قرأتُ كتابًا / د. محمود أبو فنه
تاريخ النشر: 29/03/12 | 11:05قرأتُ هذا الأسبوع كتابًا مثيرًا للجدل وللنقاش في موضوعه وفي الأفكار التي طُرِحتْ فيه؛ عنوان الكتاب: “الحقيقة الغائبة” للمؤلف: د. فرج فودة – (إصدار: الفلسطينيّة للنشر والتوزيع، رام الله، 2007)
يشير المؤلّف، في أكثر من موضع في الكتاب، إلى أنّه ينطلق من مبدأ تحكيم العقل والمنطق، لا الأهواء والعاطفة والخيال، وأنّه يتّخذ من التاريخ وأحداثه حجّة في استخلاص العبر، واستنباط الأحكام والمواقف!
من الأفكار التي يطرحها المؤلّف في الصفحات الأولى من الكتاب قوله: ” بوفاة الرسول استكمل عهد الإسلام، وبدأ عهد المسلمين” – (ص6)
فالخلفاء والحكام الذين جاءوا بعد وفاة الرسول( ابتداءً بالخلفاء الراشدين، واستمرارًا بالخلفاء والحكام في الدولة الأمويّة والدولة العباسيّة) كانوا، على الأغلب، رجال دولة ورجال سياسة وليسوا رجال دين باستثناء القليل النادر منهم الذين كانوا رجال دين ودولة معًا (وخير ممثل لرجل الدين والدولة الخليفة عمر بن الخطّاب).
الفكرة المركزيّة التي تبرز في الكتاب هي:
الدعوة لفصل الدين عن الدولة ورفض فكرة الخلافة الإسلاميّة؛ بكلمات أخرى: الدعوة للدولة المدنيّة لا للدولة الدينيّة.
من جهة أخرى، يعود المؤلّف ويؤكّد على: “أن الدين لم ينزل من أجل عصر واحد، وأنّ القرآن لم يتنزّل لكي يناسب زمنًا معيّنًا، وإنّما نزل الدين وتنزّل القرآن لكلّ عصر ولكلّ زمان…” (م.ن، ص 113)
من هنا جاءت دعوة المؤلّف بالعودة إلى جوهر الدين مع مراعاة التغيير الذي طرأ على المجتمعات الإسلاميّة في العصور المتعاقبة، خاصّة ما حدث وتغيّر في واقع الحياة في عصرنا!
وهنا، يستشهد المؤلف بالخليفة عمر بن الخطّاب الذي استخدم عقله ومنطقه، وراعى ظروف عصره، ولجأ إلى الاجتهاد رغم وجود النصّ القرآنيّ الصريح! (الصفحات44 – 51)
ويطرح المؤلّف رأيًا قابلا للجدل عندما يكتب ويقرر:
“يكاد القارئ يلاحظ علاقة طرديّة بين دنيويّة الدولة وتألّق الفكر والأدب والعلوم والفنون والفقه؛ فحينما تزداد هذه يتألّق هؤلاء، وعلى العكس من ذلك، يضمحلّ كلّ شيء مع ازدياد سطوة الدين في الدولة الدينيّة” (ن.م ، ص91)
وتبرز بوضوح، في نهاية الكتاب، دعوة المؤلّف إلى الانتماء المدنيّ الوطني والقوميّ، لا للانتماء الدينيّ المذهبيّ.
تحيه للكاتب
ايضا في هذا السياق كتب –
أن العدل لا يتحقق بصلاح الحاكم، ولا يسود لا بصلاح الرعية، ولا يتأتى بتطبيق الشريعة، وإنما يتحقق بوجود ما يمكن أن نسميه (نظام حكم)، وأقصد به الضوابط التي تحاسب الحاكم إن أخطأ، وتمنعه إن تجاوز، وتعزله إن خرج على صالح الجماعة أو أساء لمصالحها، وقد تكون هذه الضوابط داخلية، تنبع من ضمير الحاكم ووجدانه، كما حدث في عهد عمر، وهذا نادر الحدوث، لكن ذلك ليس قاعدة ولا يجوز الركون إليه، والأصح أن تكون مقننة ومنظمة.
فقد واجه قادة المسلمين عثمان بخروجه على قواعد
هل هذا هو وجه الإسلام الحقيقي، وهل هذا هو ما سنواجه به القرن الحادي والعشرين، وهل هؤلاء الذين يسيئون قيادة أنفسهم وأتباعهم هم الصالحون لقيادة المجتمع، وهل أقبل منهم أو تقبل منهم دعوتهم للدولة الدينية وهم لا يتمسكون من الدين إلا بالقشور، ولا يعرفون من العقيدة إلا مظهرها الذي لا أصل له في كتاب الله، ولا سند له إلا التأسي بالرسول في مسايرته لعصر غير عصرنا، ولمجتمع يختلف جملة وتفصيلاً عن المجتمع الذي نعيشه، وليتهم تأسوا به وهو يدعو للرحمة، ويستنكر قتل المسلم للمسلم، ويدعو لطلب العلم ولو في الصين، ويستنكر اعتزال العمل للعبادة، ويعدل في قسمته بين الدين والدنيا، ويعلن حكمته الخالدة للأجيال التالية له، ومضمونها أنهم أعلم بشئون دنياهم
أن الإسلام دين لا دولة، وعلى المحتج علينا بالعكس، أن يرد علينا بحجة التاريخ، وليس أقوى من التاريخ حجة، أو أن يعرض علينا منهجه في إقامة الدولة على أساس الإسلام، وليس أقوى من تهافت ما قدم إلينا حتى الآن من أفكار حجة على المدعين أن الإسلام دين ودولة، ومصحف وسيف
من هذا المنطلق اعتقد بأن السلف الصالح عمل جاهدا من اجل نصرت هذا الدين عن عقيده ايمانيه ليس من اجل انتماء وطني كما يعتقد سيدي المؤلف – وعندما اصبح المسلمين في عصرنا هذا يعملون من اجل انتماء وطني ” مزيف ” اصبحنا اكثر انتماء للمال والسياده ,لا انتماء للدين والعمل من اجل الدين , باحثين عن المال والجاه بدل أن يكونوا باحثين عن رضا الله سبحانه , كما عمل عمر بن الخطاب
تحياتي ومودتي
لقد أصبحت فكرة تطبيق الشريعة الإسلامية ونظامها السياسي في الحكم والواقع المعاصر ، غريبة ، بل مستنكرة، في عالما اليوم؛ وذلك لأن المجتمع الدولي، العالمي والأقليمي، بل للأسف، العربي والإسلامي،لم يعد قادراً على استيعاب الفكرة الإسلامية في نظرية الحكم والسياسة، ولم يؤمن بقدرة المنهج الإسلامي على مواكبة التقدم الحضاري والمادي والتكنولوجي في القرن الحالي!! وما هذا إلا لنتاج التغريب في المناهج المعاصرة،وسلسلة الضربات الإستعمارية الإمبريالية، وخدمة بني جلدتنا من حكامنا ومثقفينا لهذا المشروع التغريبي الليبرالي العلماني؛ فها هي أجيال تلو أجيال منذ زمن الإبتعاث، في عهد جمال الدين الافغاني ،ورفاعة الطهطاوي مرورنا بطه حسين ولطفي السيد وأفراخهم في زماننا، ناهيك عن المناهج التعليمية والوسائل الإعلامية التغريبية اللادينية؛
حتى تجد الكثير من الغيورين على الدين يطرحون النموذج السياسي الإسلامي بطريقة انهزامية ، تفرغ الشريعة من محتواها، وهي طريقة إسلام وشريعة المقاصد والمبادئ العامة، فالإسلام من وجهة نظرهم ؛ مجرد قواعد فكرية وعملية عامة ثابتة لا تتغير ،مثل المساواة والحرية والعدالة الإجتماعية والشورى وغيرها، ومن أنصار هذه النظرية: كالداعية الإسلامي محمد الغزالي رحمه الله والأستاذ محمد سليم العوا وغيرهم،وبلا شك عرض الإسلام بهذه الطريقة، لا تكفي للتدليل علي استقلالية وذاتية النظام السياسي الشرعي الإسلامي في الحكم!!
وبناءً على ذلك ،فإن هذه المقاله الموجزة، تؤكد على أن الدين الإسلامي ،عقيدة وشريعةً، له خصائصه المميزة و الثابتة والواضحة والمفصلة والعملية والشاملة لكل زمان ومكان ، في نظامه السياسي والإجتماعي والإقتصادي والعلمي والحضاري، فهذا الدين العظيم بشريعتة الغراء له من الثبات والشمول ما يستوعب كل زمان و مكان.
السلام عليكم
المؤلّف لم يحمل على الدين وعلى القيم الدينيّة السامية النبيلة، بل بالعكس، يعتبرجوهرالدين والقرآن ملائمَين لكل زمان ومكان …
القضيّة التي يطرحها المؤلّف أعمق وأشمل، وتحتاج إلى مناقشتها
بالمنطق والحجج وبالاعتماد على وقائع التاريخ وعبره!
هب الدنيا تساق إليك عفوا أليس مصير ذاك إلى انتقال
وما دنياك إلا مثل ظل أظلك ثم آذن بالزوال
المحظور والمذموم هو أن تصبح عبدا للدنيا، بدل أن تكون سيدا حرا وعبدا لله وحده تصبح عبدا للدنيا ولمتاع الدنيا ولكل ما في الدنيا من هذه الأشياء، إنما أن تملك الدنيا هذا هو المطلوب، أن تملك الدنيا ولا تملكك، ولذلك كان بعض المربين يقولون لأتباعهم ومريديهم يقولن له اجعلها في يدك ولا تجعلها في قلبك، وكما كان سيدنا داود ملك، وسيدنا سليمان أعطي ملكا لا ينبغي لأحد من بعده، وكما كان كثير من الصحابة مثل عبد الرحمن بن عوف وعثمان بن عفان، كانوا يملكون الدنيا ويملكون المال ويملكون الأشياء الكثيرة ولكنهم جعلوها لخدمة دينهم، جعلوها لله، لذلك الذي يحذر منه القرآن هو إرادة الدنيا أو إيثار الدنيا {فَأَمَّا مَن طَغَى، وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا، وآثر الحياة الدنيا، فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى}[النازعات: 37-39] آثرها يعني جعلها أفضل من الدين وأفضل من الآخرة، وكما قال {مَن كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لاَ يُبْخَسُونَ، أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلاَّ النَّارُ..}[هود:15، 16] {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ}[الشورى:20] جعل الإرادة، أما الذي لا يريد إلا الدنيا فهذا هو المذموم، كما قال تعالى {فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا}[النجم:29] عاش للدنيا وحدها، ولذلك كان من دعاء النبي صلى الله عليه وسلم “الله لا تجعل الدنيا أكبر همنا ولا مبلغ علمنا” فلا تعارض في الإسلام بين الدنيا والدين، الدين والدنيا لا تعارض بينهما فهما متكاملان لا بد من الدين للدنيا ولا بد من الدنيا للدين.
واظن ان هذا ما رمى اليه د.محمود ابو فنة، ليوصلها لنا من خلال اطلاعه الواسع على جميع مجالات العلوم ، انار الله دربك كما تنير عقولنا.