أعمدة سياسة التحالف العربي-الصهيو-أمريكي في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 09/08/14 | 16:28الموقف الخياني الداعم لإسرائيل في حربها على غزة خصوصا وفلسطين عموما، الذي تبناه النظام العربي الرسمي الا من دولة او اثنتين ما زالتا تحافظان على شيئ من (الحياء)، ليست جديدة على ما يبدو..
ذكرني الواقع المذهل لعمالة هذه الأنظمة العربية المجرمة بما كشف عنه موقع (ويكيليكس) قبل مدة ليست طويلة لتآمر غير واحد من الأنظمة العربية ضد قضاياها الوطنية والقومية الكبرى، وخدماتها الجليلة للإدارات الأمريكية المتعاقبة المنحازة لإسرائيل، وكأنها نسخة جديدة لحالة (ملوك الطوائف) الغابرة التي مهدت لسقوط الأندلس، وتوشك اليوم أن تسقط غزة العزة تمهيدا لسقوط القدس قلب القضايا العربية والإسلامية وإلى الأبد، بعد أن أعلنت (خيبِتْها) من خلال ما قدمته من خطة الاستسلام التي أسمتها (مبادرة السلام العربية).
رغم انبطاح النظام العربي الرسمي – الا من رحم الله – تحت أقدام التحالف الصهيو-امريكي، خرج علينا الرئيس (اوباما) في مقابلة مع جريدة (نيويوك تايمز) أجراها معه الاعلامي اليهودي الشهير (توماس فريدمان) بتاريخ 8.8.2014، ليصدر رسميا (رخصة الدفن) لدوره كوسيط نزيه في عملية سلام الشرق الأوسط، من خلال الإعلان عن توقف ضغطه على نتنياهو، ملخصا تفسيره للأزمة في الشرق الأوسط وانسداد الأفق السياسي وتدهور الأوضاع على الأرض، ب – (القوة غير العادية لنتنياهو، والضعف غير العادي لأبي مازن!!!!).. هكذا وبكل وقاحة وصفاقة..
قلت (رخصة دفن)، لا (شهادة وفاة)، لأنني ما آمنت يوما وبالذات منذ دخل (اوباما) البيت الأبيض، أن شيئا ما تحت الشمس سيتغير في اتجاه ممارسة ضغط حقيقي على إسرائيل لتحقيق تقدم في اتجاه (سلام شامل وعادل ودائم!!!) في منطقة الشرق الأوسط.. فعملية السلام ماتت منذ زمن طويل، وما مبادرة السلام العربية إلا الكفن الذي لُفَّتْ به حتى لا ترى الشعوب العربية مدى التشوه الذي أصابها بسبب الاحتلال الإسرائيلي والتواطؤ الغربي-الأمريكي-العربي معه… لقد جاءت المبادرة العربية إياها في حينه لتنقذ شيئا من ماء الوجه العربي، إلا أن (أوباما) بقراره الأخير، مزق الكفن / المبادرة العربية، وكشف عن حقيقته التي لم تَخْفَ على عقلاء وشرفاء الأمة، (وَبَصَقَ) مباشرة في وجه النظام العربي الرسمي خادمه المطيع، الذي أوغل في خدمته لأمريكا وإسرائيل من خلال اقتراحاته لضرب إيران عسكريا، أو المطالبة بتشكيل قوة عربية ضاربة بدعم أمريكي للقضاء على حزب الله في لبنان في العام 2006، أو بالتنسيق مع إسرائيل للقضاء على حماس في قطاع غزة أثناء حرب (الرصاص المذاب) عام 2008/2009، و (عمود الغمام) في العام 2012، وفي حرب (الجرف الصامد) في العام 2014، التي كشفت بلا رتوش هذا التحالف العربي-الصهيو-امريكي في الشرق الأوسط لضرب القوى الحيَّة التي تريد أن تعيد للأمة كرامتها وهيبتها وعزتها ومكانتها المرموقة بين أمم الأرض وشعوبها..
كان هذا التصريح من (أوباما) ل – (النيويورك تايمز) متوقعا بل وحتميا في ظل انهيار النظام العربي الرسمي، وخنوع الشعوب العربية – الا من رحم الله – بدعوى حكمها بالحديد والنار… يبقى السؤال: ماذا بقي للعرب بعد الآن، وكيف سيكون تصرفهم؟؟؟!!!…
أصبح واضحا انه ومن خلال طبيعة العلاقة بين رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو والرئيس الأمريكي أوباما، والتحاق النظام العربي الرسمي في أغلبه الساحق بهذا التحالف الصهيو-امريكي بشكل سافر في ظل تفاعلات الربيع العربي، لا أمل في التوصل إلى حل يضع الأمور في نصابها ويعيد الحقوق إلى أهلها، ونعني بها طبعا حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية، بل على العكس تماما… العالم العربي يقف على اعتاب مرحلة جديدة أشد انحطاطا من التي عاشها حتى الآن، الأمر الذي أكده أوباما في حديثه من ان (نتنياهو) يتمتع اليوم بقوة فوق العادة رغم جرائمه في قطاع غزة التي اتفقت كلمة الخبراء على أنها ترقى لمستوى جرائم حرب وجرائم ضد الانسانية، بينما (يتمتع!!!) أبو مازن بضعف فوق العادة…
يبعث (اوباما) من خلال كلامه هذا برسالة واضحة لكل من يريد ان يسمع الحقيقة… لا مكان في هذا العالم الا للقوي، بغض النظر عما يرتكبه من انتهاكات حسب القانون الدولي الذي ما عاد يمتلك قوة الدفاع عن نفسه الا في مواجهة الضعفاء، أما الاقوياء فعنده من قابلية التلون والالتواء ما يؤهله ان يكون جزءا من ظلمهم وجرائمهم… ما يحدث في قطاع غزة أصدق شاهد على ما أقول… أما الضعفاء فلا تكفي أن تكون قضيتهم عادلة بلا نزاع حتى يضمنوا لأنفسهم مكانا تحت الشمس.. لا بد لهم من قوة تحمي عدالة قضيتهم من جهة، وستضمن لأنفسهم مكانا بين الكبار….
لقد فهمت المقاومة الفلسطينية هذا المنطق منذ امد بعيد، كما فهمته قوى التغيير في عالمنا العربي التي ترى في النظام العربي الرسمي العقبة الكؤود في طريق النهضة واحتلال الأمة لموقع مرموق بين الأقوياء، ولذلك لم نستغرب هذا التحالف العربي-الصهيو-امريكي ضدها على امتداد الوطن العربي، وبالذات في دول الربيع العربي المركزية: مصر وسوريا والعراق وتونس وليبيا واليمن…
توهم بعضنا من خلال ما يعترى العلاقة بين الرجلين (نتنياهو واوباما) في بعض المنعطفات منذ بداية حكم الأخير، أن عهدا جديدا قد بدا في العلاقات الأمريكية – الإسرائيلية… عهد مختلف ستوضع الأمور ولأول مرة في نصابها، وسيعلم نتنياهو أن أيام (الدلال!!!) قد انتهت… لقد توهمنا ذلك لقلة عقولنا وسذاجتنا، وسرعان ما (ذاب الثلج وبان المرج) كما نقول في أمثلتنا العامية. لا ننكر مطلقا أن أزمات ما طفت على السطح في العلاقة بين الإدارة الأمريكية الحالية وبين حكومة نتنياهو، لكننا لم نستطيع أن نجزم مطلقا بسبب العلاقة الإستراتيجية الموروثة بين الدولتين، بمدى ما يمكن أن يشكله ذلك من ضغوط أمريكية جادة تغير المشهد الشرق أوسطي لمصلحة ما تسميه الأدبيات السياسية (بالمصالحة التاريخية!!!)… كانت شكوكنا حول هذه المسألة كبيرة جدا، بحيث لا تستطيع أن تمحو من ذاكرة كل عربي أو فلسطيني انحياز أمريكا غير المحدود والمنهجي لإسرائيل، ودعمها لها بالمال والسلاح، وحمايتها بالفيتو من أن تصل إليها يد العدالة الدولية، بغض النظر عما ترتكبه من جرائم ضد الإنسانية، وما تنفذه من انتهاكات يومية للقانون والشرعية الدولية…
هنالك أكثر من دليل يشير إلى أن الرئيس الأمريكي الحالي يعاني من أزمة (مصداقية) حقيقة، خصوصا وأنه اندفع – بحق طبعا – في بداية عهده كأول رئيس أسود للولايات المتحدة، في اتجاه تحويل اتجاه بوصلة السياسة الأمريكية الخارجية نحو تحقيق هدفين أساسيين، الأول، مد الجسور التي حطمها سلفه بوش الابن، بين أمريكا والعالم العربي والإسلامي، والثاني، وضع قضية الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني على سكة الحل الجذري بناء على الشرعية الدولية، على قاعدة أن الاستيطان في الضفة الغربية المحتلة عموما وفي القدس الشرقية خصوصا، هو العقبة الأكبر والأكثر تعقيدا أمام تحقيق تسوية حقيقة شاملة وعادلة ودائمة…
لعل أوباما ومستشاروه قد وقعوا في فخ القراءة المتفائلة أكثر من اللزوم للطبيعة الإسرائيلية التي وصلت إلى وضع أصبحت معه فوق القانون الدولي، وخارج قواعد اللعبة المتفق عليها في الأعراف الدبلوماسية بين الدول والأمم المتحضرة، وذلك للأسباب التي ذكرت سابقا، ولسبب آخر إضافي، وهو جهل العالم أو تجاهله المتعمد – وهو ما نميل إليه – للفارق الهائل بين حالة التعاطف التي حظي بها اليهود يوم كانوا مضطهدين في العهد النازي وهو ما نشاركهم فيه كعرب وكمسلمين كان لنا دورنا في حماية اليهود على مدار التاريخ الطويل، وبين حقيقة أن اليهود اليوم وبعد إقامة إسرائيل انتقلوا من دور الضحية إلى دور المجرم الذي يمارس الجريمة الرسمية المنظمة كجزء لا يتجزأ من بنيته التحتية الفكرية، وذلك فيما تنفذه من ممارسات ضد الشعب الفلسطيني إنسانا وأرضا ومقدسات.
ما زال الغرب والولايات المتحدة يتعاملون مع إسرائيل القوة العسكرية الأعتى في الشرق الأوسط، والرابعة على مستوى العالم، والمحتلة لأراضي الغير بالقوة المسلحة، والمنفذة للجرائم اليومية ضد الفلسطينيين، والساعية إلى تهويد كل شيء بما في ذلك القدس والمسجد الأقصى المبارك، وفرض سياسة الأمر الواقع عبر نشر طاعون الاستيطان على أوسع نطاق، ما زالوا يتعاملون معها رغم التغيير الجذري وانقلاب الصورة المتعلقة بأوضاع اليهود، كما لو أن الزمن ظل متجمدا عند أعتاب الفترة النازية في أربعينات القرن الماضي، وكما لو أننا لا نعيش في العام 2014 من القرن الواحد والعشرين، والتي ترتكب فيها إسرائيل اليوم محرقة ضد شعبنا الفلسطيني في غزة تستهدف المدنيين أساسا من رجال ونساء واطفال، وتستهدف الحياة المدنية بكل صورها من مدارس ومساجد ومستشفيات ومؤسسات خدمية وبنى تحتية، بعد فشلها الذريع في حسم المعركة مع المقاومة الفلسطينية…
صَدَمَ التصرفُ الإسرائيلي الإدارة الأمريكية الجديدة، فقد توقعت من إسرائيل أن (تُمْسِكَ خاطر!!!) الرئيس أوباما أمام الرأي العام على الأقل، وأن ترضى بالاشتراطات التي حددها اوباما ولو صوريا، على أن تنفذ عكسها ميدانيا كما كان يحصل مع الإدارات السابقة في بعض المنعطفات المشابهة، وأن (تُبَيِّضَ وجهه!!!) أمام العرب والمسلمين الذين علَّقوا عليه آمالا كبيرة وعريضة في أن يأتي لهم (بكبد الحوت!!!)… لم يحصل ذلك كله… لذلك خرس اوباما، وما عاد يقوى على مواجهة الرأي العام كما كان يفعل في الماضي، وصمت صمت أهل القبور، فما عاد يقوى على الإدلاء بأي تصريح له علاقة بالشرق الأوسط…
لقد أفسد الدلال الأمريكي والأوروبي إسرائيل، فما عادت تفرق بين عدو وصديق… الصديق عندها من أيَّدَها بلا تحفظ أو تردد وإن كانت على باطل محض، حتى وإن كان عدو الأمس، والعدو من اعترض عليها وخرج عن طوعها وإرادتها، وإن كان على الصدق المحض، حتى لو كان حليفها الأكبر الذي بدونه تصبح كريشة في مهب الريح، ومن غير دعمه تصبح في لمح البصر نسيا منسيا، وأثرا بعد عين…
هذه هي إسرائيل بكل حكوماتها التي لم يقدرها أوباما وإدارته حق قدرها، حتى إصابته تصرفاتها واستخفافها واستهتارها بالذهول المُقْعِدِ وفقدان التوازن…
كنا نتوقع ولو من باب (تفاءلوا بالخير تجدوه)، أن يكون موقف إسرائيل المستهتر بالرئيس الأمريكي سببا في رد فعل قوي في وجه إسرائيل.. لكن سياسات إدارة (أوباما) الداعمة لإسرائيل بلا تحفظ جاء ليقلب الطاولة في وجه (سذاجتنا!!!) كعرب، وليعيدنا من جديد، أو هكذا يجب أن يكون، إلى الواقع المر وهو أن أمريكا وإسرائيل دولة واحدة وروح واحدة، وانه من دون أن يُجْرِيَ العرب تغييرا جذريا في سياستهم وتعاملهم مع أمريكا، فلا يَتَوَقعُنَّ إلا مزيدا من (البصاق!!!) ذي النكهة الأمريكية في وجوههم، ومزيدا من (الانبطاح!!!) الأمريكي في الأحضان الإسرائيلية الدافئة…
المعادلة بسيطة: كلما زاد العرب في انبطاحهم أمام أمريكا، زادت أمريكا في انبطاحها أمام إسرائيل، وكلما تشدد العرب في تعاملهم مع أمريكا، تحررت الأخرى من قبضة إسرائيل… الصدمة الكبرى بالنسبة لنا تكمن في ان النظام العربي الرسمي أصبح اليوم بشكل سافر جزءا لا يتجزأ من هذا التحالف الصهيو-امريكي، الأمر الذي يجب ان يدعو القوى الحية في عالمنا العربي إلى إعادة النظر في سياساتها تجاه هذ النظام العربي المجرم الذي أصبح يتفاخر بخيانته وعمالته لإسرائيل وأمريكا بشكل غير مسبوق…
الحقيقة أنني لا اتوقع على ضوء هذا الوضع شيئا من أنظمة العرب الرسمية.. فهل ستجري الشعوب وقواها المبادِرة تقييما جريئا للأوضاع بما يتناسب وهذا التطور الخطير، من اجل لعب دور أكثر فاعلية لخدمة قضايا الأمة عموما والقضية الأم وهي القضية الفلسطينية والقدس الشريف خصوصا؟؟؟!!!… وهل ستعلن هذه الشعوب بدورها (وفاة!!!) النظام العربي الرسمي، وهل ستضع جدولا زمنيا محددا لمراحل التغيير المتوقعة تمهيدا لاستنقاذ الأوطان المقدسات؟؟!!..
هذه الأسئلة وغيرها نتركها للشهور القادمة، لعلها تجيب عليها بما يحقق الأماني ويشفي الصدور…
بقلم النائب إبراهيم صرصور – رئيس القائمة العربية الموحدة/الحركة الإسلامية