شيخ العربية أ.د. ناصرالدين الأسد بقلم: يونس عودة / الأردن
تاريخ النشر: 30/08/14 | 0:03” في هذه البيئة – البادية العربية – كانت بذور الحياة الشعرية والعاطفية ، وهي التي تكاملت بعد ذلك، فكلما اتصل الشاب بالشعر الجاهلي والشعر الاموي، يحيط بهما ويعايشهما، فان هذه القيم والمثل والمعاني التي يعبر عنها ذلك الشعر، انما هي من واقع الحياة التي نشأ فيها”.
هذه الأرض الخصبة، والمناخ الجميل الذي خطت عليه خطوات استاذنا، وشيخنا، وقدوتنا، ومثلنا الرائع الاستاذ الدكتور ناصرالدين الاسد، أمد الله في عمره ومتعه بالصحة. فهو أول أردني يحصل على شهادة الدكتوراة من جمهورية مصر العربية، وفي جامعة القاهرة بالذات. أحب المطالعة منذ نعومة أظفاره، فكتب كامل الكيلاني خير شاهد على تلك المرحلة العمرية الغضة لاستاذنا الكبير. طالما حرص والده- رحمه الله – على تزويدة بالكتب المفيدة والهادفة، وذلك من خلال زياراته واسفاره. امتلك ناصية الكتابة الراقية والسلسة بلغة فصيحة أخاذة، عشق الادب والتاريخ، خاصة تاريخ العرب والمسلمين.
كان لفترة دراسته في العاصمة عمان الاثر الاكبر لتفتح القريحة والانطلاقة. كتب اروع النصوص المدرسية، وقرض الشعر، وحلق عاليا في فضاء المعرفة، كيف لا ، وقد تتلمذ على أيدي مدرسين جهابذة أقحاح أمثال عبد المنعم الرفاعي، كاظم الخالدي، وسعيد الدرة، الذين طالما استهووا طلابهم واتحفوهم بملكتهم الشعرية والادبية، إضافة الى قذفهم نفائس الادب في الجوف المتعطش لتلك النخبة.
في عام 1939 امتطى صهوة النسيم وحط في الكلية العربية في مدينة القدس، حيث كان الأول على اترابه طوال الاربع سنوات. اتقن المنهج العلمي، والاسلوب الموضوعي في البحث، وازداد اطلاعا وتعمقا في مجالات التراث والفكر، وازداد كذلك اطلاعا على موروث الامم والحضارات. وعلى مقاعد الدراسة هناك، التقى بمجموعة طيبة من الرفاق: اسحق الحسيني، نيقولا زيادة، وأحمد الخالدي. وبعد تخرجه في تلكم الكلية، عاد الى الاردن، ومارس مهنة الانبياء، ولكنه سرعان ما خف الى بلاد النيل، ملتحقا بجامعة فؤاد الاول( القاهرة حاليا) ، متخصصا في الادب العربي. وكعادته في التميز، فقد حصد الترتيب الاول ، وعلى اثر ذلك، تم منحه جائزة طه حسين. التقى هناك بجهابذة الفكر والادب والمعرفة أمثال أمين الخولي، شوقي ضيف، و عميد الأدب العربي :طه حسين. ومن منطلق الاعتماد على النفس في تسيير دفة الدراسة، فقد عمل د. الاسد مراسلا لجريدة ” الوحدة ” التي كانت تصدر من القدس، وكان له بها مقلات عدة في كل عدد، وباسماء مستعارة ، أحيانا. كما عمل مترجما لأحد غير ناطقي العربية لترجمة كتاب له الى العربية، والتعليق عليه.
لم تغب القدس عن جفون الشاب اليافع المتوقد علما ونشاطا ومعرفة، فبعد التخرج من مصر، اتجه صوب القدس، فعمل مدرسا، ومقدما لبرنامج اذاعي لمحطة الشرق الادنى تحت عنوان” حديث الصباح “. لم تدم الاقامة في القدس طويلا، فقد نشبت الحرب ( 1948)، فتوجه مع اثنين من زملائه المصريين الى ليبيا، وقاموا بتأسيس أول مدرسة ثانوية متوسطة. وفي العام ( 1949) رجع استاذنا الكبير الى بلاد الاهرامات ثانية، للبدء في الدراسات العليا. حصل على الماجستر والدكتوراة بتقدير ممتاز.
استاذنا الكبير، شيخ العربية، يمتاز منهجه العلمي بالموضوعية والحياد. فلا يبدأ ابدا بمسلمات ليبني عليها بحثه ليصل الى نتائج متوقعة كتحصيل حاصل، بل يستقصي ويبحث ويغوص في الموضوع المراد التحقق منه. لا يتسرع البتة، يقبل النقد ويرحب به، ويمتاز بالامانة العلمية المطلقة. يناقش الاراء ويحاكم الاخبار ليقف على الحقيقة، ولا شيئ غيرها. نقده يمتاز بالتهذيب، وعدم التفحش، والخلو من بذيئ الكلام او العبارات.
يؤمن ” الأسد ” بأن العروبة والاسلام أمران متلاحمان، وليس من المجدي او الحكمة ان يذكي البعض نار الخصومة بينهما، فكل مسلم هوعربي من حيث الثقافة واللغة، وكل من يقدح في العروبة، لا بد وان يخدش صورته الاسلامية التي يعتز بها. ومما لا يروق استاذنا الكبير هو تجيير بعض المصطلحات والمفردات المعاصرة واستخدامها في غير موضعها، بعد تفريغها من محتواها. فعلى سبيل المثال مصطلح ” حقوق الانسان ” يعتبر عنوانا جميلا ويحمل مفهوما هدفه الانصاف واعطاء كل ذي حق حقه، الا ان بعض القوى المهيمنة في العالم تتخذه ذريعة للتدخل في بلاد اخرى لتحقيق ماربها المستترة .
يرى الاسد ان من يقرض الشعر عليه ان يتفرغ للشعر تماما.فهو المبدع والمدافع عن الامة، ونبضها. فلا يهمه ارضاء الاخر ما دام قانعا بما يكتب. ف ” الأسد ” نفسه يقرض بعضا من القصائد، بين الفينة والاخرى، ولا يمانع البتة تمحيص شعره على ايد النقاد الذين يكن لهم كل احترام وتقدير، ويثق فيهم وفي ارائهم. أما في المجال الاكاديمي، فهو مثال الاستاذ الجامعي الصارم والعادل معا. يكرة السطحية والفجاجة والبساطة في الطرح، كما يكرة الغباء واللامسئولية في ادارة دفة النقاش والحوار وطرح الاراء. هو كلاسيكي بحق، وليس حداثيا، فبعض طلابه لا يخطر في بالهم الا ” ابن طباطبا “، في وصف استاذهم العملاق.
فاذا كانت الدول تعرف بما عندها من صروح هامة ومميزة، كالهند تعرف ب” تاج محل ” و الصين ب” سورها العظيم” و فرنسا ب” برج ايفل ” المائل، فان الاردن يعرف برواسيه السبعة، وثامن هذه الرواسي هو شيخ العربية الاستاذ الدكتور ناصر الدين الاسد.
ففي ذكرى يوم ميلاده الذي صادف في 13-،12 قامت هيئة التراث العربي في استراليا بمنح أ.د. ناصرالدين الاسد جائزة جبران خليل جبران. فالمقام هنا، حقيقة، لا يتسع لذكر ما حصل عليه استاذنا من اوسمة، ودروع، وجوائز قيمة، محلية، عربية، وعالمية خلال ما مضى من سنين. أمد الله في عمر شيخنا، شيخ العربية، ومتعه بالصحة والعافية، امين.
يونس عودة / الأردن