على كل الجهات
تاريخ النشر: 24/08/14 | 10:00رحل عنّا، مساء الثلاثاء الماضي، شاعرٌ كبيرٌ طبَّق صيتُهُ الآفاق، من المحيط إلى الخليج وما بعدهما، ومن نيلِ السودان إلى أرزِ لبنان، وما جنوبَهما وما شمالهما.
هو سميح محمد حسين القاسم.
وسميحٌ، كما يدرك أهلُ بيته وأقرباؤه، هو ليس ابنهَم وأخاهم وعمّهم وخالَهم فحسب، وإنما هو أيضاً وفي الأساس ابن أمةٍٍ كاملة وابن مئاتِ الملايين في أرجاء العالم. وهو عابرٌ للأحزاب والمذاهب والطوائف والقارات.
ليسَ عندنا كلَّ عامٍ وكلَّ عقدٍ، شخصيةٌ فذةٌ، مثلُ سميح القاسم وبعضِ زملائه الراحلين. اكن، بما أنّ رحيلَ سميحٍ ما زالَ طريّاً، فيحقُّ لنا أن نُمحورَ كلامَنا حولَه وحولَ تراثِهِ ورمزيتِه وما يعنيه اهتمامُنا بهذا التراث.
لا شكَّ في أن اهتمامَ الشعوب العربية، بمؤسساتها وفعالياتها ومثقفيها برحيلِ شاعرِنا، واهتمام أوساطٍ واسعة خارج العالم العربي، وفتحَ بيوت العزاء في الضفة الغربية والأردن ولبنان ومصر وتونس وغيرها وغيرها، وإعلان الحداد في الوسط العربي عندنا، هو الدليلُ القاطع على أن هذه الشعوب قادرةٌ على مجابهةِ القبليّات والتعصبات الطائفية والمذهبية وكل أشكال التعصب. ويشكلُ سميح القاسم، في هذا السياق، البديلَ عن جهنَّمَ التي يمارسُها السلفيون الحاقدون، سواء أولئك الملتحًون أو أولئك المتبرجون بربطات عنق. فسميحٌ وأمثالُهُ هم الردُّ الإنساني الساطعُ على هذه الجهنمات.
من الجائز والمشروع أن نتفقَ أو أن نختلف مع سميح في هذه المسألة أو تلك، غير أننا لا بدَّ أن نتفق على الجوهر: أن سميح القاسم ساهم، بشخصِه وسيرتِه وشعره وتراثه، مساهمةً كبيرةً في الدفاعِ عن المظلوم وعن المساواةِ وفي احترام الغير وفي الدفاع عن حرّيات الأفراد والشعوب، كل الشعوب. وعبّرَ، خلالَ مسيرتِه، عن رفضه الأحقادَ والتعصباتِ والضغائن. وقد صاغَ كلَّ ذلك بشعرٍ وأدبٍ وفيعي المستوى، وساهم في الحفاظ على اللغة العربيّة وفي تجديدِها واستحداثِ وسائل تعبيرها.
في ضوءِ كلِّ ذلك، كان من المستهجن أن يتقاعسَ البعضُ عندنا عن إعلان الحداد ليوم واحد، يوم تشييعِ جثمان شاعرِنا إلى مثواه الأخير.
وفي ضوء ذلك أيضاً، يظلُّ من واجب الجميع، وعلى رأسِهم المؤسسات المحلية والقطرية ووسائل الإعلام، أن لا تكتفيَ بآيات الحزن وزياراتِ التعزية والشعارات وأن تتخذَ، فضلاً عن ذلك، سلسلةً من الخطوات العملية، التي نقترحُ منها ما يلي:
أولاً: تخصيصُ صفحات الصحف والمجلات وسائرِ وسائل الإعلام والتواصل الجماهيري والأبحاث لبحث تراث سميح القاسم وتناولِه بعمقٍ ومنهجية. وتكريس اهتمامٍ مماثلٍ لغيرِهِ من عمالقة أدبِنا، شعراً ونثراً، أمثال محمود درويش وإميل حبيبي.
ثانياً: إطلاقُ اسم سميح القاسم على مؤسساتٍ ثقافية محلية وقطرية أو شوارع في مدننا وقرانا، أسوةً بما فعلته مدينة الزرقاء في الأردن.
ثالثاً: العمل على إدراج تراث سميح القاسم، وغيرِه من عمالقة أدبنا، في إطارِ مناهج التعليم وتضافر الجهود لتعميم مؤلفاتِه.
رابعاً: الاهتمام بإقامة مركزٍ ثقافي على اسم الشاعر الراحل، بحيث يتواصل ويتعاون مع مراكز ثقافية على أسماء عمالقة أدبنا.
خامساً: التحلّي بالجرأةِ والترفع عن الحسابات الضيقة، في التعامل مع رموزنا وعمالقة الأدب والشعر والإبداع عندنا.
ويجب أن نذكرُ أن الشعوبَ والمجتمعات الحيّة والتي لها مستقبلُها، هي التي تُكرمُ مُبدعيها، بدونِ اعتباراتٍ ضيقةٍ.
ويجب أن نتذكر أن الأقربين أولى بهذا الواجب.
فريد غانم