حول الصناعة الدوائية في فلسطين
تاريخ النشر: 21/08/14 | 10:28في الوقت الذي نحث فيه على تطوير أكبر لصناعة الدواء في فلسطين والتي أثبتت خلال العقود الثلاث السابقة قدرتها على المنافسة بالسعر والجودة، فإننا نلفت نظر الحكومة وصانعي القرار فيها إلى أهمية دعم الصناعة الدوائية الوطنية لما تمثله هذه الصناعة المتطورة والطموحة من آفاق مستقبلية لضمان الأمن الدوائي وفتح فرص عمل جديدة وتعزيز الاقتصاد الوطني للدولة الفلسطينية العتيدة القادمة حتما”.
وتنبع أهمية تطوير ودعم الصناعة الدوائية الفلسطينية من كونها نموذجا لصناعة السلع الاستهلاكية والاستثمارية حيث يشكل التصنيع بكافة أشكاله احد اهم الاستراتيجيات اللازمة لعملية التنمية الشاملة في فلسطين والتي لا بد من اعتمادها من اجل النهوض بالاقتصاد الوطني وتحريره من التشوهات التي لحقت به نتيجة إجراءات الاحتلال وسياساته وتلبي طموحات الشعب الفلسطيني الطامح لإقامة دولة فلسطينية مستقلة قادرة على الاعتماد على ذاتها وتبني السياسات الاقتصادية التي تتناسب مع خططها التنموية وأهدافها.
لقد شهدت سبعينيات القرن الماضي ولادة الصناعة الدوائية الفلسطينية والتي جاء انطلاقها تلبية لحاجة فرضتها ظروف الاحتلال كشكل من اشكال الاقتصاد المقاوم من اجل ايجاد بدائل لغزو الاسواق الفلسطينية بمنتجات دوائية اسرائيلية أو بأدوية مستوردة من خلال وكلاء اسرائيليين، ففي أعقاب حرب 1967 واحتلال اسرائيل للضفة الغربية وقطاع غزة، واجهت البلاد (الضفة الغربية وقطاع غزة) مشكلة كبيرة في توفر واستيراد الأدوية، ما دفع بعض الأفراد لتأسيس شركات لإنتاج الأدوية، وكان معظمهم وكلاء لشركات عالمية.
ولقد بدأت الصناعة بالإنتاج الفعلي العام 1969، وبكميات قليلة وبقدرات إنتاجية متواضعة من حيث التكنولوجيا والمهارات الإنتاجية.ونمت الصناعة الدوائية الفلسطينية بسرعة كبيرة بحيث أصبحت تنافس مثيلاتها الاسرائيلية والاجنبية واصبحت تتمتع بثقة الاطباء والصيادلة الفلسطينيين نظرا “لتمتعها بالجودة العالية التي سمحت لها ايضا” باقتحام الاسواق العربية والعالمية رغم الصعوبات التي يفرضها تحكم الاحتلال بالحدود والمعابر وشروط التصدير للاسواق العالمية ومنعه المطلق لدخول الدواء الفلسطيني للاسواق الاسرائيلية بل ولأسواق القدس المحتلة رغم اغراقه للاسواق الفلسطينية بالادوية الاسرائيلية المنافسة.
ان حصول شركات الادوية الفلسطينية الاربع الرئيسة على شهادة التصنيع الجيد وما حققته من اختراق للاسواق العربية والاوروبية يفرض ضرورة السماح لها بالدخول الى السوق الاسرائيلية عملا” بالمعاملة بالمثل حيث ان بروتوكول باريس الاقتصادي الموقع بين اسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية يعطي الحق للصناعة الدوائية وغيرها من الصناعات الفلسطينية حق دخول السوق الاسرائيلية ضمن ضوابط الجودة، وهنا لا بد من تدخل حكومي وعلى اعلى المستويات من اجل السماح للمنتجات الفلسطينية، الدوائية وغيرها، التي تحقق معايير السلامة والجودة حرية دخول السوق الاسرائيلية او اتخاذ اجراءات ضد الدواء الاسرائيلي حماية للمنتج المحلي المنافس.
اذا اخذنا بعين الاعتبار عدد سكان اراضي الدولة الفلسطينية (4.5 مليون نسمة) ورغم توقعات الجهاز المركزي للاحصاء الفلسطيني بارتفاع الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 7.4% خلال العام 2014 وبالتالي زيادة نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 4.2%، واحتمال ارتفاع إجمالي الاستهلاك (الخاص والعام) بنسبة 7.0% يبقى نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي متدنيا ولا يتجاوز 1650 دولارا أميركيا ويبقى متوسط استهلاك الفرد من الادوية منخفضا ولا يتجاوز ثلاثين دولارا” في ظل عدم وجود نظام تأمين صحي شامل، وبالتالي فان السوق الفلسطينية تبقى سوقا” صغيرة جدا” لصناعة متنامية وطموحة وهذا يعني انه لا بد من فتح اسواق خارجية عربية وعالمية لمساعدة هذه الصناعة في النمو والتطور ولتلعب دورها المأمول في تعزيز الاقتصاد الوطني، كما لا بد ان تتخذ الحكومة اجراءات لحماية وتشجيع هذه الصناعة ومساعدتها على فتح اسواق عالمية جديدة من خلال تدخل الدبلوماسية الفلسطينية لدى الدول الشقيقة والصديقة.
ومع ذلك نقول انه وبرغم محدودية السوق ورغم عدم وجود رعاية حكومية تذكر الا ان صناعة الدواء الفلسطيني بدأت تشهد في السنوات الاخيرة تحولا سريعا نحو تغطية اكبر عدد من الادوية الاساسية الجنسية والبدء ولو بخجل نحو البحث والتطوير لأدوية جديدة بالتعاون مع مراكز بحثية اكاديمية محلية وعالمية بهدف تغطية اوسع لاحتياجات السكان المتزايدة وتجاوبا” مع الثقة المتنامية بالمنتج الدوائي الفلسطيني محليا” وعالميا”.
وبلغة الارقام وكما تفيد بيانات اتحاد الصناعات الدوائية الفلسطينية فان نسبة مبيعات الادوية بالمفرق ولمؤسسات القطاع الصحي الخاص من الادوية المحلية الصنع اصبحت تتجاوز 50% من مبيعات الادوية في السوق المحلية مقابل 10% للادوية الاسرائيلية و40% للادوية الاجنبية المستوردة من الخارج، اما القطاع الحكومي فيستهلك ما نسبته 33% من انتاج المصانع المحلية، وتشير بيانات وزارة الصحة الى ان عدد الاشكال الصيدلانية المحلية الصنع المسجلة لدى وزارة الصحة حتى تاريخ 31/12/2012 كان 1253 صنفا مقابل 1242 شكلا صيدلانيا مستوردا وهذه الاشكال الصيدلانية المصنعة محليا تغطي 176 صنفا” دوائيا “اساسيا” من اصل 526 صنفا” التي تشملها قائمة الادوية الاساسية المعتمدة من وزارة الصحة.
ان انجازات الصناعة الدوائية وهي في تطور مستمر اذا ما استعملت كمعيار لدور التصنيع في رفد الاقتصاد الوطني وفي المساهمة في معالجة المستوى العالي من البطالة وفي التوجه نحو التحرر التدريجي من الاعتماد على التمويل الخارجي وفي تعزيز الجاهزية الوطنية لقيام الدولة الفلسطينية المستقلة والقابلة للحياة، فلا بد أن يبدأ اصحاب القرار والمخططون الاستراتيجيون بوضع خطط تنموية تعتمد اساسا” على رؤية وطنية شاملة قائمة على ان الصناعة هي اساس بناء اقتصاد وطني واعد وبالتالي البدء في وضع وتعديل الانظمة والقوانين بما يضمن ازالة كافة التشوهات التي الحقها الاحتلال باقتصادنا الوطني وبما يترجم ما ننادي به دوما” من ضرورة تعزيز الشراكة بين القطاع الحكومي والقطاع الخاص في عملية التنمية.
د. فتحي أبومغلي