوقْهُمْ، وْقُومٍ بَلا عُقَّالْ راحُو قَطايِعْ”
تاريخ النشر: 28/07/14 | 12:57كان ذلك في زمانٍ مضى وانقضى، لكنه مازال ماثلاً فينا كمالكِ ابن الرَّيْبْ يُسْجي القِلاصَ بِوادي الغَظا، وكان الشيخ معروف وجيها من وجهاء جبل الدروزْ، ذا شهرة تفوق ما يتمتع به أي نجمٍ عالمي من ميسسي لَ توم كْروزْ. عقد الشيخ معروف العزم على مغادرة سوريا، في زيارة الى بيروت لقضاء بعض الأمور الشخصية، حيث قام بترتيب أعماله وموعيده والتزاماته الوطنية والأهليهْ، وقام ابنه الأصغر الشيخ شوقي بإعداد الحصان وبعض احتياجات السفر الضروريهْ، للإقامة ثلاثة أيام وفقاً لخطتة المرسومهْ، وتعليمات زوجْتُهْ الشيخَه أم معلومَهْ وقراراتها المحسومة،( طبعاً هذا إشي بيْخَلي الواحَد يِتْذَكَّر عِظام الماضي في اللحظاتِ المَكْلومَهْ، جنبلاط باشا الأطرش عبدالناصِر لِيمومْبَا سوكارْنو عَ نِكْرومَهْ، وْيِأسَف على تَسَيُّد الجُهَّال وِالدُّوَلِ المَزْعومَهْ، وْبيجوز يْصير يْغني عاللومَه اللومَه اللومَهْ)، وبعد ما ضَرَبْلُو عُكاز سَفَرْ امْرَتَّبْ وْمَوصُوفْ، كَسَر السَّفْرَهْ بِلُقْمِة عَكُّوب مَعِ شْوَيِّةْ لُوفْ، حَط عالراديو وْسِمِع أغنية طُوف وِشُوفْ، طُوف بجنة ربِّنا واتْفَرَّج وِشُوفْ، لِبِس شِرْوالُه وْزِنَّارو وِالْحَطَّه الرُّوزَه وِلِعْقالِ الصُّوفْ، وْقبل ما يِطلَع طال مِنِ زِنَّارو لَلْمَرَه المصروفْ. قامَت مِتْنَشْطَه اتْحَضِّرْلُو اغْراضُو وِالزِّوَّادِهْ، العامرة بالجبن والزيتون وفحل البصل رفيق السفر يا حفيظ السَّعادِهْ. وذلك تمشياً مع العُرف الصحي وِالشَّعبي الدارجْ، وِالنَّاسِ اللي اتْغَرَّبوا وِاتْعَلَّموا في الخارِجْ. لَما اتْسافِر لَبَلَد أول ما تِصَلْها، عليك بالطِّبِّ الفَوْري مِن بَصلْها. شْقوق الظَّو من وِجْهِ الصُّبُحْ يعني حامل على راسو الندى، رِكِب لِحصان وانطلق عَ بيروت لا مْفكِّر بِلِفْطور وَلا في الغَدا، يسابق الزَّمَن والريح وِيْفَكِّر في أمورِ عشيرتو وْبِيْسَلْسِلْها عالهَدا.
حَط الشيخ معروف رحاله في بيروت بباب الخان، حيث سلم الحصان لأحد العاملين القائمين على خدمة الخيل في الخان، ثم أردف الى الغرفة بعد هذا المسير الطويل الممتد ما بين جبل الدروز في سوريا حتى بيروت ونام في أمانْ، وبعد أن نزع حزام الفيزا كارد عن وسطه وِالسَّلَحْلَك وِالشِّنْتْيانْ، حيث كان الزنار أو الحزام يوضع بين طياته النقود لِيقوم مقام الفيزا كارْد السائد في هذا الزمان.
باختصار أخوكم الشيخ معروف صحي الصُّبحيات من نومُه من دَغْشِهْ، دَوَّر عالحزام ما لقيهوش، وفيكم تتصوروا لما زلمِه ابن عِز وباشا بيمثل عشاير وحمايل في بلادو يِنِسْرِقْ في بلاد الغُربه وِبْلَحظه يلاقي حالو مقطوع معوش ولا مَتْليك ايْسَبِّح لَلِّي خَلَقُو كيف بتصير حالتو. تَكَتَّم الشيخ معروف على الأمر وربأ بنفسه أن يدخل مع صاحب الخان ابْسين وْجيم حول السرقة لأن السارق لن يعترف وبيجوز صاحب الخان يطلب شَرَفيِّة وْعَطْوَه كمان على مثل هذا الاتهام. ولكن عندما حان موعِد المغادرة، اضطر الشيخ لإبلاغ صاحب الخان إنو انسرق لِحْزام اللي فيه لِفلوس، وكالعادة بدأ صاحب الخان يُقسِم الأيمان الغِلاظ ويعطي الشيخ محاضرة بالشرف والأخلاق الحميدِه عن أمانة موظفيه وإنو أصلاً غير مسؤول عما يُفقد من النزلاءْ وما يفعله اللصوص من المارقين والسُّفَهاءْ، وإنو وإنو…الخ طبعاً المبالغة بالإنكارْ وحَلْفِ الأيمانْ، والصوت العالي مؤشر على ضعف الحُجَّهْ وِالكذب يا إخوانْ.
الشيخ اتلبك وما اتعود إنو ايْقَصر بواجباتو والتزاماتو للناس وقال: أنا يا بَيِّي ما سألْتَكْش ولا قُلت انكم لا سمح الله سرقتونا، أنا بدي أقول لك إنو ما معي فلوس أدفع الأجرة تا تِسُتْرونا، وشو اللي ابتِئْمُر فيه حضرتك نِحنا مستعدين ورقبتنا سَدَّادة يا أخونا، أنا معروف في بيروت زي ما أنا معروف في سوريا وْضيعتْنا، لكن بدك تستر علينا يا بَيِّي نِحنا مِش وِش بَهدَلِهْ منشان سُمْعِتْنا، وأنا بَتْعَهَّد أبعتلك الأجرة وفوقها إكرامية وِشْروطَك سيف عَ رَقْبِتْنا، وْهاي شَعْرَة من شواربي خليها معاك ضمانِهْ ، بشرط لما بيوصلك شخص من طرفي بيسلمك الأجرة وبتسلمو الشَّعرة الأمانِهْ.
اتبسم صاحب الخان وقال : تِكرَم يا شيخْ بس لا اتطول علينا بالأجرة دخيل عينَك ما انتِ شايف دِبْساتنا مِرقاتْ وِالأحوال ما بِيعْلَم فيها إلاَّ ألله. فأجاب الشيخ بالقول: اتوكل على الله ما يكون لك فِكِر وان شاءالله ما راح انقصر بواجبنا معاك.
طبعاً ولأنو الجاهل اللي ما بيعرف الصقر بِشْويهْ، واللي ما بيعرف ايْداوي المريض بِكْويهْ، مسك صاحب الخان الشَّعرة وْراح راميها بسلة الزبالِهْ، باعتبارها شعرة ليس لها أي قيمة تذكَر.
وصل الشيخ معروف عائداً من بيروت الى منزله، مثقلاً بِهَمِّ السرقة التي تعرض إليها، يعني الزلمة اتْعَلَّم عليه، لكن أبقى الموضوع محصوراً طي الكتمان في دائرة ضيقة جداً، خوفاً من الفضيحة، وعلى الفور نادى أحد العاملين في أكنافه وحمَّله المبلغ اللازم لأجرة الإقامة في الخان وأفهمه بضرورة استلام الشعرة التي انتزعها من شنبه وسلمها كرهن لصاحب الخان.
وصل المرسال الى الخان وسلم المبلغ لكنه فوجيء بصاحب الخان يسخر منه مقهقهاً عندما طلب منه استعادة الشعرة، وأبلغه بكل برود وبساطة أنه لم يعر اهتماماً بالشعرة وألقى بها في الزبالة منذ اللحظة الأولى لاستلامها.
عاد المرسال من بيروت دون أن يتسلم الشعرة، فجن جنون الشيخ ورجالات البلدة حين علموا بالأمر، حيث اعتبروا في ذلك إهانة كبرى تستلزم عطوات وحقوق عشائرية يمكن أن تتطاير بها رؤوس. تدارس أهل القرية الأمر ودخلوا في مفاوضات ماراثونية مُضنية مع صاحب الخان ورجالاته من أهله وعشيرته، حتى طال بهم الزمن وأصبحت المفاوضات عبثية وغير مجدية، حيث فشلت كل الحلول التي تقدم بها العقلاء وكبار القوم من أصحاب الحكمة والعقل، بما في ذلك شيخ العَقل . فأقفل الشيخ معروف عائداً لبيته محبطاً، وما أن وصل الى بيته حتى وجد بالباب كيساً بداخله رأس صاحب الخان، فدهش للوهلة الأولى، واكتشف أن شباب القرية عندما رأوا فشل كل الحلول العاقلة والمتوازنة، أخذوا على عاتقهم زمام المبادرة دون مشورة أحد الذهاب وإحضار رأس الرجل ثأراً لكرامة وشرف شيخهم التي أهدرت برمي شعرة من شنبه في الزبالة، فالشباب دائماً رؤوسهم حامية ومش زي العقلاء من كبار القوم، ( طبعاً ياما شْنوب ألقيت هي وأصحابها في الزبالِهْ، وْياما ناس حاملين شْنوب وْلِحى مدعوس عليهُم وهُم مفكرين حالْهم في العلالي، وياما ناس أخذتْهُم العِزِّه بالإثِمْ وْناس أخذتهم العِزِّه بالجلالِهْ).
عندها أطرق الشيخ معروف يتأمل الأمر وهو سعيد من داخلِه، ثم نظر لرجالاته من حوله وقال: بصراحة يا جماعة، ” قُوْم بَلَا جُهَّال ضاعَت حْقوقْهُم، وْقُوْم بَلا عُقَّال راحوا قَطايِعْ”. ومنذ تلك الحادثة ذهبت هذه المقولة مثلاً، وأصبحت جزءً من الموروث الشعبي في عموم بلاد الشام والهلال الخصيب حتى يومنا هذا.
نعم يا سادتي، كثيراً ما نكون بحاجة الى الجمع ما بين الحكمة وعناصر القوَّة إن لم نقل دوماً، وذلك لكي نُلزم الآخرين باحترام حقوقنا ونصون كرامتنا، يمكن على شان هيك مرات بِنْقول: خُذُوا الحِكمَة من أفواه المجانين، وهو ما يعيد الى الذاكرة قول الثائر البوليفي آرنستو تشي غيفارا حين قال: ” الثورة يفجرها حالِم ويقودها مجنونْ ويقطف ثمارها انتهازي “.
يعني أحياناً ممكن تشوف ولد من اولاد الجيران امْسَقِّع وْبارِد وِجِهْ وْدَمُّو زِنِخ مِثِل دَم الْبَقْ مِش امخلي حَدا من شَرُّو بِدُّو فَرْكِةْ ذانْ، بيجي ولد من اولادَك بِيروح شامطو بَدَن حَشْكُ وْلَبِكْ، انتي طبعاً ما ابتقدَر ما تلوم ابنك واتبهدِلو قدام الناس، لكن انتي من جُواك مبسوط وبتقول لإبنك تِسْلم إيديك، بصراحَة من زمان كنت مِشْتْهيلو اياها، وْبالآخر بتقول اولاد جهال مع بعض. لكن المثل الأخطر هو القائل: “إذا انْجَنوا رَبْعَكْ عَقلَك ما بيفيدَكْ “.
ومع هذا وغيره دعوني أقول، بأن الدم الفلسطيني المسفوح قي غزة والضفة بقدسها وعمقها التاريخي، قد لا يفضي لحصادٍ مساوٍ للتضحيات وإنما بالتأكيد سيؤسس لوضع جديد مقبل لا تتبدى ملامحه في الأفق المنظور بل إن كافة المطالب والحقوق الفلسطينية ستوضع جميعها على الطاولة وتفرض نفسها بقوة، محلياً وإقليمياً ودولياً لا سيما طاولة الأمم المتحدة، في حال صدقت النوايا واختفت الخلافات، وتوحَّد الأداء الفلسطيني تماماً مثلما توحد الدم. نعم لن نقبل من أي كان من بعض الجهات الإقليمية والدولية والمحلية أن يتاجر بدماء الشعب الفلسطيني لحساب أجنداته الخاصة ومصالحه التحالفية ضد شعبنا وحقوقه التاريخية، ولابد بالمقابل من نبذ أية خلافات واختلافات من أجل تكامل وتضافر كل الجهود الفلسطينية موحدةً في إطارٍ وطني واحدٍ موحد يعكس وحدة الدم والمصير الفلسطيني التي تجسدت اليوم أكثر من أي وقتٍ مضى، وذلك تحت راية واحدة وسلطة واحدة ورئيس واحد يقود الفريق الفلسطيني في معركة الديبلوماسية في المحافل الدولية لتثمير معطيات هذه الحرب العدوانية وآثارها لصالح شعبنا صاحب الحق، فمن حق الشعب الذي دفع الثمن الباهظ في هذه المعركة أن تكون مصالحه على الطاولة، بعيداً عن مصالح الفئويات الضيقة والنفعية الفصائلية والحزبية، التي طالما قدمت نفسها على مصالح الشعب والتهمتها كنبتة الهالوك في الزرع المتروكْ، وليبق شعارنا الدم واحد والشعب واحد بقيادة واحدة موحدة.
بقلم:آصف قزموز – فلسطين