حاتم جوعية بلقاء مع المصورة روضه غنايم
تاريخ النشر: 31/08/14 | 9:50مقدِّمة وتعريف (البطاقة الشَّخصيَّة): روضة غنايم من مواليد مدينة باقة الغربيَّة – المثلث – وتسكنُ الآن في مدينة “حيفا”.. المدينة التي تسكنُ روحَها ووجدانها دائما حسب تعبيرها، وهي امرأة أكاديميَّة متعدِّدة ُ المواهب تصوِّرُ وتبحثُ وتكتبُ وتوثقُ. في المواضيع الثقافيَّة التاريخيَّة والأدبيَّة والفنية. عامَّة ً ولمدينة حيفا خاصَّة.
هذه المدينة التي كان لها دور كبير قبل عام 1948 وما زالت إلى الآن والتي أنجبت الكثيرين من العباقرةِ والروَّاد الأفذاذ – من كتاب وفنانين وموسيقيين وعلماء وشعراء مثل: الشَّاعر المخضرم “عصام العبَّاسي” والأديب والكاتب الكبير “إميل حبيبي” والمؤرخ والناقد الدكتور إميل توما…
ومن أهم وأبرز الشعراء الذين سكنوا مدينة حيفا وَهُجِّروا منها قبل عام النكبة الإعلامي والشاعر الكبير “حيدر محمود” الذي يشغلُ الآن منصب وزير الإعلام الأردني وكان قبل سنوات سفيرا للأردن في تونس…
والشاعر الكبير “حسن البحيري” الذي وُلِدَ ونشأ وترعرعَ في مدينةِ حيفا وَهُجِّرَ بعد عام النكبةِ وكان يعشقُ هذه المدينة لدرجةِ الجنون والتي يقولُ فيها:
(” حيفا… وأنتِ مزاجُ الرُّوح ِ في رَمَقي
وَعُمقُ جرحِ الهوَى في مُوجعي الخَفق ِ
عينايَ أنتِ… وأنتِ العُمرُ أجمَعُهُ
وأنتِ عُرسُ المُنى في مأملي الألِق ِ ” ).
وهذه الأبيات الشعريَّة هي من قصيدة جميلة ورقيقة للشاعر البحيري يسكب فيها أحاسيسه وأشواقه الحارة ولواعجة وما يعانيه ويكابدهُ من هيام وحنين قاتل لهذه المدينة التي تحتلُّ وجدانه وكيانه ، ولمحبوبتهِ التي لم يسمح القدر أن يجتمع بها. وهي تتلاءَمُ وتتناغمُ مع أحاسيس وتطلعات الفنانة روضه غنايم وتجسِّدُ مواضيع لوحاتها الإبداعاية التصويريَّة عن حيفا.
ولقد أجريت مع الفنانة والمصورة روضة غنايم هذا اللقاء الخاص والمطوَّل.
أنتِ من مواليد مدينة باقة الغربيَّة – المثلث – لماذا انتقلتِ من باقةِ الغربية إلى حيفا واخترتِ الإقامة والسَّكن في هذه المدينة؟؟
مدينة حيفا هي المدينة التي تسكنني دائما فليس بالضرورةِ على الإنسان أن يبقى دائما في البلد والمكان الذي وُلِدَ فيه. فأنا شخصيًّا أبحثتُ عن الأثير والأقرب إلى القلب والروح والوجدان وأجدُ نفسي مرتاحة ومبتهجة ً فيه..المكان الذي ساعدَ وساهمَ في إخراج الإبداع الذي اختزنتهُ إلى النور وإلى أبعاد وآفاق أوسع.
أنتِ قمتِ بمشروع عظيم (حيفا صورٌ جمال معتق – حيفا العروس بكاميرا روضه غنايم )التي أقيمت في نادي حيفا الثقافي، والتي كانت برفقة موسيقى وأغاني مصريَّة؟؟ وهو تصوير وتوثيق معظم شوارع وحارات وزقاقات حيفا ومعالمها التاريخيَّة وبإبراز كلّ ما تتميَّزُ بهِ هذه المدينة مع بعض الشروحات والتعليقات لكلِّ لوحة ولوحة..حبَّذا لو تحدِّثيننا بتوسُّع عن هذا المشروع.. وما هو السِّببُ والدَّافع الذي حفزكِ للقيام بهذا العمل العظيم والرَّائد وهو تصوير وتوثيق وتأريخ أحياء ومعالم حيفا العربيَّة؟؟
أوَّلا كما تحدَّثتُ في الأمسيةِ إنني أتيتُ للسكن في حيفا قبل ثلاث سنين ونيِّف تقريبا.. حيفا أعشقها وأحبُّها منذ الطفولةِ ، ولمَّا قرَّرتُ أن أسكنُ فيها كانت معي الكاميرا ومن اليوم الأوَّل من إقامتي فيها بدأتُ العملَ بجولاتٍ اكتشافيَّة وميدانيَّة لحاراتِ حيفا ولبيوتها وازقتها ، والذي كان يشدُّني كثيرًا ليس الناس والبنايات الجديدة ، بل البيوت والحارات القديمة والأزقة القديمة.. وهذه الحارات والبيوت والأحجار كلها كنتُ أحِسُّ أن من ورائِها قصص وحكايات وتاريخ عريق..ولو نطقت هذه الأحجار وهذه الأزقة لكانت تحكي قصَّتها وحكايات أهلها وسكانِها.. وطبعا من صورة لصورة صارَ يشدُّني هذا للذهاب والتحليق إلى أبعاد وآفاق أوسع للتعارف على معالم هذه المدينة العريقة عن كثب. وبدأتُ أتجوَّلُ بشكل مكثفٍ في أحياءِ وشوارع حيفا وحاراتها وكنتُ أتحدَّثُ مع الناس في هذه الأحياءِ وكنتُ أطلبُ من أناس ٍ وأشخاص ٍ معيَّنين إذا كان بالإمكان توثيق قصصههم وحكاياتِهم وتاريخهم.
وأحبُّ أن أضيفَ:إنهُ في السنوات الأولى من إقامتي في حيفا كانت هنالك احتفاليَّة بمناسبة (250 سنة لحيفا الجديدة )ودعيت إلى هذا الإحتفال حيث كانت الدَّعوة بشكل فردي، وهنالك تمَّ اكتشافي لحارَةٍ جديدة من ضمن ناشط في هذا الإطار وهي حارة ” أرض الرَّمل ” التي هُدِمت عام (1967 )وعرفت أنَّ هذه الحارة لم يكتب أحدٌ عنها نهائيًّا ولم توثق تاريخيًّا حيث أهملت وللأسف الشَّديد ، فهذا الأمر شجَّعني كثيرًا وأعطاني الضوءَ الأخضر والحافز للمبادرة وللبحث عن الناس في حيفا في حاراتها وتوثيق الحدث الذي جرى حينها وتوثيق كلّ قصَّة وكلّ حارة وزقاق في هذه المدينة. وبمساعدةِ أشخاص من حيفا استطعتُ التوصُّل والتعرُّف على سكان هذا الحيّ أو هذه الحارة التي هُدِمت والآن هم يسكنون بأحياءٍ أخرى في حيفا ، مثل: شارع العراق (الذي أصبحَ اليوم يُعرف بكيبوتس جاليوت )وشارع الناصرة واسمه الآن (بار يهودا )… والحليصة شرقي حيفا.. وأماكن وحارات أخرى عديدة… وهنالك بدأتُ أجدُ المفارقة َ بين جنوب حيفا وشمالها.. الجنوب متطوِّرٌ ومتحضِّرٌ أكثر من الشَّمال الذي هو مهمل، وخاصَّة الأحياء العربيَّة المُهَمَّشة والمُستضعفة.
هل لقيتِ التشجيعَ والدعمَ المطلوب لهذا المشروع؟
الشيىءُ المُهمُّ هنا انَّ الإبداع يجبُ ألا يكون مربوطا بالأمور الماديَّة…وفي اليوم الذي قرَّرتُ فيه أن اعرض المشروع من خلال أمسية فكرتُ أن أقيمَ الأمسية بشكل لا تكون فيه تكلفة ٌ ماديَّة لا لي ولا للحضور. وأقمتُ الأمسية في النادي الثقافي في حيفا بتنسيق مع المحامي والصديق ” فؤاد نقاره ” أحد المسؤولين والمشرفين على نشاطات وفعاليَّا هذا النادي وقد تقبلوا هذا الموضوع بمحبَّةٍ ورحابةِ صدر. وكلُّ ما قمتُ بهِ من تصوير وتوثيق وجولاتٍ ميدانيَّة وما زلت إلى الآن كان على حساب وقتي الخاص وراحتي. وأحبُّ أن أشكر الأستاذ رشدي الماضي على إدارةِ وعرافةِ هذه الامسية. أفرحني نجاحُهَا والحضور الذي أتى من حيفا وخارجها ومن مختلف فئات وشرائح المجتمع ، وكانت هنالك مساهمة مهمَّة لعددٍ من الشعراء حيث لم يبخلوا بوقتهم وجهدِهم بدعم هذه الأمسية وأنا أشكرهم من أعماق القلب وبجزيل الشكر لتلبيةِ الدعوةِ وللتعاون والحضور،ومنهم: المحامي الشَّاعر ” أسامه حلبي ” الذي أتى من القدس حاملا قصيدة ً نظمها خصيصًا لهذه الأمسيةِ:”أحبُّك حيفا ولكن بشروط. والشاعر” أنور سابا ” الذي كتب أيضًا قصيدة ً خصيصًا لهذه الأمسية وإيحاءً من صورتين لي ” جدران وشبابيك “. والشَّاعرة ” حنان جريس خوري ” التي قرأت بدورها ثلاثة َ قصائد من ديوانها الشِّعري ” حين يجنُّ الحنين ” والتي لاءَمتْ قصائد لها لصورتين من تصويري عن نفس للموضوع. وقمتُ بدوري بدعوة ضيف الأمسية الشَّاعر ” علي مواسي ” الذي قرأ قصيدة ً مطوَّلة عن حيفا تتلاءَمُ وتتناغمُ مع أجواء وموضوع الأمسية.
هل تفكرين في عرض هذا المشروع (تصوير وتوثيق أحياء وحارات ومعالم مدينة حيفا )في أماكن أخرى خارج حيفا؟؟
طبعا هذا المشروع إن شاء الله سيتجوَّلُ في العديدِ من قرى ومدن البلاد..وأنا ، بدوري،على استعداد لتلبيةِ كلِّ دعوةٍ لإستضافةِ وعرض هذا الشروع.
حدِّثينا بتوسّع عن مواضيع الصور واللوحاتِ والوثائق التي عرضتيها في الأمسية
الشرائحُ التي بنيتها (الصور الموثقة )أستطيع تقسيمها إلى عدة مواضيع – الشريحة الاولى أسمِّيتها بوابة حيفا.. والبوَّابة لها معاني عديدة وترمزُ وتوحي لأشياءٍ وأمور عديدة مثل: حماية البلد… ومثل سدٍّ وسور منيع أمام المعتدين… ولها معاني إنسانيَّة وسياسيَّة وتاريخيَّة حيث خرجَ منها أناسٌ يحلمون بدخولها من جديد ودخلَ بالمقابل ناسٌ غرباء.
والشَّريحة ُ الثانية- التي كانت هي شرائح لشروق الشَّمس وللحياة الصَّباحيَّة في حيفا التي أسمّيتها حيفا تنهض في الصباح. والشِّرائح الأخيرة كانت عن حيفا تعد فراشها للنوم… وبين هذه وهذه – بين الدفتين – كانت هنالك مواضيع مترابطة ومتداخلة لأماكن معتمة من المدينة ، وشرفات المدينة لها قصص خاصَّة وحيفا بين الماضي والحاضر، وحياة الناس في الريف وأزقة المدينة، ومتحفة الناس.. وموضوع الهجرة والترحيل… ورافقت هذه الشرائح (الصور التي عرضت )أغنيتين لمطربتين مصريَّتين (شاديه ام كلثوم ).. ولم يكن بالصُّدفةِ الإختيار فكان هدفان من وراء ذلك، الأول: أغنية شادية إستعادة للزمن الجميل والإمتداد الثفافي العربي.
وأم كلثوم المطربة الكبيرة اللتي صدحَ صوتها في مسارح وقاعات حيفا حيث اطلقوا عليها لقب (كوكب الشَّرق )في مدينة حيفا اوَّلا وبعدها إشتهرت بهذا اللقب في جميع البلدان… فأصبح تكريمها في أمسيتي بطريقتي.
ما الهدفُ والرسالة الأساسيَّة من هذا العرض ومن كل هذا المشروع بشكل عام؟؟
الهدفُ والرسالة ُ من وراء هذا العرض هو: إخراج حيفا من الصورة والحيِّز المعروف للزائر والسَّائح وحتى ساكنها والإطلاع عليها من زوايا وجهات أخرى مختلفة: تاريخيَّة وحياتيَّة وغيرها.. وربط وإحياء تاريخ وحاضر حيفا.
لماذا لا تؤلفينَ كتابا عن تاريخ حيفا قبل عام 1948 (زمن حكم الأتراك والإنجليز وحتى الفترة الحاليَّة )يعنى بالشعراء والكتاب والفنانين والمفكرين والعظماء الذين عاشوا في حيفا أو وُلِدُوا فيها ونزحوا عنها وتوثقينه بهذه الصور واللوحات التي تشهدُ على عظمةِ وأهميَّةِ هذه المدينةِ: تاريخيًّا وثقافيًّا وفنيًّا وأدبيًّا؟؟
يوجدُ العديدُ من المؤرِّخين والباحثين الذين الذين كتبوا عن حيفا ، مثل: الدكتور (جوني منصور)وغيره من المؤرِّخين الذين قاموا بالواجب وأكثر.. وهم مختصون في هذا المجال ومتفرِّغون له. إنَّ العملَ على إصدار كتاب ضخم من هذا النوع بحاجةٍ لدعم مادّي ومعنوي ولعمل دؤوب ميداني متواصل ولمعلوماٍت ولبحث وتنقيب.. وإذا وجدت جهة أو مؤسسة مستعدة أن تتبنى مشروعا كهذا فأنا مستعدَّة للعمل معها على توثيق وتاليف كتاب ضخم وشامل كما ذكرت في صدد هذا الموضوع.
أنتِ صوَّرتِ أحياءَ وحارات ومعالم حيفا.. ما الفرق بين تصويركِ وبين التصوير الفيتوغرافي العادي من قبل المصورين وأصحاب صالونات التصوير؟؟
من وجهةِ نظري أرى المصور غير المحترف هو مثل الرِّسام (الفنان التشكيلي)وأنا أقومُ بالرَّسم والكتابة من خلال الصور التي أصورها وأخرجها للنور. أعتبر صوري مثل النافذة التي من خلالها ممكن أن نكتشفَ صورَ وقصصَ هذه المدينة التي نعبرُ عنها بسرعة ولا نراها خلال حياتنا اليومية، أرى نفسي كراويةِ قصص من خلال الصور والكلام.
الذي يقفُ أمامَ عملي ليس التكنلوجيا بل أكثر المعنى… وكلُّ صورةٍ أعملها توجدُ من ورائِها قصَّة معيَّنة وأنا أهتمُّ كثيرًا بإتقان العمل وأركزُ على الجودةِ والإبداع..وإن كل صورة أصوِّرها يجب أن تملأ عيني وتخاطبني وتهزّ ضميري ووجداني لأنَّ ذلك ينتقل تلقائيًّا للمتلقي..للجمهور.
طموحاتُكِ ومشاريعُكِ للمستقبل؟؟
– يوجدُ لديَّ الكثيرُ من الطموحاتِ التي ليس لها حدودٌ ، وأنا أعملُ على تحقيقها وأومنُ أنَّ كلَّ شيىءٍ يتحقَّقُ في الزَّمن والوقت المناسب.
أسئلة ٌ شخصيَّة؟؟
هل تحِبِّينَ القراءة َ والمطالعة.. ونوع الكتب التي تقرئينها؟؟
أنا أقرأ بشكل يومي وأقرأ الكتب التاريخيَّة والأدبيَّة والروايات.. وأنا منتسبة ٌ لنادي الكتاب في حيفا ونلتقي مرَّة ً كلَّ شهر ونناقشُ كتابا معيَّنا.
هل تحبِّينَ الموسيقى والغناء؟؟
أكيد احبُّ الغناء والموسيقى لأنها تعطي طعما ورونقا وبهجة ً للحياةِ.
كلمة ٌ أحيرة ٌ تحبِّينَ أن تقوليها في نهايةِ اللقاء؟؟
أشكرك على هذة المقابلة واقول: انه علينا كلنا أن نحافظ بشتى الوسائل على موروثنا الثقافي والحضاري في هذه البلاد التي يُحاولون بشتى الوسائل تهجين روايتنا الفلسطينيَّة وطمس تاريخنا وحضارتنا العريقة.