الاعجاز العلمي في رفع السماوات بغير عمد ترونها
تاريخ النشر: 10/08/14 | 14:50قال الله جل وعلا: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) الرعد٢، (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) لقمان١٠.
أخبر سبحانه وتعالى في هاتين الآيتين الكريمتين أن من حكمته أن خلق السمواتِ ورفعها (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا). والعَمَد هو الدعائم وهو اسم جمع عند الأكثرين ويدل على الكثرة والمفرد عِماد أو عَمود.
وقيل: إنه جمع والمرجح هو الأول وقرأ أبو حيوة ويحيى بن وثاب عُمُدٍ بضمتين وهو جمع عِماد كشهاب وشهب أو جمع عَمود؛ كرسول ورسل ويجمعان في القلة على أعمدة.
وإختلف أهل التأويل في تأويل قوله تعالى: (بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) على قولين:
أحدهما: أنها مرفوعة بغير عمد ترونها قاله قتادة ومجاهد وإياس بن معاوية وغيرهم وذلك دليل على وجود الصانع الحكيم تعالى شأنه.
والثاني: أنها مرفوعة بعمد ولكنا لا ترَى قال ابن عباس: وما يدريك أنها بعمد، لا ترى وحكى بعضهم عنه أن العمد جبل قاف المحيط بالأرض والسماء عليه كالقبة، وهو قول ضعيف.
قال أبو حيان في البحر المحيط والجمهور على أن السموات لا عمد لها البتة ولو كان لها عمد لإحتاجت تلك العمد إلى عمد ويتسلسل الأمر فالظاهر أنها ممسكة بالقدرة الإلهية ألا ترى إلى قوله تعالى: (وََيُمْسِكُ السَّمَاء أَن تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلَّا بِإِذْنِهِ) الحج ٦٥، ونحو هذا من الآيات.
وقال أبو عبد الله الرازي: العماد ما يعتمد عليه وهذه الأجسام واقفة في الحيز العالي بقدرة الله تعالى فعمدها قدرة الله تعالى فلها عماد في الحقيقة إلا أن تلك العمد إمساك الله تعالى وحفظه وتدبيره وإبقاؤه إياها في الحيز العالي وأنتم لا ترون ذلك التدبير ولا تعرفون كيفية ذلك الإمساك وعن ابن عباس: ليست من دونها دعامة تدعمها، ولا فوقها علاقة تمسكها.
وإنبنى على هذا الخلاف خلاف آخر في موضع جملة (تَرَوْنَهَا) من الإعرا، فذكروا فيها ثلاثة أقوال:
الأول: أنها إستئنافية جيء بها للإستشهاد على كون السموات مرفوعة كذلك. كأنه قيل: ما الدليل على ذلك؟ فقيل: رؤيتكم لها بغير عمد فهو كقولك أنا بلا سيف، ولا رمح تراني.
والثاني: أنها حالية من السموات أي خلقها أو رفعها مرئيَّةً لكم بغير عمد فالضمير للسموات.
والثالث: أنها صفة للعمد أي بغير عمد مرئية فالضمير للعمد وإستدل لذلك بقراءة أبي بن كعب (تَرَوْنَهُ) بعوْد الضمير مذكرًا على لفظ عمد.
فعلى تقدير الاستئنافية تكون السموات مرفوعة بغير عمد وكذلك على تقدير الحالية وأما على تقدير الوصفية فيحتمل توجُّه النفي إلى الصفة والموصوف فيكون حكم السموات كحكمها في التقدير الأول والثاني لأنها لو كان لها عمد، لكانت مرئية ويحتمل توجهه إلى الصفة دون الموصوف، فيفيد أن للسموات عَمَدًا لكنها غير مرئية.
وتحقيق القول في هذه الآية الكريمة أن نقول:
أولاً- إن نفي الذات الموصوفة بأداة من أدوات النفي قد يكون نفيًا للصفة دون الذات وقد يكون نفيًا للذات والصفة معًا.
فمن الأول قوله تعالى: (وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَداً لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ) الأنبياء ٨. أي بل هم جسد يأكلونه.
ومن الثاني قوله تعالى: (لاَ يَسْأَلُونَ النَّاسَ إِلْحَافاً) البقرة ٢٧٣. أي لا سؤال لهم أصلاً، فلا يحصل منهم إلحاف.
وقوله تعالى: (مَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ حَمِيمٍ وَلَا شَفِيعٍ يُطَاعُ) غافر١٨ أي لا شفيع لهم أصلاً، يطاع فيشفع لهم بدليل قولهم: (فَمَا لَنَا مِن شَافِعِينَ) الشعراء١٠٠. ويسمى هذا النوع عند أهل البديع نَفْيُ الشيء بإيجابه.
وعبارة ابن رشيق في تفسيره: أن يكون الكلام ظاهره إيجاب الشيء وباطنه نفيه بأن ينفى ما هو من سببه كوصفه وهو المنفي في الباطن وعبارة غيره: أن ينفى الشيءُ مقيدًا والمراد نفيه مطلقًا، مبالغة في النفي، وتأكيدًا له.
ومنه قوله تعالى: (وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ لَا بُرْهَانَ لَهُ بِهِ) المؤمنون:١١٧، فإن الإله مع الله تعالى لا يكون إلا عن غير برهان.
ثانيًا- لفظ (غَيْر)، موضوع- في الأصل- للمغايرة، وهو مستلزم للنفي، ومعناه عند الجمهور كمعنى (لَا) النافية؛ إلا أن بينهما فرقًا من وجهين:
أحدهما: أن (غَيْر) اسم و(لَا) حرف.
والثاني: أن (غَيْر) معناها المغايرة بين الشيئين و(لَا) معناها النفي المجرد.
ولتوضيح الفرق بينهما نقول: إذا قلت أخذته بذنب، فـذَنْبٌ هو الذي أخذته به وإذا قلت أخذته بلا ذنب، فـ(لَا ذَنْبَ) هو الذي أخذته به، وهو بمنزلة (ذَنْبٍ) في الإثبات.
فإذا قلت:أخذته بغير ذنب، فـغَيْرٌ هو الذي أخذته به، وذَنْبٌ لم تأخذه به؛ لأن لفظ غَيْر مسلوب منه ما أضيفت إليه وما أضيفت إليه هنا هو ذَنْبٌ، فهو المسلوب منها.
ومثل ذلك قوله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ) آل عمران١١٢.
فـ(غَيْرٌ) هو الذي قتلوا به، و(حَقٌّ) لم يقتلوا به؛ وإنما أضيفت غَيْرُ إليه؛ لأنها اسم مبهم، لا يفهم معناه إلا بالإضافة ولما كان مدلول (غَيْرٍ) المغايرة، كان معنى(بِغَيْرِ حَقّ) بباطل.
ثالثًا- النفي بـ(غَيْرٍ) يرد في اللغة على أوجه؛ منها أن يكون متناولاً للذات، إذا كانت غير موصوفة؛ كقوله تعالى: (وَيَقْتُلُونَ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ)آل عمران١١٢. وقوله تعالى: (الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ) الحج٤٠.
فإن كانت الذات موصوفة، كان النفي بها واقعًا على الصفة دون الذات؛ كما في قوله تعالى: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) لقمان١٠. وقوله تعالى: (رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا)الرعد٢.
فالمنفي بـ(غَيْرٍ) هنا هو الرؤية، لا العمد وعليه تكون السموات مخلوقة ومرفوعة بعمد، لا تُرَى، فتأمل ذلك، فإنه من الأسرار الدقيقة في البيان القرآني المعجز!
رابعًا – العمد غير المرئية في العلوم الكونية:-
تشير الدراسات الكونية إلي وجود قوى مستترة، في اللبنات الأولية للمادة وفي كل من الذرات والجزيئات وفي كافة أجرام السماء، تحكم بناء الكون وتمسك بأطرافه إلى أن يشاء الله تعالى فيدمره ويعيد خلق غيره من جديد.
ومن القوى التي تعرف عليها العلماء في كل من الأرض والسماء أربع صور يعتقد بأنها أوجه متعددة لقوة عظمى واحدة تسري في مختلف جنبات الكون لتربطه برباط وثيق وإلا لانفرط عقده وهذه القوى هي:
١- القوة النووية الشديدة.
٢- القوة النووية الضعيفة.
٣- القوة الكهربائية المغناطيسية ”الكهرومغناطيسية”.
٤- قوة الجاذبية.
هذه القوى الأربع هي الدعائم الخفية، التي يقوم عليها بناء السماوات والأرض، وقد أدركها العلماء من خلال آثارها الظاهرة والخفية في كل أشياء الكون المدركة.
وتعتبر قوة الجاذبية على المدى القصير أضعف القوى المعروفة لنا، وتساوي: ١٠- ٣٩ من القوة النووية الشديدة، ولكن على المدى الطويل تصبح القوة العظمى في الكون، نظرًا لطبيعتها التراكمية فتمسك بكافة أجرام السماء، وبمختلف تجمعاتها ولولا هذا الرباط الحاكم الذي أودعه الله تعالى في الأرض وفي أجرام السماء ما كانت الأرض ولا كانت السماء ولو زال هذا الرباط لانفرط عقد الكون وإنهارت مكوناته.
ولا يزال أهل العلم يبحثون عن موجات الجاذبية المنتشرة في أرجاء الكون كله منطلقة بسرعة الضوء دون أن ترى ويفترض وجود هذه القوة على هيئة جسيمات خاصة في داخل الذرة لم تكتشف بعد يطلق عليها إسم الجسيم الجاذب، أو الجرافيتون ”Graviton”.
منذ العقدين الأولين من القرن العشرين تنادى العلماء بوجود موجات للجاذبية من الإشعاع التجاذبي، تسري في كافة أجزاء الكون؛ وذلك على أساس أنه بتحرك جسيمات مشحونة بالكهرباء، مثل الإليكترونات والبروتونات الموجودة في ذرات العناصر والمركبات، فإن هذه الجسيمات تكون مصحوبة في حركتها بإشعاعات من الموجات الكهرومغناطيسية.
ير الدراسات الكونية إلي وجود قوى مستترة، في اللبنات الأولية للمادة، وفي كل من الذرات والجزيئات، وفي كافة أجرام السماء، تحكم بناء الكون، وتمسك بأطرافه إلى أن يشاء الله تعالى، فيدمره، ويعيد خلق غيره من جديد وقياسًا على ذلك فإن الجسيمات غير المشحونة مثل النيوترونات تكون مصحوبة في حركتها بموجات الجاذبية، ويعكف علماء الفيزياء اليوم على محاولة قياس تلك الأمواج، والبحث عن حاملها من جسيمات أولية في بناء المادة، يحتمل وجوده في داخل ذرات العناصر والمركبات، واقترحوا له اسم: الجاذب أو الجرافيتون.
وتوقعوا أنه يتحرك بسرعة الضوء، وانطلاقا من ذلك تصوروا أن موجات الجاذبية تسبح في الكون؛ لتربط كافة أجزائه برباط وثيق من نواة الذرة إلى المجرة العظمى، وتجمعاتها إلى كل الكون، وأن هذه الموجات التجاذبية هي من السنن الأولى، التي أودعها الله تعالى مادة الكون وكل المكان والزمان!
وهنا تجب التفرقة بين قوة الجاذبية (TheGravitationalForce)، وموجات الجاذبية (TheGravitationalWaves).
فبينما الأولى تمثل قوة الجذب للمادة الداخلة في تركيب جسم ما، حين تتبادل الجذب مع جسم آخر، فإن الثانية هي أثر لقوة الجاذبية وقد أشارت نظرية النسبية العامة إلى موجات الجاذبية الكونية على أنها رابط بين المكان والزمان على هيئة موجات، تؤثر في حقول الجاذبية في الكون، كما تؤثر على الأجرام السماوية، التي تقابلها. وقد بذلت محاولات كثيرة لاستكشاف موجات الجاذبية القادمة إلينا من خارج مجموعتنا الشمسية، ولكنها لم تكلل بعد بالنجاح.
والجاذبية وموجاتها، التي قامت بها السماوات والأرض منذ بدء خلقهما، ستكون سببًا في هدم هذا البناء عندما يأذن الله تعالى بتوقف عملية توسع الكون، فتبدأ الجاذبية وموجاتها في العمل علي انكماش الكون، وإعادة جمع كافة مكوناته على هيئة جرم واحد، شبيه بالجرم الابتدائي، الذي بدأ به خلق الكون وسبحان القائل:
(يَوْمَ نَطْوِي السَّمَاء كَطَيِّ السِّجِلِّ لِلْكُتُبِ كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ) الأنبياء١٠٤.
خامسًا- نظرية الخيوط العظمى وتماسك الكون
في محاولة لجمع القوى الأربع المعروفة في الكون القوة النووية الشديدة والقوى النووية الضعيفة، والقوة الكهرومغناطيسية، وقوة الجاذبية) في صورة واحدة للقوة اقترح علماء الفيزياء ما يعرف باسم نظرية الخيوط العظمى (TheTheoryOfSuperstrings)، والتي تفترض أن الوحدات البانية للبنات الأولية للمادة من مثل (الكواركات والفوتونات، والإليكترونات وغيرها) تتكون من خيوط طولية في حدود ١٠- ٣٥ من المتر، تلتف حول ذواتها، على هيئة الزنبرك المتناهي في ضآلة الحجم، فتبدو كما لو كانت نقاطًا، أو جسيمات، وهي ليست كذلك.
وتفيد النظرية في التغلب على الصعوبات، التي تواجهها الدراسات النظرية في التعامل مع مثل تلك الأبعاد شديدة التضاؤل، حيث تتضح الحاجة إلى فيزياء كمية غير موجودة حاليًا، ويمكن تمثيل حركة الجسيمات في هذه الحالة بموجات تتحرك بطول الخيط كذلك يمكن تمثيل انشطار تلك الجسيمات واندماجها مع بعضها البعض بانقسام تلك الخيوط والتحامها.
وتقترح النظرية وجود مادة خفية (ShadowMatter)، يمكنها أن تتعامل مع المادة العادية عبر الجاذبية؛ لتجعل من كل شيء في الكون (من نواة الذرة إلى المجرة العظمى، وتجمعاتها المختلفة إلي كل السماء) بناء شديد الإحكام، قويّ الترابط وقد تكون هذه المادة الخفية هي ما يسمَّى باسم المادة الداكنة (DarkMatter)، والتي يمكن أن تعوض الكتل الناقصة في حسابات الجزء المدرك من الكون، وقد تكون من القوى الرابطة له.
وتفسر النظرية جميع العلاقات المعروفة بين اللبنات الأولية للمادة، وبين كافة القوى المعروفة في الجزء المدرك من الكون. وتفترض النظرية أن اللبنات الأولية للمادة ما هي إلا طرق مختلفة لتذبذب تلك الخيوط العظمى في كون ذي أحد عشر بعدًا.
ومن ثم، إذا كانت النظرية النسبية قد تحدثت عن كون منحن، منحنية فيه الأبعاد المكانية الثلاثة (الطول، العرض، والارتفاع) في بعد رابع هو الزمن، فإن نظرية الخيوط العظمى تتعامل مع كون ذي أحد عشر بعدًا، منها سبعة أبعاد مطوية على هيئة لفائف الخيوط العظمى، التي لم يتمكن العلماء بعد من إدراكها.
وسبحان القائل: (اللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا) الرعد ٢. والله قد أنزل هذه الحقيقة الكونية على خاتم أنبيائه ورسله صلى الله عليه وسلم من قبل أربعة عشر قرنًا، ولا يمكن لعاقل أن ينسبها إلى مصدر غير الله الخالق .