ابحثوا عن الداء قبل الدواء

تاريخ النشر: 02/05/12 | 14:18

يبدو أننا لم نتعلم شيئاً من دروس الماضي ، نعيد الكرّة وكأن شيئاً لم يكن . ان الأحداث الأخيرة المتعاقبة في قرانا ومدننا العربية قبل وخلال وبعد انتخابات مجالسنا المحلية والبلدية ، من استعمال العنف الكلامي والجسدي ، واطلاق التهديدات ومن ثم تنفيذها ،والاعتداءات وأعمال التخريب واستخدام الأسلحة النارية والقنابل الحارقة والصوتية ، لم تكن وليد صدفة أو مجرّد غيمة عابرة ، إنما هي نتيجة تراكمات متتالية ، تراكمات قبلية فئوية طائفية بغيضة.

طوال الوقت كنا نتغنى بوحدة الصف ، وأوهمنا أنفسنا بأننا غير قبليين ولا عائليين أو طائفيين ،فسكتنا عن الخطأ مراراً وتكراراً في سبيل الحفاظ على وحدة الصف الوهمية . فأقمنا هيئات ومؤسسات لتحافظ على “وحدة الصف”!!، وجمّعنا التناقضات التي لا يمكن أن تلتقي في هيئات فضفاضة ، فكانت هذه الهيئات عاجزة عن إتخاذ قرارات حاسمة ، وعن معالجة قضايانا ومشاكلنا الملحة بصراحة وجرأة، وها نحن اليوم نقطف ثمار ما اقترفته أيادينا .

ان المسايرة والسكوت عن الخطأ ، ولفلفة الأمور بدلاً من إيجاد الحلول الجذرية ، كمّن يجمع الغبار تحت البساط فيوهم نفسه أن البيت نظيف ، ولكن عندما يحل الصيف ونزيل البساط تظهر الأوساخ والغبار من جديد.

أنصاف الحلول ممكن أن تؤجل تفاقم المشكلة ، لكنها لا تلغي وجودها . الطائفية والعائلية لم تأتنا من المريخ أو زحل أو عطارد ، إنما هي متغلغلة في أعماق أعماقنا حتى النخاع . حاولنا أن ننكر وجودها ، حاولنا أن نتجمّل أمام الآخرين ، إلا أننا لم نقض على هذه الآفة من جذورها ، حتى أننا لم نحاول أو نتجرأ مجرد التفكير للقضاء على هذه الظاهرة المقيتة .

والأمر الأكثر اثارة ، أنه ورغم تفسخنا وتشتتنا واتساع الفجوات بين أبناء الشعب الواحد ، يتم طرح مشروع توحيد العرب من قبل البعض في قائمة انتخابية واحدة – بالمناسبة لا يفكرون بالوحدة إلا في موسم الانتخابات- أو في اطار هيئة تمثيلية للجماهير العربية في البلاد ، أو من المفروض أن تكون كذلك ، مثل لجنة المتابعة على سبيل المثال.

أنا على ثقة تامة أنه لا يختلف اثنان من الجماهير العربية في البلاد حول أهمية تحقيق الوحدة من حيث المبدأ. لكننا نختلف حول ماهية هذه الوحدة ، فهنالك من يبحث عن وحدة حقيقية متراصة متماسكة ، لا وحدة التناقضات والصراعات الداخلية. عن أية وحدة تتحدثون بعد أن تحولت الصراعات في قرانا ومدننا حول رئاسة المجلس البلدي أو المحلي الى عداوات وصراعات شبه أبدية ، وبعد أن أصبح رجال الشرطة هم الحكم بيننا .

من المؤسف لما جرى ويجري في مجتمعنا من صراعات دموية فئوية وعائلية وطائفية ، وللخروج من هذه الأزمة يجب البحث عن حل جذري لا لفلفة الطابق ومسايرة المخطىء من أجل المحافظة على ما يسمى “وحدة الصف”! . الحل يبدأ من خلال البحث عن أساليب عمل جديدة وآليات جديدة في التربية والعمل السياسي والبلدي والاجتماعي . الحل يبدأ من خلال عدم السكوت عن الخطأ ، لأننا في حالة الاستمرار في مسايرة هؤلاء، نفقد مصداقيتنا ونصبح مثل بقية المزاودين والمتشدقين بالوطنية.

دعونا نطرح الأمور بصراحة ، ونضع الاصبع على الجرح حتى ننجح في معالجته. فالطبيب قبل أن يعالج المريض يقوم بتشخيص المرض ، ومن ثم يعالجه ، فابحثوا عن الداء قبل الدواء .

بقلم : عفيف شليوط

تعليق واحد

  1. قيل..اشعال شمعة واحدة خير من ان نلعن الظلام الف مرة….

    جدير بنا ان نسير بدروب الثقافة والمعرفة لنخلق مجتمع راقي..

    جدير بنا ان نذوت المكارم في النفوس.ونسلكها بارض الواقع..

    لك مني اخي الكاتب عفيف اجمل التحيات وخالص المودة والتقدير..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة