لو كنت مكان الرئيس الاسد لشعرت بالقلق الشديد
تاريخ النشر: 18/08/14 | 20:20ذكرت وكالة انباء الاناضول التركية الاحد نقلا عن ناشطين سوريين معارضين ان الطائرات الحربية التي شنت عشرات الغارات الجوية على معاقل تنظيم “الدولة الاسلامية” في مدينة الرقة وريفها ليست تابعة للنظام وانما امريكية.
ونقلت الوكالة عن ناشطين في المدينة، الاول هو ماهر الاسعد، والثاني وسام الصالح، بأن ما يجعلهما يعتقدان ان الطائرات المغيرة امريكية، وليست سورية، ان لون بعضها كان داكن السواد، وصوت هديرها مختلف عن نظيراتها السورية التي لم تتوقف عن شن غاراتها على المدينة، مضافا الى ذلك ان اصابتها للاهداف اكثر دقة.
قطعا هؤلاء النشطاء ليسوا خبراء عسكريين في علوم الطائرات ولكن لم يصدر حتى كتابة هذه السطور اي تأكيد او نفي رسمي، سواء من الولايات المتحدة الامريكية او السلطات السورية، لمثل هذه الراوية، ولكن ما يرجحها ان القرار الذي تبناه مجلس الامن الدولي يوم السبت بالاجماع تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة الذي يبيح استخدام القوة صنف جبهتي “النصرة” و”الدولة الاسلامية” في خانة “المنظمات الارهابية” التي تهدد السلام والامن الدوليين”، مما يوفر الغطاء الشرعي الدولي للغارات التي بدأتها الطائرات الامريكية منذ عشرة ايام ضد قوات تابعة للدولة الاسلامية حالت دون تقدمها نحو اربيل الكردية، وكسرت الحصار الذي فرضته على مدينة سنجار، حيث الاغلبية الازيدية.
***
قرار مجلس الامن الدولي الذي بارك قصف التنظيمين وقواتهما وتجفيف منابع التمويل المالي لهما من خلال وضع ست شخصيات كويتية وسعودية على قائمة الارهاب، وتجريم اي تعامل تجاري مع التنظيمين، هذا القرار لم يحصر التدخل العسكري ضدهما في العراق، وترك الامر مفتوحا مما يرجح اعطاء ضوء اخضر للطائرات الامريكية للاغارة على اماكن سيطرة “الدولة الاسلامية” في الاراضي السورية، الرقة، ودير الزور على وجه التحديد.
واذا صحت هذه الانباء بتوسيع الادارة الامريكية لغاراتها ضد اهداف الدولة الاسلامية داخل سورية، وهي تبدو اقرب الى الصحة، فان هذه “السابقة” قد تأتي في سياقين:
*الاول: ان تكون جاءت، اي الغارات الامريكية، في داخل الاراضي السورية، بناء على تفاهم روسي امريكي بمباركة السلطات السورية نفسها، وفي اطار صفقة مع النظام نفسه في دمشق، بعد ان تغيرت الاولويات الامريكية ولم يعد اسقاط النظام على قمتها كما كان الحال قبل ثلاث سنوات.
*الثاني: ان تكون الولايات المتحدة قررت القيام بهذه الغارات للقضاء على خطر الدولة الاسلامية ومنع توسعها، دون اي تشاور مع السلطات السورية او الحصول على مباركتها باعتبارها تحصيل حاصل، وان هذه المناطق، اي محافظتي الرقة ودير الزور لا يخضعان لسيادة الحكومة المركزية في دمشق وخارج سيطرتها، في الوقت الراهن ولذلك لن تعترض عليها.
لا نرجح اي من الاحتمالين فكلاهما غير مستبعد، فاللافت ان روسيا صوتت لصالح قرار مجلس الامن الدولي المذكور الذي تقدم به مندوب بريطانيا (لاحظو من تقدم بمشروع القرار) دون اي تحفظات، واللافت ايضا ان السيد بشار الجعفري مندوب سورية في الامم المتحدة الذي عارض بشدة اي تدخل عسكري امريكي في بلاده، او غيرها، رحب بالقرار الاممي، مؤكدا “ان سورية تعتبر شريكا اساسيا في الحرب على الارهاب”، ولكن السفير البريطاني مارك ليال غرانت رد عليه بسرعة بقوله “ان الرئيس الاسد يتحمل جانب كبير مسؤولية الارهاب ولا يمثل الحل”.
خطورة هذا القرار الاممي بالنسبة الى سورية، الذي ربما لم يتنبه اليه المندوب السوري في الامم المتحدة، انه ربما يتعرض، بسبب غموضه، لتفسيرات عديدة من ضمنها انتقال الغارات الامريكية، وبعد الانتهاء من مهمة القضاء على “التنظيمين الارهابيين” المذكوريين في العراق وسورية، التوجه الى دمشق، او فرض شروط اقوى تؤدي الى دعم المعارضة بالسلاح الحديث والمتطور للتسريع باسقاط النظام بعد ازالة المخاوف الكبرى المتمثلة في الجماعات الاسلامية المتشددة التي كانت عقبة في طريق التسليح.
عودة الولايات المتحدة الى العراق عبر نافذة الدولة الاسلامية وخطرها، ربما تشكل تطورا اكبر في المنطقة تترتب عليه نتائج اكثر خطورة من وضعها الاحتلالي السابق، لان هيمنة الطائرات الامريكية بطيار او بدونة، على شمال العراق يعني عودة الحظر الجوي مثلما كان عليه الحال قبل الاحتلال، وهو الحظر الذي استخدم بشقيه الشمالي والجنوبي كمقدمة لانهاك النظام واضعاف قبضته العسكرية، تمهيدا لاسقاطه.
نشرح اكثر ونقول ان تدخل حلف الناتو في ليبيا الذي جاء بقرار اممي تحت البند السابع من ميثاق الامم المتحدة، ويحمل الرقم 1973 لم ينص على التدخل العسكري صراحة، وانما بفرض حظر جوي في ليبيا لحماية الليبيين من “مجازر” كان يعدها نظام الزعيم الليبي معمر القذافي، وباقي القضة معروفة ولا داعي لتكرارها، وما زالت روسيا تضرب رأسها الما من جراء الخديعة المهينة التي تعرضت لها بعد تصويتها لصالح القرار.
***
ما لا يعرفه الامريكان والبريطانيون وحلفاؤهم العرب الذين يقفون خلف هذا القرار الاممي ويطالبون بالمزيد من الغارات والقوات الامريكية في شمال العراق انهم يقوون “الدولة الاسلامية” على وجه الخصوص، ويعطونها صك براءة من كل التهم التي جرى ويجري توجيهها اليها بأنها صنيعة امريكية، بعد ان سقطت تهمة ولادتها من رحم السلطات السورية، حتى ان بعض مواقع التواصل الاجتماعي تداولت بشكل مكثف رواية منسوبة للسيدة هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الامريكية السابقة، قيل انها اعترفت في مذكراتها بأن امريكا هي التي اسست “الدولة الاسلامية”، وشخصيا قرأت هذه المذكرات ولم اجد اثرا لهذه الرواية، وقبل ان تنفيها السلطات الامريكية جملة وتفصيلا.
التدخل العسكري الامريكي المقتصر حاليا على الغارات الجوية ولحماية الاكراد والازيديين، يأتي نسخة طبق الاصل عن تدخل حلف الناتو في ليبيا، ولكن مع فارق اساسي وهو انضمام ايران الى الدول العربية مثل السعودية وحكومة بغداد الى الفريق المؤيد له وبحماس غير مسبوق.
لا نريد ان نستبق الاحداث ونتنبأ بالغيب، ولكن معرفتنا بالمخططات الامريكية، وتعرضنا كعرب ومسلمين للدغ اكثر من مرة من الجحر الامريكي وثعابينه، ومسلسل الذرائع والاكاذيب السابقة لتدمير بلداننا وتمزيقها، كلها تجعلنا نتعامل بحذر شديد مع هذه المخططات ونشك في نوايا اصحابها.
فعندما يحذر ديفيد كاميرون رئيس وزراء بريطانيا من نشوء “دولة ارهابية” على سواحل البحر المتوسط في مقال نشره في صحيفة “الصنداي تلغراف” في اشارة الى الدولة الاسلامية، ويعتبر خطر هذا التنظيم ليس بعيدا عن بريطانيا والقارة الاوروبية، ويحث الغرب على التجاوب “بشكل امني صارم” لمواجهته، مؤكدا “ان القضاء على هذا للتنظيم بالضربات الجوية فقط”، فان هذا يذكرنا بتحريض سلفه توني بلير الذي سبق غزو العراق عام 2003، وعبأ الرأي العام البريطاني ومن ثم الغربي خلفه.
لو كنت مكان الرئيس السوري بشار الاسد لشعرت حتما بالقلق، لان نظرية عدو عدوي صديقي لا تصلح في هذه الحالة اي مع الامريكان والبريطانيين العائدين الى العراق بقوة، فالهدف الآن هو الموصل والرقة ودير الزور، لكن العين حتما على دمشق.