مع الشاعر الشعبي الفلسطيني توفيق الريناوي في ذكراه
تاريخ النشر: 23/04/12 | 14:34لا خير في شعب لا يكرم عظماءه ومبدعيه، ونحن شعب نعترف بالجميل لكل المبدعين والمنتجين الذين ساهموا في نهضة شعبنا الحضارية، ورحلوا عن عالمنا بعد ان تركوا بصمات واضحة على صيرورة مجتمعنا وفي سفر نضالنا وكفاحنا من اجل المستقبل السعيد والجميل، فنستحضر ذكراهم، ونعدد مناقبهم، ونذكر ادق التفاصيل من حسناتهم، ونتعلم من تجاربهم، ونذوت افكارهم وابداعاتهم بين اجيالنا الناشئة والقادمة.
وفي هذه الايام تحل ذكرى وفاة الشاعر الشعبي الفلسطيني توفيق الريناوي (ابو الامين) الذي قال الشعر قبل النكبة وبعدها، وانشد في الاعراس والمناسبات الوطنية ، وملأ سماء بيادرنا بالزغاريد والهتافات والاهازيج، وبالنشوة والفرح، ورفع الشعر الشعبي المحكي الى مستوى رفيع وراق، وترك وراءه تراثاً غنياً جمعه ابنه محمد ريناوي في كتاب قبل سنوات خلت.
ولد ابو الامين سنة 1910 في قرية الرينة الجليلية لعائلة كادحة وفقيرة، ارتبط بالحركة الوطنية القومية وذاق ظلم وقهر ومرارة العهد العثماني، وعندما اندلعت ثورة 1936 وجد نفسه مقاتلاً ومحارباً في صفوف الثوار ، ومغنياً وحادياً للثورة مع ابي سعيد الحطيني وفرحان سلام، وبعد هجرتهما بقي ينشد العتابا والميجنا مع صديقيه الراحلين “ابو السعود الاسدي” وابو غازي الاسدي” واخيه المرحوم “ابو عاطف”.
احس ابو الامين بالمعاناة العامة لشعبنا فراح في قصائده وازجاله الشعبية واهازيجه الرقيقة يعبر عن النقمة والغضب الساطع والرفض الجماهيري لمشاريع الاقتلاع والتشريد من الوطن ، وبسبب ذلك تعرض للملاحقة والمطاردة السلطوية ودفع ثمن مواقفه الوطنية والجذرية غرامات باهظة.
هتف ابو الامين للوطن ، للارض، للسهل، للجبل، للمهجرين، للمشردين، للعمال، للفلاحين، ولكل شيء جميل في الحياة ، مشدوهاً بجمال الطبيعة والوطن. وقد اخذته روابي الجليل والكرمل بجمالها الخلاب ، فغمرت وجدانه وخياله اشعاراً وجدانية توقظ الاحساس ، وهاج الشعب وماج حين كان يردد وراءه في صف السحجة “يا جليل اللـه اكبر يا جليل” و”عاش العامل والفلاح” و”بدنا حرية وسلام” و”ع الكعبة اذن بلال” و”مد جيوشك يا جمال من سوريا للصومال” وغيرها الكثير.
ودعا ابو الامين في زجلياته وقصائده الشعبية الى الانزراع في تراب الارض والتعلق بالقيم الاجتماعية والقومية والروحية والمادية والتمسك بالتراث والجذور الكنعانية ، ونجح في تفجير الطاقات الكامنة في الوجدان القومي.
والواقع ان اشعار توفيق الريناوي مهيلة كالقهوة ، ومعتقة كعنب الخليل ، وهي اشعار بسيطة، عميقة، دافئة، شفافة ، واضحة، تتغلغل في الروح والقلب، فلا تكلف فيها او تعقيد ، انها من “السهل الممتنع” وتعكس احلام الناس البسطاء وهمومهم بصدق اخاذ .. ومن جميل قوله:
نحنا شعب كنا اليوم والعام
يسمع شعرنا الخاص والعام
ويوم الفدا نجمع الخال والعم
وجليلنا يفتدى بدم الشباب
…
لابطال الوطن تحياتي نرددها
ومناهل جود همتكم نردها
وشباب بلادنا نحمي التراب.
توفيق الريناوي كوكب من كواكب الكلمة الفلسطينية المحكية ، غنى للوجدان الفلسطيني بحب روحاني، واستحضر روح الوطن وقضيته المقدسة . كان دائماً في صلب الاحداث وتفاعل معها، وجاء شعره صدى لمواقف شعبنا وقواه المناضلة ، ولاحداث بلاده الخالدة.
وصفوة القول، توفيق الريناوي (ابو الامين) شاعر مرهف صادق ، لغته ذات نكهة جليلية مميزة، ايقاعاته الموسيقية قوية وتغني القصيدة العامية المحكية وتمنحها رونقها وجمالها ، وهو بلا شك ظاهرة فنية رائعة ، في صدقها واصالتها وتغلغلها في تراثنا الشعبي الفلسطيني وفي ثقافتنا الشعبية الوطنية، فعاشت ذكراه خالدة.
لقد عرفنا في منطقة وادي عارة في الستينيات من القرن الماضي أربعة شعراء شعبيين وهم: محمد سعيد بصول المكنى أبا عاطف، توفيق سعيد بصول المكنى أبا الأمين، وهما شقيقان وكلاهما من قرية الرينة ولذا عرف كل واحد منها بالريناوي، صبري محمد سليمان حمد المكنى أبا هاني من قرية عيلوط، ويوسف صالح أبو ليل المكنى أبا صالح من قرية كفر قرع. وقد عانى هؤلاء من ظلم الحكم العسكري، وحظر عليهم مدح زعماء الدول العربية. في 11/4/1966 تم في برطعة زفاف عبد العزيز مصطفى قبها. من بين المدعوين كان الشاعران محمد سعيد بصول الريناوي وصبري محمد سليمان حمد. في السهرة قام الشاعران المذكوران بكيل المديح للرئيس جمال عبد الناصر، رئيس الجمهورية العربية المتحدة، والملك حسين، ملك الأردن، وأحمد الشقيري، رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. وقد وشى بهما الواشون للحاكم العسكري، فأجرى معهما تحقيقاً بحجة أنهما يحرضان العرب على الثورة، وأنهما دخلا منطقة مغلقة بدون تصريح. وقد تبين أن الريناوي يحمل تصريحاً لدخول برطعة، بينما لم يكن لدى صبري تصريح، وبناءً على ذلك وجهت إليه تهمة الدخول إلى منطقة مغلقة.