حنين زعبي:”مدينة البشارة” مدينة الجميع
تاريخ النشر: 25/08/14 | 15:02اجتزنا الانتخابات، وأفرزت البلد من تريده، واستمرت مشاكلنا كما هي واستمر فكر البعض الإقصائي التهجمي الانتهازي كما هو، لم يتعلم من عليه ذلك، لا مراجعة الذات ولا التواضع ولا احترام الآخر.
وفي خضم المعارك الوجودية التي نعيشها، يفطن البعض لافتعال معارك هزيلة في معناها وقد تكون تدميرية في أبعادها، وتعتبر جملة عادية وروتينية نستعملها مجازًا يوميا، في شكل “آخر الأنبياء”، “ضوءًا أحمر وتجاوزًا غير مسبوق”، وينسى عشرات “الأضواء الحمراء” التي مرت عليها الناصرة، وعشرات التجاوزات غير المسبوقة، التي مر عليها هذه البلد في العشرين سنة الأخيرة، حيث تحولت فيها بلدية الناصرة لمجمع تجاوزات سياسية وإدارية واجتماعية، أدت بنا لاستسهال تكفير الآخر، وإقصاء فئات اجتماعية كاملة في هذا البلد.
ويتم من قبل نائب ريس البلدية يوسف عياد، اقتناص كلمة “آخر الأنبياء” وردت في سياق تأبين عضو البلدية عزمي حكيم للشاعر سميح القاسم، قيلت وسط مشاعر من الحزن برحيل شاعر وطني، واستعملت مجازًا في سياق دارج ويومي، لتحميلها مدلولات مضللة، بهدف التأجيج الطائفي والتحريضي.
ووفقا للمنظومة الدينية التي يدعي البعض الوصاية عليها، نذكر الجميع أن هنالك ” كلمة حق يراد بها باطل”، وكلمة الحق هنا أريد بها باطلا، تغذى من نفسيات ما زالت تعيش حمى الانتخابات وحمى الانتقام السياسي بدل أن تعيش حمى بناء البلد بعد أن حسم الناخب قراره.
لم ننتخب ممثلينا لتكفير الناس أو لإعطائها صكوك غفران، بل لإدارة شؤون البلد وتمثيل الناس، كل الناس، ومن انتخب ليدير شؤون البلد السياسية والاجتماعية والثقافية، من الأفضل أن يوفر جهوده وإخلاصه للنجاح في هذه المجالات، ومن ينتخب لإدارة بلد، ينتخب لتوحيدها وليس لتقسيمها، ينتخب لاحتواء سكانها وليس لإقصاء من لا يروقون له.
نحن نعاني كشعوب عربية، من استعمال “التكفير، الذي جلب لنا الويلات، والذي باسمه تقوم حركات إجرامية بقتل الناس وبإبادتهم، وبإسمه يتم تهميش قضايانا الوجودية، وإضعاف حصانتنا الوطنية ونضالنا الأساسي ضد الاستغلال والظلم والاستبداد وقمع الحريات. بإسم الدين يتم انتهاك الدين وقدسيته وروحانياته وأخلاقياته، التي يحتاجها المقهور كداعم نفسي في صموده ونضاله، وباسمه تتم الدعوة “لجلسة طارئة في البلدية”.
وباسم الناصرة كلها نقول لممثلينا في البلدية حبذا لو كانت “الجلسة الطارئة” من أجل نقاش وسائل الاحتجاج على العدوان الإجرامي في غزة، أو حبذا لو كانت لنقاش سبل محاربة المقاطعة الاقتصادية ودعم الاقتصاد النصراوي، أو للإعلان عن مظاهرة أمام وزارة الاقتصاد احتجاجا على العنصرية الاقتصادية، أو من أجل تعيين مدير عام للبلدية.
لم يضع أحد منا أحدا، وصيا على الكفر والإيمان، وانتحال هذا النفوذ المدعى لأهداف سياسية حزبية ضيقة بهدف تنافس سياسي وللكسب الرخيص، هو لعب بالنار ومخاطرة في أجواء يسهل بها تأجيج العصبيات الهدامة. وحبذا، لو قمنا باستثمار مناصبنا ونفوذنا في هذه الفترة التي تشن بها إسرائيل عدوانا إجراميا على شعبنا في غزة، لتعزيز مشاعر وطنية، وليس نعرات طائفية، والدعوة لمظاهرة وحدوية لنصرة شعبنا الصامد في غزة، وكان حري بالبعض الدعوة لمظاهرة ليس بهدف تكفير الآخرين، وإنما بهدف صد جرائم الإبادة التي تمارسها داعش على شعبنا في العراق مسلمين ومسيحيين.
إن “مدينة البشارة” ليست تعبيرا يطلق جزافا، وبالتأكيد أنه لا يصح أن يستعمل لتقسيم “مدينة البشارة” بين “مؤمنين” و”ملحدين”، أو بين طوائف أو بين عصبيات حزبية. “مدينة البشارة” لا يستعملها إلا من يعزز وحدتها وكرامة أهلها ومكانتهم.