من تشبه بقوم فهو منهم
تاريخ النشر: 04/09/14 | 12:06إن من سَلك الصراط المستقيم، واستقام عليه لا يَنْحرف عنه ولا يَبين، فهو على الحقّ المبين، لا يستوحش لقلّة السّالكين، وهم الأقَلُّون عَدداً، الأَعْلَون قَدراً، ولا يَغترّ بكثرة الهالكين، وهم الأكثرون عدداً، الأَدْنَوْن قَدْراً.
والله تعالى يقول: {وَأَنَّ هذا صِراطي مُسْتقيماً فاتَّبعوهُ ولا تَتَّبِعوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُم عَنْ سَبيلِهِ} الأنعام 153. فالطريق الذي يجب على المؤمنين اختيارُه هو طريق الحق والاتّباع، لا طريق الضّلال والابتداع!
وكيف يُعقل أن يَعْدل المؤمن عن سُبل الهدى والإيمان، إلى سُبل الشّقاء والخسران؟!
إن ريح المخاطر والمفاسد، لا تزال تتهدّد الأمة، وتنفخ في وجه كل راكع وساجد، والله تعالى يقول: {وقَدْ نَزَّلَ عَلَيكم في الكتابِ أَنْ إذا سَمِعتُمْ آياتِ اللهِ يُكْفَرُ بها ويُسْتَهْزَأُ بها فلا تَقْعُدوا مَعَهم حتى يَخوضُوا في حديثٍ غيرِهِ إِنَّكم إِذاً مِثْلُهُم إنّ اللهَ جامِعُ المنافقينَ والكافرينَ في جَهَنَّمَ جَميعاً} النساء 140. يقول المفسرون: إنكم إذا ارتكبتم النَّهي بعد وصوله إليكم، ورضيتم بالجلوس معهم في المكان الذي يُكفرُ فيه بآيات الله ويُسْتَهْزَأُ بها، وأَقررتموهم على ذلك، فقد شاركتموهم في الذي هم فيه، فلهذا قال تعالى: {إِنَّكُم إِذاً مِثْلُهُم} في المَأثم. وهذا يدل على وجوب اجتناب المجالس التي تقع فيها المعاصي، ويحدث فيها المنكر، لأن من لم يَجْتنبهم فقد رَضي فِعْلَهم، ووافقَ صَنيعهم، وطابت نفسُه بما تُبصر عينه، وما تسمع أذنه! والرِّضا بالكُفر كُفر، والرِّضا بالمعصية معصية، والرِّضا بالبِدعة بدعة. فكلّ من جلس في مجلس معصية بإرادته ورغبته غيرَ مُكْرَه، ولم يُنكر عليهم، يكون مع أهل الشّهوات والأهواء في الوِزْر سواءً. فإن لم يقدر على النَّكير عليهم فينبغي أن يقوم عنهم حتى لا يكون من أهل هذه الآية.
ويدلّ على هذا كذلك قولُ النبي صلى الله عليه وسلم في النهي عن مجالس الخمر: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخِر فلا يَقْعُدْ على مائدة تُدارُ عليها الخمر» رواه أحمد.
وقد رُوي عن الخليفة الراشديّ عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه أنه أخَذ قوماً يشربون الخمر فقيل له: يا أمير المؤمنين إنّ فيهم فلاناً وقد كان صائماً! فقال لهم: به ابْدَأوا! ألَم يسمع قول الله تعالى: {إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهم}؟، وحَمل عليه الأدب، وأقام على الشاربين الحدّ. ولهذا يؤاخَذُ الفاعل والرّاضي بعقوبة المعاصي حتى يؤدَّبوا ويتوبوا جميعُهم.
وإذا تعرّض المؤمن للغَفْلة والنّسيان في مجالسة أهل الفسوق والعصيان، بنزغ من الشّيطان، فعليه أن يُقلع إذا ذَكر، والله عزوجل يقول: {وإذا رَأَيْتَ الذينَ يَخُوضون في آياتِنا فأَعْرِضْ عَنْهم حتى يَخُوضوا في حَديثٍ غَيْرِه.ِ وإمّا يُنْسِيَنَّكَ الشَّيطانُ فَلا تَقْعُدْ بَعدَ الذِّكرَى مع القومِ الظّالمينَ} الأنعام 68.
وإن فريقاً آخر من عُصاة المؤمنين يتساوَون في فسوقهم وفسادهم مع المُنادمين لأهل الإثم والذَّنب، المُصاحبينَ لهم بالجَنْب، وهم المُقَلِّدون لأهل الأديان، الذين يَلْهَثون خَلْفَهم ليُحاكُوهم في الطّقوس والشّعائر، وفي الصغائر والكبائر!
وقد حذّر النبيّ الأكرم صلى الله عليه وسلم من تقليد أهل الكتاب في مسائل المعتقدات والعبادات، فقال مُخبراً بما سيحدثُ في الأمّة بعبارةٍ تحمل معنى التّحذير والاستنكار: «لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبلَكم شِبْراً بشِبر، وذراعاً بذراع، حتى لو دخلوا جُحْر ضَبٍّ لتَبِعْتُموهُم، قيل: يا رسول الله اليهودُ والنّصارى؟ قال: فمن؟ أي فمن غيرهم؟» متفق عليه.
إن الله تعالى اصطفى نبيّه محمداً صلى الله عليه وسلم بشريعة كاملة، خالدة، وأَمرهُ وأمَّتَه باتّباعها، وعدم اتّباع الأهواء، وعدم اتِّباع شَرائع أَهلِ الأهواء من الذين أُنزلَ عليهم كتابٌ سماويّ، فقال عز وجل: {ثُمَّ جَعَلْنَاكَ على شَريعَةٍ مِن الأَمْرِ فَاتَّبِعها ولا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الذين لا يعلمونَ. إِنَّهُم لَنْ يُغْنوا عَنْكَ مِنَ اللهِ شَيْئاً وإنَّ الظالمينَ بَعْضُهم أوْلِياءُ بَعْضٍ واللهُ وَليُّ المُتَّقينَ} الجاثية 18.
لقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يكره موافقة أهل الكِتاب في كل ما هو من خصائصهم، وقد قال لأصحابه يوماً: «خالِفوا اليهود فإنهم لا يُصَلّون في نِعالهم ولا خِفافهم» رواه أبو داود. وقال: «صَلُّوا في نِعالكم ولا تَشبَّهوا باليهود» رواه الترمذي.
ولما رأى اليهود مواقف الرسول صلى الله عليه وسلم في عدم موافقتهم في أعمالهم وعاداتهم قالوا: إن محمداً يريد أن لا يَدَعَ من أَمْرنا شيئاً إلا خالَفَنا فيه!
وقد وَضَح للأمّة بما لا يدَعُ مجالاً للشكّ أو التردّد تحذيرُ الإسلام من التشبّه بأهل الكتاب، وتحذير المؤمنين من متابعة المغضوب عليهم والضالّين, ورَدَ في السنّة الصحيحة قول النبي صلى الله عليه وسلم: «جُعِلَ الذُّلُّ والصَّغار على من خالَف أَمري، ومَن تشبَّه بقومٍ فهو منهم» رواه أحمد، ورُوي عنه قوله: «من أَحبَّ قوماً حَشَره الله في زُمْرتِهم» رواه الطبراني.
إنه مهما قَلَّد المتشبِّهون، وحرَّف الغالون، وانْتَحَل المُبْطِلون، فإن رجال الأمة على الضَّلالة لا يجتمعون، ولا يزالُ فيهم عُدولٌ مُسَخَّرون، للحقِّ حارسون، والله تعالى يقول: {إِنّا نحنُ نَزَّلْنا الذِّكْرَ وإنّا لَهُ لَحافِظون} الحجر 9.