البعث والحساب في القرآن
تاريخ النشر: 06/11/14 | 0:01ظهر الإنسان على الأرض بعد مليارات السنين من الانفجار الكوني الأول وحصلت تغييرات كثيرة في الصيرورة حتى ظهر البشر ثم الإنسان، وسيستمر هذا الكون متغير الصيرورة حتى يهلك الشكل الحالي للكون، هذا الهلاك هو بداية لتشكيل كون مادي آخر بقوانين جديدة للمادة، فتحصل تغييرات جديدة في الصيرورة حتى يستقر ويصبح كوناً جديداً بمادة خالية من صراع المتناقضات الداخلية في الشيء الواحد.
لذا لا يوجد في الكون الجديد لا ولادة ولا موت، وتختفي ظاهرة التطور وتظهر حركة المادة من نوع آخر وعلاقات أخرى، ويبقى عمل القانون الثاني للجدل التأثير والتأثر المتبادل بين الأشياء “الأزواج”. ففي الجنة يوجد أزواج وفي النار يوجد أزواج.
أما الجنة والنار فليسا زوجين حيث لا يوجد علاقات متبادلة بينهما بل يوجد أزواج في كل منهما، أي أن هناك قانون تأثير وتأثر متبادل من نوع جديد مع اختفاء قانون صراع المتناقضات، لذا ففي الجنة والنار حركة من نمط آخر ولكن لا يوجد تسبيح وجود.
لقد عبر القرآن عن الطفرتين بآية واحدة بقوله: {وَنُفخَ فِي الصُّورِ فَصعقَ مَن فِي السَّماواتِ وَمَن فِي الأَرضِ إلاَّ مَن شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفخَ فِيهِ أُخرَى فَإِذَا هُمْ قِيامٌ يَنظرُونَ}…(الزمر : 68) لاحظ في النفخة الأولى قوله: {فَصعقَ مَن فِي السَّماواتِ وَمَن فِي الأَرضِ} و”من” للعاقل لذا أتبعها بقوله {إلاَّ مَن شَاءَ اللهُ} ومن العاقل المستثنى من هذه الصعقة هو إبليس لقوله تعالى: {قَالَ رَبِّ فَأَنظرْنِي إِلى يَوْمِ يُبعَثونَ* قَالَ فَإِنكَ مِنَ الُمنظَرينَ* إِلى يَومِ الوَقتِ الَمعلُومِ}… (الحجر : 36 – 37 – 38).
وعبر عن النفخة الثانية {ثُمَّ نُفخَ فِيهِ أخْرَى}. لاحظ كيف وضع بين الأولى والثانية الأداة “ثم” حيث فيها التعاقب مع التراخي.
الآن لنأخذ الآيات التالية ونرى عن أية طفرة “تغيير في الصيرورة” تتكلم:
ـ {قَولُهُ الحَقُّ وَلهُ المُلكُ يَومَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ}… (الأنعام : 73) هنا الصيرورة الأولى والثانية جاءت الصور اسم جنس.
ـ {وَنُفخَ فِي الصُّورِ فَجمَعنَاهُم جَمعاً}… (الكهف : 99) الصيرورة الثانية.
ـ {وَنُفخَ فِي الصُّورِ ذَلكَ يَومَ الوَعيدِ}…. (ق : 20) الصيرورة الثانية.
ـ {فَإذَا نُفخَ فِي الصُّورِ نَفخةٌ وَاحدَةٌ}… (الحاقة : 13) الصيرورة الأولى لأنه أتبعها بقوله {وَحُملتِ الأَرضُ وَالجِبالُ فَدُكَّتا دَكَّةً وَاحدَةً}... (الحاقة : 14).
ـ {فَيوْمئذٍ وَقَعتِ الوَاقعَةُ}… (الحاقة : 15). {وَانْشقَّتِ السَّماء فَهِي يَومئذٍ وَاهيَةٌ}... (الحاقة : 16).
ـ {يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتأْتُونَ أَفْواجاً}… (النبأ : 18) النفخة الثانية حيث أتبعها بقوله: {فَتأْتُونَ أَفْواجاً} إذ وضع وصفاً جديداً للسماء {وَفُتحَتِ السَّمَاء فَكَانتْ أَبْواباً}… (النبأ : 19). ووصف الوضع السابق للجبال {وَسُيِّرتِ الجِبالُ فَكَانتْ سَرَاباً}… (النبأ : 20).
لقد وصف الله البعث بالخروج من الموت إلى الحياة بقوله: {وَالَّذِي نَزَّلَ مِن السَّمَاءِ مَاء بِقَدرٍ فَأَنْشَرنَا بِهِ بَلدَةً مَيتَاً كَذلكَ تُخْرَجُونُ}… (الزخرف : 11). وقوله {يُخْرجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ وَيُحيِي الأَرضَ بَعدَ مَوتِها وَكَذلِكَ تُخْرجُونَ}… (الروم : 19) هنا في الآية 19 في سورة الروم وضع الإخراج متكافئاً بين الحي والميت حيث قال {يُخْرجُ الحَيَّ مِنَ المَيِّتِ وَيُخْرجُ المَيِّتَ مِنَ الحَيِّ}. لأنه يصف يوم الخروج حيث لا قضاء للإنسان في ذلك اليوم لذا قال: {لَهُ المُلْكُ يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ} للدلالة على انتهاء تدخل الإنسان وقضائه. أي أن البعث هو خروج الناس من الموت إلى الحياة بكينونة مادية جديدة لا تغير في صيرورتها.
قد يسأل سائل: وهل بعد أن يفنى الإنسان ويصبح تراباً سيعاد تكوينه؟ الجواب: نعم. هنا يجب أن نميز بين نوعين من النفس: النفس التي تموت وهي النفس البشرية وهي التي تتحول إلى تراب والتي قال عنها: {وَمَا كَانَ لِنَفسٍ أَنْ تَموتَ إِلاَّ بإِذْنِ اللهِ كِتَاباً مُؤجَّلاً}... (آل عمران : 145) والنفس التي تُتَوَفّى والتي قال عنها: {الله يَتَوفَّى الأَنْفُس حِينَ مَوتِها وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِها}... (الزمر : 42).
فالنفس التي تموت والتي نقول عنها “الجسد” عبارة عن تحول مادي عضوي بحت، فعند الموت يبدأ التحلل للمواد العضوية المكونة لهذه النفس، حيث أن هذه النفس مجموعة من المواد المركبة بعضها إلى بعض ضمن نسب محددة والتركيب المادي للنفس لا يعتبر عين الذرات المركبة لها، ولكن هو مجموعة من النسب المادية مربوط بعضها ببعض.
وهذا واضح بأننا نطرح الفضلات الغازية والسائلة والصلبة ونحرق في الجسم ما نحرق ثم نعوض بالتغذية المواد المفقودة بحيث نأخذ ونعطي دائماً. فالمهم هو التركيب النسبي للمواد وليس عين المواد.