أنا والشافعي أنا وهوراس/ ابراهيم مالك
تاريخ النشر: 06/04/12 | 9:56حين اتسعت تجربتي الحياتية وبالتالي معرفتي الفكرية والأدبية، خاصة مع تقدُّمي في العمر واتساع مخزون قراءاتي وثقافاتي المتعدِّدة كان بين من تعرَّفت عليهم شاعرا روما القديمة فيرجيل وهوراس.
وقد لفت انتباهي واهتمامي بشكل خاص الشاعر هوراس. ومن أشهر أعماله وكتاباته:
كتاب فن الشعر
وهو مجموعة قصائد يُحَدِّدُ فيها حقيقة فهمه للشعر.
واسم الكتاب شبيه أو مأخوذ عن كتاب أرسطو الشهير:
“ فن الشعر ” .
وأكثر ما شدَّ اهتمامي موقفان من الشعر، كان هوراس دائما يؤكِّدُهما، وهما رفضه للخواء الفكري الذي تكشف عنه قصائد الكثيرين ممن يعتبرون أنفسهم شعراء مجدِّدين ويرفض في الوقت ذاته التقليد الأعمى لشعراء مقلدين ومتمسكين بما كانه الشعر القديم .
أدرك أن الشعر كالحياة دائمة التجدُّدِ وأن الشعر في آخر كلِّ مطاف هُوَ فيضُ أحاسيس حالمة ومفكِّرَة.
وأعجَبَني حتى الدهشة قوْلُهُ :
لا سَيِّدَ لي إلاّ الحقيقة وأجدني مندفعا أبحث عنها .
أنا والشافعي
ساعة أنهيت دراستي الجامعية في برلين اكتشفتُ ومع تقدِّمِ سِنّي أنَّ ثقافتي الجامعية كانت أحادية الجانب ومحدودة وموجَّهة عن قصد كأكثر الدراسات الجامعية، فكانت دراسة تتجاهل عمدا الموروث الفكري والثقافي الشرقي القديم والإسلامي العربي.
أذكر أنني اقتنيت في برلين يومها كتابا عن أشهر 10 فلاسفة، يومها تعرفتُ على ابن رشد وكان اسمه في الكتاب ” أفيروس “، كما أذكر، وعلى الطبيب والمفكر أبن سينا وكان اسمه في الكتاب المذكور: أفي سيناي.
أما الباقون فكانوا من مفكري الحضارة الإغريقية ( اليونانية ) والأوروبية الأخرى الحديثة نسبيا.
هذا الكتاب كان أول كتاب دفعني إلى البدء في الإهتمام بالموروث الحضاري الأخر :
الصيني والهندي والسومري والمصري القديم والفارسي ولاحقا العربي والإسلامي .
وقد توخيت الربط المتأمل والمفكر بين ما تعلمته في سنوات الدراسة الجامعية في برلين وبين ما اكتسبته بالقراءة الباحثة والمنقبة. وهو ما حاولت الإشارة إليه، مجرد إشارة، في سيرة حياتي المنشورة في موقع بقجة.
وهذا ما أوصلني إلى الإهتمام بما كانه الشاعر والمفكر محمد إدريس الشافعي. لا أنكر دوره كإمام فقه ورجل دين. أحترم حقه في اختيار مساره الحياتي، لكنني في لحظة، تأملت ما قاله هوراس وما قاله الشافعي. قلتُ لنفسي:
أنا حقا أبحث عن الحقيقة ،
لكنني في كل حوار ومناسبة كهذه، أبقيت ما قاله الشافعي في مقدمة عقلي:
( قولي صحيح يحتمل الخطأ وقول غيري خطاٌ يحتمل الصحيح ! )
حقيقة هو ما بات يوجِّهني .
وقد كتبتُ منطلقاً من هذا الفهم، أعبر عن موقفي في حوارات كات لي ذات مساءٍ في برلين: ” في ذلك المساء المثلج الودود
حاولت أن أحسن الجمع بين الشَّبَهَيْن
أنْ أتعودَ الإصْغاءَ النَّبِهَ لِدَقاتِ عقلِ
مَنْ عَرَفْتُ بيْنَهُمْ فِتْنَةَ نَسيجِ الحياة
وألاّ أكتمهم حَقيقة ما يضجُّ بِهِ عقلي . “
هذا النص الشعري هو جزء من قصيدة مطولة عن تلك المساءات التي جمعتني بأصدقاء في برلين ونشرتها في ديوان ” الحصيرة “.
****
قرأتُ في الأسبوع الماضي مقالة الدكتور سامي إدريس المنشورة في موقع بقجة تحت عنوان المنامة السابعة. أعجبتني المقالة نصا وأسلوبا وسعة معرفة. وقد استوقفني بها بيتا شعر للشاعر والمفكر الإمام الشافعي، يقول صدر البيت الأول، وهو ما لفت انتباهي كثيرا :
“ أنّي رأيتُ وقوفَ الماءِ يفسِدُهُ …”
قرأتُ البيتين أكثَرَ من مرة. شعرت بسرور أننا نقرأ لمفكر نبه، عارفٍ وفيلسوف، فاهمِ لأولِ تجارب الحياة، ويبدِعُ في استنتاجها، قراءة صحيحة للتجربة الإنسانية، والبوح بها، بوحا شعريا ناطقا وموحيا.
قلت حالاً في عقلي:
هذا هو الشعر، ما قل ودلّ واحتوى فكرة قد تبدو بسيطة، لكنها عميقة المعنى والدلالات.
وتذكّرْتُ حالاً بيتين آخرين له، يقول صدر البيت الأول:
” نعيبُ زمانَنا والعيب فينا ... “
وأخذتُ أقارِنُ حالاً بين ما قاله هيراقليط، الفيلسوف اليوناني القديم:
” نحن لا نسبح في النهر ذاته مرتين ” ،
فماء النهر دائم الجريان – تجدُّدُ الحياة – وبين ما كتبه الشافعي عن حتمية مآلِ الماء بعد وقوفه، فالماء هو الحياة، والحياة تفسُدُ ما لم تتجدّد.
وما يحزنني حقا أننا لم نُحْسِنِ الترويج لأمثال الشافعي، كمفكر وشاعر، وهم كُثْرٌ في موروثنا الحضاري الحقيقي.
أهلاً بكم يا سيّدي في محراب الأدب والتراث العربي والاسلامي العريق: لقد كانت رسالة الدكتوراة التي كتبتها عن ( ابو المعالي الجويني) استاذ الغزالي، وهو شخصية غير معروفة للكثيرين، وقد قال قولته الجريئة : إنّ في الإمكان أبدعُ مما كان: فرد عليه الغزالي بقولته التي ذاعت: ليس في الإمكان أبدع مما كان. معنى ذلك أن الجويني الأستاذ يقول أن الله كان بإمكانه خلق عالم آخر أبدع من هذا العالم وهو كلام منطقي جداً. على سبيل المثال عالم خلو من الأمراض. خلو من المعاقين والمشوهين.عالم يظل المفكرون والشعراء فيه على قيد الحياة فلا يموتون أبدا . عالم لا يحتاج الانسان فيه الى طعام كالملائكة…. وهناك عوالم أخرى… والجويني والغزالي عاشا في القرن الخامس الهجري…
إذا تكرمت يا أستاذ ابراهيم تبعث لي بريدك الالكتروني فأبعث لك رسالة الدكتوراة
واسلم لأخيك سامي ادريس [email protected]
احييك استاذي الفاضل ابا مالك على عطائك المتواصل..
مقالتك جوهرية المعاني..بكلمات طيبة واسلوب جذاب..
لك مني خالص الحب والتقدير..
الأستاذ العزيز سامي إدريس ، فيما يلي بريدي الإلكتروني :
[email protected]
ويسعدني تسلم رساتك ، فلعلّي أوسِّعُ مخزونَ مَعْرِفتي ، يُوجهني قول عظيم ومبدع :
” قل وما أوتيتم من العلم إلا قليلا ” . أخوك ابراهيم مالك .