قصة حب…
تاريخ النشر: 08/05/12 | 11:17في ذات يوم كان هنالك بنت تدعى سلمى, كانت تتسم بالبراءة وصفاء القلب.وقد كان حجابها سر جمالها, تميزت بلبس الجلباب الواسع الفضفاض الأسود الخالي من الزخارف, كانت تمتنع عن التبرج وإظهار المفاتن.وقد عرفت بسمعتها الطيبة وسمو أخلاقها العالية,وكانت تقيم الصلوات الخمس بأوقاتها ولا تدع أي فرض يفوتها,وهي من بنات حراء,كانت تبلغ من العمر ثلاثة عشر سنة فقط أي في سن البلوغ والمراهقة.
وفي يوم من الأيام بينما هي جالسة على مقعدها في الصف لوحدها وإذا بغطاء قلم زميلها في الصف يطير في الهواء ليسقط بجانب قدميها أرضا وتناولته بيدها الصغيرة عن الأرض مبتسمة واحمرت وجنتيها خجلا ثم اقتربت من زميلها وناولته الغطا برقة وعفويه ثم مسك يدها قليلا والتقط الغطا من يدها وقال لها مبتسما:”تسلمي”,فارتجفت ورجعت إلى الوراء قليلا وتلعثمت خجلا ثم قالت له:”الله ..يسلمك محمد”.
شعرت بأن قلبها فتح أبوابه لهذا الشخص وحاولت أن تطرد هذا الإحساس الغريب اتجاه هذا الشاب, فاحتواها شعور الخوف فهذه أول مرة لها تشعر بهذا الإحساس اتجاه شاب.
وأخذت تتذكر قول والديها :”احذري يا سلمى احذري من الشباب فهم ذئاب بشريه وأن تكوني على علاقة مع أي منهم هذا يعني أنك قمت بحفر قبرك بيدك بعد أن وقعت فريسة وضحية في الشباك,وهذا يعتبر زنا وحرام شرعا ,ونحن نمتثل لأمره تعالى بأن الزاني والزانية يجلدون حتى الموت.إضافة إلى أن مجتمعنا العربي الشرقي المتحضر استحال أن يتقبل مثل هذه العلاقة بأي شكل من الأشكال.”
لكنها بدأت تتقرب منه كل يوم أكثر من الذي سبقه وكم من مرة فكرت في أن تبوح له بحبها اتجاهه إلا أن صدى الصوت الداخلي كان يردعها إلى الوراء…
كانت تراه أجمل شيء في الوجود وحين يكونوا جالسين بالصف تبقي نظرها معلقا عليه والأحلام الوردية تراودها بشأنه.لكنها حين ينتبه لها تتظاهر بأنها مشغولة بالكتابة أو بالحديث مع صديقتها سمر, وتتذكر قيمة”غض النظر”.وكم من مرة استوقفها الأستاذ بالصف لإيقاظها من هيامها بسؤاله لها:”سلمى..هيا أكملي”,لكنها تقف مذعورة والخوف والخجل يكادا يقتلانها,ثم تجلس مكانها لتستمع التأنيب كالمعتاد ليأتي تأنيب الضمير لديها ويزيد الطين بله,وكانت تتعقب خطاه بالباحة وتعبث بدفاتره بحجة أنها تريد حل الوظائف وهكذا…
حتى رأته يوما يكتب بريده الالكتروني على حائط الصف ورقم هاتفه الخلوي على حافة الشباك.
ماذا فعلت هذه الفتاة انتظرت حتى خرج من الصف ثم نسخت المكتوب على الحائط إلى دفتر يومياتها,وأخفته فورا عن الأنظار. وحين عادت للمنزل أخذت تفكر وتحدث نفسها وتناجي الله سبحان وتعالى:”يا رب ماذا أفعل؟؟ما ذنبي إن كان قلبي قد أحب؟”فهلا أخبرته عن حبي أم أبقيه في القلب محفورا…ولكن لماذا أتعذب وحدي هكذا؟؟؟لماذا هو يعيش حياة الرغد وأنا أحيا حياة بائسة.
واتصلت بصديقتها سمر ورجتها وتوسلت إليها أن تعلمها على ما يدعونه”بريد الكتروني”صديقتها سمر صدمت وذهلت اندهاشا وترددت قليلا ثم حاولت ردعها وقالت لها:”ما إن تتعرفي عليه حتى تكوني قد فقدت نفسك ,لذا حاولي أن تنسي الفكرة هذه أرجوك وان لم تنجحي سنرى ما يمكننا فعله حينئذ.”,ثم أغلقت السماعة.
وفي اليوم التالي ذهبت سلمى للمدرسة مبكرة على غير عادتها ثم دخلت الصف وأخذت تختلس خطوات سريعة حتى وصلت الشباك لتتحسس موضع يديه وهي تقول:”حمادة حبيبي”أخذت تنظر للأرقام المكتوبة وتنظر حتى رسخت جميعها بذهنها.
وفكرت بالاتصال به مرارا وتكرارا إلا أن كرامتها تمنعها.وفي اليوم التالي تغيب محمد عن المدرسة فتلهفت لرؤيته وأخذت تتساءل عنه دون جدوى حتى تجمعت الشكوك حولها بالأكوام وحين عادت للبيت أقفلت باب غرفتها على نفسها.
و أخذت تكلم نفسها بصمت عميق حتى تناولت هاتفها الخلوي بيدها وبدأت أناملها تضغط على الأزرار ثم بدأ يرن وأغلقته فورا وظلت على هذا الحال مدة ساعة كاملة من الزمن.أخيرا استجمعت قوتها وشجاعتها من جديد ولكن هو رد قائلا:”الو..الو من المتحدث”.
فأغلقت الخط فورا واكتفت بسماع صوته الحنون فقط والاطمئنان على صحته .
لكنه كان أذكى منها ورجع على رقمها باتصال فوري,ولكنها أبت أن ترد أو تجيب,وظل على هذا الحال حتى ردت عليه بصوت مخنوق وقالت:”الرقم المطلوب خاطئ لو سمحت لا تتصل هنا مرة أخرى سلام”.ثم سقط الهاتف من يديها واستلقت هي على بطنها على السرير وحضنت وسادتها عوضا عنه وهي مجهشة بالبكاء المرير,حتى أحرق الحب حالها وترك على عينيها أثر احمرارا ,وانهالت الدموع لتلامس لتنساب على وجنتيها إلى مخدتها وأخذت تلوح بقدميها قهرا…ثم غفت كالملاك لتستيقظ بعد لحظات قليلة وتنهض من فراشها مذعورة وتنظر بالمرآة المعلقة على الحائط لتجد فتاة لا تعرفها.
لم تعرف نفسها فقد أحالها حب ذلك عن حمرة الورد إلى صفرة الجادي ولاحظ عليها الجميع هذه التغيرات المفاجأة فقليلهم من نسبها للقدر وقال:”سلمى..ما بك؟ هل أنت مريضة؟.”بينما جلهم بقسوة وعنف كأنهم قرأوا بعض ما تحمله عينيها من أسى وعذاب وعشق اتجاه ذلك ,فقالوا عجبا سلمى !!! تحب؟؟…”وهكذا ألصقوا بها الإشاعات التي لا تحتمل أي تصديق لان هذه الفتاة لم تخبر أيا كان بحبها بل دفنته بأحشاء قلبها وتمنت له السعادة.
ودقت أمها الباب إلا أن سلمى تظاهرت بالمرض والنعاس…وكلمتها أمها من خلف الباب الموصد:”سلمى ..سلمى الطعام ينتظر يا حلوتي هيا فأنتي لم تتذوقي طعم الأكل حتى طوال الأمس انظري لنفسك بالمرآة أفي الناس حالهم كحالك؟ من يستحق أن تمنحيه نفسك؟أخبريني؟لماذا أنت صامتة ؟ليكون…..خذي حذرك واعلمي أن هذه الأمارات يجب أن تختفي عنك قبل أن تتوالى شكوك والدك وإخوتك حولك .ثم غادرت الأم غاضبة.
فخافت سلمى يا الهي كأنها تعلم ما بي أو…مؤكد أنها سمعتني…يا الهي سيعلم أبي.
وظلت سلمى على هذا الحال حتى سكن الدهر حين أسدى الليل ستائره وتناولت دفتر مذكراتها من تحت وسادتها لتنشر به أحاسيسها وأحزانها وتغفو حتى تستيقظ لترى أن احمرار عينيها قد ازداد.يا الهي كيف سيراني هكذا؟؟ماذا أفعل؟الماكياج نعم انه جدير بإخفاء بعض من أثار الوجد لكن مهلا انه حرام,الكحل يفتح عينيها الصغيرتان المنتفختان لا ممنوع وحتى وان أبيح من أنى لي به والسرقة حرام.
فذهبت للمدرسة بعد أن غسلت وجهها وارتدت حجابها ولكن دون أن تتناول أي لقيمة من الطعام حتى…ذهبت بمعدة خاوية ودون أن تحل أي من وظائفها المدرسية.
حين دخلت الصف لم يكن أي أحد سواها فأسرعت وجلست على مقعدها ثم أخرجت الدفتر والقلم من الحقيبة هامة لأداء البعض من وظائفها المنزلية وإذا به يحضر بهي الطلة ويقول:”صباح الخير..”ثم يضع حقيبته على كرسيه ويهم بالخروج إلا أنه التفت إليها وسرعان ما عاد أدراجه ويقول متعجبا:”سلمى …ماذا تفعلين؟؟ماذا تحلين؟؟لماذا لم تحلي بالبيت؟؟”واقترب منها قليلا وإدارات وجهها خشية أن يرى احمرار عينيها في لا تريده أن يعلم ما بها أو يحزن لأجلها ثم أجابته قائلة مبتسمة:”آه محمد لم يكن هنالك متسع من الوقت لأداء هذا الكم الهائل من الوظائف لهذا لم أنجز في البيت سوى النصف منها فقط “,وابتسمت خجلا فالصف فارغ لا يوجد سواهما والشيطان ثالثهما فقالت:”عربي”قال :”اه حليتها وماذا لديك أيضا “؟أجابت قائلة:”دين”:”قال واو نسيت حلها “,فجلس بجانبها مهرولا وأخذ ينظر إليها نظرات غريبة إلا أنها حاولت آلا تكترث لأمره وقالت:”هات وظيفة العربي من فضلك”,ثم قال:”لا تفضلي الحقيبة وأخرجيها بنفسك ولو “.إلا أنها خجلت وطلبت منه هو أن يفعل ذالك وفعلا بدأت بحل وظيفة الدين برفقته ووضعت وظيفة العربي جانبا.
ثم أخذ يمازحها متناسيا أداء الوظائف ويقول لها :”ما هذا يا سلمى كل هذا أشغال وأعمال ويشير إلى هاتفها الموضوع أمامها ,لدرجة انك لم تتصلي الأمس لتسألي عني وتطمئني على صحتي فكما تري يدي كسرت ولكن اتصلت في الأمس فتاة رقيقة صوتها يشبه صوتك كثيرا ظننتها في البداية أنت إلا أنها أنكرت وقالت الرقم خاطئ”.
فخافت أن يمسكه خشية أن يكتشف هوية المتصل به في الأمس ,وأخذت الهاتف ووضعته في المقلمة قائلة”آه حمدا لله على سلامتك ..أما الهاتف فهو قطعة بلاستيك تعلمني فقط عن الوقت ولا يوجد له أي أهمية ونظرت إليه وأكملت قائلة”هو لا شيء أمام شركة الهواتف النقال الي في جيبك .ولكنه لم يصدقها ونظر إليها وغمزها وابتسم.
وابتسمت هي أيضا ولكنها أنزلت رأسها قليلا ونظرت للدفتر خجلا ,فهي لم تقوى على النظر إلى عينيه فكيف لها أن تقاوم سحر عينيه فحتما ستغرق في عيونه العسلية وهو أيضا إن نظرت بعينيه فحتما سيقرأ الحب من عينيها كيف لا ,فهو أيضا معجب بها.
وما هي إلا لحظات ودخل أحدهم قائلا بسخرية:”ماذا يجري هنا؟؟سبق صحفي!!! روميو وجولييت هنا معا وفي أولى ساعات السحر,فنهض محمد مسرعا إليه كالبطل يهم أن يقضي عليه ويشبعه ضربا مبرحا إلا أن سلمى قالت بهدوء ولطف:”كفا يا شباب محمد تعال هنا إلى جانبي وأكمل ما كنت قد بدأت به ..كريم لدينا مهام علينا انجازه إن أردت الانضمام أهلا وسهلا وان لم تريد فرجاءا لا تزعجنا .فهم كريم أن يجلس بجانبها الأخر ولكن محمد جحر بعيون الأسد ثم تراجع كريم وطلب الإذن في اخذ ما انتهيا منه.
و هكذا هو الحال دائما سلمى لم تحل تأخذ وظيفة محمد وتنسخها ومحمد لم يحل لا بأس هنالك سلمى تحل له.
ولكن ذات مرة نصحتها سمر(صديقتها المقربة وزميلته السابقة والحالية)بأنه خائن وأن تبتعد عنه وقالت لها:”بينما أنت هنا تحبسين نفسك هلاكا لأجله هو يقضي أجمل الأوقات مع الحسناوات كف عن هذا أرجوك”.إلا أن سلمى لم تصدق وظنت أن سمر تغار من حبها ,لم تصدق إلا حين رأته بأم عينيها ولكنها لا تستطيع التوقف عن مساعدته هكذا فجأة بدون أي سابق أنظار لأنه حتما سيعلم السبب .آه انه أتى…قائلا كعادته:”شكرا لك أحسن بنت بالعالم”فذات يوم أتى إليها ملاطفا إلا أنها أبت بحجة ألم رأسها.ثم ذهب لسمر فلم تقبل ونظرت إلى سلمى وأشارت عليها بعينها ثم لامس شعرها وقبل يديها .ثم نظرت إليها وقالت:”اذهب لسلمى صديقتك المفضلة”…قال :”أنت الأفضل فلا يوجد ما يدعونه “سلمى بعد ألان”..نظرت إليها بأن تلبي طلبه وفي الاستراحة جاءت سمر إلى سلمى…
وقالت لها مؤنبة ولائمة:”أرأيت”؟”انه يا سلمى زميلي منذ 6 سنوات لم تعرفيه وتألفي تصرفاته ورغباته كما أعرفه أنا,هو يريد تحقيق مصالحه ليس إلا ولا يعلم للحب سبيلا …هو لا يملك أي مشاعر اتجاهك أو اتجاه أي بنت أخرى صدقيني.”
ولكن سلمى صمتت ولم تتراجع عن حبها رغم ما لاقته منه بالرغم من أنها ألفت سوء أخلاقه ثم قالت لصديقتها”خائن”.فقالت لها صديقتها:”لا أنت لم تعطيه سوى الاحتياجات المعنوية والمادية أنت لم تلبي له أي من الاحتياجات العاطفية(الجسد والجنس)أنت أحببته حب عذري ليس إلا وهذا من حقه إن كنت على استعداد تستطيعين إخباره بحبك.
قالت سلمى لسمر وهي ضاحكة وقلبي يحترق:”أنا مستحيل لا أحبه هو مثل أخي وعلاقتنا لا تتعدى الزمالة”.
ذات يوم سمعت أنه ينوي مغادرة المدرسة فلم تتحمل وتوجهت إليه متسائلة ثم أجابها قائلا:”آه نعم صحيح سأغادر المدرسة منتقلا لمدرسة أخرى في بداية العام المقبل وقد قدمت امتحان قبول…وآمل أن يتم قبولي دعواتك عزيزتي سلمي”.وابتسمت وقالت له سلمى :”كف عن هذا الهراء فمدرستنا أفضل كف عن هذا التفكير”.
وحين عادت للمنزل مسكت أناملها القلم وبدأت تخط كلمات لم يتمنى لسانها لفظها أو قلمها خطها في أي يوم من الأيام وكتبت رسالتها إلا أن المقدمة الإسلامية طغت عليها والكلمات الأدبية المستوحاة من حلو مكارم الأخلاق .ثم ذهبت لتخبر أمها عن أمر تلك الرسالة وحين رأت الأم محتوى الرسالة الطاهر وسمحت لها.
إلا أنها لتثبت مدى صدق مشاعرها ونبل أخلاقها كتبت لجميع اللذين في نيتهم مغادرة المدرسة من زملائها وزميلاتها بالصف.
وطبعت قبلتها عليها ثم لفتها بشريط أحمر كانت قد أعدته سابقا خصيصا لذلك.وفي اليوم التالي سلمتهم الرسائل مبتسمة.
وطلبت منه هو أيضا أن يكتب لها رسالة تتذكره بها فكتب لها كلمات قليلة مستعجلة ثم استأذنها بالخروج إلا أنه لم يعد. كان كالعصفور الصغير سجين القفص وأراد الحرية .
وحين عادت إلى المنزل فكرت باللحاق به فما يزال أمامها متسع من الوقت لذلك,وحين أدجى الليل وجلست مع أمها تحت ضوء القمر وتتلألأ النجوم لمعانا في السماء ,أخذت تبادلها أطراف الحديث ثم اعترفت لها بحبها وابتسمت أمها ونظرت إليها بحنين ورأفة ومسكت يدها بلطف ورقة وقالت لها:”ليس بجديد فأنا أعلم هذا منذ البداية انسي الأمر نهائيا هذا ليس حب بل هو مجرد إعجاب وهذه أول علامات البلوغ يا ابنتي ..فالهرمون بدأ عمله.
فصمتت سلمى ولم تتفوه ببنت شفة واحدة حتى,ثم استلقت على الأرض وأخذت تحدق بالسماء وإذا بها ترى النجوم المتلألئة مجتمعة لتشكل حرف الميم بالانجليزية ولفظة”محمد” باللغة العربية ثم نطقت وقالت:”انظري يا أمي حتى السماء تحلت بالفرحة لحبنا الطاهر.
فأجابتها الأم قائلة:”لا يا سلمى لا يا عزيزتي هذه لفظة رسول الله صل الله عليه وسلم.وليس محمد الذي تحبين أنت لا تنسي أن هذه الليلة تصادف ذكرى مولد الهادي المصطفى ولا عجب أن السماء تزينت باسمه لان مع مولده أشرقت مشارق الدنيا ومغاربها نورا وبشرا بقدومه.
فهزت رأسها قليلا ثم قالت بصورة يائسة:”آه صح”.ولكن من داخلها هي لم تصدق ما قالته أمها لها بل ظلت تفكر به ولم يغب عن فكرها وبالها ولو للحظة واحدة .كيف سأنساه هذه أول ليلة لن أراه بها لا لن أستطيع نسيانه ولن أتحمل فراقه شهرين فكيف لي أن أفارقه العمر كله.فأنا وهو روحين بجسد واحد بدونه سأموت هو الأكسجين الذي أستنشقه.فأمضت ليلتها كسابق الليالي والأيام الماضية إلا أنها هذه المرة كانت تؤنس وحدتها بقراءة كلماته تلك مرارا وتكرارا ولم تمل منها أبدا …كلماته التي خطها بأنامله الخشنة الملمس سريعة الحركة.وعلى ضوء شمعة أخذت تذوب وتحترق .تذكرت أن هذه أخر ما تبقى لها من شذى عطره فأخذا تقرب الورقة من أنفها لعلها تمتع أنفها وأحشائها برائحته الزكية .إلا أن رائحة عطرها المركزة القوية غلبت على رائحته واختفت وأناملها الصغيرة استطاعت محو آثار موضع يديه دون قصد.فسقطت دمعة من عينيها لتسقط على حبر الورق الأزرق وتكون كالنبع .
وأخذت بمنديلها الوردي الحريري الملمس تجفف دموعها عن عينيها تارة وتجففها عن الورق تارة أخرى حتى تلوثت وجنتاها بماء الحبر الأزرق.
ثم نظرت للرسالة وغفت في نوم عميق كالفراشة البريئة وحين استيقظت في صباح اليوم التالي على الحال ذاته غطت رأسها بالحرام وحاولت أن تعاود النوم لعلها تنسى ما جرى وتململت في الفراش قليلا لماذا سأنهض؟ماذا سأفعل من بعده؟أنا تعبانه واليوم أول أيام العطلة الصيفية.
مر أول يوما وحالها يرثى له.وبعد مرور أسبوع على بدأ العطلة الصيفية وسلمى لا زالت تحبس نفسها بغرفتها, فكرت أمها في إخراجها من عزلتها ونادتها وقالت لها:”ارتدي حلو الثياب فكلنا ذاهبون لقضاء أجمل ليلة”.
فترددت سلمى قليلا ثم توكلت على الله وتوضأت وصلت العشاء ثم ركبوا بالسيارة وخرجوا جميعا وفي طريقهم لسوق البلدة شعرت سلمى بفرحة غامرة تملئ قلبها شعرت بأنها ستراه وفعلا فما هي إلا لحظات تراه وتبهت فلا عرف لديها ولا نكر.
فأكملت سيرها وإذا بأمها تنادي عليها وتمد يدها إلى جيبها ثم تضع 100 ش.ج وتقول:”متعي نفسك وان احتجت المزيد لا تترددي ولا تخجلي فكم سلمى لدينا”.وابتسمت ثم شكرت أمها على كرمها.وأخذت تتجول بين أروقة السوق الشعبي الرائع.وشدها لمعان تلك القلائد البسيطة المعلقة ثم ذهبت للشاب البائع وطلبت عشرة منها واستجاب لطلبها.
وحين انتهوا من عملية التسوق وعادوا أدراجهم فرحين للبيت, لم يكن هنالك أي فرحة تضاهي فرحة سلمى إلا متناهية ليس بالقلائد فحسب بل برؤيته.
وفي البيت قفزت فرحا كأنها تريد أن تطير والبشر يفوح من وجنتيها هم لا يعلمون سبب فلاحتها الكبرى ولكنهم حين رأوها هكذا قالوا :”حتما سنذهب في الأسبوع القادم أيضا هناك”.
ومضى الوقت سريعا جدا حتى نام الجميع وبقيت عيناها ساهرة لجمال اليوم ,فقد أشرقت شمس الأمل في قلبها من جديد بعد طول غياب…
وهكذا ظلت تفكر به أربع وعشرون ساعة حتى تكاد تراه في الأحلام.
ومضى خمسون يوما ولم تراه.
دقت الساعة انه أول يوم في السنة الدراسية, فنهضت مسرعة متناسية أنها لن تراه هذه المرة وطلبت من والدها تغيير الطريق اليوم فوافقها.هذه المرة وهي تحدث نفسها بصمت حتما سأراه إن لم يكن في المدرسة فليكن في الطريق وهو ذاهب للمدرسة.
وفعلا رأته وابتسمت وحين وصلت للصف تفاجأت به يقف أمام باب الصف ماثلا ..فسلمت عليه وقالت متعجبة:”أنت ماذا تفعل هنا الم تقل…”أجابها قائلا:”سلمى استجبت لطلبك عزيزتي وكان تفكيري ذاك هراء كما قلت في الماضي والآن كبرنا”.
فنظرت إليه واختارت مقعدا قريب من مقعده إلا أنها لم تكن على علم بأن القرب الجغرافي لا يعني حتمية القرب العاطفي أيضا.
كان يعاملها كأخته التي لم تلدها أمه وظنت هي من سذاجتها أن هذا ما يسمونه “الحب”.
صحيح أن كان دوما يحدثها أسراره ويجلس إلى جانبها دوما وكأنها “حبيبته”,إلا أنه المقابل كان يحن إلى العشرات غيرها ويقبل هذه ويلامس تلك,إلا أن سلمى حاولت التغاضي عن كل سلبياته دوما وكانت كلما أرادت شيئا لها طلبت له بالمثيل وأينما ذهبت وجدته.
ولم يخرج من باب الصف إلا وكانت قدمها قد سبقت قدمه وكانت رفيقة دربه طوال أربع سنوات وحين تقرر في المدرسة رحلة إلى جبل الشيخ بجانبه جلست طوال الرحلة وحين تألم كانت أول من تسمع آهاته وتبحث عن البلسم لشفاء جروحه,وتمسك يده بخفة وتبتسم ولا تزيل نظرها عنه طوال الوقت.وحين ينزلا من الحافلة لا يفارقا بعضهما البعض.ويتبادلا أطراف الحديث وكانت تظن وتتمنى أن هذا الحب سيتتوج بالزواج الأبدي.
ولكن ذات يوم لترحل الشكوك من حولها قررت أن تمضي الرحلة مع صديقاتها الأخريات وليس معه وبينما كانت تمسك “ألتها التصوير”بيدها وتصور الرحلة وإذا به يقترب منها ويطلب الكاميرا إلا أنها أبت في البداية بكبرياء وثقل ثم مسك يدها والتقط الكاميرا منها وأغلقها وقال :”لن تأخذيها قبل انتهاء اليوم”.فلم ترد أن تفشل طلبه كعادتها فهي لا ترفض له طلبا ورأت بذلك طريقة للولوج إلى قلبه ولكن كانت الصدمة الكبرى حين رأت تلك بجانبه كم شعرت باكتواء قلبها وتمزق أحشائها وكم تمنت الموت وانشقاق الأرض وابتلاعها ولم تتمنى أن يمسه أي سوء وتمنت من الله أن يسعدها مع من سواها.
هكذا هي أحبته بدون مقابل بينما هو قضى مصالحه وهجر…وظلت على حبها 4 سنوات وهي كم ساعة تراها يغرق بحب جديد.
وبعد انقضاء السنة الثانية على حبها الصادق له…
يتكرر سيناريو أول يوم في المدرسة ولكن هذه المرة في المرحلة الثانوية …كم ذهلت حين سمعت المدير يلفظ اسمه وتلاه اسمها.وفرحت لان القدر يجمعهم دوما إلا أنها حزنت لأنها لم تعد تطيق رؤيته…وهكذا ظل القدر يجمعهما بالدورات والفعاليات والتخصصات المختلفة.وفي رحلتهم إلى رأس( الناقورة) جلسا بجانب بعضهما صدفة.فخجلا وأخذا يمتعا ناظريهما بجمال الطبيعة الخلاب وهم راكبون في عربة السلة وينظرا للسهول والجبال من أعلى والجميع في السلال يصرخون ويسمع صوت ضحكهم إلا هما مذهولان فتارة يتأملا الطبيعة وتارة أخرى يخطفا نظرة من بعضهما البعض .
وفي ذلك اليوم أحبت أن تصعد العربة بدونه وأصيب رأسها وانكسر سنها الأمامي وذرفت الدموع وأجهشت بالبكاء ا لا أنها لم تجده لجانبها عندها فقط:عرفت معنى الحب الحقيقي والجميع من خلفها يحاولون تخفيف آلامها وحين صعدت للحافلة تعجبت زميلتها من استنكاره ما حدث وأخبرته بما جرى كأنه لا يعلم ثم نظر لسلمى وقال لها:”حمدا لله على سلامتك يا سلمى”..وردت عليه:”سلمك الله محمد” وهكذا بقي الحال حتى مضت سنة.
أتت عليها لحظات كانت تشعر بها بدنو أجلها وأنها بحاجة لان تهجر العالم الفاني هذا إلى جزيرة نائية بعيدة كل البعد عن الضوضاء والتلوث …تتسم بالصفاء والنقاء …لا تجد فيها أحدا سواها هي والقمر يضيء ظلمة الليل العميق المنسدلة وبأن شيئا ما يخنقها ودموعا تريد أن تذرف من العيون .
عجبا لأمر الدهر تراه يسعى ليلا نهار بلا كلل أو ملل …ولكن فجأة وبدون أي سابق إنذار يسكن…ويتلذذ في رؤية مطر المآقي ينهال, فيبقى برهة من الزمن على هذا الحال بلا حراك…يقف مكتوف اليدين وينظر من بعيد ولكن رغم غدره الماكر إلا انه يعيد الحق لأصحابه بعد سنوات…بعد طول عناء ويكشف لهم حقيقة أبناء الدهر…ويرسم على محياهم ابتسامة سخرية من أنفسهم وغبائهم السابق كيف لا وهم خدعوا أنفسهم ومنحوا هؤلاء قيمة لا يستحقونها …وعاشوا الأحلام الوردية…لينهضوا من السبات العميق أمام ما لم يتمنوا حدوثه واستبعدوا حصوله كل الاستبعاد…
وهذه كانت نهاية قصة حب فمن يعلم فقد تكون بداية لقصص حب أخرى…
بقلم:حنين يعقوب(زهرة الوادي) كفرقرع
اعجبتني القصة كثيرا
كل احترام والى الامام
أشكرك .وأتمنى لك مستقبل باهر أيها الشاعر الواعد
أشكر لك متابعتك الطيبة.مودتي لك