العلاقات الشخصية في الفكر الصهيوني

بالأرقام والإحصائيات، لم يزد عدد اليهود في العالم عن عددهم الحالي في مرحلة من المراحل، فكل الدراسات تفيد بأنهم كلما زادوا عدداً كلما ذابوا في المجتمعات الأخرى، أو تعرضوا لما يحد من نمو التعداد السكاني الخاص بهم، وبمعرفتهم بذلك نظموا سياساتهم وبنوا مخططاتهم.

لا مجال للتهويل، ولا مجال للتهوين أيضاً، فالعقلانية والدراسات الموضوعية لهذه الديانة تاريخياً تجعلنا نفهم ما يجري اليوم، نفهم كيف قامت (إسرائيل) من العدم، وكيف اكتسبت نفوذها العالمي، ولماذا تحظى بهذا التأييد الإعلامي والسياسي والدبلوماسي برغم زور كل دعاواها.

العاطفة هنا لا تجدي أبداً، التحليل العلمي والعقلاني لهذا الأمر يشكل الخطوة الأولى في الفهم والوعي العام، وعلينا أن نعرف أن الديانة اليهودية التي تقوم على التلمود والمشناة اليوم هي أبعد ما تكون عن تعاليم التوراة الأصيلة.

هذه الديانة القائمة على المصلحة وحماية الهوية، هي ديانة يجتمع تحتها من تبقى من يهود العالم إيماناً منهم بما تمثله لهم هذه الديانة من حماية لنفوذهم وحضورهم واستثماراتهم، وبالتالي، جزء من دفاعهم عنها هو دفاع عن مكتسباتهم ومخططات نموهم الاقتصادي، الذي يتحركون في الدنيا اليوم استناداً عليه لا على التوراة والديانة التي تجعل منهم ديناً سماوياً يجب علينا احترامه.

اللوبي في أمريكا، واللوبي اليهودي في فرنسا، واللوبي الأوروبي، وحضورهم في روسيا وجورجيا وأستراليا وأمريكا اللاتينية، وغيرها من دول العالم، إنما هو انتشار جغرافي عالمي لتعزيز الحضور الحقيقي لهم في الحياة من خلال تسترهم بعباءة ديانة من الديانات المعروفة، ليقنعوا من خلال هذا التستر جموعاً من الشرائح العالمية – لا سيما البروتوستانتيين في الغرب – بأن وجود إسرائيل ودعم اليهود في العالم هو بشرى قيام المسيح وبداية الألفية الذهبية الثالثة التي يؤمنون بها.

ووسط حالة الفظائع التي يؤمن بها اليهود في العالم، وسعيهم من خلال الربا لامتصاص ثروات العالم كله والغرب تحديداً، وتشجيعهم الدائم على القلاقل والفتن والحروب بين البشرية جمعاء، وتعزيزهم لحضور أوليائهم في المحافل الإعلامية والسياسية والفنية والسينمائية، عززوا قيم الحرب، وإشاعة النزاعات، حتى لا يتفرغ أي مجتمع للبحث عن مصادر ثرواته وقوته، وبالتالي، يتمكن الباحثون اليهود وأعوانهم من الحصول على مصادر المعلومات والدراسات وبدء الخطط للسيطرة على مصادر قوة الشعوب ونمائها.

السؤال المهم هنا، كيف استطاع اليهود وهم قلة قليلة إذا ما قورنوا بالمسلمين والنصارى أن يصلوا إلى ما وصلوا إليه من حضور دولي ونفوذ سياسي؟

الثابت في المعادلة أنهم تفاعلوا لتحقيق مخططاتهم من خلال الأفراد المبدعين، ومن خلال مجاميع خاصة، تعمل على تفعيل نقاط مشتركة يجري التخطيط لها على المستويات السرية العليا للمجاميع اليهودية في العالم، ويتم تطبيقها من خلال مؤيدي اليهود وأوليائهم في العالم بأسره، ويغدق المال على هذه المخططات من مردود الربا ومخزون المال اليهودي العالمي، الذي يصب بعضه في دولة (إسرائيل) وينفق أكثر منه لكسب النفوذ الدولي.

كلنا نعرف (قبة راحيل) في بيت لحم في فلسطين المحتلة، ولكن هل كلنا يعلم أن راحيل هذه بغيّ من بني إسرائيل استغلت جسدها لتحقيق أهداف اليهود، واحتفاء بهذه البغي والدور الفردي الذي لعبته أقيم لها ضريحها الكبير، وتجري زيارته من قطاعات مختلفة من الشعب اليهود المقيم في فلسطين حالياً اعتزازاً وافتخاراً بها.

من يقرأ موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية للدكتور الراحل عبد الوهاب المسيري، يعرف معنى استثمار اليهود لكل العناصر البشرية المتاحة لهم من أبناء ديانتهم وممن يمكن شراؤه بالمال والنساء والإغراءات الاخرى، استثمار مركّز، يعتمد على استهداف شخص واحد في المجتمع كوزير أو مدير عام أو إعلامي ما على مدار فترة طويلة من خلال دائرة شخصية تحيط به، كالتركيز على الوصول لطبيب الوزير الفلاني، أو لصديق الممثل الفلاني، أو لزوجة الإعلامي البارز فلان، أو لابن الاقتصادي النافذ فلان، أو ابنة مجلس النواب ذاك.. وهكذا..

يعلم اليهود علم يقين أن أوروبا التي شعرت بمصائبهم إبان ما يعرف باسم (المشكلة اليهودية في أوروبا) لا بد وأن يشعروا أن إسرائيل هي الحل الوحيد لعدم عودة اليهود لأوروبا في حال فشل التجربة الإسرائيلية بكيان إسرائيل، ليقدموا كل الدعم السياسي والاقتصادي والدبلوماسي الممكن لمنع انهيار اسرائيل، وهذا ما يدعمه الموالون لإسرائيل في العالم برمته.

إذا، هذا الاستثمار للموارد البشرية اليهودية والموالية لهم يعتمد على المال وسلاح الإغراء وعلى التهويل بقوة اسرائيل واستقرارها، ويزول ويضعف الولاء اليهودي وحجم الدفع الاقتصادي والدعم الدبلوماسي إذا سقطت القوة الإسرائيلية، وهو ما بدأ يتبلور في الحروب الأخيرة في جنوب لبنان وغزة، والذي ضعضع الصورة اليهودية والإسرائيلية عالمياً وأشعر الممولين بخطر استثمارها في دولة اسرائيل غير القابلة للحياة.

وإن كان لي أن أسأل هنا سؤالاً سطحياً سيكون الآتي: ألسنا أمة النفط والغاز وأمة المليارين ؟ فلماذا نضرب كل موارد قوتنا البشرية ونصر على وأد كل تجربة ناجحة لنا على المستوى الفردي، ورسالتي للنخب الحاكمة اليوم، أقل القليل أن تعرفوا كيف نجح غيركم برغم كل المعيقات وفشلتم برغم كل ما بأيديكم من الإمكانات.

د. نزار نبيل أبو منشار الحرباوي