زواج القاصرات.. بين الشرع والقانون والتجريم!!
تاريخ النشر: 26/04/12 | 13:53لا شك أن الحديث عن الزواج في شتى ظروفه وأحواله من المسائل المثيرة للجدل حقا؛ فهناك العرفي والمسيار والمتعة وأيضا مشاكل الشرعي في الطلاق أو الخلع. وبالرغم من تناول العديد من الصحف والمجلات لذلك الأمر مراراً وتكراراً، إلا أننا اليوم سنتحدث عن وجه مختلف تماماً للزواج ألا وهو زواج “القاصرات”. ولكننا هنا نريد التوضيح بأننا لم نقصد بالقاصرات من هم تحت الـ 21 عاما، ولكن الزواج الذي يقع دون السن القانوني وهو 18 عاما. فكثيرا ما نرى بالعديد من القرى العربية وغيرها من يقومون بتزويج فتياتهم في سن مبكرة، وبالرغم من اتجاه بعضهم إلى ما يسمى بـ “التسنين” إلا أن البعض الآخر يقع في مشاكل طائلة إثر ذلك الزواج، وقد تكون تلك المشاكل إما قانونية أو طبية وربما نفسية، ولكن نتيجة لما أثارته من جدل واسع شتت العقول وأصابها بالحيرة والضباب، قمنا باستشارة كبار الخبراء في كل جانب من جوانب تلك القضية.
من الجانب القانوني: أن القانون قام بتحديد السن القانوني للزواج أن يكون 18 عاما، وهذا حفاظا على حقوق الزوجة وحماية للطرفين في نفس الوقت، وفي حالة إذا ما أخل الزوج بهذا الزواج، يذهب أهل الفتاة لرفع دعوى قضائية من أجل إثبات العلاقة الزوجية عن طريق من شهدوا على هذا الزواج. فالقانون قد حدد الزواج أن يكون عند سن الـ 18 وغير ذلك يصبح زواجا عرفيا، وفي حالة ما إذا كان الزوج تحت الـ 18 فسيدخل فيما يسمى بدائرة النفع والضرر، بمعنى هل ذلك التصرف أضره أم نفعه، وعند مطالبة الزوجة بحقوقها سيزعم أنه كان تصرفا باطلا، أما في حالة عدم الإخلال على الزوجين الانتظار حتى إتمام السن القانوني، ومن ثم توثيق عقد الزواج وكذلك شهادة ميلاد الأطفال إن وجدت حيث إن هيئة الصحة ترفض استخراج تلك الشهادة دون قسيمة الزواج.وقد يصبح الأمر أكثر خطورة إذا قامت الزوجة بإحضار شهود إثبات على الزواج وقام الزوج بإحضار شهود نفي، هنا إذا اقتنع القاضي بشهود النفي تسقط الدعوة وتضيع كافة حقوق الزوجة. وفي حالة وفاة الزوج أيضا أو الطلاق، على الزوجة رفع تلك الدعوى بشهادة الشهود كي يتم تقديمها إلى المأذون عند الزواج الثاني أو ضمانا لحقها في الميراث، وبالرغم من حدوث تلك المشاكل إلا أن القانون لم يفرض تجريما أو حكما معينا على الزوج والزوجة في تلك الحالة، بل رأى أن المنع ينبغي أن يكون في الأساس من الأب إلى ابنته أو عدم إرغامها على الزواج في سن صغير.
وخلاصة القول يفضل القانون عدم الزواج تحت السن القانوني اتقاءً للمشاكل، إلا أن يكون التسنين بواسطة الطبيب ويتم الزواج رسميا لدى المأذون.
من الجانب النفسي:فقد تم تقليص حالات زواج القاصرات في الآونة الأخيرة، نظراً لانتشار الوعي والتعليم بين الآباء وكذلك الأبناء. ولكن عند زواج الفتاة تحت السن القانوني (وهو 18 سنة) فهي تعتبر في مرحلة الطفولة المتأخرة، ومن ثم يصعب عليها الزواج وتحمل مسئولياته وأعبائه.أيضا قد تشعرها العلاقة الحميمية بينها وبين زوجها بالخوف والذعر، ومن هنا يصبح الزواج بمثابة جناية عليها وظلم شديد ينال منها، فالفتاة في ذلك السن لم تكتمل جسدياً ولا عقلياً ولم تصبح ناضجة بدرجة تكفي لتحمل مسئوليات الزواج، ومن ثم يصبح الأمر سيئاً للغاية مما يؤدي بدوره إلى الفشل وانتهاء الحياة الزوجية. فهي تصبح غير قادرة على تربية الأطفال، مما يترتب عليه العديد من الآثار السلبية على الزوج والأسرة وكذلك الأهل الذين دفعوا بها إلى هذا الزواج.
من جانب الرأي الشرعي:هناك الكثير من الفقهاء ممن يرون أن الشرع لم يحدد سنا معينة لزواج الفتاة، وأن الزواج في السن الصغيرة 12 ، 13 ، زواج صحيح، وبعض أهل العلم يقيد ذلك بأن تكون الفتاة بالغة يعني في سن 15 أو 16 ومنهم الشيخ ابن عثيمين والشيخ القرضاوي، مع أنهم جميعا يرون صحة الزواج بمعنى صحة العقد عليها، لكن الشيخين العثيمين والقرضاوي ينظران نظر مصلحة للزوجين. أما الشيخ ابن باز والشيخ الفوزان وكثير من العلماء، فيرون أن تحديد سن للزواج بسبعة عشر أو ثمانية عشر أمر لم يشرعه الله ولم يأذن به. ومما ذكروه أن السيدة عائشة رضي الله عنها تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم وهي بنت ست سنوات وبنى بها وهي بنت تسع
قال بعضهم: وقد زوج علي بن أبي طالب ابنته أم كلثوم وهي صغيرة من عمر بن الخطاب بمحضر الأكابر من أصحاب رسول الله، فما أنكروا صنيعهما ولا ردوه، فجواز مثل هذا الزواج مما لا ينبغي الاختلاف فيه، غير أنه يقال إن الذمم قد خربت، والأخلاق قد فسدت، والعوائد قد تغيرت، والمباحات تنتقل بين مراتب الأحكام الشرعية التكليفية بحسب ذلك كله، فلو رأى ولي الأمر منع الآباء تزويج بناتهم الصغار، لما كان جائرا عن القصد ولا متجانفا لإثم، وهو الأمر الذي عناه الشيخ ابن عثيمين والعلم عند الله تعالى .
من الجانب الطبي:أن الفتاة في هذا السن لاتزال طفلة لا يمكنها الزواج، فضلا عن أن السن المناسب للزواج يكون بين 20 و30 عاما، فالمأساة تبدأ من عدم اكتمال نمو الجسم ومن ثم عدم القدرة على الإنجاب، حيث أن اكتمال الأعضاء يأتي عند 19 عاما.ويترتب على ذلك ضعف نمو الجنين وإصابته بالأضرار المختلفة، فضلا عن تعرض الأم لفقر الدم والأنيميا وأيضا عدم مقاومة الجسم للأمراض والعدوى البكتيرية.إضافة لذلك فهناك احتمالية لإصابة الأم بشيء خطير ألا وهو ارتفاع ضغط الدم أو تسمم الحمل، والذي يؤثر بدوره على الجسم كله وخاصة الكبد والكلى مسببا الأورام وربما الموت، وتعد المضاعفات الوارد حدوثها هي: عسر في الولادة والوقت الطويل حتى نزول الجنين، وبسبب ضيق الممرات والحوض قد تضطر الفتاة إلى خوض عملية قيصرية بالرغم من عدم قدرة جسمها على تحمل ذلك.
من ناحية أخرى تتعرض الفتاة إلى عدة أشياء ليست بالبسيطة؛ كإصابتها بحمى النفاس التي قد تؤدي للموت بسبب ضعف جسمها، أو الولادة المبكرة ومن ثم عدم اكتمال نمو الجنين ويصبح وزنه أقل من الطبيعي، أو وجود العديد من التشوهات به نتيجة نقص المعادن.وأخيرا فإنه بسبب عدم التوعية والنضج الكافي، لن تتمكن الأم من رعاية وتغذية طفلها وبالتالي ينمو فقير صحيا.
بعد استعراض مختلف الآراء ابتداءً بالقانونية والنفسية إلى الشرعية والطبية، بقى لنا أن نقول أن هذا الأمر يرجع أولاً وأخيراً إلى أسرة الفتاة، فهم يلعبون دورا ذا حدين؛ إما توعية وإقناع الفتاة أو دفعها وتشجيعها، فهي مادة خصبة وكما نقول بالعامية “عجينة طرية” يمكن تشكيلها كيفما شاءوا.ونحن وإن كان من الصحيح أن نبرز رأينا لفَعَلنا، ولكننا هدفنا إلى تقديم كافة الآراء والجوانب المتعلقة بقضية زواج القاصرات بمنتهى الحيادية والموضوعية.وفي النهاية لا يمكنني قول شيء إلا (فاعتبروا يا أولي الألباب).