كلنا غزة – الغضب الفلسطيني في الضفة الغربية
تاريخ النشر: 05/08/14 | 8:18نُصبت في مختلف مناطق رام الله الواقعة في الأراضي الفلسطينية المحتلة لوحات إعلانية كبيرة ولافتات تُظهر صور إراقة الدماء والدمار وكُتبت إلى جانبها الكلمات التالية: “كلنا غزة الآن”.
ويُذكر أن مؤسسات السلطة الفلسطينية هي الراعية لنشر الكثير من تلك الملصقات التي رأيتها معلقة في المدن الواقعة في مختلف أنحاء الضفة الغربية. واستضافت بلدية رام الله مؤخرا تظاهرة حمل المشاركون فيها عشرات النعوش الفارغة الملفوفة بالأعلام الفلسطينينة تعبيرا عن ارتفاع عدد قتلى قطاع غزة منذ أن بدأت إسرائيل عمليتها العسكرية في 8 يوليو/ تموز الجاري. وتقدم المسيرة رئيس البلدية وغيره من المسؤولين.
وعلى النقيض مما كان عليه الوضع طوال السنوات السبع الأخيرة تقريبا، فيظهر أن تضامن الضفة الغربية مع قطاع غزة قد أصبح أكثر حضورا وقوة. فأثناء العمليتين العسكريتين اللتين شنتهما إسرائيل على القطاع في عامي 2008/2009 و2012، بالكاد شارك عشرة أشخاص أو أقل في كل مظاهرة من مظاهرات التضامن القليلة التي نُظمت في عدد محدود جدا من المواقع. وأما اليوم، فيعبر المئات عن احتجاجهم بشكل يومي تقريبا في مختلف مدن الضفة الغربية وقراها.
وشهدت الضفة الغربية في 24 يوليو/ تموز أكبر مظاهرة منذ سنوات سار الآلاف من المشاركين فيها من رام الله باتجاه القدس احتجاجا على الاعتداء الإسرائيلي على قطاع غزة. وسرعان ما جوبهت المظاهرة بالقوة المفرطة من القوات الإسرائيلية بمجرد وصول المشاركين فيها إلى حاجز قلنديا العسكري. وقُتل أحد المتظاهرين وأُصيب العديد إصابات بالغة جراء إطلاق الذخيرة الحية عليهم.
ونُظمت في اليوم التالي احتجاجات ووقعت صدامات في عشرات المواقع في مختلف أنحاء الضفة الغربية. وقُتل خمسة أشخاص آخرين، بينهم طفل، على أيدي القوات الإسرائيلية. وسقط بين القتلى المدافع عن حقوق الإنسان هاشم أبو ماريا (47 عاما) الذي عمل مع المنظمة الدولية للدفاع عن الأطفال – فرع فلسطين. فلقد أرداه أحد الجنود الإسرائيليين قتيلا برصاصة أصابته في صدره أثناء مظاهرة في قرية بيت أُمّر بتاريخ 25 يوليو/ تموز الماضي.
ودأب أفراد مجموعة من الناشطين الفلسطينيين على إعداد خرائط يومية تُظهر المواقع التي شهدت مظاهرات واحتجاجات منذ بداية شهر يوليو/ تموز. وتُظهر نظرة سريعة على تلك الخرائط قوة رد الفعل الذي أبدته الضفة الغربية على عملية إسرائيل العسكرية في غزة. ولكن وفي الوقت الذي يُحتمل أن يكون رد الفعل هذا مدفوعا بجهود المصالحة بين الفصائل الفلسطينية المتناحرة التي بُذلت مؤخرا، فيظل أبعد ما يكون عن سياسات السلطة الفلسطينية وممارساتها.
وظلت حركة الاحتجاج تنمو طوال سنوات وحافظت على صمودها في وجه آلة القمع الإسرائيلية الوحشية. كما لم تفت من عضدها اعتداءات السلطة الفلسطينية على حريتي التعبير عن الرأي والتجمع. وحتى مع إظهار الجانب الرسمي لتضامنه مع قطاع غزة، فلقد أحبطت قوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية تنظيم الكثير من المظاهرات – ولجأت لاستخدام القوة المفرطة في بعض الأحيان – وذلك في المناطق الواقعة تحت سيطرتها، ومنعت تحديدا المتظاهرين الراغبين بالتوجه إلى الحواجز (نقاط التفتيش) الإسرائيلية والهياكل التابعة للجيش أو المستوطنات.
وجاءت حركة الاحتجاج عقب سنوات من تظاهر منظمات ومجتمعات مختلفة ضد الاحتلال الإسرائيلي والتوسع في بناء المستوطنات غير الشرعية في الضفة الغربية، وخصوصا القدس الشرقية. وها هي حركة الاحتجاج يحركها الآن الغضب الذي اعتمل في النفوس طوال عقود من الحياة في ظل الاحتلال.
وقبيل أيام سوت إسرائيل بالأرض أحد الأحياء في غزة، ونسفت منازل ثلاثة رجال يُشتبه في شنهم هجمات على إسرائيليين في الضفة الغربية، ولم تعد تلك المنازل صالحة للسكنى بأي شكل من الأشكال. وعندما زرت أحدها في الخليل، قال لي أحد الأقارب: “أخجل من الحديث عن الرعب الذي أشعر به أو عن هدم منزلي في الوقت الذي أرى فيه إسرائيل وهي تقصف عائلات بأكملها وهم داخل منازلهم في قطاع غزة. ولا يقلقني هدم منزلي، بل أنا قلق على أهلي وناسي في غزة”.
وتتشابه أوجه قلق الفلسطينيين في الضفة الغربية وألمهم وغضبهم مع أوجه قلق وألم وغضب الفلسطينيين في غزة. فالأسرة التي هُدم منزلها في الخليل هي ضحية للعقاب الجماعي الذي يشكل انتهاكا للقانون الدولي. كما إن العقاب الجماعي هو بالضبط ما ظلت آلاف العائلات في قطاع غزة تتعرض له طوال سبع سنوات من إغلاق إسرائيل وحصارها للقطاع بشكل غير مشروع.
ولطالما قالها الناس في الضفة الغربية دوما: “كلنا غزة” للتأكيد على اقتسام الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة للألم والمعاناة والفقد جراء عقود من الاحتلال العسكري الإسرائيلي. فهم جميعا يتعرضون لانتهاكات يومية لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي بمختلف الأشكال والصيغ – من هدم للمنازل وبناء المستوطنات غير الشرعية وعمليات القتل غير المشروعة وصولا إلى قصف المنازل والبنى التحتية المدنية والحصار الذي شل مفاصل الحياة في غزة.
ولقد حان الوقت كي يتحرك المجتمع الدولي ويتصدى لجميع هذه المسائل. وثمة مسؤولية من نوع خاص تقع على عاتق الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي اللذان يتمتعان بنفوذ في إسرائيل. ويتعين عليهما التحرك فورا من أجل تعليق جميع عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل ومساندة جهود فرض حظر على توريد السلاح لجميع أطراف النزاع كي تكون الرسالة واضحة، ومفادها عدم سماح الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بتيسير ارتكاب عمليات القتل غير المشروعة للمدنيين وغير ذلك من الانتهاكات الخطيرة.
وبنفس القدر من الأهمية، يتعين على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي القيام بخطوات ملموسة بغية إنهاء الحصار العسكري الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة وجعل احترام القانون الدولي على رأس أولويات الأطراف كافة. كما ينبغي على السلطة الفلسطينية القيام بما عليها كي تكفل تحقيق المساءلة على صعيد ما يُرتكب من انتهاكات خطيرة، وذلك من خلال الانضمام لنظام روما الأساسي والمحكمة الجنائية الدولية بالمحصلة.
بقلم صالح حجازي
الباحث في شؤون إسرائيل والأراضي الفلسطينية المحتلة بمنظمة العفو الدولية