العنف والقتل

تاريخ النشر: 25/04/12 | 5:22

العنف…القتل القاتل لياسمين الإنسانية بيننا وفينا…

ملهاة المقهور المضطهد…. مأساة الأقليات وللحاكم فيه الكثير من المآرب والتطلعات

لأن روح الدين وحب الوطن أقوى ما فينا.. وأضعف ما فينا

من ابرز ما جاء في المقال:

مها زحالقة مصالحة: “لنغرس في أولادنا أن يكونوا كالقمر يرفع الناس رؤوسهم لكي يروهم ولا يكونوا كالدخان يرتفع كي يراه الناس! فأحياناً يلجأ الفرد للعنف لكي يبرز عضلاته على حلبة “الأنا” ويراه الغير! ويقول أنا موجود بطريقته !لا يا ولدي، هذه ليست طريقتنا إلى الطريق السوي!”

من ابرز ما جاء في المقال:

لطالما آمنت أن القتل هو ملهاة المقهور المضطهد…. مأساة الأقليات وللحاكم فيه الكثير من المآرب والتطلعات، كأن يغرق المقهور إبن الأقلية صاحب الأرض المحتلة والبيت المغتصب بدماء العنف والصُلحة ورأب الصدع بين الحمائل والعشائر والقبائل، ولا يرفع رأسه للتطلع من خلف الجدران أو نحو السقف رُبما، لقد أدرك أبناء العم أن القبلية فينا بُركان سريع الإشتعال فعزفوا على الوتر، وما كُنا لهم إلا مساعداً يناولهم الكبريت على طبق من العنف والماس

قال الله تعالى في كتابه العزيز:” مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرائيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا [المائدة:32]

صدق الله العظيم..

وبروح الآية الكريمة المباركة نفتتح مصارحة مع الروح والذات حول العنف والقتل القاتل لياسمين الإنسانية بيننا وفينا، ففي الوقت الذي يخاف فيه الشعراء على التفاحة من ظل السكينة، الشاعر الكبير سميح القاسم بكل ما في التعبير من مجاز ورقي فكري إنساني، هناك أياد وقحة تقبض على زناد المسدس السفاح والسكين القاتل وتقتل أرواحاً بريئة بشكل مُستباح، وتُيتم أولادا صغاراً وتتركهم يبكون والدهم أو والدتهم ويقتلهم شوق الحنين للوداع، وزوجة ثكلى تبكى ابنها وتبكي زوجها وتعارك لؤم الحياة وحيدةً، وتبكي أولادها الأحياء عبئاً بدل أن يكونوا مصدر سعادة! هي حرب قاسية، لا تعرف عدوك بها أحيانا، لأنك في معظم الأحيان عابر سبيل وقُتلت بالخطأ ولغز مقتلك يُكفن ويُوارى الثرى وإياك، والشرطة تحقق…والشرطة تحقق.. تحقق ولا تزال تُحقق!!

لطالما آمنت أن القتل هو ملهاة المقهور المضطهد…. مأساة الأقليات وللحاكم فيه الكثير من المآرب والتطلعات، كأن يغرق المقهور إبن الأقلية صاحب الأرض المحتلة والبيت المغتصب بدماء العنف والصُلحة ورأب الصدع بين الحمائل والعشائر والقبائل، ولا يرفع رأسه للتطلع من خلف الجدران أو نحو السقف رُبما، لقد أدرك أبناء العم أن القبلية فينا بُركان سريع الإشتعال فعزفوا على الوتر، وما كُنا لهم إلا مساعداً يناولهم الكبريت على طبق من العنف والماس، ويكفي لهذا الغرض البعض القليل الكبير التأثير منا منعكساً بكل جرائم القتل من إطلاق رصاص وطعن بالسكين وغيرها من السيناريوهات التي تُشوه خضرة فضاء هذا المكان!

ناهيك عن انشغالنا وانغماسنا في حرب الحراك الاقتصادي والأكاديمي كي ننسى مأساتنا الحقيقية وننصهر في بوتقة الأسرلة، ألا يكفينا العنف الوطني التاريخي بسهام عنصريتهم، فنساعدهم نحن بتصفية وإختزال أرواح بعضنا البعض على توافه الأمور بسلاحهم المزروع بيننا بلا عبثية وبلا صدفة؟ وإن كانت مؤامرة فكرية وتواطؤ ضدنا، فلما لنا التواطؤ مع هذا التواطؤ والإتجار بأسلحتهم وتغذيتهم إقتصادياً بأرواح الأبرياء منا! أين نحن من هذه المسؤولية؟ أين أخلاق المؤمن المسلم، المؤمن الدرزي والمؤمن المسيحي الإنسان؟ أين أخلاق الإنسانية؟ هل ننتظر عصا سحرية توقف شلال الدماء؟ أم ماذا ننتظر؟ أم نعتنق الدعاء لأجل الدعاء؟

حين نؤمن يقيناً أن التصدي للعنف هو رسالة وطنية ودينية في وجه التهديد الاستراتيجي الذي يلبس زي العنف والقتل… نتقدم ونتقدم في مخطط تخفيف حدته! لأن روح الدين والوطن أقوى ما فينا..وفي ذات الآن هي أضعف ما فينا، وكما قال غاندي “كن أنت التغيير الذي تريد أن تراه في هذا العالم”، علينا أن نبدأ بأنفسنا لتحديد صيرورة سيرورة التغيير المرجو، ثورة سلوكية في كل بيت تشعل ثورة التغيير الجماعي المجتمعي المرجو والمنشود! أما آن الأوان أهلنا؟!

لا أعرفُ الإنسان المغدور الذي لاقى حتفه هنا وهناك وهناك وهنا، لا أعرف الأسماء التي كُتبت بالأحمر في دفتر الحياة الأسود، ولكنني اعرف دموع أم ذلك القتيل التي تحفر بصدقها وحرارتها أخدوداً على خديها، وأودية على وجنتيها وتزرع شجراً لا سقف له من نخيل الحزن اللعين أسود البلح على جفونها التي بات الحزن سماءها، لا أعرف شهيد العنف الغريب، لكنني اعرف يقيناً أنني لا أتقن الإتكاء على سلالم جدران لوم الآخرين والمؤسسة الحاكمة فقط!!! كما أنني أعرف قرآنياً أنني أنبذ وألعن الراكعين لسياسة الجلد الذاتي وتعذيب الروح بسوط اللوم، إلا أن حياة كاملة ترقص مواقفًا وأخلاقاً بين القطبين، يغزل فيها كل إنسان منا لأسرته حياة أخلاقية بصنارته ليعزف بقيثارته الوتر الذي هو يريده، إما يكون لحناً أو يكون نشازاً شاذا عن قصيدة الحياة مُولداً للعنف، لن أقول أن الأهل هم الوكيل الاجتماعي المسئول الوحيد في هذه الدنيا وعملية التهيئة الاجتماعية للفرد، إلا أن الأبوة والأمومة من الصعوبة والخطورة بمكان لأن تُغلف بالحيطة والحذر من أجل دراسة الخطى في درب الحياة، لأنك تربي إبنك ولكنك، لا ولن تستطيع تربية البيئة التي يتواصل ابنك/ابنتك معها، فيبقى لك أن تزوده بالقيم والأخلاق الصادقة الصامدة ليُذوتها صاقلاً بذلك شخصيته وكينونته السلوكية في محيط من المغريات المادية والإنزلاقات الأخلاقية في مجتمع إحتلته وغزته “الحداثة” دون سابق إنذار ودون تحضير الأرضية المُثلى لذلك محدثة بذلك بلبلة فكرية سلوكية أشبه بالورطة الاجتماعية! لا يكفي بأن ألوم السلطة المحلية أو البلدية على عدم خلق الأطر اللا منهجية والرياضية وتفريغ طاقات أبناء الشبيبة وأتكأ فقط على هذا العنصر الرئيس فقط! نعم ..هناك تقصير صارخ هنا وهناك في هذا المضمار، ولكن الأمر لا يعطي تبريراً للقتل والعنف! لا تزال الأسرة هي الحكومة الأساسية والمسئولة المركزية بفعل ضمير الحب والاكتراث الذي لا تملكه أي مؤسسة في الدنيا سواها! وإن وُجدت الأطر، فماذا عن التشبيك وتظافر الجهود والرؤى من اجل مأسسة خطة مبرمجة لخلق مواطن منتم، معطاء وغير عنيف؟

أم الفحم لا تزال تلعق جراحها من مقتل المغدور محمد محاميد والشاب مثقال إغبارية والشرخ العائلي هناك لا يوصف، وسيناريو جريمة ومجزرة عائلة هيكل تقشعر له الأبدان..وخيمة اعتصام أمام مركز الشرطة التي لا تزال تحقق!! إحراق سيارات في جت ورصاص يتطاير، مقتل الأسير الأمني عادل عيسى من كفر قاسم يقع كالصاعقة على أهل بلده، لا يزال نخيل باقة الغربية يدمع مقتل الشاب المرحوم نهاد أبو مخ في الوقت الذي تلبس فيه جارتنا باقة الغربية- القلب النابض للمثلث وزهرته لقب “مدينة السلام”، وسبقه المقتل المخيف للمرحوم علي أبو مخ قبل بضعة شهور، المرحوم عثمان نصار من عرابة ومقتل قيس أبو صيام، جرائم القتل في الطيرة،الطيبة، قلنسوة وبلدي كفر قرع وكل مكان، ويطول العد ويطول وتعددت الملفات والألم واحد، تلك الأم الثكلى، تلك الأرملة وذلك اليتيم الذي لا يعرف سوى كيفية الانتقام وإسترجاع حق الرد لتكتمل رجولته بهاءً ولو بعد عشرين عاماً! ألم ترتو الأرض من بحر الدماء بعد؟ الم تُكسر رقبة كبرياء النزاعات الفظة الغير مُجدية؟

تعددت الملفات والقتل واحد، ودمع جديد يُضاف لنهر دموع الأمهات والزوجات والأخوات والأخوة والآباء والأهل، وصرخات تُدوي في وادي الصرخات، ويُسمع الصدى، إنه الصمت، صمت اللوعة، فإننا ومن خلال الأمثلة الني نطرحها نحاول التطرق إلى حوادث قتل عديدة حصلت دون مصداقية.. آلام أمهات سهرت وربت وعاشت على الأمنيات، حرب طاحنة لبحر آلام الأم الحنون مع الذكريات التي تسكن زوايا الأماكن وغرفة ابنها المغدور ضحية العنف، حالة من اللمح الرجوعي لحياة زينتها ورود الحب وياسمين السعادة، وجاء سكين الموت والطعن ليمزق سعادة الأسرة إرباً إرباً إلى لا عودة للماضي.. حين تتناصف الحياة إلى قسمين غير متعادلين من المشاعر، سعادة ما قبل الحادث والتعاسة الأبدية في النفق الأسود ما بعد الموت، وأي موت… القتل المُقشعر للأبدان.

في ليال وأيام يشعلها الصمت والحزن والبكاء الصامت، قهر الندم والشعور بالذنب حول جرائم القتل بالرصاص الحي والطعن بالسكين التي تكلل قرانا بالوشاح الأسود. وفي جو من الحزن والترقب والتخوف من موقع الجريمة القادمة التي تستنفر مشاعر الحزن واللا استقرار.

حاولنا من خلال سرد بعض الأمثلة التي لم يكن صعباً تناولها من أرشيف الذاكرة السوداء أن نفتح ملفات قتل وجرائم ضد أشخاص أبرياء في مجتمعنا العربي، جرائم مزقت ثنايا وجود عائلات بأسرها، برغبات وقحة لدى بعض الأيادي والنفوس لتشويه خُضرة وفضاء هذا الكون، خضرة الألفة والمحبة الإنسانية.

هل تعلم/ي عزيزي/تي القارئ/ة بأن مشاهد القتل وتغطية المواقع الالكترونية الشرسة لها إنما تعزز شرعنة القتل أمام أجيال الشباب وتغرس جذور سياسة العين بالعين والبادي اظلم التي تجعل العالم بأسره أعمى، عنف إطلاق الرصاص والمفرقعات في الأعراس التي يرقص على لحنها الناس.. التفحيط الوقح في الشوارع، أليست كلها تمريراً لسلوك مشروع؟ كيف نمرر لأولادنا قيمة بأن لا يفقدوا الأمل في الإنسانية، أن الإنسانية محيط، وإذا ما كانت بضع قطرات من المحيط قذرة فلا يصبح المحيط بأكمله قذرا، كيف نُعيد لهم الشعور بالاستقرار والأمان؟ كيف لا تخاف الأم حين يخرج إبنها إلى الشارع أو النادي أو لشراء غرض ما؟ كيف أربي في إبني تربية الأمل، كيف أقول له بلغة تسكن روحه بأن أجمل الأيام ..هي تلك التي في انتظارنا ..!وأجمل القصائد ..هي تلك التي لم نكتبها بعد ! وأجمل الأطفال ..هم الذين لم يكبروا بعد ..كيف أقنعه بأن أجمل البحار هو البحر الذي لم نذهب إليه بعد. كما يقول الشاعر الكبير ناظم حكمت، كيف اجعله يعيش بأمان، كيف أشعر أنا بالأمان كي امنحه حنان الأمان الذي افقده أنا وأنت؟

علينا إيجاد المعادلة للتعامل بذكاء مع أنواع العنف الحاصلة أيضا في “ربيع الثورات” الذي يعشق حصاد أرواح الشباب …. ضجيج فكري قاتل وعالم من التناقضات! بات منظر الدماء روتينياً على الشاشات! ولا نجد الوقت للتفكير في الانعكاسات على النشأ الجديد! نترنم نحن على أوتار النقاش- مع سوريا الأسد ام مع سوريا الثوار؟! ونتظاهر ونتشاجر ونتعانف أيضاً هنا في بلادي حول الأزمة السورية..وسبب جديد للانشقاق.. بات الخبر عن حصاد الأرواح والجثث في سوريا الشام وسائر بلدان الثورات العربية منظراً مكملاً لغزارة الثورة وبسالتها..فكيف لإبني ابن السادسة أن يدرك بقدرته العقلية الغير شرسة والغير مفخخة بالمؤامرات ما يحصل هناك… كيف يفصل بين شرعية القتل واستباحة الأرواح وبين الشهادة والاستبسال فداءً لقدسية الحرية، كيف يدرك الفرق بين ثورة الشرفاء ومؤامرة ضد سوريا؟ هل يتوجب عليه تقدير القتل كجسر نحو شرف الشهادة أم احتقار القاتل؟ أوهل يفلح الكبار في ذلك أصلاً؟! وعلى الطريق يمتهن أولادنا الحديث بالعنف عن العنف والتعنيف المباح!

من منا لا يُردد صمتاً وصراخاً “كفى للعنف”.. “كفى للقتل”.. كفى للتفكك الأسري الحاصل بفعل الحداثة والعولمة الغازية وجنود الفقر والبطالة والجهل والاحتلال الفكري والنزاعات الغير مبررة.. كفى للعنف بين أروقة البيوت…كفى لإنتهاك حرمات البيوت وقدسيتها…..كفى العنف التربوي، الأسري المدرسي ..نعم للوفاق الأسري… نعم للوفاق المجتمعي الإجتماعي نحو مجتمع راق واع ومؤمن. من منا لا يلعن سنسفيل الزمن حين يسمع عن موقع الجريمة و”رقم” الضحية الجديد، ولكننا نقول ذلك هذه المرة..على شاكلة جديدة ومنحً مختلف.. ندخل إلى نواة نواة القضية، إلى سراديب الأسرة العربية الفلسطينية، ونحمل راية لا نريد أن نحارب العنف، بل نوُد أن ننبذه حد الإبادة، ربما أن مصطلحاتنا باتت عنيفة بشكل غير واع وبتنا نرددها دون إدراك حتى في قولبة تعبيرنا عن الذات، كي لا نكون من عبدة إستراتيجية إطفاء الحرائق بعد وقوع الكوارث، علينا أن نجتهد في التنقيب عن الكبريت وتنظيف تراب البيت الأسري المجتمعي منه! بأيادٍ جريئة وذكية! لأن العمل بطريقة العلاج النفسي والاجتماعي بعد الجريمة ما هو إلا مخدر للآلام ومداعبة موضعية سيكولوجية لل”أنا” ،لا إجتثاث للورم الخبيث.

ما دمنا في دوامة الولاء والانتماء لمؤسسة حاكمة لا نثق بها ولا تثق بنا، والى جانب المعارك العقائدية، فلا وقت لدينا لإهدار الوقت، علينا أن نهاجم عدونا العنف في عرين البرعم وجذره… البيت! نقتحم خبايا بيتك، بيتك، بيتي وبيتكم لنناقش بصوت صامت وخافت ودمعة ندم مخفية… من المسئول ومن هو المجرم الحقيقي، ربما من هم المجرمون الحقيقيون! ندخل إلى كل بيت لنكشف خبايا العائلات وأسرارها! نتجول من خلال جدران البيت وزوايا الدار بأنامل إنسانية راقية بين البيت الدافئ والبيت الآيل للانهيار.. الجو الأسري المتوتر الذي يخلق المناخ لميلاد ذلك الشيطان اللعين المسمى بالعنف والقتل! تلك الأم التي تبني أمة كاملة.. وتلبس الأسود لتبكي على أطلال الذكريات ابناً، زوجاً وأخاً…. صراعها على الوقت .. بين الأسرية الدافئة والحوار مع الأبناء أعزاءنا… وبين النجاحات في عالم العمل واللهث وراء لقمة العيش المغلف بالطموح للعيش الرغيد، تلك المنافسة الغير متعادلة أمام الايبود والايبد والفيسبوك.. ذلك الجهاز المخيف اللطيف الذي يغزو البيت، ويسرقك من ذويك، ويُشرعن العنف..ليصبح ضحية العنف الأسري في هذا البيت او ذاك هو المجرم والقاتل القادم في بلدي أو بلدكم.. تعددت الأسباب والعنف واحد.. والدمعة والحزن واحدّ! والترقب للجريمة والمجرم والضحية القادمة والتفنن في السيناريو على المحك لا محالة! شيكاغو باتت بلادنا!

كل هذه المعادلات المتضاربة..انهار من التوجهات، إن لم تُدرس بعناية وحكمة لتضاربت لتولد هوريكاناً طوفانياً من الضياع، بدلاً من أن تصب في جدول الأسرية الدافئة والسعادة المتناهية نحو مجتمع مدني متين وقوي.

المنفى والغربة الإنسانية بين أفراد الأسرة وبين أفراد أسرة المجتمع.. ذلك اللقاء الصامت في غرفة الطعام.. باتت بيوتنا فنادق ونلتقي في غرفة الطعام أو المعيشة كل مع حاكمه الالكتروني! وأنا هنا قطعا لا أعمم! والويل كل الويل لك يا شعبي ويا عالمي لو عممت!

أنت بين المطرقة والسندان، ترغب في الحوار والجلوس إلى أطفالك وأولادك المراهقين، ويشدك عالم النجاح في العمل، تشدك “لقمة العيش” وتطوير المستوى الاقتصادي، ولا تفلح في لجام عقارب الزمن والصراع يتسارع… بين رأفة الأم والأب وبحر الدلال والرغبة في تدعيم المكان الاقتصادية، والحرب النفسية الاجتماعية المجتمعية بينهما! والوقوع فريسة الضياع على نهر اللا إدراك لضياع أولادك مع أتراب السوء خارج البيت وربما في البيت بيتك بين جدرانك وأنت هناك ولست هناك فكراً وعاطفةً. علينا أخذ أولادنا إلى عالم المحادثة والحوار نحو التأثير والقرار وتعزيز المصارحة والمكاشفة بين الأبناء وأهاليهم، أن نحتوي أولادنا ونتصادق وإياهم، ليثقوا بنا!

لا يخفى على احد منا ولم نتوقع من المنظومة السلطوية العنصرية غير سياسة “فخار يطبش بعضه والبلطة عحسابنا”، فمثلاً لماذا تنتفض كل دوائر تنظيم الأراضي والتراخيص حين يبني احدهم بيتاً أو شرفة على أراض غير مرخصة بشكل منهجي بحسب اعتبارات الدولة، في ظل كل التعامل مع الخارطة الهيكيلية والضائقة العمرانية، لماذا لا تتعامل المنظومة الحاكمة بنفس السلطوية والحزم والمعرفة الاستخباراتية مع حيازة السلاح والمخدرات وتُفعل كل سيوف العقاب لتكشف عن هوية الجاني؟ لتوقفه عند حده ليعتبر الآخرون؟ مثلا! وهذا فيض من غيض كرم الدولة الكريمة، شرخ ثقة لا يوصف بين الشرطة والفلسطيني الذي يحمل الهوية الإسرائيلية عُنوة، لم يأت من العبث ولا من الفراغ!

هي نقاط تماس اجتماعية مميزة .. أفكار غزيرة تركض في مسرح الواقع..الفقر والبطالة والتمييز والتهميش والتربية الذكورية وغياب الضبط والنبذ كلها عوامل تفاقم العنف، العنف المستشري في مجتمعنا بمثابة “رغبة وضربة تاريخية” تحققت لدى المؤسسة الحاكمة،على قيادة الجماهير العربية الأكاديمية والسياسية اعتبار العنف تهديداً استرتيجياً ووضعه على أجندتها ومواجهته من خلال رؤيا سياسية صادقة وشمولية في ذات الآن، التطوع المدروس والتكافل الاجتماعي، تعزيز الانتماء وحب العطاء!خلق ثقافة الحوار بين الأفراد، بين المعلم والطالب، الأم وصغارها! لنغرس في أولادنا أن يكونوا كالقمر يرفع الناس رؤوسهم لكي يروهم ولا يكونوا كالدخان يرتفع كي يراه الناس! فأحياناً يلجأ الفرد للعنف لكي يبرز عضلاته على حلبة “الأنا” ويراه الغير! ويقول أنا موجود!لا يا ولدي، هذه ليست طريقتنا إلى الطريق السوي!

وبالرغم من كل هذا، ولأنني لا أود أن أصنف على معسكر المنظرين، فهناك من يطرق باب الإتهامات على المؤسسات المختلفة “فقط” والتي لا نعفيها من المسؤولية الجسيمة في تدهورنا إلى الوضع المتقهقر الذي إلنا إليه اليوم، معتنقاً بذلك مذهب اللا مسئولية والتنفض منها.. لسنا نحن..نحن نضع وإياكم وبدافع المسؤولية الإصبع على الألم لنجتث ورم العنف! ونقول بأن هناك مؤسسة أكبر من المجلس المحلي والشرطة في هذا المجتمع.. مؤسسة الأسرة! كلنا مذنبون كما أننا ضحايا الواقع الذي وقعنا في شباك مصيدته!

بالحوار والنقاش البناء وأخلاق الإنسان المؤمن وبناء الأسرة السليمة إلى جانب تكثيف العمل الجماهيري وخلق الأطر الثقافية لأبناء الشبيبة نستطيع سوية التخفيف من حدة ووطأة آفة العنف المستشرية في بلداننا، نحترم النقد البناء والمدروس وننتظر طرح البدائل، لا تقف ناقدا أيها الإنسان، اقترح وشارك وأثر لتغير، علينا تعزيز الانتماء وحب البلد لأجل الولد، ابنك وأخيك، كن جزءاً من الحل ولا تكن جزءاً من المشكلة.

إذاً، لم يبق لنا إلا زاوية ضوء واحدة في حكم سيطرتنا بعض الشيء، مؤسسة الأسرة، لا نفع في لوم الشرطة والسلطة المحلية، ليس على سبيل الإعفاء والتبرئة لا سمح الله، بل إنما على سبيل الإقصاء والرغبة في تغيير الوضع نحو الأفضل بدافع المسؤولية نحو تجفيف مستنقع دماء القتل والإزدياد القاهر فيه، علينا التربية السلوكية السليمة الصعبة جداُ والتي هي بحاجة لدراية وإدراك بحجم عظيم من الحب والحنان والمسؤولية تجاه أولادنا، حتى لا ينتهي خلاف بسيط على أحقية مرور بين سيارتين بحرب داحس والغبراء بين حمولتين، فما الضير في أن نُعلم أولادنا ما قاله الإمام الشافعي:

يخاطبني السفيه بكل قُبح فأكره أن أكون له مجيبا

يزيد سفاهة فأزيد حلما كعود زاده الاحتراق طيبا

وهو القائل أيضا:

“قالوا سكت وقد خوصمت قلت لهم .. إن الجواب لباب الشر مفتاح

والصمت عن جاهل أو أحمق شرف .. وفيه أيضا لصون العرض إصلاح

أما ترى الأسْد تُخشى وهي صامته؟.. والكلب يـُخسَا لعمري وهو نباح

لماذا لا نزرع فيهم مبدئية التعامل التي نصها الشافعي:

إذا سبني نذل تزايدت رفعة  *****      وما العيب إلا أن أكون مُساببه

ولو لم تكن نفسي علي عزيزة  *****  لمكنتها من كل نذل تحاربه

كم من الشجارات كنا نوفر بالثقة الصادقة بالنفس وبعدم الوقوف عند توافه الأمور!صدقت إمامنا الشافعي، فإن معظم مآسي العنف تبدأ على أحقية المرور والتفحيط وخصام بين طفلين، والشتائم والسب ومبارزات الشتائم التي حالما تنزلق إلى حرب بين العشائر والحمائل والعائلات في اغلب الأحيان.

لماذا لا أقول لإبني انه لن يكون مستضعفاً إذا لم يرد على جاهل ضعيف سبه مثلاً! ولكنك ستدخل مجدداً إلى ذلك الصراع النقاشي العقيم بأن الحِلْمُ سيد الأخلاق والعفو عند المقدرة والعفو يصلح الكريم ويفسد اللئيم، علينا خلق الآلية الحديثة لهذه القيم العريقة الآخذة في الإضمحلال ووضع النقاط على الحروف، هل باتت هذه الحكم موالية لحرب القيم التي نحياها؟ نفتش بين الجذور عن آلية الجواب والتعامل لصالح رفعة القيم المضادة للعنف!

سوف نعود من هذا المقال مع دموع في القلب وسوف نخرج منه غاضبين علينا مع دمعة في الروح والبصيرة.. حالة من البلبة كما هو حال العنف وحياتنا المركبة بالضبط!

وأختتم مقالتي بما قال سيد الأبجدية شاعر الإنسانية محمود درويش “وبي أمل يأتي ويذهب..لكن لن أودعه”، نربي الأمل لنعود أمة خير وسلام كما كنا! آمين.

من مها زحالقة مصالحة…

ناشطة جماهيرية وثقافية- مديرة قسم الثقافة والتربية اللا منهجية في مجلس كفر قرع المحلي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة