مدرسة بئر الأمير تملأ الوادي بالسنابل والحكايات
تاريخ النشر: 06/05/12 | 5:58بقلم: د. رافع يحيى
عندما اتصلت بي المعلمة ايناس زعبي مع سبق الاصرار والترصد النبيلين، للمشاركة في احتفال مسيرة الكتاب في مدرسة بئر الأمير في الناصرة ، وعدتها بأني سألبي الدعوة، فالناصرة بلغة الود والورد: بلدنا جميعًا وتعوّدنا أن ندخلها آمنين، دون جوازات سفر. وصلتني الدعوة بعد أن تنقّلت بين أهل نصراويين يحبونني وأحبهم…وبعد أيام عجاف من الفراغ واللاشيء، وصلت البئر بخفة المتفائل، كان الجو حارًا والطريق ضيقًا، “لكن الحفل كان يستحق هذا العناء”، وبهذا الاستدراك لخّصت أراجيح أفكاري رنين هذا النهار.
حضر الحفل لفيف من الأدباء والأساتذه والأهالي، كان بينهم ابن زهرة المدائن الدكتور عبد الرحمن عباد، هلّ وهو يحمل في صمته ابتسامة العاشق المعطّر . تشرفت أن أكون واحدًا من هذه الكوكبة. لم يكن الاحتفال فضاءً اعتياديًا، ولم تكن ألحان الطلاب عزفًا اعتياديًا، ولم تكن الناصرة موسيقى استهلاكية … كان الحفل زمنًا متمردًا مغايرًا لطقوس السبت الاسترخائية، مغموسًا بتحد يشبه قبلة الكرّاس للحرف الأوّل. احتفت اللغة بنفسها واحتفى الطلاب بها فرحًا وشغفًا وشربت اللغة قهوتها بلباقة الحالم. كان من العبث أن تميّز: هل يحتفي المطر بالزّهر أم يختفي الزهر في الايقاع؟!
اختار الطلاب خلال العام الدراسي المعطر بالجهد والفرح عددًا من الأعمال الأدبية المحلية والعربية، وقاموا بمسرحتها بأسلوب راق يخلب القلوب والألباب، تحلقوا حول الكلمات كما تتحلق الطفولة حول طبق المناقيش السّاخن. أبدعوا وصالوا وجالوا مع أهلهم ومعلميهم ومعلماتهم، قدموا الكثير من حبق الدار، قدموا لنا وللحفل الكثير من القناديل التي وهبت حبات القلب عزة وأباءً.
أيها الأعزة في مدرسة “بئر الأمير ” كنتم عمالقة لأنكم قدمتم لنا أكثر مما نستحق، كنتم البحر الممتد وكنا شرفة تشرب المجد من مداه، قدمتم لنا الحب والأمل والإرادة. كنا أقزامًا لأننا حاولنا أن نسمو إلى الشمس المشرقة في جباهكم وفشلنا مرارًا ! بين الفكرة والفكرة تستحق أحلامكم منا أكثر من شقاوة حبر وضفاف قصيدة تتهادى…
كنتم ايها الأطفال في هذا اليوم فرسان الأبجدية وحماتها، رأينا فيكم عزمًا لا يكل. لكم المجد أينما كنتم. فيا قمح الأرض، علمونا كيف نتشبث بالأمل! علّمونا كيف تصنعون من حبر الكلمات أنهارا! كيف تصيغون المعنى تحت اللهب سبائك نثر منثور مدهش ومسك شعر يعانق الآفاق! يا الهي كيف غدوتم قبيل الضحى أمراءً وأميرات، بأقلام الرصاص يغزلون فجر البئر حرير حكايا؟! لم يمسّكم مسّ من فلسفة التاريخ ولم يغريكم منطق الخرافة!! شكرًا لكم لأنكم أضفتم لسكّرنا حاسة سادسة، ولقهوتنا جهة خامسة!
أيها الصغار ، ما أروعكم وانتم تنشدون الأشعار، ما أجملكم وانتم تبدعون شموخًا كالأرز يصافح السحاب. كبرتم في هذا اليوم دون إذن منا، وصرتم بلمح البصر رجالًا وكنعانيات لا تخشى مآقيهم النور الهادر في لغة أطلّت فأطالت في القلب مقاما. أطلنا التأمل في قمركم الحالم ولم نفقه من حقيقتنا شيئاً، كنتم ولم نكن! فسامحونا لأن ساعاتنا بطيئة وخطواتكم كأيائل البراري لا تخشى المنايا…
ما أروع النهار إذا كنتم صبحه . وهل يكتمل صبح الدار دون زقزقة الأفنان على سبّحة تمجد الله، ملأتم بها الساحات واللحظات ألوانا. أيها الحاضرون في الثنايا، رسمتم لنا خريطة نقتحم بها المجد جماعات، لا فرادى .. لم تكونوا مع معلميكم وأهاليكم سوى جوقة تعزف الحب عطاءً، ولو كانت دربكم دروبًا لأختنق الصوت في رجفة الصدى واستقال النجاح ولوّح سلامًا…
يا أطفال الناصرة ويا عشاق الشعر والأدب، سجلتم لنا في التاريخ انتصارًا، بكم ترتقي أمة برمش العين تحرس الأجيال. جئناكم زوارًا وعدنا رياحًا تحمل العطر الفواح أمطارا . فيا أيها البرق الذي أضاء سناه سماء أيار، هذه بداية الحكاية، وغدًا ستكبر هذه السنابل لتملأ الوادي علمًا، آدابًا وأخلاقا . ..
لله درّك يا عزيزي د. رافع يحيى!
كم أطربتنا بكلماتك المحلّقة في عالم الخيال والبيان!
كأنّي أمتطي غمامة مثقلة بالخير العميم!
كأنّي أغوص في بحر يعجّ بالدر الثمين!
كأنّي أجول في روضة تعبق بالرياحين!
لا فضّ فوك!
نحن كنا وسنبقى كما وعدناك طلابًا نجباء نخضرّ في مدرستك الفسيحة.
نحن سنبلة يا دكتور محمود في حقلك الأخضر الفسيح.
بارك الله فيك د. رافع يحيى
إنه لمن أجمل المقالات التي قرأتها حيث أنه يخفي بين طياته تعابير الرقي الممزوجة بعبق الطفولة .
يا استاذ رافع يحيى انت من الكتاب الرائعين و العظماء انت من الف قصة مسيرتنا التي اخترناها و هي القنديل و الريح
يا استاذ رافع يحيى نورت مدرستنا بير الامير واللi يعطيك العافية وكمان السوادس يعطيكو الف عافية على العرض الجميل وشكر خاص للمعلمة ايناس زعبي
جميلة هي الكلمات تحلق بنا الى رحيق الروح والريحان فتنتشي الطفولة فينا على نغمات ناي الانهاية لتعزف في النفس انغام الخلود وتبعث بنا ذلك الشغف للغة التي تراقصت من شدة زخم الموسيقى الفضاض دامت ابداعاتك
احسن كاتب