حراسة العلم اولى من حراسة العالم

تاريخ النشر: 12/09/14 | 18:21

قال أبو حيان التوحيدي في “البصائر والذخائر”: قال أبو سعيد السيرافي: “كان أبو بكر ابن دُريد ضعيفًا في التصريفِ والنحو خاصةً، وفي كتابِ “الجمهرةِ” خللٌ كثيرٌ، قلنا له: “فلو فصلت بالبيانِ عن هذا الخللِ، وفتحت لنا بابًا من العلمِ”، فقال: “نحنُ إلى سترِ زلاتِ العلماءِ أحوجُ منا إلى كشفها، وانتهى الكلامُ”. فلما نهضنا من مجلسهِ قال بعضُ أصحابنا: “قد كان ينبغي لنا أن نقولَ له: “حراسةُ العلمِ أوْلى من حراسةِ العَالِم”، وفي السكوتِ عن أبي بكرٍ إجلالٌ، ولكن خيانةٌ للعلمِ”.

ضمة القبر
يقول الإمام حافظ الدين أبو البركات النسفي عَن ضمة القبر: “إنما أصلها أنها أمُّهم ومِنها خلقوا فغابوا عَنها الغيبةَ الطَويلة، فلما رُدّوا إليها ضَمتهم ضمَّة الوالدة غاب عنها ولدها ثم قدم عليها، فمن كان للهِ مُطيعًا ضمّته برأفة ورفق، ومن كان عاصيًا ضمَّته بعنف سخطًا منها عليه لربها”.

احرص على العلم الذي ينفعك
قال علي بن محمد بن أبان القاضي: حدثنا أبو يحيى زكريا الساجي، حدثنا المزني، قال: قلتُ: إن كان يُخرِجُ ما في ضميري، وما تعلَّقَ به خاطري من أمر التوحيد، فالشافعي، فصرت إليه، وهو في مسجد مصر، فلما جثوت بين يديه، قلت: هجس في ضميري مسألة في التوحيد، فعلمت أن أحدًا لا يعلم علمك، فما الذي عندك؟ فغضب، ثم قال: أتدري أين أنت؟ قلت: نعم، قال: هذا الموضع الذي أغرق الله فيه فرعون. أبَلَغك أن رسول الله أمر بالسؤال عن ذلك؟ قلت: لا، قال: هل تكلم فيه الصحابة؟ قلت: لا، قال: تدري كم نجمًا في السماء؟ قلت: لا، قال: فكوكب منها تعرف جنسه، طلوعه، أفوله، مم خُلِق؟ قلت: لا، قال: فشيء تراه بعينك من الخلق لست تعرفه، تتكلم في علم خالقه؟ ثم سألني عن مسألةِ في الوضوء، فأخطأت فيها، ففرعها على أربعة أوجه، فلم أصب في شيء منه، فقال: شيء تحتاج إليه في اليوم خمس مرات، تدع علمه، وتتكلف علم الخالق، إذا هجس في ضميرك ذلك، فارجع إلى الله، وإلى قوله تعالى: (وإلهكم إله واحد لا إله إلا هو الرحمن الرحيم * إن في خلق السماوات والأرض…) فاستدِلّ بالمخلوق على الخالق، ولا تتكلف علم ما لم يبلغه عقلك. قال: فتبت.

مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات
قال ابن القيم في “مدارج السالكين”: الفرق بين مغفرة الذنوب، وتكفير السيئات في القرآن الكريم: حيثما وردت الذنوب في القرآن فالمراد بها الكبائر، وحيثما وردت السيئات فالمراد بها الصغائر.
وعند التأمل في آيات القرآن الكريم نجد: أن لفظ “المغفرة” يرد مع الذنوب، ولفظ “التكفير” يرد مع السيئات، قال تعالى: (رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا) [آل عمران:193]، وذلك لأن لفظ المغفرة يتضمن الوقاية والحفظ، ولفظ التكفير يتضمن الستر والإزالة.
والدليل على أن السيئات هي الصغائر، والتكفير لها: قوله تعالى: (إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَنُدْخِلْكُمْ مُدْخَلًا كَرِيمًا) [النساء: 31].

كتاب يخرج من السجن
كتب الإمام السرخسي كتابه “المبسوط” في نحو خمسة عشر مجلدًا، وهو في السجن بأوزْجَنْد محبوس، وعن أسباب الخلاص في الدنيا ميؤوس، بسبب كلمة كان فيها من الناصحين، سالكًا فيها طريق الراسخين، لتكون له ذخيرة إلى يوم الدين، وإنما يتقبل الله من المتقين، وهو يتولى الصالحين، ولا يهدي كيد الخائنين، ولا يضيع أجر المحسنين. قال في “المبسوط” عند فراغه من شرح العبادات: هذا آخر شرح العبادات بأوضح المعاني وأوجز العبارات، أملاه المحبوس عن الجُمَع والجماعات. وقال في آخر كتاب الطلاق: هذا آخر كتاب الطلاق، المُؤْثَر من المعاني الدِّقاق، أملاه المحبوس عن الانطلاق، المبتلى بوحشة الفِراق، مصليًا على صاحب البراق، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أهل الخير والسباق. وقال في آخر كتاب العتاق: انتهى شرح العتاق، من مسائل الخلاف والوِفاق، أملاه الُمستقبِل للمحن بالاعتناق، المحصور في طرفٍ من الآفاق، حامدًا للمهيمن الرزاق. وقال في آخر شرح الإقرار: انتهى شرح كتاب الإقرار، المشتمل من المعاني على ما هو سِرّ من الأسرار، أملاه المحبوس في موضع الأشرار، مصليًا على النبي المختار.

أدب العلماء
أرسل أسد بن الفرات -وهو قاض- إلى سحنون وعون وابن رشيد وموسى الصمادحي، فسألهم عن مسألة في الأحكام، فأجاب ابن رشيد وعون، وأبى فيها سحنون من الجواب. فلما خرجا عذلاه في تركه. فقال لهما: منعني أنكما بدرتما بالجواب فأخطأتما، وكرهتُ أن أخالفكما، فندخل عليه إخوانًا ونخرج أعداء، وبيّن لهما وجه خطئهما. فجزياه خيرًا، واعترفا، ورجعا إلى أسد، فأخبراه برجوعهما.

النهي عن المفاخرة
كانت عائشة بنت طلحة على ما يقول المؤرخون أجمل نساء زمانها وأظرفهن، وقد تزوجها مصعب بن الزبير، وجمع بينها وبين سُكينة بنت الحسين بن علي. حجت عائشة بنت طلحة في ستين بغلًا، عليها الهوادج، وفي حشمة زائدة، وكانت سكينة أيضًا قد حجت معها، فكانت عائشة أحسن آلة وثِقلا، فأخذ الحداة يتراجزون بمن حملن؛ فقال حادي عائشة:
عائش يا ذات البغال الستين لا زلتِ هكذا تحجين
فشق ذلك على سُكينة، فنزل حاديها وقال:
عائش هذي ضرة شكوك
لولا أبوها ما اهتدى أبوك
فأمرت عائشة حاديها حينئذ أن يكف، فكفَّ. فلله درها حيث كفت موضع الانكفاف؛ أدبًا مع رسول الله، فقد كان الأمر والمفاخرة في الدنيا هزلًا فقلبته سكينة بذكر رسول الله جِدًّا، فأفحمت خصمها، وأقامت عليه الحجة.

من بنى لله بيتًا…
قال ابن السمعاني: بلغني أن عجوزًا جاءت للرئيس أبو علي المنيعي وهو يبني جامع نيسابور ومعها ثوب يساوي نصف دينار، وقالت: سمعت أنك تبني الجامع فأردت أن يكون لي في النفقة المباركة أثر، فدعا خازنه واستحضر ألف دينار واشترى بها منها الثوب وسلم المبلغ إليها، ثم قبض منها الخازن الثوب، ثم قال له: أنفق هذه الألف منها في بناء المسجد، وقال: واحفظ هذا الثوب لكفني ألقى الله فيه.

ألك والدة..!
قال سهل الإسفرايني: حدثني سُليم (الرازي) أنه كان في سفرة بالري وله نحو عشر سنين، فحضر بعض الشيوخ، وهو يُلقِّن، فقال لي: تقدم فاقرأ، فجهدت أن أقرأ الفاتحة، فلم أقدر على ذلك، لانغلاق لساني، فقال: ألك والدة؟ قلت: نعم، قال: قل لها تدعو لك أن يرزقك الله القرآن والعلم. فرجعت فسألتها الدعاء، فدعت لي، ثم إني كبرت، ودخلتُ بغداد فقرأتُ بها العربية، والفقه، ثم عدتُ إلى الري، فبينا أنا في الجامع، أقابل مختصر المزني، وإذ الشيخ قد حضر، وسلَّم علينا وهو لا يعرفني، فسمع مقالتنا، وهو لا يعلم ما نقول، ثم قال: حتى نتعلم مثل هذا. فأردت أن أقول: إن كانت لك والدة قل لها تدعو لك، فاستحييت منه.

أخلاق الأمراء والمسؤولين
كان من أخلاق الوزير الحسن الطوسي أنه ما جلس قط إلا على وضوء، ولا توضأ إلا وتنفل، ويقرأ القرآن ولا يتلوه مستندًا إعظامًا له، ويستصحب المصحف معه أينما توجه، وإذا أذن المؤذن أمسك عن كل شغل هو فيه وأجابه، ويصوم يوم الإثنين والخميس. هجمت عليه امرأة مرةً وقت طعامه ومعها قضية، فزبرها بعض الحُجَّاب، فحانت منه التفاتة إليه، فلقيه بالكلام الصعب، وقال: إنما أريدك وأمثالك لإيصال مثل هذه، وأما المحتشمون فهم يوصلون نفوسهم.

ما منعك إلا دينك
أمر الخليفة أن يزاد في ألقاب جلال الدولة ابن بويه “ملك الملوك”، وخُطِب له بذلك، فأفتى بعض الفقهاء بالمنع، وأنه لا يقال “ملك الملوك” إلا لله، وتبعهم العوام ورموا الخطباء بالآجُرّ. وأفتى الماوردي بالمنع وشدد في ذلك، وكان الماوردي من خواص جلال الدولة، فلما أفتى بالمنع انقطع عنه، فطلبه جلال الدولة فمضى إليه على وجَلٍ شديد، فلما دخل قال له جلال الدولة: أنا أتحقق أنك لو حابيت أحدًا لحابيتني؛ لما بيني وبينك، وما حملك إلا الدِّين، فزاد بذلك محلك عندي.
قال السبكي: ولم تمكث دولة بني بويه بعد هذا اللقب إلا قليلًا، ثم زالت كأن لم تكن، ولم يعش جلال الدولة بعد هذا اللقب إلا أشهرًا يسيرة، ثم ولي الملك الرحيم منهم وبه انقرضت دولتهم.

عوَّل أمرك على الله
قال الفخر الرازي: والذي جربته من طول عمري أن الإنسان كلما عوَّل في أمر من الأمور على غير الله صار ذلك سببًا للبلاء والمحنة والشدة والرزيّة، وإذا عوَّل على الله ولم يرجع إلى أحد من الخلق حصل ذلك المطلوب على أحسن الوجوه، فهذه التجربة قد استمرت من أول عمري إلى هذا الوقت، الذي بلغت فيه إلى السابع والخمسين، فعند هذا أسفر قلبي على أنه لا مصلحة للإنسان في التعويل على شيء سوى فضل الله وإحسانه.

ولقد كرمنا بني آدم
قال أبو الوفاء بن عقيل: لقد عظَّم الله الحيوان؛ لا سيما ابن آدم، حيث أباحه الشرك عند الإكراه وخوف الضرر على نفسه، فقال: (إلا من أُكره وقلبه مطمئن بالإيمان).. من قدَّم حرمة نفسك على حرمته، حتى أباحك أن تتوقى وتتحامى عن نفسك بذكره بما لا ينبغي له سبحانه، لَحقيق أن تعظم شعائره، وتوقر أوامره، وزواجره. وعصم عِرْضك بإيجاب الحد بقذفك، وعصم مالك بقطع مسلم في سرقته، وأسقط شطر الصلاة لأجل مشقتك وأنزل الكتب من أجلك، أيحسن بك مع هذا الإكرام أن تُرى على ما نهاك منهمكًا، وعمَّا أمرك مُتنكِّبًا، وعن داعيه معرضا، ولسنَّته هاجرًا ولدواعي عدوك فيه مطيعا؟ يُعظِّمك وهو هُوَ، وتهمل وأنت أنت.

04

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

تمّ اكتشاف مانع للإعلانات

فضلاً قم بإلغاء مانع الإعلانات حتى تتمكن من تصفّح موقع بقجة