العلاقة بين الانتخابات المبكرة وخطة برافر …
تاريخ النشر: 05/05/12 | 8:23استبعد أن تشرع الحكومة في إجراءات المصادقة على قانون ( برافر ) في هذه الدورة البرلمانية ، وذلك على ضوء القرار النهائي كما يبدو لتبكير انتخابات الكنيست ، والتي من المتوقع إجراؤها بداية شهر أيلول المقبل .. فهل يعني ذلك احتمال تنازل الحكومة عن هذا المخطط ؟؟!! الجواب : لا بالطبع … فالخطة بالنسبة لإسرائيل من الثوابت التي لا تنازل عنها ، وإن اضطرت بناء على ظروف معينة تأجيل البت فيه إلى موعد مناسب …
بناء عليه يجب إلا نتراخى في أداء مهمتنا في مواجهة هذا الخطر الذي ما زال ماثلا ، ولن يزول إلا إذا اتخذت الحكومة قرارا واضحا لا يقبل التأويل شطبها للخطة والقانون المرتكز إليها .. أما قبل ذلك فأحذر من مغبة التراجع عن استمرار الزحف الذي أطلقت الجماهيرُ العربية في النقب شرارَته ، وكذا من توقف حالة الاستنفار التي تعيشها منطقة النقب العربية ، للقيام موحدين في وجه مخطط ( برافر ) ، بدعم وإسناد كاملين من المجتمع العربي كله . سبب ذلك يكمن في خطورة هذا المخطط على الوجود العربي الأصيل في جنوب البلاد ، وما يشكله من تهديد حقيقي لا مبرر له على حاضر ومستقبل هذا المجتمع الأصيل ، وتجسيد عنصري لسياسة الهيمنة الإسرائيلية رغم مرور أكثر من ستة عقود على قيامها ..
ما زالت قضايا الأرض والمسكن الأكثر أهمية وسخونة بالنسبة لنا كمجتمع عربي، لما تمثله من تحد يمس بشكل مباشر أوضاعنا الحياتية ، فوق ما يمثله من أبعاد دينية ووطنية وقومية. من نافلة القول العودة للتأكيد أن مخطط برافر الذي جاء ليفرغ تقرير( غولدبرغ ) من البعض القليل من إيجابياته، يقضي بمصادرة 800 ألف دونم تعود ملكيتها لسكان النقب العرب الأصلانيين، وهدم 35 قرية من أصل 45 قرية لا تعترف بها إسرائيل، مع تشريد عشرات الآلاف من سكانها، والذي نعتبره بلا مبالغة ( نّكبة جديدة ). إن اعتراف كثير من المسؤولين الإسرائيليين بأنهم لن يسمحوا بأي نوع من التواصل الجغرافي والديموغرافي بين التجمعات العربية في النقب، كما أنهم لن يسمحوا بتواجد عربي مهما كان حجمه بمحاذاة شبكة الطرق الاستراتيجية في النقب، لهو اكبر دليل على أن مصلحة الجماهير العربية في النقب هي آخر ما يفكر به متخذو القرار في إسرائيل، وعلى كذب ادعاءاتهم بأن هدف المخطط هو تحسين أوضاع العرب. من الواضح أن إسرائيل ما تزال ترى فينا خطرا استراتيجيا يجب تحجيمه وحصاره بقدر المستطاع، وحرمانه من كل فرصة للتطور أسوة بالمجتمع اليهودي ….
يعترف كبار الخبراء الحياديين على مستوى العالم بأن مخطط ( برافر ) في جوهره مخطط استعماري إحلالي نموذجي ، ويحوي في داخله كل عناصر المخططات الكولونيالية التقليدية المعروفة في الماضي والحاضر .. لعل ما يشير إلى ذلك ما يلي من نقاط نسوقها على سبيل الاختصار : ** اجتذاب الناس للخطة عبر اقتراح الحكومة عليهم 50% من الأرض دون الدخول في التفاصيل ،** اقتلاع وتهجير قسري لعدة قرى قائمة ، **سياسة العصا والجزرة ،** الشرط للحصول على التعويضات موافقة جميع الورثة ،** التهديد بالقوة إن لم يقبل المستهدفون بالتعويضات والذي يعني الترحيل بالقوة ، ** منح صلاحيات واسعة جدا لسلطة تطوير البدو ( حكومة خاصة) ، لا سلطة للمحاكم عليها ، فهي سلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية في آن واحد ، وهدف ذلك تسهيل عملية التنفيذ ،** إغراء ( رشوة ) رؤساء البلديات والمجالس للقبول بالخطة من خلال عروض مالية وميزانيات مغرية ،** وإعادة توطين عرب النقب الذين يشكلون 32% من سكان الجنوب على 1% تقريبا من مساحة النقب .
كما أن خطة ( برافر تميز ) تميز بين نوعين من الأراضي التي ستتم مصادرتها ، فهناك ( الأرض تحت السيطرة )، (والأرض التي ليست تحت السيطرة ) ، أما التعويض فيقدم فقط للذين رفعوا دعاوى ملكية للمحاكم ودوائر تسوية الأراض حتى عام 1971 ، التنازل عن أصحاب الأرض مقابل التعويض مهما كان محدودا وغير متناسب مع مساحة الأرض المتنازل عليها ، وهو أي التعويض ، يختلف من موقع إلى آخر بناء على نوعية الأرض استواء أو انحدارا ، امتلاك قسيمة واحدة في إحدى القرى المعترف بها مقابل عشرة دونمات يتم التنازل عنها ، يمكن لمدعي الملكية الحصول على سبعة قسائم للبناء له ولأولاده فقط لا غير داخل هذه القرى دون تحديد لمساحة القسائم ، أما الذين يرفضون القبول بالتسوية المعروضة ، فسيتم تعويضهم بفتات تحدده اللجنة المنصوص عليها في القانون بقرار محصن لا يقبل الاستئناف ، أما رفض الخطة فيعني تسجيل الأراضي باسم الدولة تلقائيا …
خلاصة القول ان النتيجة المترتبة على قانون ( برافر ) ، هو حصول عرب النقب على مساحة لا تزيد على 5% فقط من مساحة الأرض التي يملكونها ، وترحيل أكثر من خمس عشرة قرية غير معترف بها ،وتحويل المجتمع البدوي ذي الطبيعة الخاصة قسرا إلى مجتمع غير منسجم مع نفسه ولا مع حياته الجديدة البعيدة عن عاداته وتقاليده الحياتية … الخطة معناها ببساطة مزيد من التشريد ، مزيد من الفقر ، ومزيد من التخلف والتشتت ، وهذا ما يجب ان نرفضه تماما …
لقد كان تشكيل لجنة التوجيه العليا في منطقة النقب خطوة جبارة ، كما وان الخطوات الجريئة التي اتخذتها على المستويات النظرية والعملية ، وعلى المسارين التوعوي والتعبوي ، لتدل هي ايضا على الخطوات غير المسبوقة التي قطعها مجتمعنا العربي في النقب تفكيرا وتخطيطا وتنفيذا لما من شانه هزيمة كل المخططات الحكومية التي تستهدفهم وتستهدف حاضرهم ومستقبلهم .
يجب ان نعترف أنه لولا اندفاع الجماهير العربية في النقب لتحمل مسؤولياتها الكاملة عن هذا الملف ، ولولا مهنية وشفافية قيادتها الممثلة في لجنة التوجيه العليا، لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من الثقة بقدرة هذا الشعب على الوقوف بحزم في مواجهة مخططات الحكومة رغم الخلل الواضح في توازن القوى . إصرار هذه الجماهير وقناعتها بانها على مفترق طريق: أن تكون او لا تكون، هو ما فجر في أوساط مجتمعنا العربي في النقب بركان الغضب، وهو الذي حول آلاف الفقراء والمسحوقين والمظلومين إلى موجات عاتية رأيناها في المظاهرات والاعتصامات والفعاليات المختلفة التي أشرفت عليها اللجنة بنجاح ، مدعومة بالجماهير العربية في الداخل من الجليل والمثلث والمدن العربية الساحلية .
ليس أمامنا كجماهير عربية في النقب وفي طول البلاد وعرضها من بديل غير تحدي عوامل الطرد الداخلية وعوامل التخذيل الخارجية، من خلال زيادة التلاحم والوحدة والتنظيم، وتعزيز العمل المهني الشفاف، والاستمرار في العمل والتصعيد حسبما تقتضيه الحاجة، ومنع أية محاولات مهما كان مصدرها للعودة بالأوضاع إلى المربع الأول والذي يعني شيئا واحدا: خسارة كل شيئ .
إسرائيل مقبلة على انتخابات برلمانية على ما يبدو، ويجب علينا استثمار هذه الأجواء لحشد الجماهير وتعبئتهم من وراء خطة مواجهة رصينة وجريئة لمخطط ( برافر ) ، وكذلك تعزيز الوجود العربي في الكنيست من خلال رفع نسبة التصويت إلى 70% على الأقل، وكنس الأحزاب الصهيونية بشكل كامل، خصوصا وان هذه الأحزاب قد تواطأت في الماضي وفي الحاضر ضد مصالحنا وحقوقنا في الأرض والمسكن والكرامة والحرية والتنمية .
بقلم النائب إبراهيم صرصور- رئيس حزب الوحدة العربية/الحركة الإسلامية