جلد العريس قبيل "الدخلة"
تاريخ النشر: 04/04/12 | 23:26عادة سادت ثم بادت : جلد العريس قبيل “الدخلة”
فكرة جلد العريس قبل “الدخلة” على عروسه هي فكرة سوداوية وسادية في آن واحد ، وتنفيذها أشد ساديه …. والنتيجة هي قمة الساديه عندما يطلب من العريس أن يقابل عروسه بنفس الساديه والوحشية ، إنها بلطجية الرجل .
ولماذا جلد العريس وقبيل الدخول إلى بيت الزوجية ، وماذا توخى مبتدعوا هذه الفكرة الرديئة من ورائها ؟ علينا أن نقول أن مبتدعوا هذه الفكرة ذوو عقول مريضة لا يمتون إلى البشرية ، إنها ليست شوفينية فحسب بل تنم عن وحشية عن نظره استعلائية غبية ، تنظر إلى العروس التي ستصبح لاحقا زوجته ، ربة منزله ، أم أطفاله على أنها كائن أقل شأوا منه وأنها ضلع أعوج ، قاصر ، لا يتم تصحيحه إلا بالضرب ، بالأهانة وبالإذلال ، وعليه وقبل أن يبادر العريس التحية مع عروسه ويبادلها الابتسامات ، عليه ضربها بإيلام كالضرب أو الجلد الذي تعرض له وهو في طريقه إلى بيت الزوجية بادعاء مصممي هذه النظرية أن على العريس أن يقطع رأس القط من أول ليلة كما يقولون ، أأدرسكم كنه هذا الوصف !! أي أن الزوجة قطة ، وتضيف نظرية جلد العريس أنه كلما أوذي العريس أكثر كلما أدى ذلك إلى مقابلة زوجته بالمثل ، والحقيقة أن أكثر من عريس تعرضوا للضرب المبرح ، وكان ذلك يقع تحت خانة تصفية حسابات مع خصوم استغلوا المناسبة ورأوا بها فرصة سانحة للانتقام والإيذاء .
ولا زالت بعض الصور والمشاهد لجلد العريس حية في أذهاننا نحن الذين عشناها ونحن أطفال ، بل ونحن شباب في مقتبل العمر ، وكبرنا وظلت هذه المشاهد معشعشة في أذهاننا ، وكان الخوف يلازمنا وخاصة عندما كنا أطفالا أن نتعرض لمثل هذه الهمجية مستقبلا ، وحمدنا الله الذي نجانا وحمانا من هذه المكيدة بل هذه المصيبة التي أبتلي فيها من سبقونا من العرسان وزوجاتهم ، وكان من حسن طالع عصرنا ومن عاصرنا أن عادة جلد العريس قد ولت بلا رجعة وغير مأسوف عليها ، إنها عادة تنم عن روح سيئة وقبيحة تحتقر معها المرأة وترفضها كمخلوق له شأنه ، لا تقل شأنا عن الرجل ، تتناقض وقول رسولنا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم “رفقا بالقواوير” وبدل التعامل مع القارورة باللطف واللين والرقة فيجب كسرها ومن أول ليلة ، لتطبيق قولهم السيء الذكر “اقطع رأس القط من أول ليلة” والعياذ بالله ، والمرأة التي قال عنها فيكتور هوجو : “المرأة دمعة وابتسامة ، دمعة من سماء التفكير وابتسامة في حقل النفس” هل هذا ما تستحقه منا نحن الرجال؟!
وكشاهد على العصر لا بد لي من سرد ما شاهدته على القراء:
فقبل خمسة عقود ونيف أي في منتصف القرن الماضي ، وكان الوقت عصر أحد أيام الصيف القائظة ، وكنت أقف فيمن وقف قبالة الغرفة التي من المفروض أن “يدخل” إليها عريس ذلك اليوم إلى عروسه التي تجلس وحيدة في انتظار عريسها ، وبعد أن انتهت مراسيم العرس من زفة وسحجة ودبكات متنوعة ، ومن ثم إحضار العروس من بيت والدها إلى بيت الزوجية “بفاردة” ومعها وجهاء البلد وقبالة غرفة “الدخلة” وقف أربعة شبان في عمر الورود مفتولي العضلات يحمل ثلاثة منهم عصيا ملساء ، يبدو وكأنها قطعت من الشجر حديثا أما الرابع فكان يحمل كرباجا (سوطا) تساق به عادة الخيل والحمير ، رأيت الشر في عيونهم ، متحفزين وكأنهم يتهيأون للأنقاض على فريسة .
وحانت ساعة الصفر ، ساعة “الدخلة” كما يسميها أهل بلدي وإذ بعريس الزين يهل علينا وقد أمسكا به أثنين من أصدقائه وأحدهما بالضرورة “شبين العريس” ومن ورائهم موكب زفة “الدخلة” وردد “عريس الزين يتهنا” وما كاد العريس يقترب من غرفة “الدخلة” ويرى الشبان وفي أياديهم أدوات الجلد من عصي وكرباج ورأى كما رأيت أنا أن الشر يتطاير من عيونهم ، حتى أسرع الخطى متحررا من أيادي من أمسكوا به ومن ثم ركض باتجاه باب الغرفة المفتوح على مصراعيه مدركا مدى الخطر المحدق به والذي ينتظره من هذه العصابة التي جاءت لتجلده بادعاء أن جلد العريس قبيل “الدخلة” على عروسه يصب في صالحه وأن إيذاءه جسديا ومن ثم إيلامه سيزوده بطاقة هائلة من الفظاظة ، والنرفزة والغضب سيصب جامه على فريسته ، عروسه ، قاطعا رأس البس (القط) من أول ليلة وأن القاعدة والحالة هذه تقول: يتناسب قطع رأس القط تناسبا طرديا مع الإيذاء والإيلام فكلما زاد ألم العريس نجح في تخويف وإخضاع زوجته حاضرا ومستقبلا ، ورغم إسراعه الخطى ومحاولته الإفلات من أيدي هذه العصابة إلا أن عصيهم وكرباجهم كانت أسرع منه ، فانهالوا عليه بآلاتهم وأوسعوه جلدا وضربا مما اضطره إلى الانحناء ليصبح كمن يمشي على أربع ولكن هيهات هيهات وأنى له أن يفلت من ضرباتهم التي لحقت به حتى باب غرفة العروس ودخل غرفة “الدخلة” كمن يحبو حبوا وهو يتلوى ألما ولا أدري إن كان لديه القوة لقطع رأس القط ، ولكن الذي شاهدته وشاهدته معي جموع الزافين وخاصة الأهل والأقارب منهم أن خروجه للملأ رافعا راية النصر أخذ الكثير من الوقت مما اضطر الأهل قرع بابه أكثر من مرة والصراخ عليه أن: أخرج لا زلنا في انتظارك. أسمعتم ورأيتم أقبح من هذه العادة التي نحمد الله على أنها بادت والى الأبد إن شاء الله.
بقلم:حسني بيادسه(باقة الغربية)