حدود نظر المرأة إلى المرأة
تاريخ النشر: 23/02/15 | 9:14مذهب جمهور العلماء من المالكية، والحنابلة، والشافعية، وهو أصح الروايتين عن الحنفية، هو أن عورة المرأة عند المرأة المسلمة ما بين السرة والركبة لما رواه أبو داود عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إنها ستفتح عليكم أرض العجم، وستجدون فيها بيوتاً يقال لها الحمامات، فلا يدخلها الرجال إلا بإزار، وامنعوها النساء إلا مريضة أو نفساء”.
ولما رواه مسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال “لا ينظر الرجل إلى عورة الرجل، ولا المرأة إلى عورة المرأة” وفي هذا الحديث نهي عن نظر المرأة إلى عورة المرأة، والنهي يقتضي التحريم مما يدل على حرمة النظر إلى العورة، وما بين السرة والركبة منها، لقوله صلى الله عليه وسلم: “ياجرهد غط فخذك فإن الفخذ عورة” رواه أبو داود والترمذي وأحمد والحاكم وذهب البعض إلى أن المرأة المسلمة تنظر من المرأة كنظر الرجل من ذوات محارمه، وهو ما يظهر غالباً من شعر، وصدر، وساق، دون ما يستر غالباً كالبطن والظهر والفخذ ونحوها والراجح هو قول الجمهور.
لكن ما هي حدود نظر المرأة الكافرة إلى المسلمة؟
الراجح من أقوال العلماء أنه لا يحل للمرأة الكافرة أن تنظر من المرأة المسلمة سوى الوجه والكفين إلا إذا كانت أمة لها، وهذا مذهب الحنفية، والمالكية، والشافعية في قول، والحنابلة في رواية لهم ومن الأدلة على ذلك:
أولاً: قوله تعالى (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن أو آبائهن أو آباء بعولتهن أو أبنائهن أو أبناء بعولتهن أو إخوانهن أو بني إخوانهن أو بني أخواتهن أو نسائهن) النور:٣١.
والشاهد في الآية قوله (أو نسائهن) حيث دلت الآية على عدم تجرد المؤمنة بين يدي الكافرة: مشركة كانت أو كتابية، فلو جاز لها النظر لم يبق للتخصيص فائدة. قال الإمام القرطبي في تفسيره (أو نسائهن) يعني المسلمات، وتدخل في هذ الإماء المؤمنات، ويخرج نساء المشركين من أهل الذمة وغيرهم، فلا يحل لامرأة مؤمنة أن تكشف شيئاً من بدنها بين يدي امرأة كافرة إلا أن تكون أمة لها، فذلك قوله تعالى: (أو ما ملكت أيمانهن) انتهى.
ثانيا: أخرج البيهقي في السنن الكبرى، وعبد الرزاق في مصنفه عن قيس بن الحارث قال: كتب عمر بن الخطاب إلى أبي عبيدة: أما بعد: ( فقد بلغني أن نساء من نساء المسلمين يدخلن الحمامات معهن نساء أهل الكتاب، فامنع ذلك وحل دونه) وفي هذا دلالة على منع النساء من دخول الحمامات حتى لا يتكشفن أمام الكافرات ولو كان التكشف مباحاً لما منع ذلك عمر ولما نفذه أبو عبيدة، ولم يظهر إنكاره من أحد من المسلمين.
ثالثاً: أن الكافرة قد تحكي عورة المسلمة لكافر، فالتحريم لعارض، لا لكونها عورة.
رابعاً: أن الزينة الباطنة لا تكون إلا لمن ورد ذكره في قوله تعالى: (ولا يبدين زينتهن إلا لبعولتهن) والكوافر لم يذكرن في النص، بدليل قوله تعالى: (أو نسائهن) وهن لسن من نساء المؤمنين مما يدل على عدم حل رؤية الزينة الباطنة، إنما يرين ما تقتضيه ضرورة التعامل، وهي كافية في الوجه واليدين.
بقي أن نشير إلى حدود نظر المرأة الفاسقة إلى المسلمة فنقول الراجح أنه لا يجوز لها النظر إلى غير الوجه واليدين من المرأة الصالحة، قال الإمام العز بن عبد السلام من الشافعية (والفاسقة مع العفيفة كالكافرة مع المسلمة) وفي الفتاوى الهندية عند الأحناف: ولا ينبغي للمرأة الصالحة أن تنظر إليها الفاجرة، لأنها تصفها عند الرجال، فلا تضع جلبابها ولا خمارها عندها.
وبناء على ما تقدم فلا يجوز للمرأة أن تكشف عن جسدها كاملاً أمام امرأة أخرى أياً كانت، ولا أن تكشف ما بين السرة والركبة أمام المسلمة، ولا أن تكشف غير الوجه واليدين أمام الكافرة والفاجرة، وإذا فعلت ذلك فقد ارتكبت محرماً يجب عليها التوبة منه، ولا يجوز التعلل بأمور غير معتبرة شرعاً، كقولهم النساء كلهن سواء نفس الشيء، فلا حرج من نظرهن إلى بعض وهن عاريات لأنه يقال والرجال أيضاً نفس الشيء، وقد حرم الله نظر بعضهم إلى عورات بعض، فالنساء من باب أولى.
والله أعلم.