ما لا يقال حول 'النووي الايراني'
تاريخ النشر: 05/04/12 | 10:19عاد الملف النووي الايراني الى واجهة الاحداث في اليومين الماضيين بقوة بعد غياب استمر اسابيع، بسبب انشغال العالم بتطورات الاوضاع على الارض في سورية، وجولات كوفي عنان المبعوث الدولي الرامية الى ايجاد مخرج سياسي من الأزمة.
ثلاثة تطورات رئيسية تتعلق بهذا الملف حدثت في الايام القليلة الماضية، يمكن ان تؤشر لما يمكن ان يحدث من اجراءات او خطوات نجد لزاما علينا التوقف عندها متأملين:
*الاول: اللقاء الذي عقدته السيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية مع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي، يوم السبت الماضي في الرياض، وحثتهم على المشاركة في مشروع درع صاروخي تنصبه امريكا في مواجهة ايران.
*الثاني: تهديد السيد مسعود جزائري احد ابرز قادة الحرس الثوري الايراني للولايات المتحدة الامريكية، وقال فيه ‘ان ردنا سيكون ساحقا على اي هجوم امريكي او اسرائيلي على ايران، وهذا الرد لن يكون في نطاق الشرق الاوسط والخليج الفارسي فحسب. لن يكون هناك مكان في امريكا بمأمن عن هجماتنا’.
واضاف في حديثه نفسه لصحيفة ‘ايران’ اليومية ‘ينبغي لأمريكا والصهاينة والرجعية العربية الانتباه الى اننا سنواجههم بجدية حيثما تعرضت مصالح الجمهورية الاسلامية للتهديد’.
*الثالث: الكشف عن تقرير اسرائيلي اطلع عليه المجلس الوزاري المصغر برئاسة بنيامين نتنياهو رئيس الوزراء، يؤكد تقديرات تفيد بأن اسرائيل يمكن ان تتعرض لهجوم صاروخي يستمر لثلاثة اسابيع من لبنان وقطاع غزة وايران وسورية، وان عدد القتلى سيكون في حدود 300 شخص فقط.
التهديدات الشرسة التي اطلقها السيد جزائري بضرب مصالح امريكية داخل امريكا نفسها، او في كل شبر فيها، قد تكون في اطار الحرب النفسية، والشيء نفسه يمكن ان يقال ايضا حول التقديرات الاسرائيلية المتواضعة جدا لعدد القتلى الاسرائيليين في حال انفجار حرب اقليمية شاملة في المنطقة.
‘ ‘ ‘
نشرح اكثر ونقول ان ايران ربما تملك قدرات عسكرية تؤهلها نظريا لضرب قواعد واهداف امريكية وعربية في منطقة الخليج العربي، مثل الصواريخ والزوارق الانتحارية السريعة، ولكن من الصعب الذهاب الى ما هو ابعد من ذلك وضرب اهداف في ولايات امريكية مثل نيويورك وواشنطن وكاليفورنيا وغيرها، ليس لأنها اهداف بعيدة فقط، وانما لأن امريكا تملك درعا صاروخية يمكنها اعتراض اي صاروخ ايراني، مع افتراض وجود مثل هذه الصواريخ بعيدة المدى، اللهم الا اذا كان السيد جزائري يتحدث عن خلايا نائمة مزروعة داخل الولايات المتحدة، وهذه مسألة اخرى.
اما محاولة الاسرائيليين تقليص عدد الخسائر البشرية المتوقعة في حال حدوث اي هجوم من قبل ايران وحلفائها، فهذا خطاب موجه الى الاسرائيليين، وللاستهلاك الداخلي، فهناك حالة من الرعب تسود الاسرائيليين حاليا، وهم الذين عاشوا تحت الارض لأسابيع اثناء حرب تموز (يوليو) عام 2006، وهروب مليون منهم على الاقل من منطقة الجليل المتاخمة للحدود اللبنانية، بحثا عن الأمان في الوسط والجنوب الفلسطينيين. والقول بأن عدد الضحايا سيكون في حدود 300 قتيل فقط هو من قبيل طمأنة الاسرائيليين الهلعين، الذين تعارض غالبيتهم اي هجوم على ايران، حسب استطلاعات الرأي التي نشرتها الصحافة الاسرائيلية نفسها. وفي الاطار نفسه، اي تسويق الضربة الاسرائيلية لتدمير المنشآت النووية الايرانية للرأي العام الاسرائيلي، نشر آموس يادلين مدير المعهد الاسرائيلي لدراسات الأمن القومي، وأحد الطيارين الذين هاجموا مفاعل تموز النووي العراقي(اوزيراك) في السابع من يونيو(حزيران) عام 1981 مقالة في صحيفة ‘نيويورك تايمز’ قبل شهر كان محورها نجاح هذه الضربة في انهاء الطموحات العراقية النووية الى الأبد، وبتبديد المخاوف حول رد انتقامي عراقي او عربي ضد اسرائيل لاحقا، وبالتالي عدم وقوع اي خسائر بشرية اسرائيلية.
استنتاجات يادلين هذه مضللة للغاية، فالطموحات النووية العراقية لم تتبدد بتدمير مفاعل تموز بل انها بدأت، واقتربت كليا من انتاج قنابل نووية، وهذا ما اكده المفتشون الدوليون الذين دمروا هذه البرامج لاحقا، عندما اكتشفوا خططا عراقية سرية لتخصيب اليورانيوم على درجة كبيرة من التقدم، وغير معروفة في السابق، مثلما اكتشفوا ان العلماء العراقيين كانوا يمتلكون القدرة العلمية على انتاج رؤوس نووية في اي وقت، حتى بعد تدمير المنشآت النووية العراقية، وهذا احد الاسباب التي دفعت امريكا الى احتلال العراق، واغتيال اكبر عدد من العلماء النوويين العراقيين، سواء من قبل عملائها المحليين العراقيين، او الامريكيين انفسهم، وهناك من يضيف بأن المخابرات الايرانية شاركت في عمليات التصفية هذه.
لا نعرف ماذا كان رد وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي على طلب السيدة كلينتون بالانضمام الى مشروع الدرع الصاروخية الذي تريد اقامته في مواجهة ايران، ولكننا نستطيع ان نتكهن، وبالاعتماد على تجارب سابقة، ان الرد سيكون ايجابيا للغاية، وعلينا ان نتوقع رصد عشرات، ان لم يكن مئات المليارات، لشراء هذه الصواريخ وبطارياتها، اضافة الى 130 مليار دولار اخرى رصدتها هذه الدول، والمملكة العربية السعودية بالذات، لشراء طائرات حديثة من طراز ‘اف 15′ و’اف 16’ المتطورة.
‘ ‘ ‘
ليون بانيتا وزير الدفاع الامريكي توقع ان تقدم اسرائيل على مهاجمة المنشآت النووية الايرانية بين شهري ابريل(نيسان) الحالي ويونيو(حزيران) المقبل، اللهم الا اذا كان الرئيس الامريكي باراك اوباما نجح في اقناع نتنياهو بتأجيل الهجوم لما بعد انتهاء الانتخابات الرئاسية الامريكية في نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل.
اللافت انه في الوقت الذي يبدأ الاسرائيليون منذ الآن في تحديد اعداد ضحاياهم، حتى لو كان ذلك لأهداف نفسية، فإننا كعرب لا نعير اي اهتمام لهذه المسألة، بل لا نبالغ اذا قلنا ان مثل هذا التوجه هو من المحرمات، فممنوع علينا ان نتحدث عن الخسائر التي يمكن ان تلحق بنا، او الدمار النفسي والمادي الذي يمكن ان يلحق بمنطقتنا والخليج العربي بشكل عام،والصورة التي ستكون عليها المنطقة بعد انفجار هذه الحرب. فالاتهامات جاهزة بالوقوف في الصف الايراني لأي احد يعبر عن الحد الادنى من المخاوف، او يعارض اي هجوم اسرائيلي او امريكي على ايران بالتالي.
غونتر غراس الاديب الالماني الشهير الحائز على جائزة نوبل في الآداب، كان اشجع منا جميعا، عندما نشر قصيدة يوم امس في صحيفة ‘زود دويتشه تسايتونغ’ اليومية سخر فيها من اقدام اسرائيل، صاحبة القوة النووية،على تهديد ايران التي لا تملك مثل هذه الاسلحة بعد، وقال انها ـ اي اسرائيل ـ تشكل مصدر تهديد للسلام الدولي الهش، وانتقد بلاده التي ستزودها بغواصة نووية اخرى في الايام المقبلة، وطالب بسلطة دولية تفتش المنشآت النووية الاسرائيلية والايرانية بالقدر نفسه.
هذا الكلام لم نعد نسمعه للأسف من اي مسؤول عربي، وآخر شخص ردده بمثل هذا الوضوح هو السيد عمرو موسى عندما كان وزيرا لخارجية مصر عندما قال ان مصر لن توقع مجددا على معاهدة منع الانتشار النووي الا بعد توقيع اسرائيل عليها، فكان جزاؤه الركل الى اعلى، اي شحنه الى الجامعة العربية،امينا عاما، واصدار الرئيس المخلوع حسني مبارك أوامره بتوقيع المعاهدة المذكورة دون تردد، وهكذا كان.
بقلم عبد الباري عطوان