تفاصيل فشل الموساد في إغتيال خالد مشعل عام 1997
تاريخ النشر: 13/04/12 | 10:29أبي …أبي !!!صرخت الطفلة الصغيرة ,قفزت من سيارة الجيب السوداء تجري في اعقاب والدها الى داخل مبنى وزاري كبير في قلب العاصمة عمان . هكذا وقع الفشل الاكبر والاخطر في مسيرة الموساد .
تمت دراسة العملية بكامل تفاصيلها , على الرغم من انها كانت مخططة بشكل ما . فقد كان لها جميع احتمالات النجاح وقد جاءت لقتل خالد مشعل , والذي تم تعيينه حينها الى رئيس المكتب السياسي لحماس .
مشعل, مهندس حاسوب يبلغ الحادية والاربعون من عمره ,رجل يافع صاحب لحية سوداء , تم تحديده كهدف على يد رؤساء الموساد بعد العملية الانتحارية القاتلة في القدس : في يوليو 1997 فجر مخربان نفسيهما في سوق محنيه يهودا مخلفين بين الدمار ستة عشر اسرائيليا من القتلى و169 جريح.
رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو ,دعى مباشرة الى انعقاد المجلس الامني المصغر ,والذي بدوره قرر المساس باحدى شخصيات حركة حماس ,وتم القاء تحديد هذه الشخصية على عاتق رئيس الموساد (داني يتوم).
في نفس اليوم دعي يتوم لانعقاد اجتماع تشاور على وجه السرعة في مقر الموساد بالقرب من تل ابيب, وتم استدعاء رؤساء الافرع التنفيذية للموساد الى قاعة الاجتماع .
(عليزا مجين) نائبة رئيسة الموساد ,و(ب) قائد وحدة (كيساريا) جناح العمليات الخاصة و اسحاق برزيلاي قائد وحدة (تيفيل) المسؤول عن الاتصالات مع اجهزة التجسس الاجنبيةوايلان مزراحي قائد وحدة (تسوميت) جناح جمع المعلومات , و(د) قائد (نفيعوت) جناح التسلل الى أروقة العدو , بالاضافة الى قادة اجنحة البحث والدراسة للانشطة التخريبية المعادية وغيرها .
في البداية وصلت النقاشات الى طريق مسدود , لم تكن للموساد قائمة منظمة لرؤساء وقادة حماس , شخصية بارزة بين زعامات حماس كان موسى ابو مرزوق لكنه كان يحمل جواز سفر امريكي , والمساس به يمكن له ان يؤدي لاشكالية مع الولايات المتحدة , خالد مشعل في المقابل كان برأي الجميع هدف مناسب , لكن موقع قيادته كان يقع فالعاصمة عمان , بعد عقد اتفاق السلام في الاردن فقد منع رئيس الوزراء المرحوم رابين من الموساد اجراء اية انشطة له فى الاردن وعندما كان يتوم مستشاره العسكري عمل على الحفاظ على توصيات رابين بحذافيرها , لكن بعد فترة ليست بالطويلة تم تعيينه الى رئاسة الموساد , خلاف لتعليمات رئيس الحكومة السابق قرر يتوم الاقتراح على رئيس الحكومة نتنياهو اسم خالد مشعل .
ساند اقتراح يتوم كل من قائد وحدة (كيساريا) ومشيكا بن دافيد ضابط الاستخبارات في الوحدة .
نتنياهو قبل اقتراح وتوصيات يتوم , لكنه طالب بالقيام بعملية هادئة وليس اغتيال تفاخرى .
ألقى يتوم التنفيذ على فرقة (كيدون) الوحدة المختارة من وحدة (كيساريا) وهي بمثابة الفرقة الخاصة لهيئة اركان الجهاز .
الدكتور ليفيوخيميا عضو وحدة البحث في الموساد , اقترح استخدام سم قاتل خاص والذي قام بتطويره وصناعته فى المعمل البيولوجي في نتسيونا , عدة نقاط من هذا السم يمكن لها ان تتسبب بموت الشخص , فقط ان لامست جسمه , ميزة هذا السم انه لا يبقى اثار ولا يظهر حتى مع التشريح بعد الوفاة , الموساد كما جاء في ادعاء سابق استخدم طرق مشابهة , عندما وضع السم في الشوكلاته البلجيكية والتي قام بتقديمها عميل الموساد للدكتور وديع حداد قائد الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين , وبهذا انهى الموساد حسابات اسرائيل مع من كان المسئول عن اختطاف طائرة ايرفرانس الى عنتيبي 1976.
((لم يؤثرعليك موضوع السم ؟ طريقة الى هذا الحد من الاشمئزاز ….)) سئل شيكا بن دايفد بعد فترة على يد رونين برجمان مراسل يديعوت احرونوت .
(( رصاصة في الراس او صاروخ على سيارة اكثر انسانية من السم ؟)) اجاب بن دايفد كان بالطبع افضل ان لم تكن حاجة فى القتل , لكن في واقع الحرب الارهابية الدائرة , وراى رئيس الحكومة بالقيام بعملية هادئة لكي لا يتم المساس بالعلاقات مع الاردن فهذا راي مشروع .
تم التصديق على العملية وعلى تنفيذها وقف احد البارزين في الموساد .
عدد من المارة في شوارع تل ابيب ,في احدى ايام الصيف من عام 1997 تقابل مع شابين يخضون علبتان من الكوكا كولا ويفتحونها , والمشروب يتطاير منها بصوت في كل اتجاه , نظروا الى الشابين بنظرة غضب ,بعد ذلك ذهبوا في طريقهم , فهم لا يعرفون ان الشابان هم عناصر الموساد ويقومون بفحص الطريقة التي تم الاتفاق عليها لاغتيال مشعل , علبة كوكاكولا بالقرب منه لصرف نظره وفي الوقت نفسه ترشق عدة قطرات من السم على جبهته.
ستة اسابيع قبل العملية , في اغسطس 1997 وصل اوائل العناصرالى الاردن لفحص ودراسة المكان , كان بحوزتهم جوازات سفر اجنبية وتتبعوا تحركات مشعل اليومية , متى يغادر المنزل , من يرافقه في الصباح , ما هي طريقه , غايات الوصول , وما وضع الحركة في المكان , فقد قاموا بقياس الوقت منذ لحظة نزوله من السيارة وحتى دخوله الى هذا المبنى او غيره ,ودرسوا ان كان يتأخر في حديثه مع اخرين يدخلون الى نفس المبنى , وقامو بجمع اية معلومات اخرى لاعداد الخطة والقيام بها في المكان .
التقرير الذي ارسلوه الى قيادة وحدة (كيدان) يفصل ويشرح نتائج الدراسه , وفيه كل صباح يخرج مشعل من منزله بدون حراسة شخصية , ويصعد في سيارة الجيب التي يقودها مساعده , ويذهب الى مركز الدعم الفلسطيني في عمارة (مركز الشام) في العاصمة عمان ,السائق ينزل مشعل في الشارع ويستمر في طريقه , ومشعل يخطو عدة امتار ويدخل العمارة (مركز الدعم الفلسطيني ) كان اسم غطاء لقيادة حماس فى العاصمة الاردنية ,التعقب وراؤه اشار ايضا على الطريقة الاسهل لاغتيال مشعل :في الصباح على الرصيف بعد نزوله من سيارة الجيب السوداء في طريقه الى المكتب .
التحضيرات تمت خلال الصيف :المتابعة ,التدريبات , ارسال فرق التحضير الى عمان ,استئجار بيوت امنة وسيارات ,فجأة وقع حدث زاد من الضغط لعملية مباشرة .
في 4 سبتمبر فجر ثلاثة مخربين من حماس انفسهم على رصيف بني يهودا في القدس ,قتل فيها خمسة اسرائيليين واصيب 181,وجاء وقت الرد . في 2سبتمبر 1997 يوم قبل التنفيذ , على ضفاف بركة سباحة فى فندق كبير في عمان تجول هناك زوج سياح ,الزوج كان يرتدي معطف ابيض , قال الى موظف الفندق :انه خارج من نوبة قلبية , بدى من حركته انه لا زال يعاني , الزوجة الشابة بجانبه هي طبيبة والتي رافقته للاهتمام به ,احيانا كانت تفحص له نبض القلب وضغط الدم ,معظم الوقت كانا يجلسان على المقاعد المنتشرة على طول بركة السباحة ,”مريض القلب ” كان ميشكا بن دافيد ,والذي عمل منسق بين هيئة الموساد وتنفيذ العملية على الارض , والطبيبة كانت عميلة موساد , وكانت طبيبة فعلا وكان بحوزتها ابر دواء مضاد للسم الذي سيقتل مشعل ,السم كان لابد من ابطال مفعوله وقت الحاجة ,تم احضار المصل المضاد للسم الى عمان للحاجة له حال وقوع خلل اثناء رشقه فقد يصاب منه احد المنفذين للعمليه وهذه هي الطريقة الوحيدة لانقاذ حياته .
عندما كان المتظاهر بالمرض والطبيبه يجلسان على حافة البركة , تم تجهيز الفرقة المنفذة للعملية , في الايام الاخيرة وصل الى عمان عدد من العناصر لشغل سيارة الهروب ووظائف اخرى بما في ذلك منفذي العملية انفسهم :عنصران من وحدة ” كيدون” والذين تظاهرو كسائحين بجوازات سفر كندية باسم شون كندل وباري بيدس , اتجه الاثنان الى فندق الانتر كونتينينتال وقاموا باستئجار سيارة وجاء هنا السؤال : لماذا تم اختيار هذان الاثنان بالضبط , واللذان لم يعملا قبل ذلك في اراضي اعداء ؟ ولماذا اخذا الجنسية الكندية في حين ان فحص عادي وبسيط كان سيكشف ان بينهم وبين كندا لا توجد أي علاقة ؟ الانجليزية عندهم كانت متلكأة ولهجتهم اسرائيلية وشخصياتهم ستنكشف في حال طرأ تحقيق معمق معهم , ولكن كل ذلك كان بمثابة الصفر مقابل الفشل من العناصر المتابعة للعملية والذي تم كشفهم مباشرة مع التنفيذ .
كانت العملية ستتم في مدخل مكتب مشعل الواقع في مبنى الوزارات “مركز الشام ” .
لقاء الاغتيال بين عنصري الموساد اللذان تظاهرا سائحين وبين مشعل كان له ان يكون لقاء سريع وقاتل ,كان على العنصرين الاقتراب من مشعل ,رشق السم على جبهته والهرب من المكان بواسطة سيارة الهروب التي تنتظرهم بالقرب من المكان , الاثنان الكنديان تدربا جيدا في شوارع تل ابيب , كان على احدهم ان يمسك بعلبة كوكا كولا مغلقة , وقت الاقتراب من مشعل كان عليه فتح غطاء العلبة وعندها وكأن الامر صدفة يرشق المشروب باتجاهه , لكن الكوكا كولا لم تكن بالطبع هي الرواية , العنصر الثاني الذي كانت بحوزته علبة السم كان الشخصية المهمة في العملية فقد كان عليه خلال ثواني ان يقوم برشق السم من علبة صغيرة كانت بحوزته في اتجاه مشعل , علبة الكوكا كولا جاءت لتصرف الانظار , وبذلك فهو لم يشعر بالمادة القاتلة التي رشقت عليه والتي كانت ستؤدي الى موته السريع من نوبة قلبية .
هكذا اعتقد المخططون انه لم يتم أي صدام مع الاردنيين , بعد تجميع المعلومات الاستخبارية تقرر انه عدا الاثنين المنفذين اللذين سينتظرون مشعل بالقرب من المبنى , يتواجد في المكان زوج سائحين اخر رجل وامراة , ينتظرون داخل المبنى ان حدث وكان المنفذان بحاجة الى مساعدة , مثلا ان قام مشعل بالصعود بسرعة على درجات المدخل قبل ان ينجح المنفدان في الاقتراب منه , وقتها يخرج الزوج من المبنى لاعاقته بشكل او باخر ليتمكن المنفذين من الاقتراب منه ,قائد العملية اخذ موقعه فى الجهة الاخرى من الشارع ,مقابل مبنى الوزارات ومن هناك يمكن له ان يشرف على العملية ,ولعدم الكشف عن العناصر تم الاتفاق بعدم استخدام الاجهزة الالكترونية وان يتصرف المنفذون باشارات متفق عليها ,في حال وقوع خلل يستوجب ايقاف العملية ويشير القائد للعنصرين عن طريق رفع طاقية الراس (طاقية القش ) التي على رأسه .
بالقرب من المبنى انتظرت سيارة الهروب ,والتي كان سيصل اليها المنفذان بعد القيام باغتيال مشعل .
مفتاح نجاح العملية كان خلق الظروف المسبقة في المكان , بمعنى منطقة خالية من حراس شخصيين أو من ابناء العائلة او الباعة او الشرطة او نشطاء حماس او جهات اخرى يمكن لها اعاقة تنفيذ العملية , لذلك التعليمات التي اعطيت للثمانية عناصر اللذين ارسلوا الى الاردن كانت واضحة وقاطعة : الامر لا يتم بكل ثمن , وكتب داني يتوم في مذكراته انه قال للعناصر :ان لم تتناسب الظروف مع المخطط , دائما هناك فرصة للتوقف والعودة لتنفيذ المهمة مرة اخرى , حسب ما هو معروف لنا هذا ما حدث بالفعل , العناصر خرجوا الى المنطقة عدة مرات للقيام بالعملية ,وعادوا بسبب انعدام الظروف المناسبة لتنفيذ العملية , ان كان ذلك بسبب رجالات شرطة اردنييين تجولوا في المنطقة , او بسبب حراس يرافقوا خالد مشعل او بسبب غياب مشعل عن مكتبه .
25 سبتمبر 1997 اليوم المحدد , وفي نفس الصباح استيقظت عائلة مشعل في يوم اعتيادي ,لكن في طبيعة يومهم العادي كان فقط تغيير بسيط اثر بصورة كبيرة على العملية بكاملها , طلبت زوجة مشعل هذا الصباح منه ان يأخذ معه الولدان الصغار الى المدرسة , صعد الاولاد الى سيارة والدهم , لكن عناصر المراقبة لم يلاحظوا ذلك وابلغوا المنفذين اللذين ينتظرون بالقرب من المكتب ان مشعل في طريقه وانه في السيارة وحده مع السائق , وايضا اثناء الاعاقة لم يلاحظ العناصر هناك بالاطفال الجالسين في المقعد الخلفي , نوافذ الجيب كانت معتمة ولا يمكن رؤية الاطفال من الخارج , هذا البلاغ ادخل جميع العناصر بحالة الاستعداد التام للتنفيذ والمجموعات بالقرب من المكتب انتظروا بهدوء قدوم مشعل .
مشعل يصل الى المكان ,السائق يقف امام المدخل , المجموعات بما في ذلك القائد لم يلاحظوا وجود الاطفال ,خرج مشعل من السيارة يقطع الممر وبدأ الصعود على الدرجات في مدخل المبنى , العنصران ومعهم الكوكا كولا والسم يقتربون منه , عشرة امتار , خمسة , ثلاثة …… وفجأة اطلت ابنته الصغيرة من نافذة الجيب تنادي “بابا ….. بابا ” وبدات الجري باتجاه والدها , قائد العملية يحاول الاشارة للعنصرين بايقاف العملية ,بالضبط في هذه الثواني المصيرية يقطع العنصران عامود من الباطون في مدخل المبنى في طريقهم نحو مشعل وللحظة يفقدون الاتصال المباشر بالنظر على القائد, والاخطر من ذلك انهم لم يلاحظوا الطفلة التي تجري والسائق الذي يلحق بها.
استمر المنفذون في مهمتهم , ووصلوا الى مشعل والعنصر الذي بيده علبة السم يرفع يده لرشق السم باتجاهه , السائق الذي كان يجري خلف الطفلة لاحظ ذلك , وهنا جاء الاخفاق الثاني : العنصر الذي كان عليه رشق الكوكا كولا فشل في مهمته التي تدرب عليها مئات المرات في شوراع تل ابيب , بالذات هذه المرة اللسان الذي يفتح العلبة كسر بدون ان يفتحها وبقى العنصر مع علبة كوكا كولا مغلقة بيده .
من جهة الشارع يقترب بالجري سائق مشعل ,ولاحظ رفعة اليد من العنصر الاخر واعتقد ان الشخص يريد ويحاول طعن مديره , وبدا الصراخ والانفعال وحاول الضرب عل ذراع المهاجم بجريده كانت بيده , مشعل الذي سمع سائقه وقد شعر بوخز بسيط فقط , لكنه فهم ان شيئا ما يحدث وهرب الى الشارع بجري سريع , العنصران اتجها نحو سيارة الهروب التي تنتظرهم على مقربة من المكان .
الاعاقة (العرقلة ) الثالثة : هنا ينضم الى المشهد ” بطل ” والذي وصل الى المعركة الاخيرة في توقيت مصيري ,فهذا هو محمد ابو سيف رجل حماس والذي جاء ليوصل ربطة اوراق الى مكتب مشعل , سمع الصراخات وراى اللقاء بين قائده وبين العنصرين , في حين ان مشعل يهرب وحاول ابو سيف قطع الطريق على العنصريين في طريقهم نحو سيارة الهروب , وتصارع مع احدهم وتلقى ضربات عديدة في ظهره بعلبة الكوكا كولا المغلقة من المشهد الاول .
الاثنان ينقضون الى داخل سيارة الهروب , هنا وقع الخطا الاكبر والاخطر في العملية ,سائق سيارة الهروب يقول للعنصرين انه شاهد ابو سيف يسجل رقم لوحة السيارة ,وقرر الاثنان وبقرار منهم عدم العودة الى الفندق كما كان مخطط , انما الاستمرار في السير في عدة شوارع اخرى والنزول من السيارة , كان خوفهم ان كان ابو سيف سيستدعي الشرطة . وان وصلوا الى الفندق بالسيارة , فانهم سيعتقلون هناك , ليس لهم اي عنوان اخر يهربون اليه ولا اية طريقة هروب اخرى , ونزلوا خلال دقايق من السيارة واستمر السائق الى منطقة اخرى للتخلص منها .
فجأة –منعطف دراماتيكي اخر –اتضح ان ابو سيف هو من قدامى المجاهدين اللذين حاربوا ضد الروس في افغانستان لم يتنازل , هذا الرجل العنيد والخفيف الحركة استمر بالجري وراء الاسرائيليين طيلة الوقت , الاثنان اللذان نزلا من السيارة يسيرون على الرصيف المقابل , لم يلاحظوا شئ حتى انقض على احدهم , يمسك ب قميصه ويصرخ هذا الشخص حاول المساس بمشعل ,العنصر الثاني الذي كان يسير على الرصيف المقابل لاحظ ما يحدث وسارع في نجدة صديقه : رمى ابو سيف الى حفرة واصابه في راسه , واستمر العراك وخلال ثواني تجمعت جماهير كبيرة حولهم ودفعوا الاثنان الذي يبدو عليهم انهم اجانب و يضربون شخص عربي , وفجأة وصل الى المكان شرطي ,يبعد الجمهور , يوقف سيارة ويدخل فيها العنصران ومعهم ابو سيف , والذي كان فاقد الوعي من الضرب وقادهم جميعا الى مركز الشرطة .
الجزء العملي في القضية الشائكة وصل الى ذروته المرة , لكن الكارثة الحقيقية لازلت في الطريق .
في مركز الشرطة اعتقد المحققون في البداية ان العنصرين هم من تم الاعتداء عليهم من ابو سيف , لكن بعد ان استفاق من الضربات القاسية التي تلقاها منهم , فقد روى ان الاثنان حاولا المساس بمشعل , فحص افراد الشرطة الاردنية جوازات سفر السائحين , وعندما اتضح انهم كنديين تم استدعاء القنصل الكندي الى المكان ,وبعد حديث قصير له معهم فهم انهم بكل حال ليسوا كنديين .
الاردنيون لازالو لا يفهمون اية حبة بطاطا ملتهبة تتدحرج امامهم , قرروا ابقاء الاثنان في الاعتقال واعطوهم الحديث بالهاتف , اتصل الاثنان مباشرة الى مقر الموساد في اوروبا وابلغا عن اعتقالهم , احدى نساء الموساد والتي شاركت في العملية وشاهدت ما حدث فهمت ان هناك خلل يستوجب ابلاغ سريع الى “مريض القلب ” فهو الشخصية البارزة للموساد فى المنطقة , وصلت له في الفندق عندما رآها فهم مشيكا ان اخطر شئ قد حصل ,حسب التعليمات العملية فان وجودها في المكان كان ممنوع تماما الا اذا فشلت العملية وكان هناك حاجة اضطرارية لانقاذ أفراد المجموعة.
مشيكا بن دافيد خلع المعطف بسرعة , ارتدى ملابسه واتجه الى المكان الذي تحدد مسبقا في الخطة كنقطة لقاء في حالة الطوارئ , لكي يتقابل مع العناصر الاخرين واللذين جائتهم التعليمات للقاء في تلك النقطة , الى المكان وصل ايضا قائد العملية الذي فهم حجم الفشل , ومع ذلك لا احد تخيل الى تلك اللحظة حجم الدراما التي ستمر في الساعات القريبة القادمة .
مشيكا نقل بلاغ مباشر الى مقر الموساد في تل ابيب , داني يتوم تشاور مع رؤساء الاقسام وقرر في محاولة لتقليل الضررالطلب من العناصر الوصول الى السفارة الاسرائيلية فى الاردن وعدم استخدام طرق هروب اخرى , والتي تدربوا عليها اثناء التدريبات , خلال وقت قصير ترك الجميع نقطة اللقاء (الطوارئ) واخذوا طريقهم نحو السفارة , وفقط الطبيبة وبحوزتها المضاد للسم بقيت فى الفندق .
هذه الاثناء وفي الطرف الاخر من المدينة ,بدا السم يؤثر على مشعل ,وشعر بسوء وتم تحويله الى المستشفى , كان واضحا للاسرائيليين انه في حال عدم تناوله المضاد في الساعات القريبة انه سيموت .
المعلومة عن فشل العملية تسلمها نتنياهو وهو في السيارة في طريقه للاحتفال بعيد رأس السنة ….. في مقر الموساد في تل ابيب ,كان هذا مصادفة رهيبة ومدهشة للاحداث , يتوم ابلغه مباشرة قلق نتنياهو , وقرر ان يطير رئيس الموساد الى عمان , ويتقابل مع الملك حسين ويروي له القصة بكاملها بدون خداع وكذب في محاولة لتقليص الاضرار , اتصل رئيس الحكومة من مقر الموساد للملك حسين وابلغه انه يرسل اليه رئيس الموساد للقاء هام , وافق الملك مباشرة على الرغم انه لا يعلم بما يدور .
يقول المقربون من نتنياهو واللذين كانوا معه في تلك الفترة :انه دخل في حالة من الضغط الشديد واعطى التعليمات في التنازل لصالح الملك في كل ما يطلبه , شريطة ان ينهي القضية واعادة جميع العناصر من الاردن , وقال ايضا الى يتوم ان يقترح على الملك المضاد للسم والذي يبطل مفعوله , وبهذا يمكن ايضا انقاذ حياة خالد مشعل من الموت , ارئيل شارون والذي شغل وزيرا في حكومة نتنياهو تم استدعائه للمساعدة في المحادثات مع الملك , فيما بعد روى شارون : رأيته ( يقصد نتنياهو ) في قضية مشعل متفكك تماما وعلينا تجميعه من جديد ….. وكان على استعداد للتنازل عن كل شئ من شدة الضغط .
سمع الملك حسين الرواية من داني يتوم وتغيرت ملامحه وامر مساعديه فحص وضع مشعل الصحي , وجاء الرد بسرعة : الوضع آخذ فى التدهور , امر الملك بنقل مشعل الى المستشفى الملكي وقبل الاقتراح باستعمال المضاد للسم لانقاذ حياته , بقوة متلاحقة ومستحيلة في هذه القضية المعقدة قام الاسرائيليون والاردنيون في سباق ضد الزمن لانقاذ من كان هدف للاغتيال .
مشكيا بن دافيد عاد للفندق , المضاد المنقذ موجود بحوزته وبحوزة الطبيبة التي لا تزال في الفندق , طيلة الوقت كنت اتجول ومعي المضاد”روى مشيكا بن دايفد في مقابلة مع الصحفيين ” , وعندما اتضح لي ان لا حاجة له لان لا احد من العناصر اصيب من السم, وفقط الهدف متواجد في وضع صعب جدا,. فقد قررت ابادة المادة المضادة لانني خفت ان يمسك معي , وقتها تلقيت مكالمة هاتفية من قائد الوحدة في البلاد وقد سألني ان كانت المادة لازالت بحوزتي وعندما اجبته بالايجاب طلب مني النزول الى ساحة الاستقبال في الفندق هناك ينتظرني ملازم من الاستخبارات الاردنية و وطلب مني ان اعطيه المصل المضاد لينقله الى المستشفى .
في هذ اللحظة اطلت مشكلة من اتجاه غير متوقع : الطبيبة التي كان عليها ان تقوم بغرس المصل في جسم مشعل الذي ينازع الموت رفضت النزول وقالت فقط مكالمة لها من رئيس الموساد يمكن ان تقنعها للقيام بذلك, داني يتوم الذي ترك قصر الملك متجها الى مبنى السفارة تحدث معها بالهاتف واقنعها النزول مع مشيكا ,وتوصيل المصل المضاد ومرافقة الضابط الاردني الى المستشفى , لكن الاردنييون رفضو ذلك و رفضو الاقتراح في اخذ الطبيبة معهم لتغرس المضاد الى جسم مشعل , ربما كان عندهم القلق ان تقوم باستكمال عملية الاغتيال .
انما لم يكتفى الاردنيون بذلك . طبيب الملك والذي القيت عليه مهمة انقاذ مشعل رفض غرسها لمشعل حتى يصل الى يديه التركيبة الكيميائية للسم والمضاد , لم يرغب في الاخذ بالمسئولية على نفسه في مصير مشعل , ان قرر الاسرائيليون اغتيال مشعل نهائيا, الطرفان التصقا وتمسكا بمواقفهما , طلب الاردنيون التركيبة الكيميائية ورفض الاسرائيليون تقديمها .
في تلك اللحظات زاد الخطر على حياة مشعل و توقف عن التنفس بنفسه وتم توصيله مع اجهزة الانعاش في قسم العناية المركزة في المستشفى الملكي. كان واضحا للجميع انه في حال وفاة مشعل فان الموضوع سيزداد تعقيدا وسيؤدي الى تدهور شديد في العلاقات الحساسة بين الدولتين , الملك والذي شعر بمساس حاد به فقد هدد باتخاذ خطوات بالغة الشدة , بما في ذلك اقتحام السفارة لاعتقال الاربع عناصر المتواجدين هناك وقطع التعاون المشترك الامني والسياسي , مع مرور الساعات اخذ الامر فى التوتر , شدد الملك من مواقفه وقال انه في حال وفاة مشعل فانه لابد ان يقرر حكم الاعدام بحق العنصرين الاسرائيليين المعتقلين فى الشرطة الاردنية , وقام ايضا بالابلاغ عن الموضوع الى رئيس الولايات المتحدة بيل كلنتون .
وفي اسرائيل رئيس الحكومة نتنياهو _ مضغوط وغاضب , اجرى عدة مشاورات مع الوزراء ورؤساء الموساد سابقا ومع مختصين بالارهاب , الامريكان من جانبهم بدأوا العمل في الضغط على نتنياهو لكي ينقل للاردنيين التركيبة الكيميائية للسم وللمضاد , استجاب نتنياهو والتركيبة نقلت الى الاردنيين .
غرس الطبيب الاردني المضاد الى جسم مشعل , التاثير كان مباشرا , وفتح عينيه .عندما وصلت الانباء عن صحوة مشعل , ابدى رئيس الموساد ورئيس الحكومة الشعور بالارتياح , وكأن اخيهم المفقود فى الاردن قد انقذ من الاغتيال والذي كان مسجلا باسمه .
في تلك الاثناء اخرج من الاردن مشيكا بن دافيد الطبيبة , وبقي في عمان الاربع عناصر الذين هربوا الى مبنى السفارة والاثنان في معتقل قوات الامن الاردنية .
في قسم العناية المركزة بدا وضع مشعل بالتحسن , قررت حكومة اسرائيل ارسال بعثة للاردن والتي شملت رئيس الحكومة نتنياهو ووزير الخارجية شارون ووزير الدفاع اسحاق مردخاي ,لكن الملك امتنع عن لقائهم وارسل اخوه لاستقبال البعثة الاسرائيلية .
الحكومة استدعت ايضا افرايم هليفى, والذي كان فى السابق نائبا لرئيس الموساد شبطاي شبيط والذي كان صديقا حميما للملك ,وعمل في تلك الاوقات سفير اسرائيل فى الاتحاد الاوروبي في بروكسيل ,اتجه هليفى مباشرة الى عمان واقترح على الملك صفقة تبادل : مقابل تحرير الاربع عناصر للموساد من السفارة تحرر اسرائيل من المعتقل مؤسس حماس وزعيمها الشيخ احمد ياسين ,وافق الملك وفى الغد عاد هليفى مع الاربع عناصر الى البلاد , استمر التفاوض فى القضية واسند الى يد ارييل شارون .
طلب شارون اعادة العنصرين المعتقلين فى الشرطة الاردنية , وطلب الاردنيون اطلاق سراح عشرون معتقل اردنيا مع الشيخ احمد ياسين معتقلين في اسرائيل , استجاب شارون للطلب لكن بعد عدة ساعات عاد الاردنيون وطالبوا بحضور الملك اطلاق سراح معتقلين اخرين , وقتها نفذ صبر شارون وبغضب شديد قال للحاضرين : ان استمريتم بهذا الشكل سيبقى رجالنا عندكم , سنغلق عنكم المياه وسنقتل مشعل مرة اخرى .
اندفاع وتهيج شارون الذي كان على علاقة جيدة مع الملك اتت بثمارها وتم الاتفاق , هبطت طائرتان هليوكبتر عسكرية فى الاردن احداهما اقلت العنصرين المعتقلين الى مقر الموساد في تل ابيب والاخرى احضرت احمد ياسين من المعتقل .
الصحافة في اسرائيل والعالم انتقدت بشدة هذه العملية , وعناصر الموساد وضعوا فى الضوء , وحتما رئيس الحكومة نتنياهو حصل على وجبة كبيرة من الانتقاد عن تصرفاته فى القضية , وخلق واقع فى الراي العام والذي ادى الى اقامة لجنة فحص وتقصي فشل العملية في الاردن .
لب الاسئلة كان ماذا حدث بعد صعود العنصريين سيارة الهروب ؟ لماذا لم تتجه السيارة مباشرة الى الفندق ؟ لماذا نزل منها العنصران بعد فترة قصيرة ؟ من طلب من السائق التوقف ؟ لماذا لم يهربا الى مكان ابعد قدر الامكان للاندماج فى الشارع مثلما تدربوا على حالة الفشل ؟ لماذا تصارعا مع ابو سيف ؟
اجابات عناصر الفرقة لم تكن مقنعة وايقظت استغراب كبير , قالوا ايضا انهم لم يطلبوا من السائق التوقف , لكن مع توقف السيارة فهموا ان عليهم النزول والبحث عن طريقة هروب اخرى , وقتها اصطدما بناشط حماس والنهاية معروفة .
في التحقيق ظهرت ايضا مسألة الضعف من فرقة المتابعة , اللذين تابعوا تحركات مشعل ولم يشخصوا انه دخل الى السيارة مع الطفلين , وان جري الطفلة الصغيرة وراء والدها تمت بالفعل , لكن من كتاب الصلاحية لها لم يكن واضحا ان اصبع الاتهام يتجه نحو الجهة المنفذة وليس نحو الجهة المقررة , ولذلك اللجنة وبرئاسة يوسف تشخنوفر لم تجد ثغرة في تصرفات رئيس الحكومة , ومع ذلك فقد قررت ان رئيس الموساد داني يتوم وقع في حسابات فكرية وان عناصر الموساد تم ارسالهم لمهمة كانت بصورة الفشل المعروف مسبقا , ومع ذلك ايضا قررت اللجنة عدم تقديم توصيات شخصية .
في اعقاب الفشل الذريع المسيئ فىالعاصمة عمان تم المساس بشدة فى العلاقات الاسرائيلية الاردنية , خالد مشعل والذي كان وقتها شخصية من الصف الثاني في حماس , حصل على القوة في تعزيز مكانته فى الحركة , واصبح الرجل الثاني فى الترتيب بعد احمد ياسين ,وبعد وفاة الاخير اصبح زعيم التنظيم الارهابي , مكانة الموساد فى العالم وحتى في نظر عناصره وزعامته تضررت جدا , انتقادات شديدة وجهت الى داني يتوم والذي فشل طوال العملية .العديد من رؤساء الموساد السابقين هاجموه علنا , عليزا مجين نائبة رئيس الموساد لم تخف رايها ان داني يتوم لا يناسب مهمته , هناك من قالوا ليس كل من عمل ضابطا بارزا في الجيش يمكن له ايضا ان يدير جهاز سري والذي يعمل بطرق مغايرة جدا .
على الرغم من الفشل والانتقادات لم يستقيل داني يتوم من مهمته , من جميع المسؤولين عن الفشل فقط رئيس وحدة (كيساريا) اخذ على نفسه المسؤولية وقدم جواب استقالة , بالنسبة الى داني يتوم فقد بقى في مهمته لعدة شهور اخرى لكن في شهر فبراير 1998 حدث عطل اخر , وأوقف عنصر موساد في سويسرا عندما حاول التسنط على خط هاتف رجل من حزب الله , هذه المرة قرر داني يتوم الانصراف وقال في مقابلة مع صحيفة هارتس: اخذت على نفسي المسئولية القيادية وقررت الاستقالة على اثر الفشل في قضية الفشل فى الاردن وفي سويسرا .
اعداد ثابت السباخى , عن كتاب “الموساد” الصادر فى اسرائيل عام 2010 من تأليف :ميخائيل بار زوهر ونسيم مشعال الجزء السادس عشر “رصاصة في الراس او صاروخ في السيارة اكثر انسانية من السم “.