الدولة والبناء المؤسسي المعاصر
تاريخ النشر: 18/08/14 | 8:34تجتهد الدول اليوم في رسم صورتها الداخلية والخارجية وتحديد الأطر الناظمة للعمل فيها بأسلوب عصري، يلبي حاجات الفرد ويحفظ هيبة ومكانة الدولة، ويؤمن السيادة الفعلية من خلال القرار المجتمعي العام، والتخطيط والتنفيذ المؤسسي الشامل.
في العالم العربي، نجد أن إشكاليات فهم المصطلحات الإدارية العصرية ليست بالكثيرة، ولكن المشكلات الحقيقية نابعة من انعدام السياسات التطبيقية لهذه النظريات العصرية بصورة إيجابية في الواقع، وبصورة مستمرة تؤمن ديمومة العمل في المراحل المستقبلية برؤية واضحة، ومنهجيات تعتمد على تراكم الخبرات والجهود.
على مستوى النخب المثقفة تجد شيوعاً للعديد من المصطلحات والمفاهيم والقيم العصرية، ولكن عند إجراء قياس عقلي بسيط لمدى حضور هذه المصطلحات في الواقع، نقف على حقيقة الفجوة الكبيرة بين النخب المثقفة والواعية وبين قطاع متخذي القرار والساسة المتنفذين.
فالدولة العصرية تقوم من حيث الشكل على هيكليات مؤسساتية، وتجد في كل دولة وزارات ومديريات وهيكليات تنظيمية عديدة، لو جرى تفعيلها بشكل عملي لتحققت عملية الانتقال من الشخصنة والعمل الفردي ونظرية المدير الأب الراعي إلى نمط عملي عصري من العمل الجماعي القائم على احترام التخصصية.
من المؤكد أنه لن تقوم لنا قائمة ما بقي شخص يتحكم بمقدرات وزارة، ومجموعة تحتكر كل مقدرات الدولة، هي المُخطط وهي المستفيد وهي التي تضع القانون، وهي التي تشرف على التنفيذ، وهي التي تعين القضاة وأسواق المال والعلاقات الدولية وتشكل ( سوبر مان ) الحالة في الدولة.
نحن هنا بحاجة لبصمة الأكاديميين والخبراء والسياسيين، بحاجة لتضاف جهودهم ليشكلوا اللوبي الضاغط، أو جماعات المصالح الضاغطة في كل دولة، ليحققوا المصلحة العليا بضمان وجود مؤسسات مستقلة متكاملة، معلومة الحدود والصلاحيات والضوابط والموازنات والتوجهات، تسهم جميعها في تأسيس الهوية الجمعية للمجتمع برمته، وتحافظ على هوية المواطن وفلسفة المواطنة.
إن شعارات الدولة المدنية، ووجود الحكومات الإلكترونية، والوزارات والهيئات لا يعني الحياة، ولا تقوم دولة بالشعارات الرنانة، بل لا بد أن تلتقي العقول المفكرة مع أصحاب النفوذ الاقتصادي مع الساسة ليتوافقوا على المسار الجمعي، والرؤية الشاملة التي تضبط البوصلة وتحدد المسار.
الأمر ليس خيالاً وليس مستحيلاً، كل ما علينا فعله هو النظر إلى تجارب الآخرين الناجحة، ونسعى لتطبيق أبجديات النجاح الواردة فيها، وما تجربة تحالف التيارات السياسية في اليابان عنا ببعيد، وما تجربة النرويج وبوليفيا عنا بمستحيلة.
د. نزار نبيل الحرباوي