البشائر الغزية من الآيات القرآنية

تاريخ النشر: 13/08/14 | 12:38

بات حديث الساعة في المجالس ووسائل الإعلام والمنابر والتحليلات عن “الانتصار الكبير” ونسمع عن “غزة تنتصر” و”غزة منتصرة” وعقدت المهرجانات والأمسيات والمسيرات دعما ونصرة لانتصار غزة والحق الفلسطيني، وبدا الفرح على وجوه المسلمين، وانتشر في الأمة وسرى في جسدها خبر الانتصار ليُدخل إلى القلوب الثقة بالله، والتوكل على الله، وتعم الفرحة في بيوت المسلمين وجيل الأطفال والشباب وكبار السن والنساء، مهللين مكبرين تكبيرات النصر، وعيد النصر والعزة، وعيد غزة، ذاكرين الله وشاكرين وحامدين ومرددين (أَنتَ مَوْلاَنَا فَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ومستبشرين (وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنصُرُهُ)، ووسط هذا الابتهاج والفرح يخرج من جلدتنا من يطعن في الصالحين والمجاهدين والمرابطين مستهزئا ومستحقرا وساخرا وطاعنا في الثلة المجاهدة القائمة الواعية الصامدة (لَيْسَ الْمُؤْمِنُ بِالطَّعَّانِ وَلا اللَّعَّانِ وَلا الْفَاحِشِ وَلا الْبَذِيءِ) يلوي عنقَهُ ويهز رأسه ويغمز بعينيه ويشير بيده مستخفاً بتضحيات الشعب وجراح غزة ودماء الأبرياء بقوله :عن أي نصر يتحدثون ؟! عن أي نتائج يتكلمون !؟ عن أي إنجاز يخطبون ؟ عن أي مرحلة جديدة يُشيرون ؟ عن أي أمل وبشرى يبثون ؟ لمثل هؤلاء الظانّين بالله ظن السوء، والظانّين بالأمة الشر، والظانّين بالمرابطين الدمار والهلاك، لهم نقول ليس لدينا حسابات رقمية، ولا ألوان بيضاء أو سوداء، ولسنا نضرب موعدا مع الخيال، ولا عيشا مع الأوهام، إننا نملك ما لا تملكون، ونرجو ما لا ترجون، وندعو ما لا تدعون، ونكسب ما لا تكسبون، ونربح وأنتم تخسرون، نحيا وأنتم تموتون وإن كنتم أحياء، ونصبر وانتم تجزعون، ونفرح وأنتم تبكون على مغانم الدنيا ومناصبها، كلمتنا هي العليا، ورايتنا هي العالية وصفّنا هو الأقوى، فنحن مولانا الله فمن مولاكم !! عليه نتوكل فعلى من تعتمدون!! له نعمل فأنتم لصالح من تعملون !! إليه نسير فأين أنتم ذاهبون !؟ هذا ما نملكه ونستبشر به بكل ثقة ويقين بالله.
ولا أجد الحديث عن البشائر الغزّية بالمعنويات والقيم والمعاني الإيمانية إلا حاجة ملحة لتكون مادة الخطباء ووعاظ الناس، ولا أشير إلى كرامات وإن وجدت، أو بركات نزلت أو أمور تحققت فوق التوقعات، بل أتناول المعاني الإيمانية من خلال الآيات القرآنية نبشر بها الناس أننا على الطريق، طريق العزة والنصر.

البشارة الثانية
ما زلنا نستشعر المعاني والبَشَائِرُ الغَزْيَّةُ مِنْ الآياتِ القُرْآنِيّةِ، وقد ذكرنا البشارة الاولى في قوله تعالى (ولَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ (171) إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ (172) وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ..) إما البشارة الثانية التي نحيا في ظلالها وإيمانها في قوله تعالى (إِنَّ وَلِيِّيَ اللَّهُ الَّذِي نَزَّلَ الْكِتَابَ وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) فالآية خطاب من الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أن يرد على المشركين والمعاندين : إن نصيري ومعيني وظهيري عليكم هو الله، ولا سبيل لكم إليّ، لأن الله حاميني، وناصري وحافظي، ويمنع عني الضرر، وهو الولي والناصر، يفيض عليّ بالرحمة والهداية، ومن كان الله وليّه فلا خوف عليه ولا يحزن.
ليطمئن المؤمن عند البلاء والمعاناة والأزمة والعدوان بهذه البشارة التي تحدث عنها ابن عاشور في تفسيره التحرير والتنوير :(هي سنّة إلهية “التولّي” الإلهي الرباني حيث يتولى الله الصالحين من عباده، وهذه بشارة للمسلمين المستقيمين على صراط نبيهم بأن الله ناصرهم كما نصر نبيه وأولياءه ) فيتعهدهم برعايته وتوفيقه ولن يضيعهم أبدا، وأن النصر للحق لا للباطل، للأمناء لا للخونة، للصادقين لا للمنافقين، للذين يوالون الله ورسوله لا للذين يعادون الله ورسوله والمؤمنين، فالله ولي المؤمنين…. فلا تملكون نفعا ولا ضرا، لا نصرا ولا هزيمة، لا نزعا ولا دفعا، ومن طلب الولاية من غيره سبحانه فقد ضل ضلالا بعيدا وخسر خسرانا مبينا.
ومن خلال هذه البشارة (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) التي تزيدنا إصرارا في العمل، وصبرا في الميدان حيث يهيئ الله في كل زمن من يقيم للأمة جدار عزتها، ويُعلي بناء نهضتها، وينفخ فيها روح الهمة، ويحفظ لها كنز الإيمان، ويعيد لها التنفس الطبيعي.. لنكن على يقين يا اهل غزة أن الله لا يضيعنا، فإن كانت شمس الحرب محرقة وملتهبة، ونار العدوان مستعرة، وقد تخلى عنا العرب حكاما، وكأنّنا بوادٍ غير ذي زرع ولا عشب ولا ماء ولا كهرباء ولا غاز ولا ملبس ومسكن ولا غذاء ولا دواء، حصار في حصار، فإن إبراهيم قال لهاجر لما تركها في مكة في صحراء قاحلة لمن تتركنا يا إبراهيم ؟! فقال: الله أمرني بذلك.. فقالت بعزة الواثق بالله :(إذاً لا يضيّعنا) فكان ماء زمزم فرجاً ومخرجا كما هو مشربا… فالله يتولّى الصالحين فاطمئني يا أمّة محمد، أمة سورة الإسراء وإبراهيم ومحمد أن الله لن يضيع غزة وأهلها، وسيفجر لها ينابيع النصر، وزمزم الخلاص، وماء الكرامة لتشرب منه الأمة جمعاء…. ونتذكر يقين إبراهيم عليه السلام لما أُلقي في النار فيقول له جبريل :ألك حاجة ؟ قال : أما إليك فلا، ولكن حسبي الله ونعم الوكيل، فإذا بالنار:( قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69) وَأَرَادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) فلما قال حسبي الله ونعم الوكيل أكرمه الله بكرامتين، يا نار كوني بردا وسلاما، أما الكرامة الثانية فجعل من أرادوا به كيدا من الخاسرين والمفلسين والخائبين، واليوم غزة وأهلها تتعرض لنار بل لنيران من عدو وصديق، واحدة تجرح البدن وأخرى تجرح القلب، واحدة يسيل فيها الدم وأخرى يقطع فيها الدم (دم الصلة والرحم بين أبناء الأمة) اجتمعت على غزة وأهلها نار الحرب والقتل والدم والهدم، ونار الخيانة والتآمر العربي، ونار النفاق والعمالة، ونار إثارة الفتن، إزاء هذه النيران صرخت المرأة الفلسطينية من على ركام بيتها (حسبي الله ونعم الوكيل) وصدح بها الطفل الفلسطيني في وجه الأعداء، ونادى بها المسن الفلسطيني في فضائيات كل العرب والمسلمين… وكانت صداح داعية في منابر الجمعة، وأصبحت شعار المرحلة والمعركة (حسبي الله ونعم الوكيل) وستكون النار مهما كان لونها أو حجمها أو من يوقدها بردا وسلاما على أهلنا في غزة، وستضع الحرب أوزارها، وسينتصر دم الشهيد، وجرح المجاهد، والطفل اليتيم، والشيخ الصابر، وقد بدت آثار الاستغاثة على الهاربين من غزة بالحديث عن الخسائر الفادحة، والهروب من أرض المواجهة، والاستجداء لهدنة طويلة طلبا للأمن والأمان، هي نفس النتيجة (فَجَعَلْنَاهُمُ الْأَخْسَرِينَ) وتلك السنُّة الإلهية (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ)، وتلك البشارة القرآنية الحتمية، لا تقبل نقاشا ولا تأويلا، بل قدراً واقعا بإذن الله.
ومن صور (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) ما حصل لموسى عليه السلام مع فرعون (قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ….) فردّ موسى عليهم كلا لن نغرق، لن نقتل، لن نضطهد، لن يمسنا فرعون، لن يؤذينا، فأخبرهم خبر الإيمان والثقة واليقين (قَالَ كَلا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ) ورددها اليوم مخيم الشاطئ وخانيونس ورفح وخزاعة وبيت حانون والشجاعية وحجر الديك بل غزة بكاملها، كلا لن نرحل، كلا لن نستسلم، كلا لن نخضع، كلا لن نكون تحت الحصار، كلا للاحتلال والنفاق والخيانة، وسيهدي الله غزة وأهلها إلى سداد القول والعمل والقرار، حتى يسمع المخدوعين والمظبوعين والمغلوبين والمشوشين أن أنهار العزة والانتصار ستجري في أرض غزة، لأن البشارة القرآنية والسنة الإلهية (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) ستنزل عليهم ويحيون حياة الشهداء والصالحين والأتقياء.
ومن صور (وَهُوَ يَتَوَلَّى الصَّالِحِينَ) يوم تجمع المشركون عند الغار، فبكى أبو بكر، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : ما يبكيك يا أبا بكر، قال يا رسول الله : لَوْ أَنَّ أَحَدَهُمْ، نَظَرَ إِلَى قَدَمَيْهِ، أَبْصَرَنَا، قال : يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما (إِلاَّ تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللَّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَي وَكَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ العُلْيَا وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ)، يتولى الله الصالحين في كل زمان ومكان، في السهل والجبل وفي البر والبحر وفي الغار والنفق، وما أجمل الطمأنينة عند الفزع، وما أعظم الصبر عند البلاء، وما أحسن الثقة عند اللقاء، وما أروع الفطنة عند الكيد والأذى والضرر، في الغار (إِنَّ اللهَ مَعَنَا) وفي النفق (إِنَّ اللهَ مَعَنَا) فوق الأرض (إِنَّ اللهَ مَعَنَا) وتحت الأرض (إِنَّ اللهَ مَعَنَا) ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، لا تحزنوا أهلنا في كل مكان، ولا تخافوا، ولا تهنوا، سيحفظ الله لنا غزة وأحرارها، غزة وأرضها، غزة من فوقها ومن تحتها، عن يمينها وشمالها، ومن أمامها ومن خلفها، وهو خير الحافظين.
ويطمئن الداعية محمد احمد الراشد أهل فلسطين بقوله (وأنا مؤمن إلى درجة اليقين أن الجيل الإسلامي الحاضر سيرى النصر والتمكين على الرغم من نواقص كثيرة تعتريه، ولا أمارس التبكيت واللوم والتقريع كأقوال الوعاظ وكلنا في قبضة القدر الرباني…. وما زال قلبي تسكنه السكينة والطمأنينة بأن آخر المحنة ستتمخض لصالحنا ويخسأ المنافقون، سيكون فرج بعد الشدة، وفرحٌ بعد الحزن، ويزيد الإيمان، وتتأجج العواطف، وهو المقدمة للفتح الأكبر للقدس والاقصى).

الشيخ محمود اغبارية
رئيس لجنة نشر الدعوة القطرية

m7modeghbarih

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة