أطفال تحت ركام الموت – صنع في اسرائيل
تاريخ النشر: 09/08/14 | 20:47أشتاق اليك – يا أمي – أشتاق الى حضنك، الذي قضيت فيه أيامي الأخيرة..كنت تحاولين به حمايتي من قنابل الموت،التي كانت تنصب علينا من السماء ومن الأرض،كلما كنت ” أسمع خبطها ” كنت ألتصق بك أكثر، وكأني أريد العودة الى رحمك، وانت تضغطين علي، كأنك تريدين ان تخفيني في داخت عظامك..
لا أجدك هنا في الجنة – يا امي -.. هل أنت كبيرة وقوية، فلم تستطع القنابل ان تقهرك!!؟
فتتني- الصغيرة – في حضنك،ولم تقدر ان تنل من صمودك..؟ ام انهم هنا في الجنة،يفصلون الابناء عن الامهات..!!؟
هنا في لجنة- يا امي -.. لا جوع لا حرمان..لا قاصفات متفجرات.. لاخوف لادموع
..لا موت..
آخر دقائقي في حضنك، كانت في حديقة تملؤها الالعاب والمراجيح، لعبت مع أطفال
يلاعبون الشمس، وزرقة السماء، ويضحكون لخضرة الشجر والظلال،ويلاعبون الدنيا
بالفرح.
رجائي- يا أمي-.. ان كنت ما زلت في غزة، ونجوت من الموت،ان تبحثي عن كلبي الصغير” دوبي” بين الانقاض وتحكي له الحكاية.. حكاية.. زيارتي الى حديقتي الساحرة، فهو يحب حكايات الخيال..
ليلتها.. لم نجد مكانا لننام فيه على مصاطب مدرسة ” الاونرا “.. لقد كل المصاطب مرصوصة بأجسام الناس الذين شردهم القصف من بيوتهم، والذين تحولت مساكنهم الى رماد، والذين ضاعت الطرق الى بيوته، بين أكوام الهدم والخراب،فاذا بامراتين تحولان وضع نومهما من الظهر الى الجانب، وتفسحان المجال ” لتدسي ” جنبك بينهما، ثم تفتحين – حضنك ليحتويني بأعجوبة من السماء.. كان المكان أخرس.. لا تسمع فيه سوى أصوات الانفجارات،وزعيق ضحايا قصف المتفجرات،وهدير طائرات الموت التي كانت تحوم فوقنا..لقد تحولت أجسامهم الى كتلة واحدة من الصخر.
كان انتقالي – يا أمي – من حديقتي الساحرة التي زرتها في حضنك، الى هنا في الجنه سريعا
هادئا..وجدت نفسي بين ملائكة الرحمة.كل ما فيها نور وسلام.
سبقتني – يا أمي – الى هنا سامية ” ام الكراميل “.. أطلقنا عليها هذا الاسم،لأنها كانت” تمر”
عليك عند ذهابها الى المدرسة لتجدلي لها كراميلها الشقراء.
لم نبك سامية يوم تشظيها، ربما لأننا لم نجد منها ما نبكي عليه..سوى كراميلها التي طلت من بين الركام،او ان الانشغال بالانتقال من موت الى موت، ومن أشلاء الى أشلاء،ينسي الباحثين راحة البكاء..!!
تذكرنا – يا أمي -..انا وسامية..ليلة اتحاد أجسمنا وأرواحنا على مصطبة مدرسة ” الاونرا “..ننتظر الموت الذي كان يحوم فوقنا،فهمست في أذني بصوت متقطع مذبوح:
– معي شكولاطة..!!
– من أين يا “مجنونة “..!!؟ سألتها من تحت أثقال الرعب..
– وجدتها بين ركام بيت جارنا سمير..!!همست من بين كتل الصخور، التي كانت تشد على خناقها..ومدت يدها لتناولني قطعة منها..
– ربما كانت في يده، عندما غمره ركام الموت..!!قلت وأنا أشد عليها بقوة حتى ذابت في يدي..وفي الصباح رأيت قطعة الشكولاطة ذائبة في يد سامية..
أتذكرين – يا أماه – عندما رجعت في احد الايام من المدرسة ورميتك بسؤال اتعبني
ثقله:
– لماذا لم تخبريني أننا من عسقلان..!!؟
– لأننا لسنا من عسقلان..!أجبت ومسحة من الدهشة تغزو حنان وجهك..
– ألسنا – أنا وأحمد – من حي واحد..!!؟ أكملت تساؤلاتي التائهة..
– ولكن أهله لاجئون من عسقلان، أما نحن فمن سكان غزة الاصليين..
وسمعت لأول مرة كلمة لاجئين..أشفقت عليك من عناء شرحها..فأخذت على عاتقي مهمة البحث عن مدلولاتها..وكان أولها حل لغز مداهمة ألحزن وجه احمد،عندما كان يسمع، أ ن صواريخ المقاومة أصابت عسقلان..!!
رفعوا ا لحجارة..وأزاحواالتراب عنه..ومن ثم رفعوا عنه فرشته ووسادته..فوجدوه….كانت ترتسم على شفتيه ابتسامة خفيفة خجلة.. مسحوا التراب، فلمع وجهه الملائكي..كان هو..كما نعرفه..أحمدالعسقلاني..لم ينقص منه شيئ..كان مازال يحلم..!!..الدمار القاتل لم يستطع اغتيال احلامه..!!..ولكن الكبار اعلنوا انه ميت..ولم يصغوا لصديقه محمد الفقيه عندما صرخ:” أنه لم يمت، لقد رأيته كما هو..لا ينقص من جسمه أي عضو..!!” انتزعوه من بين كتل الدمار ووضعوه في السيارة..واستمروا بالحفر بحثا عن جثث أخرى..
لا أدري.. لماذا لم احك لك حكايات موت رفاقي.. أبناء حارتنا.. قبل ان التحق بهم وبالرفيق
الاعلى.. ربما لأنك كنت مشغولة بتحضيرهم للدفن..كانت هذه وظيفتك في ” ملحمة ” غزة..تحضرين العرسان لزفافهم الابدي..وقضيت كل وقتك تتنقلين من عروس الى عروس..ومن عريس الى عريس..فتحول الموت – بالنسبة لك – الى جمع الاشلاء المقطعة في كفن واحد تحضيرا لزفافها..ولم يكن لديك الوقت أو القدرة لتستمعي لحكاياتهم المقطوعة..التي جرت قبل الموت..أو أثنائه..!!
أخذوه وتركوا طائرته الصغيرة وراءه.. لم يستطع الركام ان “يقتلها “.. تناول الطائرة أحد الرجال الذين يبحثون عن الجثث المدفونة تحت الانقاض،ورماها باتجاه الاطفال المتجمهرين حول البيت المهدوم، قلم يعرها أحد منهم اي اهتمام.
تذكرت يوم كنا – أنا وأحمد – عائدين الى البيت بعد ان أنهينا يومنا الدراسي، واذا بأحمد يقول بعد ان مرت فوقنا طائرة مخلفة ورائها صوتها الذي صم آذاننا:
– أريد ان أصبح طيارا عندما أكبر..
– لماذا طيارا..!؟ سألته..
– لأني أريد ان أمر بطائرتي فوق عسقلان..!!أجاب وسيل من الحنين، ينير ربوع وجهه المربوع..
وسلمى الطويلة معنا هنا – يا أمي –.. لملمنا فتافيت جسمها من الشارع، بعد ان داهمتها طلقات المدفعية، وهي في طريقها عائدة من الدكان، تحمل في يدها كيس الحليب لأخيها الصغير،الذي كاد أن ” يموت ” من الجوع.. وضعنا ما وجدناه من أشلاء جسمها في أكياس من النايلون، بناء على تعليمات الكبار.
كنت – يا أمي – تسألين سلمى،كلما رأيتها،قبل ان تقصفها المدافع:” منلك هلطول.. الله يقصفك..!! “.. كانت هي الوحيدة من بيننا،التي كانت تستطيع ان تصل يداها الطويلتان،الى ثمار شجرة التوت العالية، فتعطي من تشاء منا، وتحرم من تشاء..انتقلت سلمى –الى هنا..يا أمي _ وبقيت شجرة التوت مكانها،لتحكي حكاية سلمى..
ومحمد ” المجنون ” معنا هنا – يا أمي-.. سميناه بالمجنون لأنه كان ” يعشق ” رائحة البارود وصوت قصف المدافع، سمع هدير دباباتهم وهي تتجه نحو البلد،فاسرع باتجاهها،وسرعان ما وجد نفسه امامها..ناداه أحد الجنود من داخل الدبابة،وناوله من شباكها علبة شوكلاطه.. ولما ابتعد عنهم بضع عشرات من الامتار، ناداه احد الجنود، وهو يخرج رأسه من داخل الدبابة: ” يا ولد.. ما اسمك..!!؟ “.. فصاح بأعلى صوته كي يتغلب على هدير الدبابة: ” محمد..محمد..!!”.
عندما جاءوا لينقلوه الى المستشفى، ليحضروه للدفن،لم يكن لديهم الوقت الكافي ليعدوا الرصاصات التي اخترقت جسمه..ولكنهم رأوا لوحا من الشوكلاطة ملقي بجانبه.. كان مكتوب عليه: ” صنع في اسرائيل.. “.
يوسف جمال – عرعرة
كا الاحترام وهاي القصيده ماخوذه من الحقيقة لو كل انسان يعرف شو بعانو اطفال غزه
القصة مؤثرة و معبرة يا جدي يوسف وكل الاحترام