تعليق د. سامي إدريس حول قصيدة فاتن مصاروة "في كفي"
تاريخ النشر: 05/04/12 | 9:10لاذت في كفي قصيدة الشاعرة فاتن مصاروة
تعليق: د. سامي إدريس
كم هي عذبةٌ هذه الأجواء الحزينة التي أفعمت هذه القصيدة بها. قصيدة تكاد تكون في تمام الوزن والشكل والمضمون، من شاعرة متألقة متأنقة تحيط بها هالة من الحزن الغامض كآلهة وطنها المعاناة وبحرها وادي عبقر الذي تشرب منه أرواح الشعراء الحقيقين فتتلاقى وتتآلف ويشدد بعضها بعضاً . إنها شاعرة ينبض داخلها كنز من الشعر المعتق ولا بد لها أن تقوله لتستريح وتريحنا به كالصلاة . ألم يكن الرسول العربي العاشق يقول عن الصلاة: ” أرِحنا بها يا بلال ” ! الشعر صلاة في محراب الذات . ويمكن شاعرتنا إذا ثابرت على مثل هذه (الصلاة) وهذا العبق الشعري أن تصل الى قمة العطاء والإجادة الشعرية والوصول الصوفي والحلول.
إنّ الشعر يولد من وطن المعاناة والعذاب والتجربة المريرة. هذا هو قدر الشعر . إنه البوح النابض المعبر عما في اللاوعي والعقل الباطني أصدق تعبير. فإذا ملك الشاعر ناصية اللغة وكان ذوّاقة في إختيار الكلمات المناسبة، وكان لديه مخزون من الذكريات والتجارب فإن ذلك لا بدّ له أن يتفجر مثلما تتفجر المياه الجوفية العذبة فتسقي الحقول والأشجار العطشى ويفرح الإنسان بالماء ويغترف منه حتى يشبع مثلما اغترفت جدّتنا هاجر من نبع زمزم.
وشاعرتنا فاتن تَطْلع علينا بهذه القصيدة ، وهي تمتلك الذائقة الشعرية والعروضية . وأنا إذا أقدر عالياً مثل هذا الشعر فلي بعض الملاحظات الدقيقة التي قد تطور القصيدة وتُكسبها رونقاً ورؤيا مشرقة، وتضيف شيئاً ما الى عذوبتها وزخمها ومعاناتها .
لماذا لاذت العبرات في كفّها، وليس في عينها؟!
وبدلاً من الفعل المبني للمجهول ( زُجّتْ) كان بإمكانها استعمال الفعل المعلوم ( ذابت في صفحاتٍ تُترى) فيكون اللقاء الصوتي بين لاذتْ وذابتْ في حرف الذال الجميل. ويأتي السطر(خَفَتَ هَزيمُ مرافئها)
مكملاً للحقل الصوتي نفسه، قمةً في الجمال والتعبير المتألق.
لاذتْ في كفـّي عبراتٌ حَيرى،
زُجّتْ في صَفحاتٍ تُتْرى
خَفَتَ هَزيمُ مرافئها
وتبلغ القصيدة قمة ذروتها الشعرية عندما تشرع في قولها:
يَبْحثُ في هَمْسِ الذكرى
عَن أطلالِ هُيامٍٍ
باكٍ
شاكٍ
يلعقُ علقمَ عشقٍ
سَكَنَ ليالٍ جَدباءَ
تُعكسُ لَعْنَةَ حلمٍ ضائعْ
أنجبَ فَصْلَ دموعٍ
فاضَتْ في وادٍ
وجعَ الذكرى
نقشتْ لُحْنا أخضَرَ
إنها تستخدم المجازات والاستعارات والمحسنات البلاغية استخداماً جميلاً جديداً في قولها( سالتْ)، ( صهيل فؤاد) ( أشواق الغيم)( دمع رحيل أعمى)( سورٍ مهزومٍ)( صُبحٍ أَخرَسَ) (عَبَراتٌ سَكرى)
وليس صعباً الوصول الى مفاتيح مثل هذه القصيدة إذ يبدو شئٌ من الإحباط في جوانبها الشاكية في الكلمات والتعابير التالية :
الرحيل الأعمى/ السور المهزوم/ الصبح الأخرس/ علقم عشق
سالتْ منْ شرفتها
كسرةُ جوعٍ مجنونٍ
وَصَهيلُ فؤادٍ توجعهُ
أَشواقُ الغيم العاتي
لاذَتْ في كَفّي
عَبَراتٌ سَكرى
تَحْرق وَهْجاً ينبض عودهُ
فيضيء قناديلاً شعراً
عَزَفَتْ دَمعَ رحيلٍ
أعمى
سارَ عَلى سورٍ مهزومٍ
خَمرهُ لَيْسَ عَتيقاً
مُزج بقَهْوةِ صُبحٍ أَخرَسَ
يَبْحثُ في هَمْسِ الذكرى
عَن أطلالِ هُيامٍٍ
باكٍ
شاكٍ
يلعقُ علقمَ عشقٍ
سَكَنَ ليالٍ جَدباءَ
تُعكسُ لَعْنَةَ حلمٍ ضائعْ
أنجبَ فَصْلَ دموعٍ
فاضَتْ في وادٍ
وجعَ الذكرى
نقشتْ لُحْنا أخضَرَ
هذا ولا أريد أن أشق على القراء بتحليل القصيدة عروضياً، فالقصيدة مفعمة بالموسيقى والايقاع الجميل، وأذني لهذا الشعر عاشقة والأُذن تعشق قبل العروض أحيانا وهي لا تخيبني.
إننا نشهد اليوم لا أقول ميلاد شاعرة، بل ظهور شاعرة كانت تختفي وراء أكمة الحزن والفرح الجريح، فأطلت علينا من معبدها على قمة الجبل، ويا لها اطلالة حمراء.
اقرأ القصيدة:
استاذي الفاضل حياك الباري وجمل ايامك بالسعادة والعطاء الكريم..
لك جزيل الشكر والثناء على هذا التحليل الادبي لشعر الشاعرة المتالقة فاتن مصاروة..
لك مني خالص الحب والتقدير..بوركت وجزاك الله كل الخيرات..
تحليل رائع وكلمات رنانه لها ايقاع جميل مميز تحياتي لك فاتن ولبروين اجمل سلام مع تمنياتي لك فاتن بالتالق الدائم
د. سامي إدريس , أيها العملاق ,
كم كنت صادقا بقولك ” الشعر صلاة في محراب الذات ” .
لقد اكتشفت بواسطة مجساتك الأدبية الشاعرية الدقيقة شاعرة متألقة , فنعم المُكتشِف ونعم المُكتَشَف , أبصرت بعينين محدّقتين فيا لك من مبصر تري الأشياء التي ليس باستطاعتنا رؤيتها وكأنك تمتلك مقرابا أو مجهرا أو تلسكوبا لاكتشاف النجوم في فلكنا الرحب .
أحييك لهذا الإكتشاف وأهنئ وأبارك للشاعرة الجديدة الرائعة .
أستاذي د.سامي ادريس الكاتب الشاعر الاديب والناقد….تحيه مسكها زيت وزعتر
كم انا سعيده ومنفعله لتحليلك وتقييمك قصيدتي- في كفي- اخيرا حظيت ولمست النقد الموضوعي سلبا وأيجابيا والذي طالما تقت وتمنيت ان تقيّم قصائدي بهذا الاسلوب الناقد لأنه وسيله واسلوب بالغ الاهميه لنجاعة العمل وكتاباتي.
ساخذ بعين الاعتبار والاهتمام الكبير بكل ما ورد من نقاط النقد والتحليل لأنها بوصلتي في هذا الدرب المميز والطويل…..
تقبل مني كل التقدير والامتنان وجزيل الشكر
حياك ربي اينما كنت….فاتن مصاروة
السيد جمال ابوفنه
السيده ام السعيد والشاعر زهدي غاوي…اشكركم جزيل الشكر على تعقيبكم واهتمامكم بكتايتي وبتحليل استاذنا الناقد سامي لقصيدتي
تقبلوا مني جزيل الشكر والامتنان
فاتن مصاروة
تحليل رائع من ناقد فذ لشاعرة متألقة
د.سامي أعدت بناء القصيدة بذهنية ناقد فقيه
هكذا تبنى صروح الثقافة ،بشحذ الأدمغة والحوار البناء
أشد على يديك د. سامي
إلى الأمام فاتن
لمثل هذا كنا نصبو، فمثل هذه الإشراقات الشعرية والنقدية ، والطلعات والإطلالات الفكرية من على موقع مثل بقجة نباهي بها نحن في المثلث ونفتخر، ونثمنها عالياً.
فمزيداً من العطاء الصادق يا فاتن مصاروة ، فأنت شاعرة… شاعرة… شاعرة.. ليس بشهادة ناقد متواضع مثلي ولكن يشهد لكِ شعركِ الصقيل الجميل الذي يطلع من عالمك الساحر ، ومن هذا الحزن المعتق الذي ولد منه كبار الشعراء فكان وقودهم وزاد دروبهم وبه أغنووا أرواحنا وقلوبنا فتغنينا به من المتنبي حتى الجواهري، ومن قيس ليلى حتى نزار قباني، ومن لميعة عباس ونازك الملائكة الى فدوى طوقان …. والى فاتن مصاروة
فتيهي علينا بهذا الشعر!
[email protected]
يمكنكم التواصل عبر البريد الالكتروني المذكور أعلاه
د.سامي ادريس تحليلك جميل جدا…..امي الغالية كم هي كلماتك سحرية تدخل الروح وتغذي العقل والفكر كم افتخر بطموحاتك التي تعدت حدود الافق دمت نجاحا وتالقا يا حنونة.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
ارحنا بها يا بلال. ولم يقل ارحنا بها يا حسان.
لذلك لا داعي لخلط الامور ببعضها البعض .
اختي ومربيتي العزيزة، اعتز بعنجهية كلماتك.. ويسعدني كونك جزءا لا يتجزأ من حضن العائلة الحبيبة، والشكر الجزيل للأستاذ سامي ادريس دام عنوانا للانامل الواعدة..
وبلال يا أخي ذو الحنجرة الذهبية والصوت الملائكي الذي يرتل الحان السماء، لا فرق بينه وبين حسان ، فلم أفهم معنى لكلامك الذي يبدو لأول وهلة دفاعاً عن الدين . ونحن الشعراء يتبعنا الغاوون نهيم في كل واد .. ولكننا أفضل بكثير من الذين يهيمون في وديان الجهل والنميمة والفساد والقيل والقال والرجعية .
مبروك ام امير والشكر الكبير للدكتور سامي ادريس الف تحية.. نثمن رعايتك للشعراء والله يطول عمرك يا عميد الادب… بالتوفيق فاتن والى الامام من اختك بروين عزب محاميد